الإعلام التنموي

 

 

 

 

إعداد

بروفسور عبدالنبي عبدالله الطيب

أستاذ الاتصال الجماهيري

جامعة وادي النيل

جامعة شندي

جامعة جازان

 

 

 

الإعلام والتنمية :

تناول المؤلف في هذا الكتاب الذي يعالج موضوعا هاما من مواضيع الاتصال في هذا العصر وهو الإعلام والتنمية بطريقة تجعل القارئ له وخاصة من الطلاب يدرك أبعاد العلاقة الحميمة بين الإعلام والتنمية والدور الذي تقوم به وسائل الاتصال في هذا السياق

فهو يتناول ماضي هذه الوسائل وعلاقتها بالتنمية ويتعرض للتخطيط الإعلامي التنموي من جوانبه البشرية والتقنية والاقتصادية وبمراحله المختلفة وقدرة وسائل الاتصال علي التأثير علي المستفيد منها في المشاركة في برامج التنمية الاجتماعية والبشرية بالإضافة إلي قدرتها علي التعليم كعامل مهم في التنمية ………….

فهو كتاب في مجمله مفيد والمكتبة السودانية في حاجة إليه خاصة لدارسي برامج الإعلام التنموي

                                  بروفسور

                                  علي محمد شمو

                                   الخرطوم –المجلس القومي للصحافة

حول كتب الدكتور عبد النبي عبد الله الطيب :

1/ الإعلام والتنمية

2/فلسفة ونظريات الإعلام

3/الإخراج الصحفي

فهي مشروعات لكتب منهجية يحتاج إليها الباحثون وطلاب أقسام الإعلام بالجامعات وفي موضوعات مهمة لم يكتب فيها الاساتذه والباحثون في المدرسة السودانية وهي جهد علمي يحسب للدكتور عبد النبي الذي اتبع فيها منهجا علميا سهلا لشرح وتبسيط الكثير من النظريات والاصطلاحات لطلاب هذا المساق في الدراسات الجامعية

                                                 دكتور

                                    هاشم محمد محمد صالح الجاز

                                      الخرطوم-مجلس الصحافة

 

 

 

فهرست

الموضـوع                                   الصفحة

 

مقــدمة الكتاب ……………………………………….. 11

مدخل ………………………………………………. 13

الفصل الأول

مفهوم التنمية

ماهية التنمية ………………………………………… 19

أهداف التنمية ……………………………………….. 27

خصائص التنمية …………………………………….. 29

الفصل الثاني

مقاييس التخلف والتقدم

مقدمة  ……………………………………………… 37

التقدم والتخلف (الماهية ) ……………………………… 37

التقدم والتخلف ( السمات )……………………………… 40

الفصل الثالث

نظريات التنمية

نظريات التنمية  …………………………………….. 47

النظرية العامة للتنمية …………………………………. 48

تفسير ماركس لمراحل التاريخ…………………………… 57

مراحل النمو الاقتصادي عند روستو …………………….. 59

نظرية التخلف بسبب البيئة الجغرافية ……………………. 61

نظرية التخلف بسبب البيئة الاجتماعية ………………….. 63

نظرية التخلف بسبب الظروف الاستعمارية ………………. 68

نظرية الدفع القوية ……………………………………. 68

نظرية النمو المتوازن ………………………………….. 69

نظرية النمو غير المتوازن ……………………………… 70

نظرية قارب النجاة  …………………………………… 71

نظرية التحرر الانساني ………………………………… 73

 

الفصل الرابع

التخطيط الإعلامي كضرورة للإعلام والتنمية

التخطيط الإعلامي ومجالات الاعلام الخاصة ……………. 77

التخطيط الإعلامي ومجال الأهداف الاساسية …………….. 78

التخطيط الإعلامي وتنمية المجتمعات المحلية ……………. 79

القضايا الأساسية للتخطيط الإعلامي في مجال التنمية …….. 82

الجانب البشري في التخطيط الإعلامي ………………….. 83

سلبيات التخطيط الإعــلامي ……………………………. 85

علاقـة التخطيط الإعلامي نظير التنمية الشاملة ……….. … 87

أهميـــة التخطيط الإعلامي ……………………………… 88

مفهوم التخطيط الإعــلامي ……………………………… 92

 

الفصل الخامس

سياسات الاتصال في الدول النامية

سياسات الاتصال في الدول النامية………………………. 97

القائم بالإتصال في الوطن العربي ……………………… 104

تأهيل مهنيو الاتصال في الوطن العربي…………………. 109


الفصل السادس

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

الإعلام الانمائي  ……………………………………. 120

مفهوم الحملات الإعلامية …………………………….. 130

أنواع الحملات الاعلامية ……………………………… 132

تخطيط الحملات الاعلامية …………………………… 135

مقومات نجاح التخطيط للحملة ………………………… 146

الاستجابة المعرفية وتشكيل الاتجاه …………………….. 150

محددات محتوى الاستجابة المعرفية وفقا للنماذج المعرفية …. 158

الخصائص المميزة لنظرية الاستجابة المعرفية ……………. 160

نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي …………………….. 167

 

الفصل السابع

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

أهم التصورات الغربية لوظائف وسائل الإعلام …………… 175

التصورات الخاصة بدور وسائل الاتصال في التنمية من خلال عملية نشر الأفكار المستحدثة       …………………………………………………… 180

قيادة الرأي والمراحل المتعددة لتدفق الأفكار المستحدثة …….. 185

النقد الموجه لنظرية نشر الأفكار المستحدثة ……………… 186

تصورات العلماء العرب لوظائف وسائل الإعلام ………….. 187

تصور مقترح لوظائف الاتصال في المجتمع النامي ………. 193

المراجع  ………………………………………………… 199

المراجع العربية ………………………………………….. 201

المراجع الاجنبية …………………………………………. 203

 

 

مقدمــة:

بدأت علاقتي بمقرر الإعلام والتنمية منذ البدايات الأولى لقسم الدعوة والإعلام (دراسات الاتصال حاليا) بكلية العلوم الإسلامية والعربية. حيث أطلعت على ومنذ العام 1993م بمهام تدريس المقرر لطلاب السنة النهائية, ومنذ ذلك الحين بدأت بالبحث في المراجع والكتب عن مادة تصلح كمقرر يدرس للطلاب. وتبين لي بعد هذه المدة من الزمن أنه لا يوجد كتاب منهجي شامل يقدم معلومات مفيدة في موضوع الإعلام والتنمية على ما للمقرر من أهمية قصوى. فعملت ومنذ العام 1994م بإعداد مذكرة حول المادة ظلت محور هذا المقرر سوى قمت بتدريسه شخصيا للطلاب أو قام أحد زملائي الآخرين من الأساتذة بتدريسه وبموافقة كريمة من الأخ الأستاذ/ عبد الحميد السجاد الشيخ عميد كلية العلوم والتقانة قمت بتجميع المادة العلمية لهذا الكتاب.

وختاما أسال الله أن يكون الكتاب بداية جادة للأخوة الأساتذة لتأليف مراجع علمية تثري المكتبة وتفيد طلابنا.

 

المؤلف

مدخـل:

يوجد شبه اتفاق بين علماء الاجتماع على أن المفهوم العلمي لمصطلح التنمية والاهتمام العالمي بقضاياه ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحصول معظم دول العالم على استقلالها السياسي. حيث استحوذت التنمية على اهتمام العلماء والمفكرين وأصبحت الخطط والبرامج التنموية هي القاسم المشترك في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحياة بمختلف بلدان العالم. فوضعت الكثير من المبادئ والأسس والنظريات التي يمكن عن طريقها تطبيق تلك المخطط والبرامج على الواقع بغية الوصول على نتائج ملموسة تعكس آثارها على المجتمعات.

ومع ظهور المصطلح وضع العلماء والمختصون بعض المعايير والمقاييس التي صنف على أساساها العالم وقسم إلي دول متقدمة أو متطورة Developed وأخرى نامية Developing  وبرزت إلي الوجود عدد من نظريات التنمية Developed  أو في طريقها إلي الوجود عدد من نظريات التنمية التي منها ما هو لا كلاسيكي قديم يرجع إلي عهد أفلاطون، أرسطو، الفارابي، ابن سينا، ابن ماجة، عبد الرحمن بن خلدون ، الغزالي، سان سيمون، أوجست كونت وأميل دوركايم، وفيكو، وسبنسر… ومنها ما هو حديث معاصر كالاتجاه المادي الماركسي والاتجاه المثالي لماكس أو المؤشرات وهو أكثر الاتجاهات انتشارا وذويعا في دراسة التنمية والبلدان النامية ومن نظرياته نظرية سميلس. ثم ظهر في القرن التاسع عشر الاتجاه التطوري المحدث الذي تمثلت أهم نظرياته في أعمال والت وايتمان روستو، وفالكوت بارسونير.. وغيرها من النظريات والاتجاهات التي قامت بصياغة قضايا وابعاد ومفاهيم وقواعد عامة تحكم عملية التنمية ومؤشرات لقياسها.. فارتفاع مستوى الدخل القومي والفردي وتحسن الأوضاع الصحية وانخفاض نسبة الأمية.. على سبيل المثال.. اعتبرت مؤشرات للحم على الدول التي تحمل هذه المواصفات بأنها دول متقدمة ومتطورة وعلى العكس من ذلك فإن انخفاض الدخل القومي والفردي وانتشار الفقر والجوع والمرض وارتفاع نسبة الأمية تعتبر سمات للدول النامية أو تلك التي في طريقها إلي النمو مع الأخذ في الاعتبار أن بعض العلماء يرون أن المؤشرات الكمية كمستوى الدخل القومي والفردي لا يمكن اعتبارها مؤشرات أو معايير للتنمية ويذكرون أن كثيرا من دول العالم الثالث تتميز بهذه الخصائص غير أنها وعلى الرغم من ذلك تعد في حساب الدول النامية ويتخذون من دول الخليج التغطية أمثلة لذلك ويرى العلماء أن معدلات النمو لابد أن تتمتع بصفة الاستمرارية وأن تكون مرتكزة على قدرة إنتاجية متوطنة ومتطورة.

إن العديد من الدراسات التي تناولت قضية التنمية مع ظهورها في القرن التاسع عشر اقتصرت على الجانب الاقتصادي حيث أخذ تلك النظريات ذات الاتجاه المادي بوحدانية المتغير Mononvariable وبهذا ظل مفهوم التنمية ضيق النطاق Microconcept الأمر الذي أدى إلي إفراز العديد من المشكلات وواجهت النظريات والدراسات التي تناولت هذا الجانب الكثير من الانتقادات ونتج عن ذلك ظهور المفهوم الشامل للتنمية Macroconcept  الذي يرى أن التنمية دراسة مستفيضة واسعة النطاق تتناول العديد من المجالات والمتغيرات وتداخل النظام وتكاملها الوظيفي الذي يؤدي في النهاية إلي إحداث التنمية.

وقد سعت الدول النامية وتسابقت لإحداث التنمية المطلوبة غير أنها كثيرا ما صدمت بالمعوقات وهذا يرجع إلي تبادلها لنماذج طبقت في بيئات غير بيئاتها ومجتمعات غير مجتمعها ومن هنا برزت الدعوة إلي أن تضع الدول النامية خططها وبرامجها التنموية من واقعها البيئي والمجتمعي وفق مقوماتها وإمكاناتها بهدف الوصول إلي التنمية المبتغاة.

أربعة عقود ونصف العقد قد مضت على ظهور مصطلح التنمية غير أن الهوة السحيقة بين الدول المتقدمة والنامية تزداد يوما بعد يوم وهذا يجعل من التنمية قضية عصرية ذات أهمية اجتماعية وهذا يجعل العالم الثالث خاصة ولها صراع الإنسان من أجل أن يكون باقيا على سطح البسيطة عزيزا مكرما قادرا على التمتع بنعمة العقل التي ميزه بها الله سبحانه وتعالى على ثائر مخلوقاته.

إن الأخذ بالنظرة التكاملية للتنمية والتي تأخذ بجميع أهدابها ورمة أسبابها وتحليل عللها ومعوقاتها هي المخرج لدول العالم الثالث من وهدة التخلف والفقر والجوع والمرض ومن هنا فإننا نسعى لتكامل المعرفة التنموية بالشكل العلمي المطلوب الذي يظل هاجسا يجعل من التنمية علما ذا فروع متخصصة في المجالات كافة.

في هذا المبحث نتناول التنمية ماهيتها وأهميتها إضافة إلي أهم المعوقات التي يجب أن يقوم عليها التخطيط التنموي.

 

الفصل الأول

مفهــوم التنمــية

ماهية التنمية :

يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين حيث أطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يسمى بـ”عملية التنمية” ويشير المفهوم لهذا التحول بعد الاستقلال في الستينات من هذا القرن في أسيا وأفريقيا بصورة جلية . وتبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد إبعاده ومستوياته وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم .

وقد برز مفهوم التنمية (Development)  بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية حيث لم يستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني البارز “ادم سميث” في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء فالمصطلحان اللذان استخدما للدلالة على حدوث التطور المشار إليه في المجتمع كانا التقدم المادي – Material Progress – أو التقدم الاقتصادي – Progress Economic . وحتى عندما سارت مسالة تطور بعض اقتصاديات أوربا الشرقية في القرن عشر كانت الاصطلاحات المستخدمة هي التحديث (Modernization) – أو التصنيع  Industrialization .

هنالك اختلاف يتضح بين مفهوم التنمية في اللغة العربية عنه في اللغة الانجليزية ، حيث يشتق لفظ “التنمية” من (نمي) بمعنى الزيادة والانتشار . أما لفظ “النمو” من “نما” ينمو نماءفانه يعنى الزيادة ومنه ينمو نمواً ، أذا كان لفظ النمو اقرب إلى الاشتقاق العربي الصحيح فان إطلاق هذا اللفظ على المفهوم الاوربى يشوه اللفظ العربي .

فالنماء يعنى أن الشئ يزيد حالا بعد حال من نفسه ، لا بالإضافة إليه . وطبقا لهذه الدلالات لمفهوم التنمية فانه لا يعد مطابقا للمفهوم الانجليزي Development الذي يعنى التغيير الجزري للنظام القائم واستبداله بنظام أخر أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق الأهداف وذلك وفق رؤية المخطط الاقتصادي (الخارجي غالباً) وليس وفق رؤية جماهير الشعب وثقافتها ومصالحها الوطنية بالضرورة ويلاحظ أن شبكة المفاهيم المحيطة بالمفهوم الانجليزي تختلف عن نظريتها بالمفهوم العربي .

فعلى سبيل المثال تعالج ظاهرة النمو (في المفهوم العربي الاسلامى) كظاهرة جزئية من عملية الاستخلاف التي تمثل إطار حركة المجتمع وتحدده . وكذلك نجد مفهوم ” الزكاة” الذي يعنى الزيادة والنماء الممزوجة بالبركة والطهارة .

سمى الإخراج من المال زكاة هو نقص منه ماديا بمعايير الاقتصاد ، في حين ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المذكي من الله تعالى . وهو ما يقارن بالعكس بالربا الذي جاء في قوله تعالى (يمحق الله الربا ويربى الصدقات) ويتضح من ذلك أن مفهوم النمو في الفكر الإسلامي يعبر عن الزيادة المرتبطة بالطهارة والبركة يركز مفهوم Development على البعد اليدوي من خلال قياس النمو في المجتمعات بمؤشرات اقتصادية مادية في مجملها .

والمفهوم المادي للتنمية يظهر جليا فيما ذهب “هو بوس” L. T. Hobhouse في كتابة Social Development إلى أن التنمية مفهوم شامل ومعقد حيث يشتمل على زيادة الإنتاج بحيث يؤدى ذلك إلى تلبية المتطلبات الجديدة والعدالة في التوزيع ووفرة الخدمات لكل مواطن كما تعنى أيضا دعم العلاقات الإنسانية باعتبار التنمية هي تنمية الناس في علاقاتهم المتبادلة بين الإفراد كما أنها حركة إرادية تعتمد على مزيد من الخبرة والتجربة والمعرفة والمهارة على أسس علمية ليعم الرخاء والرفاهية للشعوب.

وقد برز مفهوم التنمية Development بداية في علم الاقتصاد حيث استخدم للدلالة على عملية أحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في المجتمع معين ، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل إفراده ، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة . ثم انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ الستينات القرن العشرين ، حيث ظهر كحقل يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية تجاه الديمقراطية .

التنمية السياسية تعرف بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب ، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية ويقصد بمستوى الدول الصناعية إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية ، وترسيخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة القومية .

لاحقا تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية ، فأصبح هنالك التنمية الثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين إطراف المجتمع ، الفرد، الجماعة ، المؤسسات الاجتماعية ، المنظمات الأهلية ، بالإضافة لذلك استحدث مفهوم التنمية البشرية الذي يهتم بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه في المجتمع .

وورد في تقرير الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو بان التنمية ” هي ضرورة انجاز الحق في التنمية ” بحيث تتحقق على نحو متساو ، الحاجات التنموية والبيئية لأجيال الحاضر والمستقبل  وأشار المبدأ الرابع الذي اقره المؤتمر إلى انه : (لكي تتحقق التنمية المستدامة ينبغي أن تمثل الحماية البيئية جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التفكير فيها بمنعزل عنها) ويلاحظ من ذلك ان مجموعة المفاهيم الفرعية المنبعثة عن مفهوم التنمية ترتكز على عدة مسلمات :

  • غلبة الطابع المادي على الحياة الإنسانية ، حيث تقاس مستويات التنمية المختلفة بالمؤشرات المادية البحتة .
  • نفى وجود مصدر للمعرفة مستقل عن المصدر البشرى المبنى على الواقع المشاهد والمحسوس ، اى بعبارة أخرى إسقاط فكرة الخلق عن دائرة الاعتبارات العلمية .

ج. أن تطور المجتمعات البشرية يسير في خط متصاعد يتكون من مراحل متتابعة كل مرحلة أعلى من السابقة ، وذلك انطلاقا من اعتبار المجتمع الاوربى نموذجا للمجتمعات الأخرى ويجب عليها محاولة اللحاق به .

الشكل رقم (1)

يوضح لك وتيرة النمو المتسارع لدي البلدان النامية

2000م

 

 

1990م

 

 

 

1980م

 

 

 

1970م

 

 

 

1960م

للحاق بركب التطور والتقدم.

 

 

 

   
     
2000م
 

 

     
 

 

     

الناظر في صيرورة حقل دراسات التنمية يجد أن هذا الحقل قد ولد ناقص النمو ، غير مكتمل المعنى أو واضح الحدود ، ولعل تحليل التطور الذي مر به المفهوم المحوري للحقل ذاته اى مفهوم التنمية وما لحق به من إضافات يؤكد هذه الفرضية ، ففي البداية كانت التنمية كلفظ ومفرده تعبر عن عملية اقتصادية مادية في أساسها تتم على مستوى البني الاقتصادية والتكنولوجية وتطوير الوسائل المعيشية وتوفير ما يسد حاجات الإنسان المادية الأساسية ، اى أن المفهوم – على الرغم من ادعائه الشمولية من خلال تعدد أشكال التنمية ومجالاتها السياسية والاقتصادية . الخ. قد تم مبكرا استلابه من جانب علم الاقتصاد على حساب المجالات الأخرى للعلوم الإنسانية والاجتماعية وأصبحت التنمية تطلق حاملة معاني الشمول لكل إبعاد المجتمع ، ولكن الدلالة الاقتصادية فحسب مؤشراتها معروفة هي القاسم المشترك . وهنا جاءت المرحلة الثانية من تطور هذا المفهوم وهى المرحلة التي أضيف فيها إلى مفهوم التنمية مفهوم الشمول ، فأصبح هنالك ما يعرف بالتنمية الشاملة . وكان معنى لفظة الشاملة تلك العملية التي تشمل جميع إبعاد حياة الإنسان والمجتمع وتغطى مختلف المجالات والتخصصات ، وتتقاطع مع مجمل العلوم الاجتماعية ، وعلى الرغم من ظهور مفهوم التنمية الشاملة فان الأولى لمفهوم التنمية بقيت أسيرة الإبعاد الاقتصادية والمادية لعملية تطوير المجتمعات وترقيتها ، فالتعليم يقاس بالبنية المادية وليس بالتنشئة الاجتماعية ومضمونها الثقافي والاخلاقى ، والاقتصاد يقاس بسوق العمل والتنافسية والاستثمار الأمثل لموارد المتاحة وليست بمعايير عدالة التوزيع وتطوير وزيادة القدرات والموارد في علاقة ندية مع السوق العالمي .

إذا كان مفهوم التنمية الشاملة قد استطاع تجاوز القصور الموضوعي لمفهوم التنمية في صياغته الأولى فانه لم يستطيع تجاوز القصور الجغرافي والاستراتيجي للمفهوم أذا ظل مفهوم التنمية يحمل دلالات تبعية نموذج التنمية في العالم الثالث للنموذج الحداثي الصناعي الغربي ، ويحمل أيضاً أحكاماً قيمة تقضى بدور وتواضع باقي الثقافات والحضارات أمام الحضارة المهيمنة في رؤاها للاقتصاد والإدارة . بل فوق ذلك ظل المفهوم يوظف أو يؤدى إلى توظيف طاقات وقدرات مجتمعات معينة لتقضى خطى مجتمعات أخرى ، حيث يتم استنزاف مواردها وعقولها لخدمة دول ومجتمعات مركزية في ظل علاقة تبعية لذا ظل مفهوم التنمية – حتى وان زاد عليه وصف الشاملة يتسم بالشمول ويرسخ تقسيم العالم إلى مركز وهامش ، إلى متقدم ومختلف إلى تابع ومتبوع ، إلى منتج للتكنولوجيا وأخر مستهلك لها . ولذلك برزت الحاجة إلى معالجة هذا القصور وإعادة الاعتبار إلى عملية التنمية كعملية شاملة وفى نفس الوقت تتحرك بصورة تتسق مع إطارها الجغرافي ، ومحيطها الاجتماعي والثقافي والحضاري وهادفة استراتيجيا إلى خدمة المجتمع والإنسان الذي يعمل لها ويسعى في تحقيقها ومدركه لمجمل أبعاد المعادلة الدولية القائمة .وهنا ظهر مفهوم التنمية “المستقبلية” ليحاول فك الارتباط مع الخارج ويدفع عملية التنمية للتركيز على الداخل بكل صورة وأبعاده ليعيد التذكير يتصادم المصالح أو تعارضها أو اختلافها بين المركز والهامش أو بين المتقدم والمتخلف ، ليؤكد على الأبعاد الذاتية للتنمية وليتجاوز إشكالية القصور الجغرافي لمفهوم التنمية السابقة سواء في صورته الأولى أو بعد أن أضيفت إليه الشاملة ، فيقيم التوازن بين شبكات متعارضة من المصالح يمكن محورتها حول “الذات” بكل أبعادها ودلالاتها ومعانيها”والأخر” بكل أشكاله وبكل ممثليه المندرجين في أطره المصلحية .

فتناول إشكالية التنمية المستقلة وتحليلها على خليفة موقعها في إطار مشروع حضاري نهضوي عربي يتطلب القيام بالتنمية من منظور كونها عملية مجتمعية شاملة متوازنة وفى نفس الوقت واعية بمنطلقاتها وأهدافها ووجهتها المستقبلية على خلفية واقعها الراهن وتاريخها الممتد(.

إن من يدرك حقيقة التنمية في لغتنا العربية سيجد من الصعب عليه تقبل وصف التنمية بالمستقبلية بل انه سيجد في ذلك خللا منطقيا وانعداما في المعنى والدلالة .فالتنمية في عقل اللغة العربية وثقافتها هي عملية توالد ذاتي وحركة داخلية تنبع من الذات ، وبصورة مستقلة دائما ولا تكون كذلك إذا كانت لا تتم بمؤثر خارجي فالنماء يعنى أن الشئ يزيد حالا بعد حال من نفسه لا بالإضافة شئ إليه . فالتنمية عملية ذاتية مستقلة في جوهر ماهيتها واصل وجودها ، وإذا لم تكن مستقلة لا يصلح أن نسميها تنمية .

إن جوهر الإشكالية يمكن في البنية المعرفية لمفهوم التنمية الذي يتم الحديث عنه ، أو ما يمكن أن نطلق عليه “ايستمولوجيا التنمية” وهو تلك المنظومة من المسلمات والمفاهيم والغايات والأهداف المؤاطرة برؤية معينة للإنسان والكون والحياة .

أهداف التنمية :

تهدف التنمية عامة إلى رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي وحد المشكلات الناجمة عن التخلف ، وتهيئة فرص جديدة للعمل لأفراد المجتمع والانتفاع الكامل بكافة الإمكانيات والموارد وتهيئة طاقات الأفراد لاستغلال موارد بيئتهم ،كما تسعى لتحقيق تنمية طاقات الأفراد لكي يتحمل كل فرد مسؤوليته تجاه خطة التنمية خاصة ومجتمعة عامة.

من الملاحظ أن أهم أهداف التنمية يركز التقدم الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق اعلي مستويات للمعيشة وان الهدف الأساسي للتنمية هو اخراج المجتمعات المعزولة من عزلها وجمودها وإشراكها في عملية التنمية وإعطائها الفرصة لأخذ دورها في التنمية الشاملة للمجتمع القومي.

فالإنسان هو صانع التنمية وهو في الوقت نفسه هدف التنمية بمعنى أن الجهد البشرى هو العنصر الحاسم في عملية التنمية ، وان هدف خطط التنمية هو إسعاد الإنسان ، وتلبية حاجاته المتزايدة على الدوام . فان ما كان من الكماليات أمس أصبح اليوم من الضروريات ، ولا شك أن الكثير من الكماليات اليوم ستصبح غدا في قائمة الضروريات(.

وتكيف أحوال الإنسان بتطور الاختراعات وتقدم العلم بصورة مستمرة ، ويحدث الاختراع الجديد تأثيرا مباشر على حياة الإنسان باستعماله لأنه يحقق رغبته ، ويعتاد الإنسان على الاختراع الجديد ، ويكيف أحواله على أساسه ، ثم يصبح الإنسان عنصرا لتطوير الاختراع والبحث عن اختراع جديد يفوقه قدره وكفاءة .

تسعى التنمية إلى تحقيق التماسك الاجتماعي لتحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية بجانب زيادة الشعور بالانتماء للمجتمع القومي والولاء الشديد له ولان الأفراد في المجتمعات التقليدية لا يشعرون لا بالانتماء إلى مجتمعاتهم المحلية وجماعاتهم المرجعية وتسعى التنمية إلى تحقيق بعض الأهداف العامة والتي يمكن تلخيصها في الاتى :

  1. إشباع الحاجات الأساسية لغالبية أفراد المجتمع وتحقيق التجانس وتذويب الفوارق بين الطبقات في المجتمع .
  2. تحقيق التكامل بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع بحيث يطغى جانب على الأخر أثناء تنفيذ مشروعات التنمية .
  3. تحسين الظروف المعيشية ومساعدة أفراد المجتمع على زيادة دخلهم.
  4. تهدف التنمية إلى تأكيد التعاون بين الحكومة والهيئات الأهلية بالمجتمع.

مما سبق فان الأهداف العامة للتنمية في كثير من البلدان والمجتمعات تتفق ولكنها تختلف بالنسبة للأهداف الخاصة كل مجتمع من المجتمعات ورغم هذه الاختلافات نلاحظ أنها متفقة على أهداف أساسية وتعتبر خطة التنمية الصورة الواقعة للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها المجتمع في مختلف المجالات خلال فترة زمنية معينة([1]) .

خصائص التنمية :

توجد صعوبة في الاتفاق على تعريف محدد للدولة النامية ، فقد تجد صعوبة في تحديد المقاييس والمعايير التي يمكن على أساسها وصف دولة ما بالتخلف أو التقدم لأننا لسنا بصدد دراسة ظاهرة استاتيكية بل نحن أمام ظاهرة ديناميكية متعددة . فالدولة النامية هي ثورة على القديم محاولة منها لتغييره وفى نفس الوقت هي في ثورة التوقعات المتزايدة لشعوبها محاولة منها لتحقيق آمالها العريضة وتحقيق حياة أفضل .

الدول النامية ويعانى أهلها من الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية عامة وأنها تأخذ بوسائل الإنتاج البالية ، ونلاحظ أن العامل الاقتصادي يلعب دورا أساسيا في التعريف بالدول النامية وفى نفس الوقت يمكن استخدامه كمقياس للتفرقة بين الدول على أساس التقدم والتخلف ، كذلك جرت العادة على استخدام متوسط دخل الفرد كعامل أساسي لقياس تقدم أو تخلف الدول فعلى هذا الأساس فان الدولة المختلفة هي تلك الدولة التي يقل فيها متوسط الدخل الحقيقي للفرد على ربع نظيره في الولايات المتحدة .

وعليه فان هذا المقياس في رأى هو مقياس مادي بحت فلا ينصرف إلى ما وصل إليه المجتمع من تقدم ثقافي وأنماط ومستويات حضارية وانه مقياس لا يتصل ألبته بالقيم الروحية السائدة في المجتمع.

كذلك عرفت الدول النامية بأنها تلك الدول التي تكثر فيها معدلات النمو السكاني . فإذا كانت هنالك زيادة في الإنتاج كانت هذه الدولة متقدمة وإذا زاد السكان وقل الإنتاج كانت متخلفة .وعلى حسب ما رأى أن هذه المقاييس المختلفة لم تضع وصف محدد وثابت للدولة النامية والمتقدمة ، وان هذا الوصف للدول ما زال يخضع في كثير من جوانبه للحكم التقديري البحت والغرض الذي وضع المقاييس من اجله .

مازال حقل التنمية بعيدا عن الوصول لي مقياس متكامل متفق عليه ويمكن أن يعول عليه في هذا الصدد وعلى هذا الاتجاه الأخير يصف دكتور حسن عيد خصائص الدولة النامية كالأتي :

أولاً : خصائص اقتصادية عامة :

أولاً :تشتغل الغالبية العظمى من السكان بالزراعة حيث تصل نسبتهم إلى 90% من مجموع السكان وتتراوح هذه النسبة في بعض الدول بين 70% إلى 90% من عدد سكان الدولة .

ثانياً : انتشار ظاهرة التضخم السكاني المطلق في الزراعة بمعنى انه يمكن تخفيض عدد العاملين حاليا في الزراعة دون أن يترتب على ذلك اى مساس بحجم الإنتاج الكلى لقطاع الزراعة .

ثالثاً : انتشار ظاهرة البطالة المقنعة في الريف .

رابعاً : انخفاض متوسط الدخل والعيش على مستوى الكفاف

خامساً : قلة المدخرات وانعدامها للطبقات الشعبية

سادساً :قلة رأس المال وندرة بالنسبة لأغلبية الأفراد

سابعاً : الإنتاج الزراعي يتكون من الحبوب والمواد الخام .

ثانياً : خصائص ديموجرافية سكانية عامة(:

  • ارتفاع معدل المواليد
  • ارتفاع معدل الوفيات عامة ووفيات الأطفال بصفة خاصة
  • انتشار أمراض سوء التغذية
  • انخفاض المستوى في الخدمات الصحية
  • ازدحام البيئات الريفية بالسكان بشكل لا يتناسب ومواردها الاقتصادية .

ثالثا ً: خصائص ثقافية وسياسية عامة :

  • ارتفاع نسبة الأمية بين الناس والأخذ بالأساليب عتيقة في التعليم
  • انتشار ظاهرة عمالة الأطفال على نطاق واسع
  • ضعف الطبقة المتوسطة في المجتمع وعدم توفر عوامل نموها.

يرى دكتور محمد فايز أن الدول النامية يهيمن عليها اقتصاد زراعي متخلف لا يكاد يعدو في كثير منها أن يكون مجرد اقتصاد معيشة وهو يحمل في طياته سيطرة العلاقات العمودية – القبلية – الطائفية – الإقليمية ، وتعانى مجتمعات العالم الثالث من ضعف واضح في مجالات التربية والتعليم وتأخر التعليم وانحطاطه وهذا الأمر في رأى يمكن تفاديه لعدد من الخطوات :

  1. إحساس الأميين بخطورة مرض الأمية وضرورة تعاونهم مع المؤسسات التعليمية والإعلامية .
  2. تطوير الوسائل التربوية
  3. توفير الإمكانيات الاقتصادية اللازمة لتوفير إعداد كافية من المعلمين التربويين
  4. تعانى مجتمعات العالم الثالث من ظاهرة النمو السكاني المتسارع
  5. تتميز مجتمعات العالم الثالث بوجود البطالة .

هذه هي الصورة العامة للخصائص الاقتصادية والديموغرافية والأنماط الثقافية والسياسية التي تسود الدول النامية والتي تميزها عن بقية الدول التي سبقتها في مضمار التقدم والازدهار .

إن الهدف الحقيقي لبرامج التنمية الشاملة في المجتمعات النامية هو إحداث تغيير في اتجاهات الناس وفى البنية الطبيعية التكنولوجية الحديثة في الإنتاج وما يتبع ذلك من تغيرات لأساليب الإنتاج والمفاهيم الثروة والدخل والاستهلاك مما يترتب عليه تغيير في التركيب الاجتماعي والعلاقات ومجموع القيم الاجتماعية وإدخال مفاهيم علمية جديدة في السلوك والعادات والخبرات التقليدية في مجال العمل الاجتماعي والحياة السياسية والتعليم والإدارة والصحة وغيرها.

عملية التنمية عندما تتم لا تحدث دون مشاكل أو معوقات “قضية المناصير المتأثرون من قيام سد مروى ، مثلا – والمعوقات تتمثل في القيم والعادات السيئة المتوارثة وسيطرة العقلية التقليدية على تفكير اغلب أبناء هذه الشعوب . كما تعانى هذه الشعوب أيضا من مشكلات تتعلق بنظم التعليم فيها فالأمية سمه من السمات الرئيسية وهبوط المستوى التعليمي نتيجة كثرة الطلاب وقلة الخبرات العلمية والأجهزة وضيق القاعات مما أدى إلى تدنى المستوى التعليمة وانخفاض القدرة الإبداعية واستمرار الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة ، هذا بالإضافة إلى المشكلات المرتبطة بوضع المرأة الاجتماعية وقلة إنتاجها والمشكلة السكانية والتي تتمثل ليس في مجرد ارتفاع عددية السكان وإنما في عدم استثمار الطاقات البشرية الاستثمار الأمثل .

تهدف الجهود التنموية إلى توفير حلول لهذه المشكلات عن طريق التخطيط لبرامج التنمية .والتي تتناول كافة زوايا وجوانب الحياة وهنا يأتي دور الإعلام والتوعية وهو مرتبطة مباشرة بالبشر ، لان العنصر الأساسي للتطور في اى مجتمع هو ضرورة تقويم الناس أنفسهم . ونجاح الإعلام في تهيئة هذا المناخ تتوقف على مدى قدرتنا على توفير متطلبات أخرى في البيئة المحيطة إضافة إلى السيطرة على كافة مكونات العملية الاتصالية وإدارتها بشكل أفضل مما يساعد على تحقيق الأهداف المنشودة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

مقاييس التخلف والقدم

(1) مقدمة:

إن صعوبة الوصول إلي اتفاق عام حول مفهوم تنمية التنمية ومبادئها إنما ينعكس بالطبيعة والضرورة على وصولنا إلي مؤشرات أو مقاييس لها. وفي الواقع فإن منشأة هذه الصعوبة قد أتى من اعتبارين، أولهما – كما وضح بالفقرة من هذا الفصل – هو عدم التمكن من الوصول إي تصور متفق عليه للتنمية، وثانيهما الخلاف الحاد عند تصور التقدم والتخلف. الأمر الذي نتج عنه تعدد المقاييس وتنوعها، على أية حال إن هذا الجزء من الفصل يؤكد بصفة أساسية على بيان ماهية التقدم والتخلف من ناحية ومؤشرات التنمية (أو مقاييس التقدم والتخلف) من ناحية أخرى.

(2) مفهوم التقدم والتخلف

إن النسبية Relatism تلعب دورا كبيرا مجال التقدم والتخلف، إن النظرة إليهما تختلف باختلاف الزمان وباختلاف المكان، فما كان يعتبر تقدما وقت ما يمكن النظر إليه على أنه تخلف في وقت لاحق. مما كان يعتبر تقدما في مجال أو وضع اجتماعي ما يمكن اعتباره تخلفا في وضع أو مجتمع آخر.. وهكذا ، خذ مثلا كشف التحرك بالبخار وكيف كان تقدما عظيما ورائعا في حينه. ثم كيف أصبح باكتشاف الكهرباء مجرد تاريخ ورمزا لوضع غير متقدم. ومن هذا المنطلق فإنه يمكن القول أن التقدم والتخلف لفظان أو مصطلحان نسبيان بتخلف مفهومها من زمان إلي زمان ومن مكان إلي آخر. كما يختلف مضمونهما من باحث إلي آخر طبقا لعوامل متعددة منها ما يتعلق بالأيدلوجية التي يعتنقها أو حتى يميل إليها – وساء اتجهت تلك الأيديولوجية نحو الشرق أو نحو الغرب أو حاولت البحث لها – وسط الضغوط الهائلة – من مسار محايد.

وعلى نفس المنوال فإن إطلاق لفظ مثل التقدم أو التخلف على دولة من الدول أو مجتمع من المجمعات ليس بالأمر الهين نظرا لعدم وجود فاصل دقيق وواضح بين ما يكن اعتباره تخلفا. وإلي جانب هذا فإن الدول نفسها متقدمة كانت أو متخلفة – تتفاوت فيما بينها في درجة التقدم أو التخلف. الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدا و يجعل من الاتجاه إلي وضع فواصل دقيقة واضحة أمرا تتطلبه طبيعة البحث في هذا المجال.

على أية حال، وإذا ما نحينا الآن هذا الجدل النظري جانبا. فإنه يمكن القول أن الدول على اختلافها يكن تقسيمها إلي طائفتين اثنتين لا ثالث لهما: دول نامية بالفعل Developed أو حتى تعدت مرحلة النمو Overdeveloped، متقدمة غير نامية أو متخلفة Underdeveloped أو في مرحلة النمو Developing على الأكثر. زراعية وفقيرة ، مستعمرة أو كانت مستعمرة – ومستغلة، إلا أنه في داخل كل مجموعة (وكما هو الوضع في الطبقات الاجتماعية) يمكن تمييز ثلاثة مستويات: عليا – ووسطى – ودينا، فنهالك دول في قمة النمو والتقدم Post-Development (كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة وفرنسا مثلا) ودول في قاع النمو والتقدم (كاليونان وإيطاليا ويوغسلافيا مثلا) ثم دول في الوسط بين هذا وذاك – القمة والقاع (كألمانيا وكندا وهولندا والسويد والنرويج..) والشيء نسه بالنسبة للقطاع المتخلف، فهنالك دول تنمو أسرع من غيرها Developing countries بحيث ينتظر لها وصولا قريبا إلي مشارف مرحلة التقدم، ثم هنالك دول في قاع التخلف متأخرة Backward ولم تخط بعد خطوات لها وزنها في مجال التنمية Pre-Development Countries ، ثم دول تحتل موقعا لها ما بين القمة والقاع أيضا.

إنه بناء على هذه النظرة إلي الدول – التي نأمل أن تكون منطقية وأن تلقى قبولا من لدن المستغلين بمجالات التنمية، فإنه يمكن الآن التقدم لكي نضع أيدينا على مفهوم التقدم والتخلف حتى يكون اتجاهنا إلي قيامها أمرا قائما على أساس.

فالتقدم – كما سبق ايضاحه – هو تطور الحياة العقلية للإنسان، أنه تزايد قدرة الإنسان على التحكم والسلوك التي يتقبلها أنه هو تبني أنماط جديدة من الفطر والسلوك التي يتقبلها المجتمع وير فيها فرصة سانحة لتحقيق آماله في حياة أفضل وسواء كان هذا من ناحية الطبيعية المادية أو الناحية الاقتصادية من ناحية، وتوفير الرفاهية الاجتماعية من ناحية أخرى، ثم ضمان استمرار الرقي من ناحية ثالثة.

أما التخلف فهو الفشل – أو حتى القصور – في تبني مثل هذه الأنماط الحيدة من الفكر والسلوك (التي من المفترض أن تقود المجتمع إلي وضع أفضل) والجمود التالي عند النقاط بعينها من التصورات التي لا تفيد المجتمع بل وطبقا للتحركات والتغيرات الحادثة في مناطق أخرى من العالم – قد تضره، والتخلف كذلك قصور في الإمكانات المادية والمعنوية والسياسية (أو راس المال المادي والبشري) والذي يؤدي بدوره إلي عدم إمكان توفير الخير الاجتماعي للمواطنين. إنه افتقار إلي الوسائل الكفيلة بالقضاء على تخلفه. وهو بهذا المعنى يتضمن عدم القدرة على ملاحقة الركب (الحضاري) وسوءا كان هذا لعدم وجود القدرة على هذا أصلا، أو فقدان هذه القدرة بعد وجودها فعلا (كما هو الحال مع العالم العربي والإسلامي).

(3) التقــدم والتخلف: الســمات

وإذا كانت التعريفات – أو بالأحرى محاولات التعريفات – السابقة قد ركزت على تبنى أو عدم تبني أنماط معينة للتفكير والسلوك. فإنه يبقى الإشارة إلي هذه الأنماط التي يعتبر تبينها تقدما كما يعتبر عدم تبنيها تخلفا. على آية حال يمكن إجمال أنماط التقدم والتخلف وإبرازهم خصائصها – طبقا لما اتفق عليه معظم الكتابات التي تعاملت مع الموضوع – على الوجه الآتي:

 

 

سمات تقدم سمات تخلف
أولا: سمات ديموجرافيـــة
1.                انخفاض معدل المواليد.

2.                انخفاض معدلات الوفيات العامة.

3.                انخفاض معدلات وفيات الأطفال.

4.                ارتفاع المستوى الغذائي.

5.                ارتفاع المستوى الصحي.

1.                ارتفاع معدل المواليد.

2.                ارتفاع معدلات الوفيات العامة.

3.                ارتفاع معدلات وفيات الأطفال.

4.                انخفاض المستوى الغذائي.

5.                انخفاض المستوى الصحي.

ثانيا سمات اقتصادية
6.                كفاية الموارد الطبيعية استغلالها الاستغلال الأمثل.

7.                وفرة روس الأموال.

8.                الاندماج في نشاطات صناعية (ثقيلة ومتطورة).

9.                الأخذ بالأساليب الحديثة والمتطورة للإنتاج والتي تعتمد على القوى الآلية أساسا.

10.           الأخذ بأسلوب الاقتصاد المتوازن بين كل القطاعات والاتجاهات.

11.           انخفاض نسبة البطالة (الكلية الفعلية أو الجزئية المقنعة).

12.           ارتفاع الدخل القومي.

13.           عدالة توزيع الدخل القومي.

14.           ارتفاع مستوى الدخل الفردي – فوق 600 دولار أمريكي سنويا – ووفاء هذا الدخل بحاجات الفرد الكمالية فضلا عن الأساسية.

15.           وفرة المدخرات وتعاظم الاتجاه نحو الاستثمار.
16.           الاتجاه إلي أنماط الانفاق غير الاستهلاكية (السلع المعمرة).

17.           اتجاه الصادر نحو الموارد المصنعة (الصناعات الثقيلة بالذات) بالإضافة إلي تصدير التكنولوجيا الحديثة.

18.           اتساع الأسواق (داخلية وخارجية) والتصدير أكثر من الاستيراد، أو على الأقل التوازن بينهما (اعتدال الميزان التجاري).

19.           تقدم المؤسسات والنظم المصرفية وفاعليتها.

20.           الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على النفس (الاكتفاء الذاتي) بالإضافة إلي تقديم معونات خارجية

6.                عدم كفاية الموارد الاقتصادية وعدم استغلالها الاستغلال الأمثل.

7.                نقص رؤوس الأموال.

8.                الاندماج في نشاطا زراعية (وما يتعلق بها من نشاطات).

9.                الأخذ بالأساليب التقليدية والمتأخرة في الإنتاج، والتي تعتمد على القوى العضلية غالبا.

10.           عدم أو حتى قلة الأخذ بأسلوب الاقتصاد المتوازن بين القطاعات والاتجاهات.

11.           ارتفاع نسبة البطالة فعلية ومقنعة.

12.           انخفاض الدخل القومي.

13.           اللاعدالة في توزيع الدخل القومي.

14.           انخفاض مستوى الدخل الفردي – 600 دولار أمريكي سنويا – وعدم وفاء هذا الدخل باحتياجات الفرد الأساسية فضلا عن الكمالية.

15.           قلة المدخرات أو حتى انعدامها، وتضاؤل الاتجاه نحو الاستثمار.

16.           اتجاه أنماط الإنفاق نحو السلع الاستهلاكية (المأكل والمشرب والملبس).

17.           اتجاه الصادرات نحو المواد الأولية والخام بالإضافة إلي استيراد التكنولجيا الأحدث.

18.           ضيق الأسواق داخليا وخارجيا، والاستيراد أكثر من التصدير أو اللاتوازن (خلل الميزان التجاري).

19.           تأخر المؤسسات والنظم المصرفية وعدم كفايتها وكفاءتها.

20.           الاعتماد على الخارج (اقتصاديا) وطلب وقبول معونات خارجية.

 

 

ثالثا: سمات اجتماعية
21.             ارتفاع مستوى المعيشة.

22.             انخفاض نسبة الأمية وارتفاع نسبة التعليم والتدريب بإلإضافة إلي الأخذ بالأساليب الحديثة في التعليم والتدريب.

23.             اختفاء – أو حتى انعدام – ظاهرة تشغيل الأحداث

24.             سير الحراك الاجتماعي Social Mobility  السير الطبيعي أي انسيابه وعدم جموده.

25.             كبر حجم الطبقة المتوسطة وبالتالي صغر حجم كل من الطبقتين العليا والدنيا.

26.             توفر الرعاية الاجتماعية بكل أبعادها من تعليم وصحة وإسكان ووسائل اتصال وترويج وخلافه.

27.             تطبيق نتائج البحوث العلمية (والفنية) على نطاق أوسع.

28.             ارتفاع المركز الاجتماعي للمرأة.

29.             التحرر من تحكم العادات التقاليد الموروثة (وخاصة الضار منها) في السلوك.

30.             سيادة العلاقات الاجتماعية المعقدة وامتدادها عادة خارج النسق (الأسرة – العائلة – الشعيرة، القبيلة

21.             انخفاض مستوى المعيشة.

22.             ارتفاع نسبة الأمية وانخفاض نسبة التعليم والتدريب، بالإضافة إلي الأخذ بالأساليب العتيقة في التعليم والتدريب.

23.             انتشار ظاهرة تشغيل الأحداث.

24.             تعثر سير الحراك الاجتماعي وعدم انسيابه وجموده.

25.             صغر حجم الطبقة المتوسطة، وكبر حجم الطبقة الدنيا بالذات.

26.             عدم توفر الرعاية الاجتماعية – بكل أبعادها – كليا أو جزئيا.

27.             قلة – أو حتى عدم تطبيق نتائج البحوث العلمية الفنية.

 

28.             انخفاض المركز الاجتماعي للمرأة.

29.             تحكم العادات والتقاليد الموروثة في السلوك.

 

30.             سيادة العلاقات الاجتماعية الأولية البسيطة والمباشرة واقتصارها غالبا على داخل السنق.

31. القرة على الانفتاح العقلي على الأفكار الجديدة والعالم الخارجي وكذلك إمكان التعاطف مع الأدوار الاجتماعية الجديدة.

32. حراك الوحدات البنائية (عدم جمودها واندماجها في حياة المجتمع الكبير) كلها.

31. عدم القدرة على الانفتاح العقلي على الأفكار الجديدة والانغلاق على النفس والداخل وعدم إمكانية التعاطف مع الأدوار الاجتماعية الجديدة.

32. جمود الوحدات البنائية التي تسودها عادة الحياة القبلية (أو شبهها) وعدم تمكنها من الاندماج في حياة المجتمع الكبير

خامسا: سمات سياسية
33. إقامة إطار سياسي واجتماعي مناسب للتقدم.

34. إقامة مجتمع آمن ومطمئن يتمتع فيه المواطن بالأمن والطمأنينة.

35. إقامة مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية ويبعد بالتالي عن القهر والتسلط.

36. إقامة مجتمع تتاح فيه الفرصة الحرة والكاملة للمواطنين للمشاركة. مع المشاركة الفعلية وبكفاءة وتفاعل.

37. سيادة المؤسسات واستناد القائمين على الحكم إليها.

33. عدم القدرة على إقامة إطار سياسي واجتماعي مناسب للتقدم.

34. عدم إمكان إقامة مجتمع آمن ومطمئن للفرد على يومه فضلا عن غده.

35. عدم التمكن من إقامة مجتمعة تسوده الحرية والديمقراطية، وقربه بالتالي من التسلطية القائمة على القهر.

36. عدم التمكن من إقامة المجتمع الذي يسمح بالمشاركة الشعبية مع إحجام ولا مبالاة الشعب.

37. ضعف سيطرة المؤسسات، وسيطرة الفرد (وعباته).

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

نظريات التنمية

لم تفت فكرة التطور والتقدم والحضارة ورقي الدول وهبوطها فلاسفة ومفكري القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما قبلها. لقد عالجها الاقتصاديون من أمثال (هربت سبنسر) الذي رأي أن المجتمع ينمو نموا عضويا، وإن هذا النمو العضوي يزيد التعقيد من جانب ويبرز ضرورة الاعتماد على المتزايد والمتبادل بين الأجزاء المختلفة من جانب آخر. كما عالجها علماء اجتماع من أمثال (أوجست كونت) الذي رأي أن على المجتمع أن يوجد الخصائص التي تحكم التطور والتقدم وكل هذه المعاني وما شابهها هي تعبير عن محاول النظر في التنمية وأن كانت الكلمة بعينها لم تكن مستخدمة في هذا الصدد.

ومن البديهي أن ندرك أن الفكر (الماركسي) هو نظرية في التنمية ، وأنه فكر أوربي ثار على الفكر السائد قبله ونقده من أساسه، ومن البديهي أيضا أن نربط بين نظرية العالم العربي ابن خلدون في رقي الدول وانحطاطها وبين التنمية تلك النظرية التي سبقت والتي تأثر بها الكثيرون في القرن العشرين، وكرروا ما سبق لابن خلدون ما قاله في القرن الرابع عشر.

لقد تحدث (ابن خلدون) في القرن الرابع عشر الميلادي عن واقعات العمران البشري وأحوال الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من التوحش والتآنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومعاشهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال.

وتعد نظرية (أرنولد توينبي) في تفسيره تطور المجتمعات الإنسانية، شاهدا في القرن العشرين على أن التنمية وإن لم تذكر بالاسم هي العنصر الأساسي في تفسير التطور الإنساني أو هي بمعناها الشامل جوهر التطور الاجتماعي الإنساني، وتسمى نظرية (توينبي) نظرية (التحدي والاستجابة) ومعناها أن تطور المجتمعات الإنسانية وانتقالها إلي أوضاع حضارية أكثر ارتقاء إنما تعتمد على القوة المحركة التي تخلفها الظروف الصعبة، وليست نظرية (توينبي) إلا تفسيرا فلسفيا لمؤرخ يفسر حقائق التاريخ، ويحللها. ولم يقصد بها أن تكون نظرية من نظريات التنمية ولكنها بشكل ما يؤكد أن مفهوم التنمية بمعناه الشامل لم يفت المفكرين من (ابن خلدون) في القرن الرابع عشر إلي (توينبي) في القرن العشرين.

نظريات التنمية أو فلسفات التنمية إذا ليست وليدة هذا القرن ولكنها برزت في هذا القرن كرد فعل للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم.

النظريـة العامـة للتنميـة:

يقع الخلط في زماننا للمفاهيم لعدم انطباق الألفاظ على المعاني ومرد ذلك إلي تفريعات العلوم، واستخدام كل علم لقاموسه ومفرداته. وفي الوقت نفسه للعلاقة المشتركة بين فروع العلوم المختلفة، وبخاصة العلوم الإنسانية، وتحظى كلمة (نظرية) بنصيب وافر من تعدد الفهم في كل سياق علمي حتى يختلط أمرها. فيه تتسع أحيانا لايدولوجية شاملة وتنحصر أحيانا في وجه نظر باحث. ونظريات التنمية تكاد توازي أساليب التنمية أو أنماط التنمية أو ملامح التنمية، وأعتقد أن إذا أمكن صياغة كل ذلك في نسق شامل ومركب وحي فإن تعبير نظرية للتنمية يكون صحيحا ومعبرا عن النظرية العامة للتنمية. والباحثون في العلوم الإنسانية يستخدمون مصطلح نظرية علم كذا بمعنى يقترب اقترابا شديدا من المصطلح الذي استخدمناه في حضارتنا العربية يهدف إلي تحديد هوية العلم وغايته أي تحديد موضوعه وأهدافه، وقياسا على هذا المفهوم العام أصبحنا نجد الباحثين الذين يتحدثون عن نظرية التنمية بمعنى النظرية العامة للتنمية.

وفي بساطة شديدة ووضوح أشد يقول (جون ميدلتون) أغلب العالم من الفقراء، وبعضه من الأغنياء ، وتلك المشكلة الأساسية التي تسعى نظرية التنمية إلي مواجهتها، كيف يمكن للشعوب الفقيرة أن تحقق حياة أفضل لمواطنيها؟

وربما كان هناك اتفاق على هذه الطريقة في عرض المشكلة منظري التنمية ذوي الآراء البالغة الاختلاف، ذلك الاختلاف الذي تعلق بأعراض التنمية وبطبيعتها وغير ذلك من التفاصيل. ويتعلق الاختلاف بين منظري التنمية بنبذ بعضهم للنماذج القديمة والبحث عن نماذج جديدة.

وقد ظهرت النماذج القديمة عقب الحرب العالمية الثانية، وعرفت التنمية بعبارات اقتصادية، واعتبرت الناتج القومي الإجمالي المؤشر الرئيسي، وعرفت الحياة الأفضل – بشكل أفضل – بأنه الحصول على دخل أكبر، فهذه هي الطريقة التي ينتقل بها الفرد من الفقر إلي الغنى، وتأتي زيادة الدخل بالدرجة الأولى من تصنيع المجتمعات النامية، ويتحقق ذلك بنقل رأس المال والتكنولوجيا من البلدان الغنية إلي البلدان الفقيرة، وكان أبرز مثال صيغ في شكل قضية شرطية متصلة بهذه النظرية هي (إذا اتبعت البلدان النامية طريق التنمية الذي اتبعته المجتمعات الغربية، قبلت نفس تعريف التنمية بأنها زيادة الدخل فإن نوعية الحياة ستتحسن) ونشأ من هذه النظرية أغلب العمل الذي استمت به استراتيجيات التنمية في العقد السادس من العشرين، واستورد رأس المال التكنولوجيا، وأقيمت المصانع ووسعت نظم التعليم لتفوير القوى العاملة اللازمة الاقتصاد صناعي، وبرز التخطيط المركيز باعتباره ضروريا لتوجيه هذه العملية المعقدة لتكوين رأس المال واستخدامه.

ويرى (ميدلتون) إن هذه النموذج حقق نجاحا معقولا في البرازيل وسنغافورة وكوريا ، لكنه لم يؤد إلي تقدم يذكر في أغلب بلدان العالم الثالث، وكان فشل هذه النظرية دافعا لنظريات عامة جديدة للتنمية، فقد برزت مؤشرات تؤكد ضرورة إشباع الحاجات البشرية الأساسية وتبرز توزيع الثروة توزيعا عادلا، والاستقلال الذاتي واشباع ومشاركة الجماهير في التنمية، كما ظهرت طبيعة المساعدة الدولية باعتبارها عائقا لتنمية إذ تؤدي بالبلدان النامية إلي التبعة المنتظمة للبلدان المتقدمة، ويراعي فيها صالح البلدان المتقدمة في المقام الأول، وبرزت صياغة نظريات عامة جديدة للتنمية تضع في الاعتبار الأول القطاع الزراعي الريفي، والاعتماد على النفس، وحظي النموذج الصيني للتنمية باهتمام واسع يمكن الاستفادة من بعض جوانبه، والأثر الأول للتخلي عن النظرية التقليدية هو زيادة البدائل التي يستطيع مخططوا التنمية استقصائها لتوجيه مسار بلادهم.

هذه النظرية العامة للتنمية تقودنا إلي ما اصطلح على تسميته بنظريات التنمية في علمي الاقتصاد والاجتماع وهي تكاد تعني استراتيجيات التنمية، هذه النظريات المتخصصة أو الفرعية أو المحددة إنما هي نظريات يمكن الأخذ بها في كافة النظريات العامة للتنمية.

ويظل السؤال المطروح هو:

ماذا نقصد بنظريات التنمية؟

إن ما نقصده بنظريات التنمية هي النظريات المحددة أو المخصصة التي تعالج التنمية في الدول المتخلف ولكن ذلك لا يكتمل بغير أن تندرك نظريات التخلف، وبغير أن نعرف النظريات التي تعالج التنمية في الدول المتقدمة والتي نميها نظريات النمو الاقتصادي تمييزا ولا بعدا بها عن قضايا التخلف، ولأنها تنتقل من نمو إلي نمو أكثر وأعظم، ونجد في نظريات التنمية هذه الأمور متشابكة بمعنى أن النظرية التي تفسر لنا أسباب التخلف تقدم لنا منطقيا طريق القضاء عليه بإزالة أسبابه، وبمعنى أن تنمية الدول المتقدمة ترتبط بظروف الدول المتخلفة ارتباطا وثيقا وسنجد في نظريات التنمية المثلث الذي حددنا في مفهوم التنمية الشاملة بأضلاعه الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ففي المجال الاجتماعي يقسم الدكتور سعد الدين إبراهيم النظريات الاجتماعية في التنمية إلي ثلاث مجموعات طبقا لنوع المتغيرات التي تستند إليها كل مجموعة طبقا لمصدر ومسار التغيير الاجتماعي المنشود في اتجاه التنمية وهي:

(1) اتجاه الأنماط المثالية للمؤشرات: Ideal type of Index Models

ويقوم هذا النوع من التنظيم على استخلاص علماء الاجتماع الغربيين السمات الأساسية لمجتمعاتهم المتقدمة ومقابلتها لنقيضها المتخلف، وتصبح أيدولوجية التنمية عندهم محكومة بتلك الخطط والجهود والمشاريع التي تنطوي تحت عملية تحويل مؤشرات أي مجتمع من نمط متخلف إلي نمط متقدم.

(2) اتجاه الانتشار الثقافي الحضاري:

The Acculturation -Diffusion Model

ويذهب هذا الاتجاه إلي أن التنمية باعتبارها شكلا من أشكال التغير الاجتماعي تتم بواسطة الانتشار الثقافي أو الحضارية، وبمرور الوقت واستمرار الانتشار تتحول المجتمعات المتخلفة إلي مجتمعات متقدمة بحلول القيم والعلاقات الحديثة محل القيم والعلاقات التقليدية.

(3) اتجاه تغيير الأفراد نفسيا:

Individual Psychological Change Model

ويركز هذا الاتجاه على أن عملية التنمية رهن بتغيير أفراد المجتمع قيما وحوافزا وسلوكا ، فالمجتمعات التي حققت تنمية الماضي أو التي تحققها في الحاضر، وفق أصحاب هذا الاتجاه، وجد بها عدد كبير من الأفراد الذين يصفون بالطموح والابتكار والرغبة العارمة في هذا الاتجاه والقدرة على التقمص الوجداني، وهؤلاء الأفراد هم الذين يحملون على أكتفاهم مهمة نقل مجتمعهم من إطاراته التقليدية المتخلفة المحدودة إلي إطارات حديثة متقدمة، فإذا كان المجتمع لا يضم هذا النوع من الأفراد بأعداد كفاية فعليه أن يزيد من أعدادهم بوسائل مختلفة.

ويرى الدكتور سعد الدين أن أهم أوجه القصور في هذه النظريات (أنها لا تفسر تخلف العالم الثالث كنتيجة حتمية للنظام الإمبريالي الحديث الذي ساد العالم وما زال بأشكال ودرجات مختلفة، وإن تقدم البعض وتخلف البعض الآخر أصبح منذ القرن الثامن عشر مسألة تفاضل وتكامل، أو بتعبير آخر أن التقدم والتخلف هما وجهان لنفس العملة.

ويعلل هذا القصور المنهجي في نظريات التنمية الغربية إلي التمركز الحضاري الغربي نحو الذات وإلي غياب النظرة التكاملية الشاملة وإلي تجاهل الأعمال الأصلية لمفكري العالم الثالث، وينتقد الفروض القاعدية بمجرد انهائها من إزاحة المعوقات الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية الموروثة من أبنية المجتمع التقليدي، والتي تزعم أنه بإزاحة المعوقات فإن التنمية تصبح مسألة أكيدة لا تحتاج إلي أكثر من تعبئة وتنسيق وهندسة الموارد المادية والبشرية في المجتمع.

إن النقد الأساسي لمثل هذه الفروض هو النظرة إلي الجزئية وعدم رؤية الجزء في إطار الكل، وبسبب الإسراف السطحي في التخصص بين ما يطلق عليه العلوم الاجتماعية أصبح عالم الاقتصاد يتحدث عن زاويته فقط وأصبح عالم الاجتماع يرى رؤيته وحسب، وكذلك عالم النفس وعالم السياسة ولم تعد بينهم لغة مشتركة تفسر ترابط الظواهر الاجتماعية، وتقدم لنا عملا متكاملا، ويزيد المشكلة حدة أن التخلف ظاهرة معقدة متعددة الجوانب ومتشابكة وقد صدق أحد أساتذة الاقتصاد الغربيين، حين وصف مشكلة المجتمعات النامية بقوله ليس في تلك المجتمعات مشكلات معقدة يحتوي كل منها على جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية، وما لم يفهم من يتصدى لهذه المشكلات كل هذه الجوانب فإن فهمه لها يظل ناقصا وبالتالي تأتي حلوله ناقصة ومبتورة.

وتنقد الدكتور عواطف عبد الرحمن مسمى الحديث الذي يطلقه الباحثون الغربيون ويريدون من الدول النامية أن تقتضي أثره عبرة عن تقديم المجتمعات الغربية الصناعية بشبكاتها المحلية ونشاطاتها الاقتصادية وأنماطها الاستهلاكية وبناءاتها التكنولوجية إلي الدول النامية كنموذج وحيد يمكن الاحتذاء به.

وفي المجال الاقتصادي يرى الدكتور عمر محي الدين إن مشكلة النمو الاقتصادي كانت محور الاهتمام فلي الاقتصاد (الكلاسيكي) ويتجلى هذا الاهتمام في عنوان كتاب (آدم سميث) بحث في طبيعة وأسباب ثورة الأمم سنة 1977م، وقد وجه الاقتصاديون الكلاسيكيون اهتمامهم إلي الكشف عن القوى التي لعبت دورا هاما في التقدم الاقتصادي، واهتم هؤلاء الاقتصاديون اهتماما خاصا بالبحث في إزالة كافة العوائق أما عملية التراكم الرأسمالي مثل قيود التارة ونظام الطوائف وغير ذلك. ومن ثم نجد أن دعوة الاقتصاديين الكلاسيكيين إلي الحرية الاقتصادية لم تكن مجرد دعوة لعدم تدخل الحكومة، وإنما كانت مطلبا للقضاء على ما كان يعتقد أن عراقيل معطلة لنمو المجتمع الرأسمالي الصناعي، ولكن النظام الرأسمالي الصناعي واجه العديد من العقبات كما أوضح تطبيقه كثيرا من أوجد الخلل والاضطراب، وكان على المدرسة الاشتراكية بزعامة (كارل ماركس) أن تقدم التفسير العلمي لما يعوق حركة هذا النظام ولأوجه الخلل التي تعترض طريقه، فالنظام الرأسمالي لا يكن فهمه إلا بوصفه مرحلة معنية من مراحل تطور قوى الإنتاج الاجتماعية، وإذا كان صحيحا ما يدعيه الاقتصاديون الكلاسيكيون من أن عملية التراكم هي العملية الفعال في النمو، فإن عملية التراكم التي تؤدي إلي تطور قوى الإنتاج لا تتم من فراغ، وإنما تتم في إطار وإنما تتم في إطار معين من علاقات الإنتاج وقد أثبت نمو المجتمع الرأسمالي أنه بعد مرحلة معينة تصبح علاقات الإنتاج عقبة أمام تطور قوى الإنتاج حيث تصبح السبيل الوحيد أمام النمو هو تغيير علاقات الإنتاج السائدة.

كذلك فإن التناقضات الكامنة في طبيعة هذا النظام سوف يؤدي به إلي مواجهة الأزمات الدورية التي تؤدي فلي النهاية إلي انهياره وإحلال  نظام جديد بديل عنه، فالزيادة المستمرة في عملية التراكم تؤدي دائما وأبدا إلي زيادة الطاقة الإنتاجية، غير أن هذه الزيادة المستمرة في الطاقة الإنتاجية لا يصاحبها زيادة مقابل في القوة الشرائية (نتيجة الفقر المزمن للقوى العاملة في ظل النظام) تسمح باستيعاب هذه الزيادة ومن ثم تحدث أزمات دورية متلاحقة تؤدي إلي انهيار النظام.

لقد اهتم ماركس بدراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غرب أوربا، وفي مناطق أخرى من العالم، ثم قاد النموذج الذي رآه لتطور المجتمعات الإنسانية، وقد استطاع ماركس من خلال دراسته لفلسفة (هيجل) التسليم بالمنطق الجدلي (الديالكتيك) كحقائق في حالة حركة دائمة، فكل إثبات لحقيقة معينة يتضمن في الوقت نفسه نفيا لها ، وهذا النفي يتضمن بدوره إثباتا ومن تلاقي الإثبات والنفي ينشأ تركيب جديد يمثل تأليفا بين نقيضين، ومن ثم يصبح هذا التأليف بين النقيضين بمثابة خطوة تقربنا من الحقيقة، بيد أن التأليف بين النقيضين بدوره ليس ثابتا فهو يمثل فكرة او شيئا تحمل بدوره بذور نقيضها. ومن الفكرة (الشيء) الجديد ونقيضها يتكون اتحاد جديد بين النقيضين ، وهكذا يستمر التطور ويقترب تاريخ الإنسان من الكمال الذي ينشده، واستنادا إلي ذلك أقام ماركس فلسفته، ومن خلالها استطاع تفسير النظم السياسية، والاقتصادية والثقافية بإرجاعها إلي الظروف المادية للحياة. ويذهب ماركس إلي ان هناك ثلاثة قوانين تحكم حركة المادة والمجتمع والعالم أيضا – هو قانون الأضداد وصراعها، وقانون تحول التغيرات الكمية إلي تغيرات كيفية وقانون نفي النفي.

وعلى ضوء هذا البناء الفلسفي الماركسي فسر ماركس البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمع أي مجتمع، ذلك التفسير الذي يرى أن الناس من خلال عملية الإنتاج تحكمهم علاقات مستقلة عن  جميع هذه العلاقات الإنتاجية يشكل البناء الاقتصادي في المجتمع، هذا البناء المصطلح عليه بالبناء التحتي للمجتمع، وهو قاعدة يقوم عليها البناء الفوقي للمجتمع الذي يتمثل في الأفكار والنظريات السائدة في المجتمع وترجمة هذه النظريات إلي قوانين ونظم ومذاهب ومعتقدات وغير ذلك أي الثقافة الشاملة للمجتمع.

       وعلى ضوء هذا التحليل الماركسي لعلاقات الإنتاج فسر ماركس مراحل التاريخ على النحو التالي:

(1) مرحلة الإنتاج البنائي:

وفيها ملكية الإنتاج جماعية حيث يعتمد الإنتاج على الصيد وجمع الثمار، وهو عمل مشترك يخلو من الطبقات.

(2) مرحلة الرق:

حيث بدأ الأغنياء يلزمون العبيد بزراعة الأرض.

(3) مرحلة الإقطاع:

حيث يمتلك الإقطاعي الأرض وسيلة الإنتاج ويدفع للأقنان جعلا.

(4) المرحلة الرأسمالية:

حيث حلت البرجوازية محل الاقطاع في امتلاك وسائل الإنتاج الأساسية في المجتمع.

(5) مرحلة الاشتراكية:

حيث تدهور النظام الرأسمالي بفعل فائض القيمة، وتراكم رأس المال، والافقار المطلق، ومن ثم يصبح المجتمع مالكا لوسائل الإنتاج، ويخلو من العقبات، وبذلك تنمو وسائل الإنتاج نمو حرا.

ولقد ميز ماركس بين مرحلتين أساسيتين يمر بهما المجتمع الشيوعي العالمي، ذلك المجتمع الذي سينشأ – في رأيه – بعد ثورة (البروليتاريا) المرحلة الأولى تختفي فيها الرأسمالية، المتمثلة في استغلال العامل المأجور، ويحل محلها نظام الإنتاج الذي يعمل من أجل إشباع الحاجات الاجتماعية، ونظرا للمشكلات الفنية التي تصاحب التحول الإشتراكي، ونظرا لوجود رواسب أو بقايا من العادات والاتجاهات التي تعبر عن النظام الرأسمالي، فإنه يصبح ضروريا حصر الناس طبقا لكمية العمل الذي تؤديه ، أما المرحلة العليا من الاشتراكية وهي المرحلة الثانية فإن قانون قوى الإنتاج تتكفل بإنتاج السلع الكافية، ويتم توزيعها طبقا للحاجات ومن ثم يصبح الأفراد الذين حققوا إنسانيتهم تحقيقا كاملا يسعون إلي أداء أشكال عددية من النشاط الإنتاجي غير خاضعين لضغط الضرورة، بل يؤدونها بوصفها وسيلة للتعبير الذاتي التلقائي.

ولقد تعرضت الماركسية لشيء من التقدير لا حد له كما تعرضت للشيء من الطعن لا حد له، وقد يكون أهم نقد وجه للماركسية أنها تصور واحدي الخط في كافة جوانبها.

وكان رد الفعل لهذا التحليل لحركة النظام الرأسمالي الذي قدمه كارل ماركس، هو ظهور محاولات متعددة للرد على انتقادات المدرسة الاشتراكية ولقد تبلورت هذه المحاولات في بناء فكري جديد هو المدرسة الماركسية الكلاسيكية الحديثة التي ولدت حوالي عام 1870م، ولقد سادت هذه المدرسة في الفكر الاقتصادي الغربي الحديث، بفضل البناء النظري لهذه المدرسة تحول مركز الاهتمام في الفكر الاقتصادي ومجال البحث في علم الاقتصاد إلي مجال يختلف تمام الاختلاف عن مجال بحث المدرسة الكلاسيكية أو المدرسة الاشتراكية، فالقضية الأساسية لعلم الاقتصاد في رأي هذه المدرسة، ليست هي البحث في قوانين حركة النظام الرأسمالي ولا في أسباب وعقبات نموه وتطوره، فالنظام الرأسمالي يحمل في طياته قوى كامنة تدفعه دائما إلي النمو والتطور المستمرين، وإنما القضية الأساسية للاقتصاديين هي البحث في محاولة الوصول إلي أعلى كفاءة ممكنة، اكتمل البناء ولم تعد مشكلة النمو أو التقدم هي المشكلة الأساسية بل البحث في إصلاح وتهذيب هذا البناء هو هدفهم وأصبحت القضية الأساسية – في رأيهم – التي تواجه الفكر الاقتصادي هي البحث عن أوجه الإصلاح اللازمة لرفع كفاءة هذا البناء.

ثم قدم Rostow  في كتابه مراحل النمو الاقتصادي بيانا غير شيوعي (1960)م تصوره في التنمية محاولا أن يرد على الفكر الماركسي وأن يشوهه ورأي روستو أن المجتمعات تمر بخمس مراحل أساسية لتعبر التخلف إلي التقدم هي:

(1) مرحلة المجتمع التقليدي:

وفيها يقوم الإنتاج على أساس العلوم والفنون التي كانت شائعة قبل عصر نيوتن، لأن نيوتن – في رأيه – فصل بين عالمين: أحدهما يقوم على المصادفات والآخر يقوم على الضبط والتحكم، ويمثل المجتمع التقليدي في رأي (روستو) العالم الذي سبق تلك المجتمعات ثم المجتمعات التي جاءت بعده، وظلت غير قادرة على السيطرة على البيئة.

 

(2) مرحلة التهيؤ للانطلاق:

حيث ينتشر التعليم ولو جزئيا ، وحيث يظهر أفراد يتصفون بروح الإقدام، وحيث تظهر البنوك ويزداد الاستثمار، ويرى أن هذه الظروف توفرت في أوربا الغربية في أواخر القرن الثامن عشر.

(3) مرحلة الانطلاق:

وهي الفترة التي يتم فيها القضاء على معوقات النمو المطرد، ويتحقق ذلك بثورة سياسية، تؤثر في البناء الاقتصادي والاجتماعي.

(4) مرحلة النضج:

وهي المرحلة التي يستطيع فيها المجتمع أن يؤكد قدرته على الحركة خارج نطاق الصناعات الأصلية التي دفعته إلي الانطلاق، بحيث يستطيع أن ينتج أي شيء مرغوب فيه، ويرى (روستو) أن المجتمع يصل عادة إلي هذه المرحلة بعد 60 عاما من المرحلة السابقة لها، وفي هذه المرحلة يتمكن المجتمع من تصدير فائض إنتاجه الصناعي.

(5) مرحلة الاستهلاك الوفير:

حيث يرتفع متوسط الدخل الفردي وتزيد نسبة السكان في المدن، ويزيد التوسع في الاستهلاك، ومن رأي (روستو) في تفسير التقدم من صور التفكير الغربي الرأسمالي المترف في مشاكل العالم. وهو أقرب ما يكون إلي القصة التاريخية المعروفة عن ماري انطوانيت عندما عرفت أن الثوار يطالبون بالخبز وهو غير موجود فقالت: (ولماذا لا يأكلون “جاتوه” إذا كان الخبز غير موجود…!

وفي المجال الثقافلي يلتقي الضلعان السابقان وهو الضلع الاقتصادي والضلع الاجتماعي، حيث يرى كثر من الباحثين أن المعرفة هي أهم العوامل الحاسمة في التحول من التخلف إلي التقدم، وإنه ينبغي أن ننظر إلي روح التوثب في المجتمع وإلي المستوى الثقافي العام في المجتمع يمكننا التنبؤ بنجاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لا يمكننا إذن أن نفصل بين نظريات النمو ونظريات التخلف لأنهما وجهان لعملة واحدة ، وسنعرض لأهم هذه النظريات فيما يلي:

أولا: نظرية التخلف بسبب البيئة الجغرافية:

تقوم هذه النظرية على أساس تفسير التخلف بسبب البيئة الجغرافية والظروف الطبيعية السائدة والتي يصعب تغييرها، ويؤكد أنصار هذا النظرية تفسيرهم للتخلف بأن عددا كبيرا من الدول النامية يقع في المناطق المدارية والاستوائية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بينما تقع معظم الدول المتقدمة في المناطق المعتدلة.

وتتلخص ملامح البيئة الجغرافية في المناطق المدارية والاستوائية فيما يلي:

  1. ضعف الأراضي الإستوائية عند قطع الغابات وتحويلها للزراعة فتربتها الصالحة تتمثل في طبقة رقيقة تجرفها الأمطار الغزيرة فلا تبقى إلا تربة رملية منخفضة الخصوبة إلي حد كبير.
  2. مساعدة مناخ المناطق المدارية على انتشار الأوبئة الزراعية كما أن الحر والرطوبة لهما تأثير بارز في قلة نشاط السكان.
  3. تعوق الأمطار الغزيرة التي تسقط في مثل هذه المناطق الجغرافية المختلفة استخدام الأسمدة والمواد الكيميائية لأنها تنجرف قبل أن تستفيد بها التربة.
  4. ينبت الكثير من الحشائش الضارة وسط المحاصيل مما يقلل من الإنتاج ويستهلك جهدا كبيرا في مقاومتها ويقلل من فرص استخدام الميكنة الزراعية.

كما تبين الإحصائيات إن إنتاج المحاصيل الزراعية في أوربا وأمريكا الشمالية كبلدان متقدمة يفوق بكثير إنتاج أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا الواقعة في حزام التخلف، كما نجد تربية المواشي كالبقر والأغنام في المناطق المتخلفة نحيلة وهزيلة مما يؤدي إلي ضعف إنتاجها من الألبان واللحوم والصوف، وذلك على الرغم من توفر المراعي في معظم أنحاء المناطق المدارية، ويفسر البعض ذلك بسبب عدم ملائمة حرارة الجو لهذا النشاط  ولانخفاض القيمة الغذائية للمرعى.

كذلك فإن ضعف الموارد الطبيعية التي تمكن غالبية الدول النامية بالنسبة إلي تلك التي تملكها الدول المتقدمة يعد عاملا من عوامل التخلف، وتشمل الموارد الطبيعية إلي جانب الأرض ما في باطن الأرض من معادن وبترول والبحار والأنهار ومساقط المياه وغير ذلك.

ويرى الدكتور علي لطفي إن الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية لا يمكن أن تكون وحدها سبب التخلف الاقتصادي وذلك لأسباب يراها على النحو التالي:

  1. تقع بعض الدول النامية في المناطق المعتدلة ومن ثم فهي لا تعاني من الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية السابق الإشارة إليها، كما هو الحال مثلا بالنسبة للصين ودول حوض البحر الأبيض المتوسد وبعض دول أمريكا الجنوبية، فكيف يكون إذن تفسير التخلف الاقتصادي في هذه الدول؟
  2. إن معظم المشاكل الزراعية الناتجة عن الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية السابق الإشارة إليها يمكن التغلب عليها بالأساليب التكنولوجية الحديثة، كما إن العكس صحيح بمعنى أن عدم توافرها في دولة ما قد يعوق تنميتها، لكن لا يجب أن يفهم من ذلك أن عدم توافر الموارد الطبيعية بكثرة هو السبب الوحيد للتخلف الاقتصادي فمن المعروف أن كمية الموارد المتاحة لمجتمع لا تعتبر ثابتة بل قابلة للتغير تبعا للتقدم العلمي والفني والتكنولوجي الذي يحرزه المجتمع.

ثانيا: نظرية التخلف بسبب البيئة الاجتماعية:

وتقوم هذه النظرية على أساس أن النشاط الاقتصادي لا يدور في فراغ، وإنما يدور في مجال اجتماعي، وهو نتيجة لتفاعل عدة عوامل مثل عناصر الإنتاج والقدرات البشرية ومستوى التقدم العلمي وما شابه ذلك، كما أن هذا النشاط الاقتصادي ومثل السلوك وما إلي ذلك، ومن الأمثلة التي يسوقها أنصار هذه النظرية ما يلي:


  1. عوائق العادات والتقاليد في الادخار:

لقد ذكرنا بأن تمويل التنمية في البلدان الشبيهة بنا لابد أن تعتمد على تجميع المدخرات الوطنية في المقام الأول، ولكن ظاهرة اكتناز الذهب والإسراف في تقديم (الشبكة) عند الزواج ، أو شراء الحلي كما تتجمع لدى الأسرة فائض من المال ، تقف كلها عوائق في إثراء المدخرات الوطنية، كذلك فإن جانبا يتعلق بعادات الاستهلاك يحرم المدخرات الوطنية شريانا كان من الممكن أن يمدها بالدم والقوة ومثال ذلك الإسراف في شراء (أكفان الموتى) حبا في التظاهر برغم مخالفة ذلك لما فرض في الشرع في الدين الإسلامي، ولعل ما ينفق على حفلات الزواج والجنائز بدافع التظاهر والنفاق الاجتماعي يؤكد ذلك.

  1. عوائق العلاقات الأسرية المتزمتة:

لعل المثل الذي أورده (شرام) بأسرة (بوفاني) في علاقة الأبناء بوالدهم الذي يمثل شيخ القبيلة يؤكد لنا كيف تقف العلاقات الأسرية المتزمتة عائقا أمام التنمية وسدا أمام التقدم.

إن حياة الأفراد في كثير من الدول النامية، في نطاق الأسرة الضيقة ، يشبه العزلة عن المجتمع، ذلك النطاق الذي يحول بينهم وبين التطلع إلي آفاق بعيدة، وهكذا ينعدم لدى هؤلاء الأفراد الشعور بالروح الجماعية، وتتولد لديهم نظرة أسرية ضيقة مما يكون مبعثا للأنانية، ولا شك أن مثل هذه الاتجاهات تترك بصماتها على النشاط الاقتصادي، فعلى سبيل المثال قد يصل التكتل الأسري إلي درجة التعصب حيث يفضل أصحاب المشروع الذين ينتمون إلي أسرة واحدة عدم اشتراك أي شخص آخر في هذا المشروع بأي صورة كانت سواء ذلك في مجال المساهمة المالية والتوظيف طالما أنه لا ينتمي إلي نفس الأسرة.

كذلك فإن العادات والتقاليد السائدة في كثير من الدول النامية ما زالت حتى اليوم تحول دون اشتغال المرأة، فالمرأة في هذه الدول لا تزال عضوا عاطلا، وبعيدة عن النشاط العام فيتنفس المجتمع برئة واحدة ويعمل بيد واحدة فيتعطل الإنتاج وتقل الدخول الأسرية لأن الرجل وحده هو الذي يعمل، وعليه أن يقسم جهده مع من لا يعمل من الأسرة، حقا أن الخدمات المنزلية التي تؤديها المرأة ذات قيمة اقتصادية ، ولكنها قيمة الأثر.

  1. عوائق العلاقات الطبقية:

لعل أبسط مظاهر الصراع بين الطبقات في المجتمع يتمثل في الإضرابات وما تسببه من معوقات في الدول النامية التي تسير على الطريق الرأسمالي للتطور، ويلاحظ أن أسواق الدول النامية غالبا ما تفتقر إلي الاتساع والوحدة وتكون أقرب إلي التجزؤ والتفتت ويرجع ذلك إلي انقسام المجتمع إلي طبقات، وانفصال الصلة تماما بين كل طبقة وأخرى مما يؤدي إلي تباين العوامل الثقافية بمعنى انقسام الثقافات الوطنية والأجنبية، مما يؤدي إلي خلق أذواق استهلاكية متعارضة، والأمر الذي لا شك فيه أن ظاهرة تفتت السوق تضع قيدا على قيام المشروعات الكبيرة والإنتاج الضخم مما يؤدي إلي ارتفاع تكاليف الإنتاج.

 

  1. عوائق التعصب الأعمى:

القول العربي القديم بأن كل أمر يزيد عن حده ينقلب إلي ضده يصدق تماما على ظاهرة التعصب، فإن الاقتناع بأمر ما أو التحمس لقضية أو فكرة أو مبدأ ضرورة للنجاح ، ولكن التعصب سمة من سمات التخلف أو هو وسيلة للدمار في بعض الأحيان، ولعل الوطنية عندما تنقلب إلي عنصرية كما رأينا في النازية أشهر النماذج التي تصدق القول العربي القديم، وظاهرة التعصب لا ترتبط باختلاف الأديان كما يتبادر إلي الذهن لأول مرة عندما يذكر التعصب وإنما ترتبط بالتخلف والرجعية ارتباطا مباشرا.

.

  1. عوائق الشخصية القوميـة:

وعندما تعرض الدكتور ملاك جرجس لسيكولوجية الشخصية المصرية ومعوقات التنمية ألقى ضوءا باهرا للبلدان النامية بصفة عامة، فهو يطرح في الفصل الأول من كتابه سؤالا جوهريا هو: (ما المقصود بالشخصية القومية؟).

ويجيب بأنه القيم الاجتماعية والاتجاهات السلوكية والفكرية والثقافية والحضارية السائدة في المجتمع، وبطبيعة الحال من المستحيل أن يتفق أفراد المجتمع في قيمهم واتجاهاتهم، وبالتالي يتميز أي مجتمع عن مجتمع آخر بما فيه من أنماط سلوكية ولسنا بحاجة إلي التأكيد بأن هذه الأنماط ليست ثابتة فهي عرضة للتغيير في اتجاهات مختلفة، كذلك فإن المجتمع الواحد قد يتكون من بيئات حضارية مختلفة من حيث درجات التحضر فقد يجمع ما بين بيئة بدوية وبيئة صناعية.

وتتميز كل بيئة من البيئات المختلفة في المجتمع الواحد بقيم اجتماعية واتجاهات سلوكية وأنماط مختلفة ولكنها في نفس الوقت تتفق في بعض القيم والاتجاهات ، والسؤال هو هل غفلة من المؤلف؟ أو، أن هذا هو الوصف الذي يتمنى المؤلف أن يرسخه عن الإسلام؟ أو أنها مجرد صفحة من سفر الحرب النفسية ضد الإسلام ؟ ومحاولة تشويهه؟

إن كانت واحدة من ذلك أو كل فهي في كل الأحوال أكثر بلاهة، من أن يقول قائل أن التأميم في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من الاتحاد السوفيتي. أن يزعم مجنون أن القطب الشمالي أشد حرارة من خط الاستواء أو أن المسئول عن الأمن القومي في أكبر دول المعلومات لا يعلم؟

ولا شك في أن قولهم عن الإسلام قد كشف التعصب كله فالإسلام هو الدين الذي عالج قضايا الدنيا إلي جانب قضايا الآخرة.

رابعا: نظرية التخلف بسبب الظروف الاستعمارية:

سنتناول هذه النظرية بالتفصيل عندما نتحدث عن البعد التاريخي للتنمية وهي بلا شك أقوى النظريات التي تفسر سبب التخلف.

وما دامت عناصر الحياة مترابطة لابد إذن من أن ندرك أن الاستعمار قد عمد إلي خلق ظروف اجتماعية متخلفة في البلدان التي استعمرها، وأنه لم يطور البيئة الجغرافية في المستعمرات إلا بالقدر الذي يخدم مصالحه المباشرة فقط وأنه حاول أن يرسخ في الأذهان فكرة تفوقه كرجل أبيض.

إن النظريات التي تفسر التخلف ليست متعارضة ولا متنافرة، ونظرية الظروف الاستعمارية هي قطب الرحى، والمحور الذي تدور حوله هذه النظريات بنسبة متفاوتة.

خامسا: نظريـة الدفع القويـة:

يرى (بول روز نشتين رودان) صاحب هذه النظرية أن القضاء على التخلف لا يمكن تحقيقه إلا بدفعة قوية أو سلسلة من الدفعات القوية ويؤكد أن الدفعات الصغيرة حتى وإن كثرت وتتالت لا يمكنها أن تؤدي إلي نتيجة الدفعة القوية أو سلسلة الدفعات القوية، ويشبه أنصار هذه النظرية قيمة التنمية في الدول النامية بإقلاع الطائرات، فلكي تقلع الطائرة وتصبح محمولة على الهواء لابد أن تتجاوز حدا أدنى من السرعة الأرضية، ومن الواضح أن عوامل المقاومة التي تصل بظروف التخلف تشبه الجاذبية الأرضية فلابد من جهد مكثف في صورة دفعة قوية حتى يستطيع الاقتصاد المتخلف ويستطيع المجتمع النامي بصفة عامة أن ينطلق في طريق التنمية.

ويفسر صاحب هذه النظرية حتمية وضرورة الدفعة القوية بسببين رئيسيين: أولهما ، بالوفورات التي يدرها استثمار الدفعة القوية على الاقتصاد القومي في مجموعه وعدم قابلية ذلك للتجزئة، فإن مشروعات القوى المحركة والري والنقل لابد من إقامتها بدفعة قوية لأن إقامتها على قوى مساعدة يحول دون إمكان الاستفادة منها ويعد تبديدا لجهود الاستثمار، والسبب الثاني هو عدم قابلية الطلب للتجزئة ، فالظاهرة الجديرة بالاهتمام هي ضيق حجم السوق في البلدان النامية وبخاصة أن عقبات التصدير من البلدان النامية كثيرة ويحتاج تجاوزها إلي المزيد من الوقت والمجهود.

سادسا: نظرية النمو المتوازن:

يرى (واجنار نوركس) صاحب هذه النظرية أن التنمية يجب أن تهدف إلي تحقيق التوازن بين الزراعة والصناعة لأنه ما لم ينطلق القطاعان جنبا إلي جنب فإن تخلف أحدهما لابد وأن يعوق نمو الآخر.

ويضم الدكتور إسماعيل حسن نظرية النمو المتوازن إلي نظرية غير المتوازن في فقرة واحدة لأنها – في رأيه – يفسران بعضهما. ويؤكد ما ذهب إليه (هانس سنجر) من أن مفهوم التنمية المتوازن يشير إلي استخدامات ثلاثة هي:

  1. إن مفهوم النمو المتزن خال من المضمون الاجتماعي ولا يعني باستخدام تكنولوجي في الإنتاج.
  2. إن مفهوم النمو المتوازن يقصد به التوازن بين الطموح الإنساني والموارد المتاحة، أو بمعنى آخر التوازن بين الإدخار والاستثمار لكافة الموارد المتاحة، ثم بمعنى آخر أيضا التوازن بين ضغط الطلب وشدة الحاجة.
  3. إن مفهوم النمو المتوازن يقصد به ما تعارف عليه العرف الاقتصادي ثم أنه التوازن بين حجم الأسواق والموارد والطلب على رأس المال، أو التوازن بين تقسيم العمل وزيادة قدرة الإنتاج واتساع الأسواق، والتوازن بين الزراعة والصناعة.

ويرى بعض الاقتصاديين أن نظرية النمو المتوازن هي امتداد لنظرية الدفعة القوية ويذهب الدكتور علي لطفي إلي اعتبارهما نظرية واحدة، ويدعم نظرية النمو المتوازن بما قاله (روزنشتين) صاحب نظرية الدفعة القوية من عدم قابلية السوق للتجزئة، إذ يقول روزنشتين إننا عمدنا إلى إنشاء عدد كبير من المشروعات المتباينة في آن واحد ففي هذه الحالة سوف نجد أن كل مشروع سوف يخلق سوقا لتصريف منتجات المشروعات الأخرى، وبهذه الطريقة تساند المشروعات بعضها البعضن وتقلل ضيق حجم السوق ويزيد الحافز على الاستثمار.

سابعا: نظرية النمو غير المتوازن:

تذهب نظرية النمو غير المتوازن التي تعزي إلي (فرنسوبيرو) ثم طورها (البرت هيرشمان) إلي ضرورة أن تبدأ التنمية بالصناعات أو أقطاب النمو ثم تنتشر التنمية بعد ذلك تلقائيا إلي قطاعات أخرى وصناعات أخرى.

ووجهة نظر (هيرشمان) في النمو غير المتوازن أن الاقتصاد يحمل في طياته قدرة عدم التوازن من الأساس، وأن جزئيات الاقتصاد النامي لا يمكن أن تنمو بنفس الدرجة.

وتفسر هذه النظرية فكرة النمو غير المتوازن بأن النمو في بعض القطاعات يحرض ويستدرج النمو في قطاعات أخرى، وبذلك تصبح التنمية متمثلة في خطوات متتابعة بعيدا عن التوازن وأن كل خطوة إنما هي لاختلال سابق في التوازن، وتؤدي إلى اختلال جديد في التوازن وهذا بدوره يحض الاقتصاد القومي على خطوة أخرى تتلوها خطوة ثانية وثالثة ورابعة وهكذا. وخلاصة الفكرة أن حلقات هذه السلسلة من النمو غير المتوازن هي ذاتها جوهر عملية التنمية وحركتها نحو التقدم.

ثامنا: نظرية قارب النجاة:

وضع  أساس هذه النظرية الدكتور (جاريت هارون) أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورنيا الأمريكية تحت عنوان شعار أخلاقيات قارب النجاة، وهو يذهب إلي القول في تفسير نظريته بأن بلاد العالم الغنية تعيش الآن داخل قارب نجاة مزدحم، أما بقية سكان الأرض فإنهم يغرقون في بحر من الجوع، ولو سمح اصحاب قارب النجاة للآخرين بالتشبث بالقارب والصعود إليه فإن مصير القارب هو الغرق بكل من فيه، والدكتور هارون مع عدد من أعضاء الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا ينادون بضرورة قطع المعونة عن البلاد التي تتلكأ في تحديد النسل.

وتحظى هذه النظرة الجديدة بتأييد عدد متزايد من المتخصصين والسياسيين الأمريكيين ومنهم (ايرل باتز) وزير الزراعة الأمريكي الذي رفض أثناء المؤتمر العالمي للغذاء في روما (نوفمبر 1974) أن يلتزم كممثل لبلدان في المؤتمر بتخصيص احتياطيات غذائية للدول النامية، ويرى أصحاب هذه النظرية أو الواقعيون الجدد كما تسميهم بعض الصحف أن نصف سكان العالم يعانون من الجوع، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تأكل 35% من الغذاء المتاح في العالم، في حين يمثل سكانها 6% من سكان العالم. ويقولون أنه ما لم تقرر الولايات المتحدة اشتراط العمل على منح النمو السكاني للحصول على المعونة، فإن النتيجة هي أن الذين تنقد حياتهم الآن سوف يكون ثمنهم خسارة عدد أكبر من الأحياء في الأجيال التالية، ويضيف أنصار هذه النظرية حججا أخرى منها أن هذه النظرية يجب تطبيقها بمنطق الفرز والانتقاء والاستبعاد الذي يعمل به داخل المستشفيات العسكرية في زمن الحرب، فينبغي تصنيف الدول بنفس الطريقة التي يتم بها تصنيف الجرحى وتقسيمهم إلي ثلاث مجموعات: الجرحى الذين سوف يموتون بغض النظر عن أي علاج يقدم لهم، الجرحى الذين إذا عولجوا بطريقة مناسبة سوف يعيشون، الجرحى الذين يستطيعون العناية بأنفسهم.

بدأ عدد المقتنعين بالنظرية الجديدة يتزايدون، بعد أن أنضم إليهم الدكتور (بواهر بلخ) الأستاذ بجامعة ستنافورد ومؤلف كتاب (قنبلة السكان) والذي تطرق دعوته إلي درجة أن ينصح الجميع من الآن بتخزين الطعام والمياه والملابس لأن الجائعين في هذه الأيام يملكون أسلحة ذرية.

وأصحاب هذه النظرية الجديد ليسوا محصورين فقط داخل دائرة العلم والسياسة، فالواقع أنهم يستمدون سندهم الأخلاقي من الدكتور جوزيف فتلشير، عالم اللاهوت الذي عمل قسيسا في لندن والذي ألف فيه أن أي تصرف – مهما كان إجراميا – يمكن أن يكون صحيحا معتمد في ذلك على موقف قارب النجاة، وإذا كان هذا يعني أن مزيدا من الناس سوف يموتون في النهاية، فيجب عليك أن تتخذ قرارا لمصلحة أكثر عدد ممكن.

وليس كل الأمريكيين مؤمنين بطبيعة الحال بهذه النظرية، هناك مثلا السناتور (هيربرت همفري) الذي ينتقد التفكير الذي يقدم هذه النظرية من أساسه ويسميه تفكيرا (بذيئا) وهناك أيضا مستر (روبرت ماكنمارا) رئيس البنك الدولي الذي يقول: أن هذا التفكير خاطئ فنيا ، بمثل ما هو كريه ومنبوذ أخلاقيا.

تاسعا: نظرية التحرر الإنساني:

يضع الدكتور سعد الدين إبراهيم أمامنا نظرية للتنمية مركزا على الجانب الاجتماعي أو منطلقا من البعد الاجتماعي بصفة خاصة، وبرغم أنه اتخذ لبحثه عنوانا (نحو نظرية سوسيولوجية للتنمية في العالم الثالث) إلا أنني اطلقت عليها نظرية التحرر الإنساني تعبيرا عن مضمونها.

يبدأ الدكتور (سعد الدين إبراهيم) نظريته بتحديد مفهوم التنمية بأنها انبثاق ونمو كل الإمكانيات والطاقات الكامنة في كيان معين بشكل كامل وشامل ومتوازن – سواء كان هذا الكيان هو فرد أو جماعة أو مجتمع – ثم يضع بهذه النظرية ثلاثة عناصر أساسية، أولها أن التنمية عملية داخلية ذاتية بمعنى أن كل بذورها ومقوماتها الأصلية موجودة في داخل الكيان نفسه، وأن العوامل الخارجية مجرد عوامل مساعدة أو ثانوية، وثانيها أن التنمية عملية ديناميكية مستمرة، وثالثها أن التنمية ليست ذات طريق واحد أو اتجاه محدد مسبق، وإنما تتعدد طرقها واتجاهاتها باختلاف الكيانات وباختلاف وتنوع الإمكانيات الكامنة في كل كيان، ثم يضيف المؤلف شرطان لازمان لعملية التنمية، الشرط الأول، هو إزاحة كل المعوقات التي تحول دون انبثاق الإمكانيات الذاتية الكامنة في كيان معين، والشرط الثاني هو توفير الترتيبات التي تساعد على نمو هذه الإمكانيات إلي أقصى حدودها.

ويرى المؤلف أن الاستغلال بكل صوره ومستوياته هو المعوق الرئيسي لعملية التنمية، وأن المساواة من جانب وتوسع الفرص من جانب آخر ركيزتان أساسيتان للتنمية وأن هاتين الركيزتين المساواة، وتوسيع فرص الحياة، هما المضمون الإجرائي لمفهوم التنمية في نظر المؤلف، وأن هاتين الركيزتين هما ما ينطوي عليه مفهوم التحرر الإنساني، فالتنمية والتحرر– هما مصطلحان أو مفهومان لنفس المضمون فكلاهما يعني الآخر وكلامها يشترط وينطوي على إزاحة الاستغلال بكل صورة وكل مستوياته وكلاهما يشترط تفجر كل الإمكانيات  البشرية الكامنة للإنتاج  والخلق والإبداع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الرابع

التخطيط الإعلامي كضرورة للتنمية

الأهداف التي تقع ضمن المسئوليات الأساسية للإعلام الجماهيري هي نفسها أهداف التنمية، وما لم يتضح المفهوم العام والخاص للتنمية فإن الجهود المبذولة تفقد معناها وجدواها وتتحول إلى مجرد شعارات، والمنطلق الأصلي للتخطيط الإعلامي هو إدراك الاتجاهات المتعارضة لدى أفراد المجتمع وجماعاته الصغيرة، وعندما ينجح الإعلام في توحيد الاتجاه بين الأفراد والجماعات فإن المحصلة ستكون توحيد أفراد وجماعات المجتمع نحو هدف واحد عام للمجتمع أو عدة أهداف جزئية، وعلى هذا فإن التخطيط الإعلامي يعني إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الجماهير للتحرك بشكل موحد وتحديد اتجاهات هذا التحرك وأشكاله وقوته وتوقيته ، والمتفق عليه بين علماء التنمية وعلماء الاتصال الجماهيري أن أهداف التنمية تنقسم إلي نوعين عما الأهداف العامة المتصلة بالمجتمع ككل وتنسحب نتائجها على الأفراد بشكل غير مباشر والأهداف الخاصة بأفراد المجتمع – كأفراد – وهي أهداف جزئية تنسحب نتائجها على الأفراد بشكل مباشر.

التخطيط الإعلامي ومجالات الإعلام الخاصة:

وبالرغم من اتساع مجال الأهداف الخاصة، فإن المجال واضح وسهل التحديد، ويتصل بشكل مباشر – بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع، ويمكن تحديد هذه الأهداف في النقاط التالية:

  • تزويد أفراد المجتمع وتقديم المساعدات التي تمكنهم من زيادة دخولهم والارتفاع بمستوى هذه الدخول.
  • مساعدتهم لاكتشاف الفرص والمجالات وحفزهم لاستغلالها بما فيه صالح المجتمع والفرد معا.
  • تثقيفهم وتوعيتهم بما يدور حولهم من أحداث وظاهر وأفكار مستحدثة على الصعيد الدولي والمحلي.
  • تنمية الإمكانيات الاقتصادية وتوسيع مجال الترويج.
  • إتاحة الفرصة لأفراد المجتمع لاكتشاف مواهبهم وتزويدهم بالمعارف التي تساعد على التعاون من أجل صالح المجتمع.
  • الاهتمام بتحسين الأحوال الصحية العامة ، وإتباع الطرق الصحيحة في التغذية والرعاية الصحية.

التخطيط الإعلامي ومجال الأهداف الأساسية:

وهذه الأهداف تنحصر في بيان الأهداف الشاملة لتنمية المجتمع وتطويره من أجل رفع المستوى العام للمجتمع وخلق المواطن الصالح السوي ودعم ديمقراطية المجتمع وزيادة الدخل العام وترسيخ المفاهيم العامة التي تتصل بحياة الأفراد وسعادتهم، ويتجلى ذلك بصفة عامة في اتساق التنمية مع الشرائع الدينية مع دساتير وقوانين الحكومات مع الأهداف التي تسعى إلي تحقيقها مواثيق الهيئات والمنظمات الدولية والمحلية.

 

 

التخطيط الإعلامي وتنمية المجتمعات المحلية:

وهنالك العديد من برامج التنمية التي تشرف الوكالات الحكومية أو الجامعات، والمثال على هذا النوع برامج تنمية المجتمعات الريفية والمحلية في الهند وبعض الدول النامية الأخرى. وهي – في العادة – متعدد الأغراض، وتعتبر هذه السياسات التنموية الأساس الفلسفي الذي قامت عليها الوحدات المجمعة الريفية في الريف المصري، والتي كان القصد من إنشائها توحيد الخدمات المقدمة إلي سكان الريف سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو تعليمية أو زراعية فيعرفها الدكتور أحمد العادلي بأنها (العملية التي يمكن للأفراد الذين يعشون في مجتمع صغير أن يناقشوا عن طريقها حاجاتهم ويحددونها ثم يضعون الخطة لتنفيذها ويعملون معا لسد هذه الحاجات) وهناك تعريف آخر لـ Battern أن التنمية المحلية هي (الجهود المنظمة لتحسين ظروف الحياة في المجتمع وذلك بتشجيع المقيمين في هذا المجتمع على مساعدة أنفسهم وتعاونهم بعضهم مع بعض مع تقديم المعونة الفنية اللازمة عن طريق المنظمات الحكومية أو الأهلية.

وعلى وجه العموم فإن العلاقة بين التخطيط الإعلامي وبرامج وخطط تنمية المجتمعات المالية هي علاقة عضوية لأن أهم الأسس التي يتركز عليها منهج التنمية هي توجيه أفراده لمساعدة أنفسهم والمساهمة – بفاعلية – في الجهود التي تبذلها الحكومات المركزية أو المحلية لتحسين مستوى معيشتهم وتشجيعهم للقيام بدور فعال في تنمية مجتمعهم المحلي وتوعيتهم ليكنوا على إدراك ووعي بمشكلات بيئتهم وتدريبهم على الحكم الذاتي، وهذا كله لن يقدر له النجاح إذ لم يضع المخطط الإعلامي في اعتباره أن هناك عدة ظروف خاصة في المجتمع المحلي وهي أن يطلق عليه سمات أو مميزات المجتمع التي تبين الاختلافات بين كل مجتمع وآخر وهي المميزات الاقتصادية والاجتماعية الثقافية والتاريخية والحضارية وهذه تختلف من مجتمع إلي آخر من حيث وجودها أو عدم وجودها ومن حيث درجة وضوحها في أذهان أفراد المجتمع، ومن حيث قوة التأثير التراكمي الناتج عنها واتساع هذا التأثير، وأخيرا من حيث ضعف هذا التأثير في مناطق وانحساره في مناطق أخرى، وبصرف النظر عن نوعية التأثير الناتج عن السمات الخاصة بكل مجتمع فإن هذه السمات تجد طريقها بكل سهولة إلي احتلال جزء كبير من عقل وتفكير المخطط الإعلامي ، ومن ناحية  أخرى، فإن التخطيط الإعلامي لهذا الجانب من المنطلقات يعتبر تخطيطا لجزئيات من كل متكامل هو التخطيط للتنمية الشاملة والمحلية، وفي مقدمتها الدراسة التي أجراها ولبرشام، على مائة دولة من الدول النامية لإلقاء الضوء على العلاقة بين الاتصال الجماهيري وبين التنمية، وقد توصل شرام إلي أن معامل الارتباط بين العلاقة بين الاتصال بالجماهير وبين التنمية. وقد توصل شرام إلي أن معامل الارتباط بين النشاط التنفيذي الذي تجريه وسائل الاتصال بالجماهير ويبن نتائج تنفيذ الخطط العامة للتنمية (متضمنة برامج التنمية الخاصة) قد وصل إلي 72% وإذا قلنا أن النشاط التنفيذي لوسائل الاتصال بالجماهير، وهو تنفيذ لخطط وبرامج إعلامية وضعها المخطط الإعلامي سلفا وإذا قلنا – كذلك – إن عمليات التنمية هي النشاط التنفيذي لخطط وبرامج التنمية (شاملة محلية) والتي وضعها وحددها سلفا المخططون في مجالات التنمية كل في اختصاصه، فإن ذلك يعني أن معامل الارتباط بين التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية لابد وأن يكون على مستوى من الارتباط أعلى من 72% لأن هناك مجموعة من العوامل السلبية التي تحول – عادة- دون تنفيذ الخطط في كل من النوعين (التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية) بالدقة المطلوبة، وبالتالي فإن هذه العوامل السلبية قد أضعفت مستوى الارتباط وقللت درجته إلي الدرج التي حددها شرام.

والمشاهد الآن وجود تغييرات جذرية في اتجاهات الدول النامية نحو عمليات التنمية وفق إمكاناتها وديناميكيتها واحتياجاتها، وهذا يعني أن الدول النامية أصبحت تتخذ نفسها وبشكل مباشر القرارات الخاصة بالقضايا الرئيسية بما فيها قرارات التنمية في مجالاتها المختلفة، ومن الواضح أنها من خلال ذلك – قد أدركت ضرورة إعطاء أولوية للتنمية الزراعية وطرحت جانبا الأفكار القائلة بأن التصنيع وحده هو الذي يحل مشكلات التنمية، وأصبحت معاهد الكير من البلدان النامية تخرج دفعات من الفنيين المؤهلين تأهيلا عاليا والقادرين على إحداث التغيير والتطور.

والمشاهد الآن – أيضا – من خلال تطور التخطيط الإعلامي أن مجالات الأهداف الخاصة والأساسية وتلك المتعلقة بالمجتمعات المحلية في دول العالم الثالث لم تعد ترتكز على الاهتمام بإنتاج الخامات الزراعية كما كان الحال في الماضي القريب، بل أصبح التركيز الآن موجها إلي إنتاج الأغذية ومركزا على الخطط العامة لإنتاج الغذاء بشكل وفير ورخيص نظرا للارتفاع المستمر في تكاليف استيرادها من الدول الصناعية.

القضايا الأساسية للتخطيط الإعلامي في مجال التنمية:

مسئولية الإعلام تجاه تنمية المجتمع هي تزويده بأكبر قدر من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها والتأكد من دقتها والتثبت من مصدرها ، وبقدر ما في الأعلام من حقائق ومعلومات دقيقة، بقدر تحقيق أهداف التنمية، ويركز الكثير من العلماء المهتمين بدور الإعلام، والتنمية على ههذ النقطة ويسمون الدور الذي يضطلع به الإعلام في تطور المجتمعات باسم (الهندسة الاجتماعية للإعلام الجماهيري) خاصة وأن هذا الدور ينصب على كيفية توجيه الجمهور لخدمة الرخاء الإنساني.

وتتضح المعادلة التي دعت إلي تسمية دور الإعلام (بالهندسة الاجتماعية) إذا عرفنا أن الهدف الجوهري للتنمية الاجتماعية لا يستطاع بدون رفع المستوى الاقتصادي باستخدام برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتوفير الخدمات وإشاعة العدالة، تلك التي تثير في نفوس أفراد المجتمع مشاعر الولاء لمجتمعهم، والذي ترتبط به كل مصالحهم الحيوية ارتباطا قويا، وما دامت تنمية أفراد المجتمع وبيئتهم المادية من الأهداف الأساسية للتخطيط، فمن الضروري أن يتم إنجاز هذه المسئولية وفق خطة مدروسة قائمة على تخطيط شامل لكافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامي والبيئية.

 

 

الجانب البشري في التخطيط الإعلامي:

وتتضمن الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية – دائما – القدر الأكبر من الاهتمام بالقوى البشرية والسياسية التعليمية، ولا شك أن تحليل السياسات العامة للخطط المختلفة لتنمية الموارد البشرية أمر لا يمكن الاستغناء عنه عند وضع خطة جيدة للتنمية. وبدون ذلك لن يتسنى أي نجاح للتخطيط، صحيح أن التخطيط العام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يتضمن – دائما قدرا من الاعتبار للقوى البشرية المتوفرة والمطلوبة ولكن هذه الخطط التي تقصر على السياسات الاقتصادية فقط ينبغي أن تعالج الموارد البشرية على أنها عوامل رئيسية للإنتاج ، ولا خلاف في ان جميع المخططين في المجال الاقتصادي – مهما يبلغ إطار التحليل عندهم من الضيق – فهم يدركون أهمية توفر العنصر البشري، خصوصا ما يتعلق بالتعليم والتدريب بوجه عام.

ويقف التخطيط الإعلامي – هنا – ليعمل على تزويد المعنيين بالتنفيذ بأكبر قدر ممكن من المعلومات الدقيقة الصحيحة والحقائق الواضحة، وللتخطيط الإعلامي أهدافه ومسئوليته المحددة الأبعاد، ولا يخرج التخطيط الإعلامي عن الدور الذي قصده ماكس مليكان Max Mullikan فهو يقرر تسمية الدور الذي يضطلع به الإعلام والاتصال الجماهيري في ميدان التنمية (بالهندسة الاجتماعية للاتصال الجماهيري) وكيفية توجيه الاتصال الجماهيري لخدمة الرخاء الإنساني في المجتمع التقليدي.

وانطلاقا من هذا المفهوم فإن القوى البشرية تمثل أهمية كبرى في التخطيط الإعلامي على اعتبار أن المتقلين من أفراد المجتمع (قراء – مشاهدين – مستمعين) هم هدف التخطيط الإعلامي، ومن أجل ربطهم بأهداف خطة التنمية بنوعيها الشامل والمحلي، ومن أجل ربطهم بأهداف خطة التنمية بنوعيها الشامل والمحلي ، وفي مجاليها الاقتصادي والاجتماعي، وسواء كان العنصر البشري وسيلة التنمية أو غايتها، والنقطة الرئيسية في كل من التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية الشاملة ، هي أن هذين النوعين من التخطيط، يهدفان أساسا إلي تطوير الشخصية الإنسانية من الجمود إلي الحركة ومن التقليدية إلي التقدمية، بالمحور الرئيسي في التنمية هو الناس أنفسهم ، والتخطيط للتنمية هو ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح. وإذا كان الإعلام هو محاولة لربط أفكار أفراد المجتمع وتصوراتهم وقيمهم واعتقاداتهم بالتخطيط للتنمية وبأسلوب التنفيذ، ووضع المستويات الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار، فإن التخطيط الإعلامي هو – أيضا – ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح اعتمادا على الإطار الثقافي هو الذي يخلق فكر كافة أفراد المجتمع بما فيه من اهتمام بالماضي وتحليل الحاضر والواقعي ونزوع إلي العمل. ومن الطبيعي أن يكون ذلك من أخص مبادئ الاتصال الجماهيري، ومن الطبيعي  – أيضا – أن يكون ذلك من أكثر خصوصيات التخطيط الإعلامي، إذ الإنسان العصري في المجتمع الحديث يتميز بعقلية تخلف كلية عن الإنسان التقليدي.

 

 

 

سلبيات التخطيط الإعــلامي:

ومن المهم أن يتفادى التخطيط الإعلامي كما يقول الطيب الخضيري مجموعة من السلبيات التي تصاب بها عادة الخطة العامة للتنمية… ولكي تتفادي الخطط الإعلامي الوقوع في هذه السلبيات التقليدية، فإن المنهج السليم هو الاسترشاد بمجموعة من التساؤلات حول الهداف أو الغاية من استخدام القوى البشرية في التنمية وهي – أي هذه التساؤلات – تضع الحدود الفاصلة بين استخدام القوى البشرية كوسيلة للتنمية (وهنا يتضح دور العنصر البشري في التنمية الاقتصادية الصناعية الزراعية والزراعية الاستخراجية) وبين استخدام القوى البشرية كغاية التنمية (وهنا يكون العنصر البشري هو المقصود بالتطوير والتحسين والخدمة) وهذه التساؤلات هي:

  • كيف يمكن الحفاظ على القوى البشرية العاملة ضد الوهن والتسرب وتأمينها ضد المخاطر التي تواجهها؟
  • كيف يمكن اختيار الأفراد المناسبين وتوجيههم إلي مجالات التعليم والتدريب المناسبة لهم بما يخدم – أيضا عملية التنمية؟
  • كيف يمكن رفع مهارات ومستويات الأداء لدى أفراد القوى البشرية العاملة في مختلف القطاعات.

وعلى أي حال فإن الاسترشاد بهذه التساؤلات في وضع الخطة الإعلامية يعصم وسائل الاتصال الجماهيري – فيما بعد – ضد الوقوع فريسة لذات السلبيات التي تقع فيها – عادة – خطط التنمية.

على أن هناك عدم مفاهيم خاطئة موروثة في التخطيط للتطوير الاقتصادي تتعلق بالجزء الخاص بتنمية الموارد البشرية في المجتمع، ولعل أوضح نموذج على هذه السلبيات تلك التي واجهت ديوب S. C. Dube عند قيامه بالمشاركة في التخطيط الإعلامي المواكب لخطة التنمية في الهند، وتتلخص في أن المخططين الإعلاميين ورجال الإدارة – أيضا – ليسوا على المستوى المتخصص الذي يؤهلهم لترجمة الكثير من الأهداف إلي خطط إعلامية مؤثرة، أو إجراء الاتصالات الفعالة مع الجهات المعنية والمختصة، ولقد اضطرت لجنة التخطيط العليا للتنمية في الهند ومعها من الوزارات المعنية إلي إجراء الكثير من البحوث الخاصة إلي حول كيفية الاتصال المؤثر وتوسيع قنوات الاتصال سواء من أجل الوصول إلي تخطيط إعلامي جيد، أو ما يتعلق منها بتشكيل السياسات العامة والتخطيط لها ومن أجل التغلب على هذه السلبيات قام Dube بعدد من الإجراءات الضرورية للتقليل من آثارها غير المرغوبة، ومن هذه الإجراءات ما يلي:

  • حل مشكلة الاتصال بين المخططين وبين وكالات البحوث الفنية المختصة.
  • توسيع قنوات الاتصال بين المخططين وبين القائمين على تنفيذ الخطة.

على أن أكثر هذه السلبيات هي ما يتعلق بالمفاهيم الخاطئة التي انتشرت في أساط المشتغلين بالتخطيط، ويقتنع بها المخططون رغم أنها تؤدي إلي نتائج عكسية عند التنفيذ، فالخطط ، عند اعتمادها على الموارد البشرية، هو فقط – تقديم إعداد الأشخاص مصنفين حسب المهن والتخصصات التي يحتاج إليها البلاد لتنفيذ برامج الخطة دون مراعاة تحديد المشكلات المتعلقة بالقوى البشرية أو التعليمية أو الاجتماعية أو المادية أو النفسية وإلقاء الضوء عليها لدراستها ولتحديدها، ومن ثم علاجها أو تلافي تأثيرها، أما الجانب الثاني الذي يصر المخطط الإعلامي على التمسك به – بالرغم من خطئة الفاجح – فهو الحصول على معلوماته وإحصاءاته عن احتياجه من القوى البشرية من الخطط الاقتصادية دون غيرها من المصادر الأخرى. ومن ثم فهو يعالج المادة الإعلامية الموجهة إلي الجمهور متخذا نفس النهج الرقمي الذي يسير عليه الخطط الاقتصادية، ولكن الصحيح فإن جميع المجتمعات الحديثة تنمي ما لديها من الموارد البشرية لتحقيق غايات اجتماعية واقتصادية وسياسية معا، وإن تنمية الموارد البشرية – في حد ذاته – غاية من الغايات السامية.

 

علاقـة التخطيط الإعلامي بالتخطط التنمية الشاملة:

لتحديد علاقة التخطيط الإعلامي بالتخطيط للتنمية الشاملة ينبغي أن توقف قليلا أمام مجموعة من التساؤلات أوردها شرام لبيان العلاقة الارتباطية بين الاتصال الجماهيري والتنمية، ومن خلالها ألقى شرام الضوء على الدور الهام الذي يضطلع به الإعلام والاتصال في تطوير وتنمية المجتمعات، وهذه التساؤلات تركز في الوقت نفسه على توضيح مفهوم التخطيط الاتصال وعلاقته بالتنمية وهذه التساؤلات هي:

  • ما العلاقة بين الاتصال والتغير في المجتمع؟.
  • كيف ينمو الاتصال الحديث؟
  • ما العلاقة بين الاتصال الجماهيري والاتصال الشخصي في برامج التنمية؟
  • ما الدور الذي يقوم به الاتصال الجماهيري للمساعدة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
  • هل تكون متطلبات الاتصال الجماهيري المؤثر هي الاختلاف بين الدول من حيث درجة التطور والتنمية؟ أو الاختلاف في مراحل التنمية نفسها.
  • ما أنواع الإستراتيجية الاتصالية التي يمكن اتباعها في تطوير المجتمعات في البلاد النامية؟

ويؤكد شرام في معرض تعليقه على هذه التساؤلات على جانب هام هو أن رجال الاتصال والإعلام الجماهيري – في جميع الأحوال – لا يكونوا أصحاب القرارات في عمليات التخطيط والتنفيذ ، وبهذا لذلك إلي أن يكون لهم القرار الأول في تحديد المهمة الاستراتيجي للإعلام الجماهيري في أية مرحلة من مراحل الخطة جمع المعلومات حتى نهاية مرحلة التنفيذ.

أهميـــة التخطيط الإعلامي:

يعتمد تخطيط أوجه النشاط الاتصالي كوسيلة للتأثير في عملية التغير في البلدان النامية على مفهوم هذه البلدان للتنمية وعلى ماهية الأهداف المطلوب تحقيقها بالجهود التنموية.

والتخطيط الإعلامي ليس سوى جزء من التخطيط القومي الشامل للتنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي إذا كان متواصلا بالتنمية الشاملة، ولا يتصل التخطيط الإعلامي – فقط – بالتغير المادي، ولكنه يتصل – أيضا – المتغيرات النفسية والاجتماعية والمعنوية والثقافية لدى أفراد المجتمع.

ويختلف التخطيط الإعلامي من مجتمع إلي آخر ومن دولة إلي أخرى ومن نظام إعلامي إلي نظام آخر وطبقا للمفاهيم والثقافة السائدة، بل تختلف في البلد الواحد من مرحلة إلي أخرى وفقا للإستراتيجية العامة للمجتمع والتي تتضمن الأهداف العليا التنموية للوطن وللإستراتيجية الإعلامية التي تستوعب هذه الأهدفا العليا للسياسة الإعلامية التي تترجم الإستراتيجية الإعلامية إلي مبادئ ثابتة وترتبط معها في إطار السياسات الأخرى السكانية والتعليمية والزراعية والاقتصادية والاجتماعية وتعبر عنها في شكل خطط إعلامية تمثل الأهداف التي ينشد المجتمع تحقيقها خلال فترة زمنية طويلة،، وخطط تفصيلية تمثل الترجمة التفصيلية لأهداف الخطة في شكل مشروعات وأعمال محددة بتوقيتات زمنية محددة.

ويمثل التخطيط ضرورة مهمة لإنهاء حالة التخلف التي يعيش فيها البلدان النامية سواء بالنسبة للأنشطة التنموية أو الأنشطة الاتصالية… وترجع إلي أنه أصبح أحد السمات المميزة لعصرنا الحاضر.. فكل الدول على السواء أدركت أنه الضمان الوحيد لاستخدام جميع الموارد الوطنية المادية والطبيعية والبشرية بطريقة علمية وعملية وإنسانية لتحقيق الخير لجموع الشعب وتوفير الرفاهية لهم مع البعد عن العشوائية والتلقائية والارتجال ومن هنا يوصف العصر الحاضر في كثير من الكتب العلمية بأنه عصر العلم وعصر التخطيط.

ومن ناحية أخرى فإن إهمال التخطيط يعوق عملية التنمية ففي دراسة عن الإعلاميين وقضايا التنمية الشاملة لألفت آغا جاء في مقدمة الأسباب الاقتصادي التي أعاقت تنمية المجتمع المصري والتخطيط الاقتصادي ببساطة هو التعرف الكامل على الموارد المتاحة للمجتمع في سنة معينة (سنة الأساس) وأوجه استخدام تلك الموارد ثم رسم الصورة المثلى لوضع الموارد والاستخدام في نهاية الخطة وأخيرا اقتراح السياسات والإجراءات والمشروعات الكفيلة بنقل المجتمع من أوضاع سنة الأساس إلي الأوضاع المنشودة في نهاية مدة الخطة، والمتتبع لحركة الاقتصاد المصري خلال الفترة ما بعد عام 1962م وحتى الثمانينات يلاحظ أن هذا الأسلوب لم يتبع بالمعنى السابق إلا في الخطة الخمسية (60/61- 64/ 1965) أما دون ذلك فلا يعد من التخطيط في شيء ، وهنا يرى البعض 36.5% من العينة أن قصور العملية التخطيطية بمعنى عدم الأخذ بالعناصر الأساسية للعملية التخطيطية أثر على معدلات أداء الاقتصاد القومي وذلك نتيجة للنقص الشديد في الموارد وسوء توزع الثروة في المجتمع.

فقصور التخطيط ليس قاصرا على الجانب الاقتصادي وإنما شمل جوانب التنمية الأخرى الروحية والفكرية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.

ومعظم خطط التنمية العربية كما أشرنا إلي ذلك تقرير اللجنة العربية لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي لا تنطلق من الواقع الموضوعي للبلاد، ولا تلتزم بسلم اولويات مدروس بشكل كاف وتعبر الخطة في أحيان كثير عن رغبات السلطة لا عن الحاجات الموضوعية للبلد المعني.. وتنصل باعتمادها على الخبرة الخارجية.

وفي مجال التخطيط الإعلامي فإنه غالبا كما يقول التقرير.. ما تكون الخريطة البرامجية التي يضعها المسئولون عن التنسيق شكلا أكثر منها مضمونا.. وأن ملء الفراغ هو السياسة السائدة غالبا ولا يبقى لدى المسئولين عن الاختيار إلا القبول بما هو موجود.

ونتيجة لهذا القصور في التخطيط الإعلامي فقد تدفقت الرسائل الاتصالية في اتجاه واحد في القمة إل القاعدة.. وتركز الاهتمام على الجماهيري العريقة في المدن دون القرى وحتى دون المناطق العشوائية بالمناطق الحضرية وعدم الاهتمام بالتالي بإشباع حاجاتهم. فضلا عن أن هذه الدول لم تشجع تمثيل الجمهور في الإدارة ووضع السياسات ولهذا أصبح الوضع الحالي من ناحية البناء الطبقي لتدفق المعلومات والمضمون في حاجة إلي مراجعة لتضييق الفجوة بين السياسات التنموية الإعلامية. ولن يتم تلافي هذه الفجوة إلا بالالتزام بالتخطيط.

فالتخطيط عامل أساسي لإحداث التنمية ولا يمكن للتنمية أن تسير في مسارها الصحيح بدون تخطيط.. وترجع أهميته لأسباب عديدة أهمها:

  1. لتحديد احتياجات المجتمع بطريقة علمية وترتيب أولوياتها.
  2. لوضع إستراتيجية العمل في المجتمع لمقابلة متطلباته واحتياجاته.
  3. لتحديد المشكلات التي تواجه المجتمع واختيار أنسب الطرق لمعالجتها.
  4. لتحقيق التوازن في التنمية بين القطاعات المختلفة.
  5. لتحديد مستويات الجهات المختلفة المسئولة عن التنفيذ.
  6. لربط مجهودات التنمية في مختلف أنحاء المجتمع ببعضها.

مفهوم التخطيط الإعــلامي:

يقصد بالتخطيط الإعلامي بصورة عامة ما يعرفه علي الحوت هو التدابير والإجراءات التي يتخذها فرد أو جماعة أو هيئة أو دولة من اجل تحقيق غايات وأهداف محدودة في مدى زمني قد يكون قصيرا أو بعيدا.

ويعرفه محمد شافعي بأنه (مجموعة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية معبرا عنها في صورة كمية ومهام محددة).

ويعرفه الدكتور سمير حسن بأنه اعتبار عن مجموعة من المراحل والخطوات التي تتخذ لمواجهة الظروف فترة زمنية مستقبلية، ويبدأ التخطيط كنظرة مستقبلية بالتفكير ومحاولة التنبؤ بما يمكن عليه الظروف المستقبلية مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات والظواهر التي يمكن أن تعلب دورا أساسيا في التحكم في الصورة المستقبلية ودراسة كل الإمكانات والموارد والجهود التي يمكن استخدامها وكيفية الاستخدام الأمثل لها ثم تأتي أخيرا مرحلة تحديد الأهداف ورسم السياسات التي يجب إتباعها خلال الفترة الزمنية القادمة التي يوضع لها التخطيط بغية تنفيذ هذه الأهداف واتخاذ القرارات على ضوء التصورات والتنبؤات والموارد المتاحة والممكنة – والتي يمكن بمقتضاها مواجهة ظروف المستقبل وتحقيق الأهداف المطلوبة التي أمكن تحديدها.

وهذا يعتبر التخطيط بهذا المفهوم البداية المنطقية السليمة لأي عمل مطلوب إنجازه بمستوى عال من الكفاءة والفعالية كما يدل على أن التخطيط عملية مستمرة ودائمة وليست نشاطا وقتيا وأنه يتضمن مجموعة من المراحل والخطوات المتعاقبة يتوق نجاح كل منها على نجاح الخطوة السابقة عليها.

فالتخطيط الإعلامي – إذن – عبارة عن مجموعة من الخطوات والمراحل المتزامنة التي تواكب نظريتها في مجال التخطيط للتنمية، وتعتبر هذه الخطوات جزئيات متكاملة لا تستطيع جزئية منفردة تحقيق الأهداف المنوطة بها في غيبة الجزئيات الأخرى، وهذه الخطوات أو المراحل كالآتي:

أولا: مرحلة التخطيط الإعلامي:

وتهدف إلي جمع البيانات عن مجموعة من المتغيرات وتحليلها وتشمل هذه البيانات ما يأتي:

  1. التعرف على الإستراتيجية التنموية للمجتمع وأهدافها.
  2. جمع معلومات عن الإستراتيجية الإعلامية عامة وإستراتيجية الاتصال التنموي.
  3. التعرف على الركائز الأساسية للسياسة الإعلامية المتبعة.
  4. تحديد أهداف الخطة الإعلامية بصورة عامة.
  5. تحديد أهداف الخطة الإعلامية بالنسبة للقضايا المتصلة بالتنمية كقضايا الزيادة السكانية – البطالة – الإرهاب – التلوث البيئي – الوعي الصحي.
  6. تحديد الأهداف بالنسبة للشرائح الاجتماعية المختلفة.
  7. تحديد الأهداف السابقة وفقا للوسائل الاتصالية المختلفة.
  8. تحديد المتطلبات العاجلة التي يقوم الإعلام بمعالجتها من أجل دفع عملية تنمية وتطوير المجتمع.
  9. تحديد كيفية وأسلوب التكامل بين الوسائل الاتصالية لتحديد الأهداف المتوقعة.
  10. تقسيم الأهداف وفقا للمراحل الزمنية المحددة للخطة.
  11. تحديد حجم وطبيعة مصادر الثروة الموجودة في المجتمع والممكن استخدامها في التنمية وفي مقابلة الاحتياجات العامة لهذه التنمية، وحتى يكون هناك حدودا للعمل الإعلامي لا يتعداها ويقصر عنها.
  12. توفير المعلومات والإحصاءات التفصيلية لدى المخططين على وجه العموم (الإعلاميين وغير الإعلاميين) على المناطق التي يتم التخطيط لتنميتها، الأمر الذي يؤدي المخطط الإعلامي إلي إعطاء كل من هذه المناطق القدر المناسب من الاهتمام والمعالجة الإعلامية خلال الخطة.
  13. تحديد أوجه الاختلاف بين المناطق المختلة، ذلك أن هذه الاختلافات تتعدد بتعدد المناطق التي تتكون منها الدولة فهنالك – على سبيل المثال – الاختلاف في العادات والتقاليد بين مجتمع محلي ومجتمع آخر محلي، مما يجعل طبيعتها مختلفة متنوعة، ومن الحتمي أن يتم التخطيط الإعلامي على أساس المناطق منفردة على أساس كل المناطق مجتمعة.
  14. تحديد الأساليب والاستراتيجيات لتوجيه النشاط الاتصالي.
  15. إعداد الخطة وتحديد التوقيتات للتنفيذ.
  16. إعداد الإجراءات للتنفيذ.
  17. مراجعة الخطة وتقويمها مبدئيا.

مقومات نجاح التخطيط:

  • الشمول: وهو شمول التخطيط الإعلامي لكافة المجالات التنموية ولكافة أنواع الجمهور وكذلك لكافة عناصر العملية الاتصالية المرسل والرسالة والجمهور والأثر… لأن كل عنصر يعتبر مؤثرا ويؤثر في العناصر الأخرى.
  • التكامل: ويعني التكامل مع الخطط والبرامج الإعلامية السابقة ومع الخطط والبرامج التنموية.
  • المرونــة: ويعني القدرة على التعديل الطارئ لمواجهة الظروف غير المتوقعة للقائم بالاتصال.
  • الاستمرارية: بمعنى أن نتصور أن كل مرحلة تتصل بما قبلها وتؤدي إلي ما بعدا.. فمرحلة الإعداد والتصميم لا تنفصل عن مرحلة التخطيط ولا عن مرحلة التخطيط ولا عن مرحلة التنفيذ.. وهذه الأخيرة لا تنفصل عن مرحلة التقويم، أي أن الخطة كلا متكاملا مرتبطة ببعضها بطريقة عضوية ضمانا لاستمرار العل ووفائه بالغابات المنشودة.
  • التكلفة: على أساس وحدة تكلفة لاستخدام وسائل الإعلام المختلفة.
  • يسر الأداء: أي تتوفر جمع وسائل أداء الخطة الإعلامية وتنفيذها.

أنواع التخطيط:

ويمكن التمييز بين عدة أنواع من التخطيط الاتصالي وذلك بناء على عدة أسس هي:

* وفقا للأساس الزمني:

وينقسم إلي:

  • تخطيط قصير المدى أو عدة شهور.
  • تخطيط متوسط المدى ويمتد لسنة أو أكثر وفي حدود ثلاث سنوات.
  • تخطيط بعيد المدى ويمتد لخمس سنوات أو أكثر.

* وفقا لنطاق الخطــة:

وينقســم إلي:

  • خطة رئيسية تشمل نشاط الاتصال التنموي ككل.
  • خطة فرعية تختص بوسيلة معينة أو منطقة معينة أو جهود معينة أو نشاط محدد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

الفصل الخامس

سياسات الإتصال في الدول النامية

تعرف سياسات الاتصال بأنها مجموعة المبادي والقواعد والتوجهات والممارسات الواعية والسلوكية الشائعة التي يقوم عليها النظام الاتصالي في زمن معين .

وتعرف ايضا بأنها الممارسات الواعية والمدروسة والسلوكيات الاتصالية في مجتمع ما والتي تهدف الي تلبية الاحتياجات الاتصالية الفعلية من خلال الاستخام الامثل للامكانيات المتاحة في المجتمع .

وهناك تعرفيات أخري كثيرة ولكنها تصب كلها في نص واحد .

لايعني ذلك أن السياسات تكون مكتوبة او معلقة .

تختلف البلاد العربية فيما بينها في اسلوب وضع السياسات ، ولكن الامر برمته متروك للتشريعات والقوانين التي تحكم العملية الاتصالية تبعا لنظام الحكم في كل قطر عربي.

سواء كانت هذه السياسات الاتصالية في الوطن العربي مكتوبة ومعلنة أم بعد عنها فقط في الممارسات الشائعة فإنها نجد في معظم الاحوال سندها التشريعي في الدستور والقانون الجنائي والمدني والاداري . ومع ذلك نجد أيضا قوانن المطبوعات ، ولكن في بعض الدول العربية لا توجد أي قوانين أو تشريعات إتصالية إنما الامر متروك للسلطة التقديرية للاجهزة الامنية وتوجهات النظام العامة .

في الاخر نجد أن تطبيق القوانين والتشريعات في الوطن العربي يخضع في التطبيق لاتجهات السلطة واحيانا لمزاجها واحيانا لاعتبارات شخصية . وفي الاخر ان العبرة ليست في التشريعت الاعلامية او في القانون سواء كانت هذه التشريعات والقوانين مكتوبة او معلقة لكن العبرة في التطبيق والممارسات التي تعكس روح التشريعات لصالح النظام الاتصالي .

فمثلا ما قيمة الحرية في ظل الاحكام العرقية .وما قيمة إقرار حرية الفرد مع حرمانه من حق اصدار الصحف . فالغرض دائما من التشريعات هو تنظيم العمل وحفظ الحقوق . لذا فان المجتمع يجب ان يحدد احتياجاته الاتصالية وان النظام الاتصالي يحدد الوظائف والقيم الاجتماعية التي تشبع تلك الاحتياجات ولكن يصح القول ايضا ان النظام الاتصالي هو الذي يقوم في بعض الحالات بتحديد الاحتياجات الاتصالية للمجتمع في ضوء تصوره لمصالحه ، هناك سمات عامة للسياسات القطرية في الوطن واوجه للتشابه . رغم اختلاف السياسات الاتصالية القطرية في الوطن العربي واختلاف ما تعكسه  من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية الا ان هناك تشابها في المشكلات الاتصالية وتشابها في الحلول المطروحة . وتمثل أوجه التشابه في الاتي :-

  • ان سياسات الاتصال والاعلام لم تدمج مع سياسات التنمية القطرية والدليل الاهمال الواضح في تنمية قطاعات الاعلام وعدم التنسيق في القطاعين الاتصالي والقيمي علي الرغم من اهمية دعم الاعلام التنموي لاهداف التنمية العامة .
  • عدم مقدرة معظم الدول العربة علي تحويل سياساتها الاتصالية الي خطط طموحة طويلة الامد .

يرجع بعض الباحثين العرب السبب في ذلك الي ان التخطيط الاعلامي نفسه حديثا مقارنة بالتخطيط في المجالات الاخري سواء اكانت اقتصادية او اجتماعية او غيرها .

  • ليس هناك اساس من المعلومات والوثائق تبني عليه الدول العربية سياساتها الاعلامية لذا نجد دائما هذه السياسات عشوائية و مبنية علي نهج خاطي وغير صحيح ، ويرجع السبب في ذلك الي قلة الكوادر البشرية وضعف وسائل التدريب و ضعف الشبكات الوطنية اضافة الي اعتبارات اخري سياسية واقتصادية ، بالرغم من وجود بعض المبادرات في هذا المجال قطرية وقومية .

اذا قامت بعض الاذاعات في الوطن العربي بانشاء مراكز لبحوث المستمعين والمشاهدين وعلي المستوي القومي نجد المركز العربي لبحوث المستمعين والمشاهدين في بغداد والذي تبع تحت ادارة جامعة الدول العربية والان حديثا في حديثا في قطر مركز الجزيرة للتدريب الاذاعي والتلفزيون .

  • تنمية السياسات الاتصالية في الدول العربية لدعم الانظمة القائمة وتوجهاتها في المجالات المختلفة ، وتعمل هذه السياسات لبقاء سلطة هذه الانظمة ، لذافهي بنت السلطة لما كانت السلطة مركزة في العواصم نجد وسائل لاتصال هذه الأخرى في العواصم ، لذا فان السياسات الاتصالية في الدول العربية كلها ذات توجه سياسي ، ترأس النظام الاتصالي بحكم سيطرته علي الوسائل الإعلامية هو صاحب الصوت الأعلى . لذا نجد أن الإعلام هابط من اعلي إلي أسفل
  • تتسم السياسات الاتصالية دائما بالانعزال عن السياسات التعليمية والسياسات الثقافة والرياضية والدينية والشبابية .
  • تسعي سياسات الاتصال في الوطن العربي علي المحافظة علي القيم الاجتماعية السائدة سواء كانت أصيلة أو مكتسبة من عهود الاستعمار ، هذا ما يدل علي عدم مقدرة الأعلام العربي في تغير أنماط السلوك الاجتماعي السائد مثال ذلك ترشيد الاستهلاك وتنظيم الأسرة وغيرها .
  • الاهتمام بالسياسات القطرية وليس السياسات القومية .
  • الصراع العربي الإسرائيلي ليس عنصراً أساسياً في سياسات الاتصال .
  • اتجاه السياسات الإعلامية للاستثمار في البنيات الإسلامية من أجهزة ومعات حديثة مع الإهمال الكامل للكوادر البشرية .

فمن وجهة نظري الخاصة أن هذا الذي يحصل لوطننا  العربي من تخلف وضياع تخبط في السياسات سواء ا كانت إعلامية أو تنمية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها سببه الأساسي غياب الديمقراطية وعدم مشاركة السواد الأعظم من هذه الشعوب المغلوبة علي أمرها والتي يراد لها أن تنام وتأكل و بس وتترك الأمور لهؤلاء القادة الذين يدعون المقدرة علي حل كل الأمور في أن يفكروا عنهم ويقرروا لهم ، هذه هي المصيبة الكبيرة التي يمر بها عالمنا العربي أزمة الديمقراطية كلمة واحدة وبعدها تحل كل المشاكل / بالديمقراطية نستطيع أن نضمن سياسات إعلامية واضحة تتيح مشاركة الجمهور في وضعها وإبداء رائهم فيها وتعديلها ويكون ذلك طبقا بمشاركة المختصين من الإعلاميين والخبراء ، والحمد لله وطننا العربي يزخر بالخبرات الإعلامية والتي يمكن أن تضع سياسات إعلامية  ذات قيمة فيما إذا أشركت في وضع هذه السياسات وتستطيع هذه النخب ان تجعل من السياسات الإعلامية خطط طموحة طويلة الأمد وليست خطط قصيرة هدفها خدمة هذه الأنظمة  .

فالديمقراطية لو تحققت في عالمنا العربي فسوف تقوم صحافة حرة هدفها يكون مراقبة هذه الأنظمة وكشف فسادها فلن تستطيع بعد ذلك وفي ظل الديمقراطية أن تملي شروطها وتوجهاتها ، وان يكون هدف هذه الوسائل هو الفرد والجماعة والمجتمع وليس النخب الحاكمة .  في ظل الديمقراطيات توضع السياسات الإعلامية التي يمكن ان تدعم التنمية وتهتم بالإطار القومي للوطن الكبير . وظل الديمقراطيات يمكن لسياسات الاتصال أن تكن فاعلة ومؤثرة علي ما في القطاعات الخدمية الأخرى من اجتماعية واقتصادية الا ألان أصبح دور الإعلام مؤثرا في كل مجالات الحياة في ظل الديمقراطية يتحرر الإعلام من التبعية للسلطة ويؤدي دورها كاملا كما ينبغي وان تصبح الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب وتحاسب وتسقط الأنظمة .

 

 

القائم بالإتصال في الوطن العربي كمثال للقائم بالاتصال في الدول النامية

إن الإعلام مهنة ورسالة وصناعة وهو جزء أساسي من تركيبة المجتمع يتفاعل مع أحداثه وأفكاره ويساير تطوراته وتفاعلاته . وتتوقف فاعلية وسائل الاتصال المختلفة في التأثير في الأطراف المستقبلة لها علي عوامل عديدة تتعلق بمضمون العمل الإعلامي ومنهجه والآليات المستخدمة ، كما تتأثر بعوامل البيئة المحيطة مثل النمط الثقافي والاجتماعي في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة فقد احتلت وسائل الاتصال مكان الجهاز العصبي في جسم الإنسان  فهي المحرك والمعبر عن مقومات الحياة الإنسانية وهي الرفيق الملازم للفرد الذي يخرج به عن عزلته ويرتفع الي المطامح الحضارية وتشكيل أفكاره والثقة والموثقة للعلاقات مع الآخرين .

مما تقدم يتضح لنا أهمية القائم بالاتصال كأحد أركان العملية الاتصالية ، بل الركن المؤثر والفاعل الذي يثر ويتأثر ويتفاعل مع البيئة التي يعمل بها والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسائدة من حوله ، كما تؤثر السياسات الاتصالية في عمل القائم بالاتصال ، لان السياسات الاتصالية هي التي تحدد حقوق و واجبات القائمين بالاتصال وحركتها وكل ما يتعلق بتنظيم المهنة .

ففي الوطن العربي نجد أن الدول العربية لها سياسات تتعلق القائمين بالاتصال منصوص عليها في الدساتير والتشريعات ، ومع ذلك فان العبر دائما ليست بالنصوص المكتوبة ولكن العبرة في تنفيذ هذه النصوص وتفسيرها تفسيرا يحفظ للقائم بالاتصال حقه مع حرصه علي أداء واجباته .

فتحدد سياسة كل دولة حقوق وواجبات القائمين بالاتصال لديها ، ويمكن حصر هذه الحقوق في الأتي :-

  • حق الممارسة :

وهو حق ممارسة العمل الصحفي ، هنا مجموعة من الدول العربية تطلق هذا الحق والبعض الأخر يقعده بالحصول علي ترخيص مسبق من الدولة .

  • حدود الممارسة :

بعض ما هو محظور وما هو مسموح ، هناك من الدول ، ما يسمح بالنقد المباشر ولكن هذه الدول قليلة ، وليس معني النص علي النقد لرئيس الدولة هو مطبق فعلا وتمتد المحظورات في بعض الدولة العربية لتصل منع تجيه النقد الي الدول الصديقة وتطول قائمة المحظورات في دول اخري فتشمل الجيش والشرطة والاقتصاد بحجة أن ذلك يمكن ان يهدد الاستقرار و التنمية .


  • الجزاءات والصعوبات :

تختلف طبيعتها من دولة عربية إلي أخري وهي ثلاثة أنواع جزاءات وعقوبات قضائية وتمتد هذه الصعوبات لتشمل الصحفي و الصحيفة أو المؤسسة القائمة بالاتصال .

  • الحق في التنظيم المهني :

تعتبر التنظيمات المهنية في مجال الاتصال من التنظيمات المهمة والتي يجب ان تشارك في وضع السياسات الاتصالية في الوطن العربي ولكن هل هذا موجود بالفعل في الوطن العربي ليس كذلك ولا في أي قطر عربي واحد بل ان هذا الحق غير مسموح به في معظم الدول العربية وخاصة الدول الخليجية التي لا تسمح بقيام تنظيمات نقابية سواء كانت إعلامية في مهن أخري مما يترتب عليه ضياع حقوق العاملين في المؤسسات الاتصالية في هذه الدول.

من واجب هذه النقابات او التنظيمات توفير الضمانات الأزمة لممارسة المهنة سواء ا كانت اقتصادية مثل المسائل المالية من أجور ومكافأت ومعاشات أو ضمانات مهنية تضمن لهذه النقابات المشاركة في وضع السياسات الاتصالية والحق في الحصول علي الحقائق والحق في المحافظة علي سرية المصادر .

كما ان في واجب هذه النقابات الدفاع عن منتسيبها بما يصيبهم من ضرر سواء كان مادي او معنوي وعدم احنكارهم واعتقالهم . مما تقدم نرى اهمية هذا الحق في العمل الصحفي فهو لو تم بصورة منضبطة ستكون فائدته علي القائم بالاتصال وعلي الصحيفة والوسيط الاعلامية وعلي مضمون الرسالة .ولكن الخوف من التنظيمات في معظم الدول العربية يعيق عملها ويجعلها غير قادرة علي تقديم شئ يذكر وحتي الدول التي بها هذه التنظيمات فانها تدور في فلك النظام الحاكم ولا تعبر عن حقوق القائمين بالاتصال في هذه الدول العربية .

  • الاخلاقيات المهنية :

تعد مواثيق الشرف مكملة للحقوق والضمانات المكفولة للقائمين بالاتصال ، وهي قواعد اخبيارية تمثل التزاما راتبا لرجال الاعلام . فقد اهتم الاتحاد العام للصحفين العرب من نشاته عام 1964م علي المسئولية الصحفية تجاه الوطن الكبير ودعا الصحفين العرب الي توخي الامانة والصدق وتجنب كلها يمكن ان يؤسي الي علاقات الدول العربي وان يعمل الصحفين العرب علي الحث علي التضامن العربي والعمل علي نشر اللغة العربية وسلامتها ، ومكافحة الاستعمار بكل جوانبه وانواعه .

  • الممارسات :

هنا تكمن المشكلة بالنسبة للصحفين في الوطن العربي اذ يعاني الاعلامين في الوطن العربي من الممارسات الكريهة من فعل القائمين علي امر الاعلام بالرغم من الضمانات والدساتير المكتوبة . فمشكلة القائمين بالاتصال في الوطن اتكمن في شئ واحد  ومشترك وهو غياب الديمقراطية فان ابسط تصور لواقع الصحفي العربي انه فاقد حرية التعبير امام رئيس التحرير لانه اذا خالفه مهدد بالفصل والتشريد و فاقدا حريته امام القوانين والتشريعات والسلطات . كما انه فاقدا لمن يدافع عنه اذا تعرض لمشكلة ما ، وما اكثر المشاكل التي يتعرض لها الصحفين في الوطن العربي والتي تبتدي من الحبس والاعتقال وتنهي بالضرب والاهانة والسجن وقد تصل الي .النفي او الاعدام . وقد يتعدي هذا الواقع الصحفي ليشمل ايضا الصحيفة التي يمكن ان تغلق ويطال هذا الامر التنظيمات والنقابات التي يمكن حلها وابقافها عن العمل .

هذا واقع الحال للقائم بالاتصال في الوطن العربي ، فلا تجد حقا واحدا يمكن ان تقول انه يتمتع به بصورة ديمقراطية . كل حقوقه خاضغة الي امزجة حكامنا العرب .قد وصل الحال في احد الدول العربية وهي دولة الامارات العربية المتحدة في ابو ظبي بالتحديد ، ذهب العاملين الصباح عادي الي عملهم ليجدو الاذاعة مغلقة وامام الباب حارس منعهم من الدخول والسبب ان وزير الاعلام اصدر امرا بغلاق الاذاغة بدون سابق انذار . ماذا كان مصير العاملين في هذه الاذاعة المواطنون منهم تم استيعاب قليلا منهم في اذاعة القرآن الكريم اما الغالبية من المواطنين والاجانب فكان مصيرهم التشريد .ماذا نقول في مثل هذه السياسات الاعلامية التي لا تحافظ حتي علي الحق البسيط للقائم بالاتصال . يرجع السبب في ذلك اولا واخيرا الي غياب الديمقراطية في عاملنا .

تأهيل مهنيو الاتصال في الوطن العربي كمثال للتاهيل في الدول النامية

يتوقف اهمية الدور الذي تؤديه وسائل الاتصال في الوطن العربي علي طبيعة العلاقة بينها وبين النظامين السياسي والاجتماعي ، لان العملية الاتصالية هي نتائج بناء اقتصادي واجتماعي في مرحلة من مراحل التطور الانساني ، فلو ان عالم السياسة يقوم علي القوة او مستند الي الشرعية او مبني علي المشاركة فلا بد اذا من وجود وسائل الاتصال لنقل الرسالة الي الجمهور المستهدف . فمن يكمل وسائل الاتصال يؤثر علي السلطة ، والتكنولوجيا وفرة كم هائل وقدرات كبيرة لصناعة الفكر وتوجيه المعرفة ، هذه التكنولوجيا اذا تحتاج الي كوادر بشرية مدربة حتي تستطيع ان تستقبل هذه  القدرات  وهذه التكنولوجيا الاستقلال الامثل وتستطيع ان تقدم رسالتها  الاعلامية بصورة واضحة وفاعلة ، لذا كان الاهتمام بالتأهيل الاكاديمي والتدريب المهني للقائمين بالاتصال في الوطن العربي ، وتتوقف المعالجة هنا علي القائمين بامر الاتصال الجماهيري. يرجع تاريخ التاهيل الاكاديمي في مجال الاعلام في الوطن الوطن العربي الي نصف قرن مضي عندما افتحت الجامعة الامريكية فرعا لها في القاهرة يهتم بدراسة الاعلام او الصحافة تحديدا تلت هذه المحاولة انشاء معاهد ومراكز اخري في مصر ، بعد عمت التجربة دولا عربية كثيرة وانتشرت امام الاعلام وكلياته بطريقة غير مرتبطة بنظرية خاصة او متحدة من الدافع العربي وانما نظريات مستوردة من الغرب ومن تراثه ، كما ان الاعلام وموارده التي تدرس في هذه الكليات لا يعطي اهتمام بالتنمية كمكون اساسي للبناء الاجتماعي ، فكل الذي كان يدرس هو نسخ لنظريات غربية تهتم بالعلمي العربي والسبب في ذلك ان هذه الكليات قد انشئت ارتجاليا دون مراعاة الحاجة الفعلية لهذه الدول من الاعلامين كما ونوعا لذا نجد ان المشكلات في هذا الجانب تكاد تكون متشابهة وواحدة . لذا نجد ان معظم معاهد الاعلام في الوطن العربي تعاني من نقصا اما فنيا او ماديا ، لذا فاننا نجد ان هناك مشكلات عدة اعترضت ما زالت عملية تاهيل القائمين بالاتصال في الوطن العربي نوجزها في الاتي :-

  • افتقار الي التخطيط :

الارتجالية في انشاء المعاهد الاعلامية ادي الي مخرجات ضعيفة لا ذلك لم يسبقه دراسات وافية لتجويد احتياجات السوق الاعلامي وتوفير الامكانيات الفنية والكوادر البشرية اللازمة للتاهيل والتدريب . وفي كثير من الاحيان تم انشاء هذه  الاقسام فقط لتكملة الهياكل الاكاديمية . فكان نتاج ذلك خروج اعداد كبيرة من الطلاب وهم لا يحملون سواء المؤهل فقط أي شهادة لا تعبر عن محتوي او مضمون جيد كما ان هذا الواقع ابرز مشكلات كثيرة اذ ان الخريج من معاهد الاعلام يجد منافسة قوية في المؤسسات الاعلامية من خريجي الكليات الاخري مما جعل الطلاب منذ البداية يهربون من هذا التخصص ، كما ان بعضهم لا يريد التعامل مع السلطة .

  • نقص الكوادر العلمية :

تعاني غالبية المعاهد الاعلامية في الوطن العربي من نقص الكوادر العلمية المؤهلة مما دعا بعض الكليات في الوطن العربي الي الاستعانة باجانب للتدريب ، هذه التجربة لم تكون ناجحة لان الاجانب عادة ما ياتون لاجراء بعض التجارب علي بئياتنا المحلية او لاهداف سياسية اخري . كما ان خطورة هذا التخصص والاستعانة بخبرات اجنية يكمن في ان مجال الاعلام يهتم بتشكيل الاتجاهات والافكار والتطلعات .

  • نقص المراجع الاكاديمية :-

هناك نقص في الكتاب الاكاديمي في الوطن العربي ، ما عدا مصر ولكن في باقي الدول ان وجد فان سعره مرتفع لذا فان المراجع مشكلة في معظم البلاد العربية ، كما ان ازمة النشر في عالمنا العربي تزيد من المشكلة وتعقيداتها . كما ان التاهيل الاكاديمي ياخد بعدا اخر في دول المغرب العربي ، اذ يضاف الي مشكلة ندرة

 

المراجع مشكلة اللغة اذ ان الجامعات في المغرب العربي تدرس باللغة الفرنسية فهو ما يعتبره البعض عائقا ولا توجد معاهد تدرس باللغة العربية والذي يساعد في ذلك سوق العمل نفسه بفضل الخريج الذي اكمل دراسته باللغة الفرنسية كما ان الطلاب انفسهم يرغبون في الدراسة باللغة الفرنسية التي تساعدهم علي اكمال دراساتهم العليا في فرنسا مثلا ، حتي الاساتذة انفسهم يفضلون الحل الاسهل وهو التدريس باللغة الفرنسية . يذهب البعض ايضا الي القول ان اللغة العربية لا يمكن ان تكون لغة صالحة لتدريب مادة الاعلام وهذا طبعا كلام مردود اما من حيث التدريب فالحال ليس افضل من التاهيل الاكاديمي ، فالاصل في التدريب انه يجب ان يتم في المؤسسات التعليمة او في المؤسسات الاعلامية ولكن ونسبة لان الاساتذة في هذا المؤسسات التعليمة يغلب عليهم الجانب القطري  فانهم يفعلون التدريب العملي فاذا تم يعهدون بذلك للمؤسسات الاعلامية والتي لا تهتم كثيرا بالمتدريبين . كما اننا نجد ان المؤسسات التعليمة نفسها تنقصها المعدات والاجهزة التدريبية اللازمة التي يمكن ان يستخدمها الطلاب للتدريب فتتخلص مشكلات التدريب في الوطن العربي في الاتي :-

  • الافتقار الي سياسات تدريبة محددة
  • عدم تحديد الاحتياجات الفعلية التي تحتاجها المؤسسات الاعلامية.
  • نقص الاجهزة والمعدات الخاصة بالتدريب .
  • عدم وجود حوافز مادية تشجع علي التدريب .
  • نقص المدربين المؤهلين لهذا العمل .
  • الافتقار الي برامج تدريبية منظمة .
  • التدريب يميل عادة للتعميم وليس الي التخصص .

هذه هي مشاكل التاهيل والتدريب في الوطن العربي ، لمعالجة هذه الامور لا بد من وضع تصور يعالج هذه المشاكل من جذورها علي المستويين القطري والقومي ، علي المستوي القطري يجب ان تحدد كل دولة احتياجاتها الفعلية من  الكوادر الاعلامية التي تحتاجها وبناء علي ذلك يتم التوسع من عدمه في المؤسسات التعليمة وايضا لابد من شروط ضابطة لهذه المؤسسات ، لان المؤسسات الاعلامية لا تقل في اهميتها عن المؤسسات الاخري الصحية او الاجتماعية او غيرها في ايضا تحتاج الي مخرجات مؤهلة جيدة حتي تستطيع ان تقود العمل الاعلامي بكفاءة عالية . لذا يجب ان توفر لهذه المؤسسات التعليمة الامكانيات المادية والفنية وتوفير الكادر العلمي المؤهل ويجب ان يعتمد في ذلك علي الكادر المحلي او القومي وان يستبعد تماما الكادر الاجنبي الا اذا كان ذلك في شكل استيشاري . كما يجب ان تتوفر لهذه المؤسسات التعليمية المناهج والكتب والمراجع العربية والاجنبية والتي تتناول النظريات الحديثة للاعلام ، وتكون مواكبة لروح العصر والتغيرات التي حدثت والثورات الكبيرة في عالم المعلومات والاتصالات كما يجب أن يرافق التأهيل الأكاديمي في المؤسسات التعليمية التدريب المهني للطلاب في فنون الصحافة والإخراج والكتابة والتحرير والمونتاج والإضاءة  والصوت وغيرها من مخصصات العمل الإعلام وان تكون برامج التدريب واضحة ومفصلة ومصاحبة للمواد التي تدرس ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا كانت هذه المؤسسات التعليمية مزودة لوسائل هذه التخصصات كالاستوديوهات الحديثة المزودة بكاميرات التصوير وأدوات الإضاءة وغيرها ، وان تكون هناك قاعات للتحرير مزودة أيضا بمصادر المعلومات . فلا فائدة من أي تأهيل أكاديمي لا يصاحبه تأهيل عملي ، وان يكون العاملين في هذه المؤسسات قادرين ومؤهلين هم أيضا ليقوموا بعملية التدريب .

كما انه يجب أن يكون هناك زيارة عملية إلي المؤسسات القائمة من إذاعة وتلفزيون لاطلاع الطلاب والدارسين علي مجريات العمل في هذه المؤسسات ومعرفتهم لإحداث ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذه المجالات . أما من ناحية التدريب للعاملين أصلا في المؤسسات الإعلامية فيجب أن تكون هناك برامج تدريبية منظمة لرفع كفاءة هؤلاء العاملين حتى يكونا مواكبين لما يحدث حولهم في العالم . أما من الناحية القومية فيجب الاهتمام بالمعاهد والمؤسسات التدريبية القائمة حاليا والسعي لإقامة مؤسسات أخرى تحت إشراف الجامعة العربية تكون لها الإمكانيات المادية والفنية للتدريب والتأهيل ، لان المؤسسات القائمة حاليا تهتم فقط بالتأهيل النظري و تهمل الجانب الإعلامي .

كما انه يجب الاهتمام بالبحوث الإعلامية لأنها تعتبر مفتاح العملية والتي تقوم عليها باقي العمليات من تخطيط وتنظيم وبالتالي إدارة ناجحة . في هذا الخصوص يجب الإشارة هنا إلي المساهمة الفاعلة التي تقوم بها قناة الجزيرة في هذا الجانب والمتمثل في مركز الجزيرة للتدريب الإزاعي والتلفزيوني والذي أصبح يلعب دورا فاعلا في مجال التدريب والتأهيل في الوطن العربي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

الاعلام الانمائي من المفاهيم الحديثة نسبيا في الكتابات عن التنمية في الدول الاقل نموا. غير ان اهمية الاعلام الانمائي تزداد ، بمرور الوقت بادراك دوره كجهاز عصبي متكامل الاجهزة والنشاطات ، يقوم بربط افراد المجتمع ، ويوحد او يقرب بين مفاهيمهم ، وينسق بين اتجاهاتهم واهدافهم ، ويحرك قواهم وامكانياتهم النفسية والمادية من اجل تغيير المجتمع الي الافضل .

وتعطي هذه الدراسة اولا تعريفا لبعض مفاهيم وابعاد الاعلام ، والتنمية ، والاعلام الانمائي . ثم تسلط الدراسة الضوء علي البنية البشرية الاعلامية في دولة عربية واحدة توافر للباحثة بيانات عنها وهي دولة الكويت . وتتناول الدراسة في الجزء الثالث والاخير بعض جوانب من التخطيط لاعداد البنية البشرية العربية للاعلام الانمائي . وكيفية تطويرها من حيث الكم والكيف ، مع الاهتمام بالناحية الاخيرة بصفة خاصة ، وذلك توصلا لقيام اجهزة الاعلام العربية بدور اكثر فعالية في بلورة اهداف التنمية وتذليل طريقها في المنطقة العربية وتقويم مسارها عند الضرورة .


الجزء الاول

الاعلام الانمائي

الاعلام الانمائي تعبير مركب من مفهومين عريضين هما الاعلام والتنمية ومن المفيد انجاز بعض مفاهيم وابعاد  كل منهما علي حدة ثم الجمع بينهما في خطوة تالية.

بعض مفاهيم وابعاد الاعلام

الاعلام بمعناه العريض كتبادل للمعلومات يعتبر احد المقومات الاساسية في تنمية او تخلف كل المجتمعات . فعلي نمو المعلومات ونقلها يتوقف هيكل العلاقات الشخصية والاجتماعية ، وانتشار التعليم ، وتقسيم العمل ، والتبادل . وازدهار الثقافة والتقدم العلمي والتكنولوجي ، وتقدم الانسان في السيطرة علي بيئته.

ولقد تمكنت جميع المجتمعات منذ الازل من انتاج ونقل المعومات ، ولكن في الماضي البعيد كان تدفق المعلومات تدفقا محليا فقط وفي حدود جغرافية ضيقة ولم يكن هناك نقلا للمعلومات لمسافات بعيدة الا بسرعات بطيئة للغاية ، ولكن الثوارات الحديثة في تكنولوجيا الاتصال ونظم المعلومات غيرت جوهريا من تدفق المعلومات كما ونوعا وسرعة داخل المجتمع الواحد وعلي صعيد العالم باسره . وذلك بفضل انتشار التعليم والبعثات التعليمية والصحافة والاذاعة والتليفزيون والهاتف والتلكس وخدمات الكابل والكمبيوتر والميكروفيلم واشرطة التسجيل الصوتية والمرئية ورقائق السيليكون وبنوك المعلومات والاقمار الصناعية ، فضلا عن التطور الكبير في وسائل النقل والمواصلات .

ومن بعض نتائج هذا كله ان موجة التوقعات المتزايدة لرفع مستوي المعيشة قد غمرت  دول العالم الثالث وإحاطتها علما بطرق المعيشة في الدول  الأكثر نموا . وبفضل انتشار طرق الإعلام الحديثة أيضا يتم إستقطاب التجمعات والنظم السياسية في أحزاب ومعسكرات متزايدة الأحجام والقوى سواء داخل الدولة الواحدة أم علي صعيد المجتمع العالمي . وبالمثل فإن المنشآت الإقتصادية يتم اندماجها وتشعبها في أشكال وأحجام إقتصادية أكثر فعالية وإرتباطا داخل الدولة الواحدة وعلي إتساع العالم بأسره . وعلي نفس المنوال ، فإن الكثير من المؤسسات والمنظمات الإجتماعية والثقافية والصحية يزداد ترابطها سويا في شبكات متسعة من المراكز والفروع . ولم يعد هناك علي أي صعيد من يستطيع العزلة عن الآخرين أو يترك له حق الخيار  .

وبفضل ثورة الإعلام الحديثة قهر العالم الحديث المسافات و وصلت بعض الدول المتقدمة إلي غزو الفضاء ، وتمكنت من الإتصال برجال وسفن الفضاء ، وتحاول الإتصال بالكواكب الأخرى .

غير أن إنتاج ونقل المعلومات وإستخدام أجهزة الإعلام يظل بصفة عامة مقيدا ببعض القيود وخاضعا لإعتبارات القوة السياسية أو تحقيق الربح المالي . فالكثير من المعلومات تظل في تدفقها وإتجاهاتها وخاضعة للرقابة الظاهرة أو المستترة في صورة من صور الشرح أو التعليق وخادمة بالتالي لمصالح مراكز القوى السياسية . كما أن الكثير من تدفق المعلومات وأنشطة أجهزة الإعلام تظل معتمدة إعتمادا كبيرا في بعض الأحيان علي مدي نجاحها في تحقيق الربح والعائد المادي للقوى الإقتصادية .

بعض مفاهيم و أبعاد التنمية :

ليس هناك إتفاقا كاملا علي مفهوم دقيق للتنمية  بين المتحصصين في العلوم الإجتماعية والإنسانية . ولكن من المتفق عليه أن للتنمية  أبعادا متعددة  وأهدافا مختلفة بعض الشئ من دولة لأخرى ومن وقت لأخر .

حتي منتصف القرن الثامن عشر لم يكن سكان العالم يعرف أن من الممكن رفع مستوي المعيشة وتغيير حياة المواطن تغييرا جذريا في حياة جيل واحد . ولكن الثورة الصناعية في أوربا الغربية ما لبثت أن غيرت من أقدار المجتمعات الأوربية وسلالاتها في الخارج فإنتشرت أوربا جغرافيا وسياسيا وإقتصاديا وعسكريا في جميع أنحاء العالم ، وتمكنت أوربا بفضل إعادة تنظيم إرادتها علي مجتمعات تفوقها عددا وأعرق منها تاريخا . ولا زال رجع الصدى لهذه الحقبة من تاريخ البشرية يتردد في جوانب العالم للآن .

وتراوحت ردود الفعل في الدول الأقل نموا من المحاكاة أحيانا لمعالم الحياة الأوربية ، إلي الرفض أحيانا أخرى لهذه المعالم الأوربية والتمسك بمقومات الأصالة في حضارتها ، أو إنتهاج مزوج من هذين الإسلوبين . كما تفاتت ردود الفعل في المجتمعات والدول الأقل نموا من حيث التوقيت ، فكان بعضها أسرع من البعض الآخر في الإحساس بالصدمة وفي تكوين إرادة للتغيير وكسر قيود التحجر ومعرفة أسرار العلم الحديث والتكنولوجي .

ونظرا لغياب بديل أفضل لقياس شتى أبعاد التنمية والتخلف ، فقد ذاع المقياس الإقتصادي البحت القائم علي معيار متوسط الفرد من الناتج القومي . وهو مقياس له عيوبه الكثيرة . فمن المآخذ علي المعيار المذكور الإهتمام فقط بالجوانب المادية من المعيشة ، وإغفال التفاوت الكبير في توزيع الدخول والثروات بين الطبقات أو المناطق الجغرافية والتحيز للإنتاج التجاري الذي يتم للبيع في الأسواق فقط مع أغفال الإنتاج للإستهلاك الذاتي للقطاع العائلي ، والحياد بين شتى أنواع الإنتاج سواء كانت سلع إستهلاكية أم إنتاجية أم عسكرية ، والتجاوز عن الآثار الجانبية للإنتاج المسببة لتلوق البيئة ونضوب الموراد ، و وجود تفاوت كبير بين أن بعض الحرص مطلوب عند إستخدام هذا المقياس لعمل المقارنات سواء عبر الزمن بالنسبة للدولة الواحدة ، أو لعمل مقارنات بين عدة دول في نفس الوقت ، ذلك أن مستويات الأسعار دائمة التقلب ، ونوعيات السلع والخدمات دائمة التغيير .

وحصيلة بعض الإتجاهات الفكرية الحديثة هو إستخدام معدل التزايد في متوسط نصيب الفرد من الناتج القومى كمؤشر جزئي لإتجاهات التنمية . إذ يتم تكملة هذا المؤشر بمؤشرات أخري تبين مدي تحقيق أهداف قومية أخري هامة . ومن هذه الأهداف الإضافية أولا مدى تحقيق العدالة في توزيع الدخول والثروات للقضاء علي الفقر المطلق وتوفير الإحتياجات الأساسية (غذاء ومسكن وملبس وعلاج وتعليم ) للشرائح الإجتماعية المحدودة الدخل . وثانيا مدي تحقيق العدالة في الفقر النسبي أي مدى النجاح في تذويب الفوارق بين الدخول والثروات في المجتمع بين مختلف الشرائح أو المناطق الجغرافية . ثالثا من الممكن أيضا الإستعانة بمؤاشرات تكميلية أخري منها مدى توفير فرص العمالة ، أو مدى النجاح في تحقيق التنمية الريفية ، أو النجاح في إشراك المرأة في قطاع العمل الحديث ، أ إكتساب التكنولوجيا من الخارج أو النجاح في تطويعها ونشرها محليا ، أو مدى المشاركة الديمقراطية الشعبية في إتخاذ القرارات السياسية ، وما إلي ذلك من أغراض وأهداف تختلف أهميتها النسبية من مجتمع لآخر.

الإعلام الإنمائي  :

في ضوء العرض السابق عن مفاهيم وأبعاد كل من الإعلام والتنمية يتضح أن دور الإعلام في التنمية ، أي الإعلام الإنمائي ، دور جوهري ومتعدد الجوانب .

وبالتالي فإن أية محاولة لحصر محدد وشامل لمهام ومسئوليات الإعلام الأنمائي – بالمعني العريض للإعلام كنقل للمعلومات – ستكون محاولة ناقصة بالضرورة أذ يتعذر الإحاطة بجوانب الموضوع وإدخاله في أطار تحليلي محكم الجوانب بدون الأتفاق المسبث علي ثلاثة أمور

( أولا) هدف واضح أو عدة أهداف واضحة للتنمية والأوزان النسبية لكل منها .

( ثانيا) مجالات محددة للإعلام الإنمائي .

( ثالثا ) مؤسسات وأجهزة محددة للإنتاج ونقل المعلومات وكيفية أدائها لنشاطها .

أولا ، فيما يتعلق بأهداف الأعلام الإنمائي ، يلاحظ أن طريقة تحديد وتغيير أولويات وأهداف التنمية تختلف من دولة لأخري وفقا لظروف الزمان والمكان . وبالتالي يتفاوت دور أجهزة ورجال الإعلام من مجرد النقل أحيانا إلي المشاركة أحيانا أخرى في تحديد وتغيير الأهداف والأولويات السياسية الداخلية والخارجية للدولة .

ثانيا : فيما يتعلق بمجالات نشاط الإعلام الإنمائي ، يمكن للأعراض التحليلية الإشارة إلي ثلاثة محاور وتتفاوت أهميتها النسبية من دولة لأخرى .

1 ساحة تختص بتسليط الضوء عللي أسباب وديناميكية ومقومات النهضة في المجتمعات الأكثر تقدما وكيفية الإقتباس والإستفادة من خيراتها ودروس التنمية بها .

2 ساحة تختص بتشخيص أسباب وديناميكية التخلف وعقبات وعوائق التنمية الموجودة في الدول الأقل نموا .

3 ساحة تختص بديناميكية وأبعاد وطبيعة الإتصال بين العالم المتقدم أو العالم الأقل تقدما ، وفي أى الأبعاد وإلي أي حد كان – أو يكون – هذا الأتصال مفيدا للطرفين ، أ, مفيدا لطرف واحد فقط علي حساب الطرف الأخر ، أو  ربما ضارا لكلا الطرفين في بعض المواقف .

وتلزم الإشارة إلي أن هذه الساحات الثلاث يجب أن تفهم فهما عريضا بحيث يمكن في كل منها تناول كثير من المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية . فمثلا ليس من مقتضيات الإعلام الإنمائي الإهتمام بالأمور الجادة فحسب وإغفال الجوانب الترفيهية حيث أن الترويح عن النفس من الإحتياجات المشروعة .

ثالثا : فيم يختص بمؤسسات وأجهزة الإعلام فمن الممكن أن يتم الإعتماد علي أجهزة الإعلام الجماهيرية الحديثة فحسب مثل الصاحة والإذاعة والتلفزيون ، أو أجهزة الإعلام بمعناها العريض لتشمل أيضا أجهزة الإعلام التقليدية مثل الإتصال الشخصي في ((الدوار)) والديوانة والمقاهي والموالد ، أو الفنون الشعبية ((كالأراجوز)) وخيال الظل والراوي وعازف الربابة وشعراء النبط والفرق المسرحية والإستعراضية ، وأجهزة ومنظمات المعلومات بصفة عامة كالمدارس والجامعات وأجهزة الإعلام والثقافة الجماهيرية كوحدات الإعلام المتنقلة الخ .

وثمة جانب هام من جوانب نشاط مؤسسات وأجهزة الإعلام الجماهيرية والتقليدية علي حد سواء يختص بكيفية رسم السياسات لهذه المؤسسات والإجهزة . فقد يتم الأخذ بالنموذج المركزي الذي تجري فيه عمليات الإتصال عموديا من القمة للقاعدة في إتجاه واحد من أعلي إلي أسفل مع قدر ضئيل نسبيا من رجع الصدى . أو قد يتم الأخذ بالنموذج اللامركزي الذي تجري فيه عمليات الحوار وتبادل وجهات النظر في شتى المستويات .

ومهما تنوعت أهداف التنمية من دولة لأخري ، أو إختلفت الدول فيما بينها من حيث الأهمية المعطاة لكل مجال من مجالات الإعلام الثلاث التي بيناها ، أ إختلفت من حيث تشكيلة وأسلوب عمل مؤسسات الإعلام بها ، فإن من المممكن التقدم بالتحديد التالي لبعض مقومات الإعلام الإنمائي .

1 العمل علي تطوير وبلورة الثقة بالنفس والأمل في المستقبل وتكوين إرادة التنمية علي المستوي القومى دون التضخيم الممقوت السقيم للإمكانيات الذاتية .

2 تشجيع الإقدام علي العلم الحديث والتكنولوجيا وتسهيل الإطلالة علي القرن العشرين وخاصة بالنسبة لبعض قطاعات المجتمع التي قد تجهل مقومات العلم الحديث وأسرار التقدم التكنولوجي ، أ, قد تخشي نتائجها وتجد فيها تهديد نفسي لمكانتها أ, طرائفها في التفكير والمعيشة أو إضرار بمصالحها المادية .

3 تأكيد العدالة في توزيع المعلومات والمكاسب الإقتصادية والإجتماعية . ويمكن إعتبار هذا الجانب من جوانب العدالة حجرا أساسيا في عمليات التنمية . فهو القادر عليإيجاد روح الفريق الواحد وتعئبة الموراد والإمكانيات المشتركة .

4 تشجيع المشاركة في تحديد وتنفيذ برامج التنمية بدلا من المركزية في كل القرارات الإنمائية . فالتنمية ليست مسئولية الدولة وحدها و إنما هي مسئولية الشعب والدولة سويا . ولذا يجب إشتراك الشعب في إختيار وتحديد وتنفيذ خطط التنمية لكي تأتي بالنتائج الكرجوة منها.

5 الدعوة إلي الإعتماد الجاد علي الذات وعلي الموراد المحلية في عملية التنمية ، ويتمثل ذلك أولا في التقليل من المعونات الأجنية بقدر الإمكان حيث أنها في أفضل الحالات ليست سوى عنصر مكمل للجهود الوطنية . كما يتمثل ذلك ثانيا في الإعتماد علي الموراد البشرية والطبيعية والمحلية والمحافظة عليها وتطويرها .

6 السعى إلي إدماج النظم التقليدية في المجتمع بالنظم الحديثة والأفكار والممارسات التقليدية السائدة بالأفكار والممارسات الحديثة وتقليل الفجوة الموجودة بينها إيجادا لقدرا أكبر من التجانس الفكري والنكاتف الإجتماعي . ولقد كان تفكير البعض في وقت ما أنه لا بد إستبدال المؤسسات الشعبية التقليدية السائدة بمؤسسات حديثة . أي كان التصور لديهم هو إلغاء الماضي والبدء من جديد بإعتبار أن المؤسسات التقليدية غير قادرة علي إدخال التغيير المطلوب ، ولقد دلت تجارب بعض المجتمعات كتركيا مثلا علي صعوبات ذلك . ومن ثم فإن علي الدول النامية أن تتجنب التقليد الأعمي لطرق وأساليب تنمية الدول الصناعية وعليها أن تختار لنفسها وتقوم بتطويع الأساليب والنماذج التي تتمشي وقيمها وتراثها الوطني .

7 تدعيم الإحساس بمعنويات الإنسان والإنسانية وإن كان وسيلة التنمية فو أيضا هدفها النهائي . وتعميق مفاهيم الإنسانية لا يأتي إلا بإداراك ومراعاة ظروف وآراء ومصالح ومشاعر الأطراف الأخري . ورغم العقبات والعصيبات والنكسات التي يواجهها الإنسان في سبيل تعميق إنسانيته وإتساع دائرتها لتشمل الإنسان من كل جنس ولون وعقيدة ، فلا مفر هناك في عالمنا المتضائل من إدراك المصير المشترك ومزايا التعاون عليأسس من العدالة .

8 وأخيرا وليس آخرا ، المساهمة في إيجاد وعي قومي عام عن أبعاد المسيرة الإنمائية ، ومتابعة خطاها في شتي النواحي والأبعاد ، والإشارة إلي أخطار المسيرة الإنمائية عند حدوث هذه الأخطاء ، ليس بقصد تصيد الأخطاء الصغيرة ، أو الإثارة والتشهير وإنما المساهمة أساسا في إكتشاف التصحيح اللازم للأخطاء وكيفية وتفادي حدوثها .


مفهوم الحملات الإعلامية

تعريف الحملات في اللغة Campaign

حمُل: حمل الشئ يحمله حملا وحملاناً فهو محمول ، وجميل وأحتمله .

حملة: عدة عمليات متصلة بعضها لتحقيق هدف مرغوب فيه وذلك بحث الرأي العام على تأييد هذا المصطلح.

حملة صحيفة أو إعلامية Press Campaing  سلسة من المواد الصحفية أو الإعلامية المتناسقة تستخدم موضوعا أو مسالة محددة وتخطط لانجاز هدف معين. والحملات الإعلامية هي شكل من أشكال الاتصال ولكنها تتميز ببعض الخصائص والملامح رغم أننا نجد أن مصطلح الحملات الإعلامية يستخدم في الأوساط العامة وحتى في والوسط الإعلامي استخداما دون الالتزام بالمدلول العلمي لهذا المصطلح ونجد استخدامه أكثر شيوعا في الدول النامية التي يعول قادتها كثير على الأعلم كمؤثر فاعل في البناء والتنمية وذلك باستخدام الحملات الإعلامية.

ويمكن أن ننظر إلى مفهوم الحملات الإعلامية وفق اتجاهين:

  • هدف الحملات الإعلامية Objective ويرتكز في التأثير على معتقدات وسلوك مجموعات أخرى باستخدام فاعلية الاتصال مثل حملات التوعية عن فيروس الايدز.
  • يأتي الاتجاه الأخر في إطار الطريق والمناهج Methods التي تتبعها الحملة مثل وسائل التعزيز (الترويج) عن طريق وسائل الإعلام وغالبا ما يطلق عليها تسمية الإعلان غير التجاري Non profit Announcement .

ويشير بايزلى Paisley إلى أن الحملات الإعلامية تقوم على أساسين هم..

  • الأساس الأول : السيطرة الاجتماعية Social Control ويرتكز على ثلاثة محاور رئيسية وهى :

أ/ التعليم Education : اى توفير المعلومات المتعلقة بموضوع الحملة بهدف تعريف الجمهور بهذه القضية أو تلك الظاهرة . ويمكن لوسائل الاتصال الجماهيري والاتصال الشخصي القيام بهذا الدور لما لهذه الوسائل من دور فعال في التأثير على كافة الجوانب المعرفية والسلوكية والتي تساعد الجمهور على اتخاذ القرار السليم.

ب/ التدبير Engineering: والمقصود به كافة الإجراءات الإرشادية والتوجيهية اللازم اتخاذهما من اجل معالجة المشكلة المطروحة في الحملة .

ج/التعزيز  Reinforcement: وهو اتخاذ كافة الإجراءات الداعمة والتأكيدية التي تدعو إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة مثل تعديل السلوك .

وعلى كل حال فان المحور الأول التعليم يبدو في الإستراتيجية الأكثر اعتمادا والأكثر تحقيقا لأهداف الحملة الإعلامية في كثير من الأحيان يليه التعزيز والتدبير .

  • الأساس الثاني : العملية Process ويقوم على أساس تحديد أولويات التخطيط للعملية الإعلامية من حيث الأساليب الإعلامية المناسبة في ضوء خصائص الجمهور المستهدف إلى جانب الخطط المتعلقة بالإدارة وخطوات التخطيط الأخرى كالجدولة وتقوم نتائج الحملة والبدائل المتاحة وحساب العائد والتكلفة .

أنواع الحملات الإعلامية :

قسمها الأستاذ (Kotler) إلى أربعة أنواع :

  1. الحملات التي تهدف إلى تغيير مفاهيم المواطنين تجاه موضوع يهم الرأي العام وعى أكثر الحملات نجاحا وتأثيرا .
  2. الحملات التي تهدف إلى تحقيق هدف محدد مثل حملة التطعيم ضد مرض معين .
  3. الحملات التي تهدف إلى تغيير التصرفات وهى في العادة صعبة ومعقدة لان التصرفات تكون نتيجة لعادات وتغييرها ويتطلب تغيير العادات أيضا .
  4. الحملات التي تهدف إلى تغيير القيم السائدة وهى أصعب أنواع الحملات باعتبارها تربط بالفكر الذي هو مكونا للقيم .

عليه فان تخطيط وتنفيذ الحملات الإعلامية لابد أن يتسم بالحذر والدقة لان الأدوات المتوفرة للتنفيذ يمكن استقلالها للتغيير إلى الأحسن أو إساءة استقلالها ويحدث العكس في تحقيق التغيير نحو السوء .

يعرف معهد الإعلام الدولي بألمانيا الاتحادية الحملات الإعلامية بأنها جهد متناسق ومخطط للوصول إلى قبول وتعاون مجموعة أو مجموعا مستهدفة من الجمهور حول خطط أو أسياسات أو منتجات وذلك لاستخدام ناجح لوسائل الاتصال المتاحة مع استخدام الخبرة والموارد “مجانية أو مدفوعة الأجر” اخذين في الاعتبار عامل الظروف والتكلفة والزمن .

  • وجاء في التقرير الختامي للندوة الدولية عن دور الحملات الإعلامية في الإنتاج والخدمات .

أن الحملات الإعلامية تقوم على أساس احترام حرية الفرد والجماعة بأسلوب ديمقراطي سليم وهى لذلك تعتم أساسا على الإقناع وتقديم المعلومات الواضحة وتكوين قناعة ذاتية تؤثر في السلوكيات مما يضمن مشاركته في الأهداف القومية.

من هذين التعريفين نستخلص بعض العناصر والمفاهيم التي تحكم الحملات الإعلامية وهى :

  1. التخطيط : لا تصمم الحملات الإعلامية إلا لهدف بعينة ولذا لابد أن يكون لأسس معلومة يعمل على تحقيق هذا الهدف أو تساعد فيه ولذا لابد أن يكون العمل وفقا لخطة تتبع مراحل التخطيط المعلومة كالإحاطة بالمشكلة موضوع الحملة ، وجمع البيانات والمعلومات الكافية وترتيب الأولويات ثم التنفيذ لتأتى المرحلة الأخيرة وهى مرحلة التقييم والمراجعة .
  2. التنسيق : ويعتبر من العناصر الهامة في الحملات الإعلامية وهى توفير عنصر الانسجام والتوافق بين أجزاء الحملة الواحدة ولا يتم ذلك إلا بالتنسيق المستمر والدائم مع فعاليات تنفيذ الحملة مؤسسات أم أفراد .
  3. الإقناع : ويتطلب هذا العنصر ضرورة دراسة الجمهور المستهدف وتحديد الفترة الزمنية والتمويل الجيد ويعتبر عنصر التويل من العناصر الأساسية في الحملة الإعلامية فلابد من القائم بالتخطيط للحملة الإعلامية من تحديد ميزانية شاملة لتكليف التخطيط والتنفيذ والتقويم والتحضير وإيجاد التمويل اللازم الذي يوفر في كل عناصر الميزانية .
  4. الوسائل المستخدمة : وهنا لابد من معرفة محاسن ومساوي كل وسيلة ومدى النجاح الذي يمكن أن تحققه .
  5. المصداقية : في ما تهدف له الحملات الإعلامية تجاه الجمهور المستهدف .

لقد عرف كل من روجر وستورى Rogers and storey الحملة الإعلامية بأنها : (نظام للأنشطة الاتصالية ، التي تعتزم أحداث تأثيرات محددة في عدد كبير نسبيا من الجمهور ، وذلك خلال فترة زمنية محددةوبالتالي فان اى حملة إعلامية كما يرى الباحثان تعتمد على ثلاث مقومات هي :

  • أنها تستهدف وتسعى إلى التأثير على الأفراد
  • أنها تستهدف قطاعا كبيراً من الجمهور
  • تنجز الحملة الإعلامية من خلال وقت محدد ” طويل أم قصير” إلى جانب أنها تسعى إلى جانب أنها تشتمل على نظام متكامل من الأنشطة الاتصالية .

فيما عرف هربرت سيمونز Herbert Simons الحملة الإعلامية بأنها ” محاولات منظمة للتأثير في الجماعات أو الجماهير العريضة من خلال سلسلة من الرسائل

تخطيط الحملات الإعلامية :

تعتبر حملات التوعية العامة التي تقوم بها وسائل الاتصال ضرورة ملحة في دول العالم النامية وذلك لأنها تهدف إلى رفع مستوى الوعي وتعمل على تعزيز مشاركة الجماهير في العملية التنموية والتطور الذي تقوم به المؤسسات الحكومية لتقوية الثقة بينها وبين الجمهور من اجل رفع المستوى الاجتماعي والثقافي والمساهمة في تطور المجتمع ، كذلك تعمل حملات التوعية على قبول الأفكار والأنماط السلوكية الحديثة من اجل تغيير النظم الاجتماعية عن طريق نشر الأفكار المستحدثة نحو الأفضل

لهذا فحملات التوعية الإعلامية وخاصة الإقناعيه تواجه صعوبات كثيرة في مقدمتها عدم اهتمام الجمهور برسائل تلك الحملات وتمسكه بالسلوك القديم وعدم الرغبة في التغيير بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى تقلل من فرص نجاح هذه الحملات . ولتجاوز هذه الإشكالات فلابد من تخطيط كمرحلة تالية لوضع السياسات التي تترجم إلى خطط تنفيذية

ترى B.Dervin أن يتم التخطيط للحملات الإعلامية على أساس تصور الاتصال كحوار يبادل بين مصادر الصفوة ن ومختلف فئات الجماهير ، بحيث لا يجب أن تبنى هذه الحملات على أساس أنها محاولة لإغراء الجمهور بفعل ما تريده الصفوة ليساعد في تحمل مسؤولية بناء حياته بما يعود بالنفع له وللمجتمع معا ، وهو ما يتطلب الاهتمام بعناصر العملية التبادلية عن طريق

(أ) حالة من التوافق والاتفاق بين الطرفين المتبادلين .

(ب) توفر ظروف مناسبة تساعد على اتخاذ الإجراء المناسب .

قد يكون من المفيد هنا بالنسبة للمسوق أتباع مدخل المبدأ المناسب Right principle وهو المدخل الذي يعتمد على التحكم الدقيق والمخطط في مجموعة القرارات التي تدور حولها العملية التبادلية ن واستخدامها في الوقت والمكان المناسب ، بهدف تحقيق الاستمالة الكافية والترغيب المناسب للمستهلك وإقناعه بالخدمة أو الفكرة محل التبادل ولكي تحقق الحملات الإعلامية أهدافها لابد من تخطيط سليم والتخطيط للحملة الإعلامية له عدة خطوات يجب عملها وهى :

(1) تحديد المشكلة Problem Definition :

تعني هذه الخطوة جمع المعلومات والإحصاءات عن المشكلة وموضوع البحث ومعرفة أبعادها الحقيقية وهذه الخطوة تفيد في دراسة الاتجاه نحو موضوع أو فكرة الحملة ومقارنتها بنتائج الحملات السابقة والتوقعات المستقبلية حول الخدمات والأفكار

وفي هذه الدراسة يريد الباحث معرفة عدم تجاوب المواطنين مع قيام مشاريع التنمية وما مدي تأثير حملات الإعلام في تغيير اتجاهات وسلوك الجمهور المستهدف وإعتاق هذا الجمهور من الموروثات والتقاليد السالبة والتي تعوق عملية التنمية .ولهذا يجب إجراء مقابلات شخصية ودراسات ميدانية ومعرفة أراء المواطنون الذين يكونون في الغالب لهم علاقة بقيام مشروع تنموي ما واستطلاع أرائهم حمل المشكلة من قيام مشاريع التنمية واقتراحاتهم لإيجاد الحلول المناسبة .

المواطنون موضوع الدراسة في هذا البحث يمثلون المناصير  المتأثرين من قيام سد مروي . أما المسئولين الذين تجري معهم المقابلات هم المسئولون بوحدة تنفيذ السدود.

(2) تحديد أهداف الحملة :

تعتبر أهم الخطوات في قيام الحملة لأنها تمثل الغابات التي من اجلها توضع الخطة وهي المحور الذي تدور حوله الخطة ، وتختلف أهداف حملات التوعية الإعلامية العامة ، إذ أن بعضها يهدف فقط إلي التوعية والإرشاد للجمهور المستهدف أو تهدف بذلك إلي تغيير السلوك أو تحقيق الاثنين معا .

تأتي هذه الخطوة بناءا علي المعلومات والنتائج التي تم جمعها في مرحلة تحليل الموقف أو طبقا للاتي :-

1/ نوع الموضوع أو القضية أو الجدول الزمني .

2/ نوع الجمهور المستهدف في ضوء الاتجاهات السائدة وما تعكسه من قيم

وعادات وتقاليد . ويحدد فرج الكامل مجموعة من التساؤلات تساعد في الحصول

على البيانات من اجل تحديد أهداف الحملة

  • ما هو التأثير المطلوب للحملة ؟ كيف يتم تحقيقه ؟ ما هي العقبات التي تواجهها ؟ ما هي الأهداف أو المخرجات التي يتعين على البرنامج تحقيقها ، مثل :

تعريض الجمهور للرسالة – جذب الانتباه – إثارة الاهتمام والإعجاب بالرسالة معرفة الموضوع الذي تتحدث عنه الرسالة – تعليم الجمهور مهارات متعلقة بحل المشكلة – فهم الجمهور للرسالة ولا سباب السلوك الذي تخص عليه – تغيير الاتجاهات والاعتقادات بما يتفق مع الرسالة – الاحتفاظ بالمعلومات وتذكرها – اتخاذ القرار بالاستجابة للرسالة – القيام بسلوك يتفق مع الرسالة .

(3) تحديد الجمهور المستهدف من الحملات الإعلامية :

لكي تحقق الحملات الإعلامية نجاحها المطلوب لابد من تحديد الجمهور بصورة واضحة وينقسم الجمهور إلى قسمين :

(أ) الجمهور الأولي :

هو الذي يرغب المخططون والمنفذون للحملة الإعلامية الوصول إليه ويتم تحديده تحديدا دقيقا ليست من الناحية الجغرافية فحسب بل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعربية ويساعد هذا التحديد في لاختيار الرسالة والوسيلة الاتصالية المناسبة .

كذلك تحديد الجمهور يساعد علي :-

(1)  التركيز علي فئة معينة من الجمهور .

(2) دراسة سلوك الفئة المستهدفة لمعرفة أفضل إستراتيجيات التأثير للوصول إليه.

وحملات التوعية بأهمية العمل التنموي تتطلب معرفة الجمهور المستهدف من كافة النواحي .

(ب)  الجمهور الثانوي :

هو الجمهور الذي يمكن أن يساعد في نجاح الحملة بسبب اتصاله المباشر وغير المباشر بالجمهور وهذا القسم غالبا غير تقليدي ويمثلون قادة الرأي وزعماء المجتمع المحلي ، المعلمون ، المربون ، الشخصيات الرياضية ، أهل الفن ، رجال العمال وغيرهم . وقد تكون مساهماتهم مباشرة وغير مباشرة في المشاركة الفعالة لإنجاح الإستراتيجية علي سبيل قيامهم بإنشاء وحدات تدريبية للتوعية ملحقة بمؤسساتهم ومواقعهم وتحريك الشباب لإنجاح الحملات بحكم أنهم من أنصار التحديث .

عندما نعرف الجمهور المستهدف وما الذي يحفزه يصبح بإمكاننا التخطيط لكيفية إحداث التغيرات التي نريد تحقيقها ويجن أن نتذكر أنهم ينظرون إلي القضية بشكل مختلف عن نظرتنا ولذلك يجب أن نضع أنفسنا مكان الجمهور المستهدف وكذلك أن نتخيل الحجج والضغوط التي تدفعهم إلي إحداث التغيير .


(4) تحديد العوامل المؤثرة في إنجاح الحملة الإعلامية :

الحملة عبارة عن سلسة الخطوات لذلك ينبغي أن نفكر في الأنشطة التي ستتم لاحقا وبالغرض المتاح إشراكها في الحملة ولضمان نجاح الحملة في تحقيق ذلك فمن الضروري مراعاة الجوانب التالية :

(أ) أن تكون الحملات الإعلامية قادرة علي التأثير من خلال إبراز الجوانب الحقيقة للمعوقات التي تواجه قيام مشاريع التنمية وتقديمها بشكل جيد فالحملات التي تطرح أفكار جيدة ينبغي أن نفكر في البداية علي زيادة الجرعات المعرفية لدي الجمهور عن موضوع الحملة مثل إظهار الآثار السلبية المترتبة علي تعويق العمل التنموي وإبراز الآثار الإيجابية التي حققتها المشاريع التنموية في البلدان المتقدمة ، فان ذلك يحمل رسالة تحث الجمهور للتفاعل مع التنمية وتشجيعها وتفهم رسالتها

(ب) حساسية الموضوع وملائمتة للدين والعادات والتقاليد وهذا يتوقف علي تقبل الجمهور من ناحية ملائمتهم لعملية التغيير .

(5) تحديد الإستراتيجية العامة لتنفيذ برامج الحملة  Tactics   :

المقصود من وضع الإستراتيجيات العامة لتنفيذ الحملة هو وضع السياسات والطرق التي تنبني عليها الحملة بحيث يجب أن تكون هنالك طريقة واضحة لتنفيذ الحملة ونظرا لان حملة التوعية تهدف تغيير معرفية تم اتجاهية ثم سلوكية أي التوعية عن طريق التعليم والإعلام والتنسيق مع مؤسسات الدولة والمؤسسات التي تقدم الخبرات الفنية مثل مراكز البحوث فلابد من قيام المؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة والإيصال بها لكي تعمل عكس النشاط التنموي بصورة تعريفية توضح للجمهور أهمية قيام مشاريع التنمية وما يترتب من أثار إيجابية مستقبلا .

(6) تحديد الموارد المتاحة  لتنفذ الحملة :

إن حملات التوعية الإعلامية التي تصاحب قيام المشاريع التنموية تحتاج إلي وضع ميزانية كبيرة تغطي جميع احتياجات هذه الحملات لأهمية وضرورة نجاحها وتحقيق أهدافها . وعلي ضوء الموارد المالية المتاحة للحملة الإعلامية تستطيع إدارة الحملة أن تحدد العناصر البشرية والإمكانيات الفنية اللازمة لتنفيذ أنشطتها كما تتمكن أيضا من تحقيق الوسائل الإعلامية المناسبة وتشمل النفقات في الحملات ما يلي :

(أ) الدراسات والاستشارات .

(ب) التكاليف الخاصة بي الأنشطة والفعاليات .

(ج) تصميم وإعداد الرسائل الإعلامية للوسائل المختلفة .

(د) نفقات القائمين علي أمر الحملات .

(7 )اختيار الوسائل والأنشطة الاتصالية :

من المهم معرفته كل خصائص وميزات كل وسائل الاتصال الجماهيري التي تستخدم في الحملات الإعلامية ومدي إقناعها وتأثيرها علي الجمهور ومعرفة الوسائل التي تتكامل معها  وتساند في قيام الحملة . ومن المهم طرح التساؤل الخاص بمدى إمكانية التعاون المشترك بين القائمين علي الوسائل الاتصالية مع القائمين علي أمر حملات التنمية الاجتماعية وهل استخدمت هذه الوسائل حملات سابقة .

ويشير كل من (باركر ، روجرز ، وسوبوري ) (Barker , Roger and Sopory 1992 ) (إلي أن كثير من النشاطات المرتبطة بالاتصال وخاصة المتعلقة بالخطة ، هي فاعلية تلك التي تتبني منهج الأنظمة (System Approach) الذي تتدخل فيه قنوات الاتصال الشخصي والمواد المطبوعة والمنظمات والشبكات الاجتماعية وقادة الرأي والقادة السياسيون ومقدمو الخدمات ونظم التعليم الرسمي ) .

لكل جمهور وسيلة اتصالية مناسبة حسب الوضع الثقافي والاقتصادي  والاجتماعي والسياسي ولهذا تتناول هذه الدراسة كيفية التوظيف الأمثل لوسائل الإعلام ومساهمتها في أحداث التنمية المستدامة وهنالك ثلاثة أنواع رئيسية من وسائل الاتصال :

(أ) وسائل اتصال جماهيري :

وتتميز هذه الوسائل بقدرتها علي توصيل الرسالة إلى جماهير كبيرة في اكبر حيز جغرافي وتشمل بصورة أساسية الراديو والتلفزيون والصحافة ونتيجة لتطوير تكنولوجيا الاتصال ظهرت وسائل جديدة كالانترنت والهاتف النقال والندوات والبرامج الإذاعية والمقالات المنتظمة في الصحافة والمجلات  وكذلك من خلال الإشكال الصحفية مثل التحقيق ، العمود الصحفي ، الكاريكاتير ، بجانب تصميم رسائل قصيرة غير مملة في شكل درامي .

(ب) وسائل الاتصال الجمعي :

وتتميز بمحدودية الجمهور التي يمكن أن تصل إلية مثل تنظيم الندوات التي يشارك فيها خبراء الاقتصاد والمجال التنموي .

(ج) وسائل الاتصال الشخصي :

وتتميز بمحدودية كبيرة  للجمهور والمكان الذي تغطية ، ولكنها تتفوق علي بقية الوسائل في زيادة نسبة التفاعل بين المصدر والمتلقي والعكس وتشمل هذه الدراسة الاتصال ألمواجهي .

(8) تحديد رسائل الحملة :

للرسائل دور كبير في نجاح الحملة أو فشلها وبعد أن تعرفنا علي جمهور هذه الحملات والمستهدفين منها “المواطنين بمواقع مشاريع التنمية ” فلابد من تقيم الرسالة الإعلامية وبثها بصورة تتناسب والصفات العمرية والتعليم والعادات والتقاليد وغيرها من المميزات .

كذلك لابد من إنتاج رسائل قصيرة إذاعية وتلفزيونية وصحفية بصورة غير تقليدية توضح أهمية التنمية من خلال تقديم نمازج لدول ناهضة تنمويا .

(9) وضع جدول زمني لتنفيذ الحملة الإعلامية :

الحملات الإعلامية تسير وفق خطة مرسومة لتحقيق هدف معين وتعتبر عملية الزمن احد أساسيات الحملات الإعلامية  ، والزمن يشمل مرحلة الإعداد والتحضير للحملة والفترة التي تستغرقها وتوقيت البث والنشر بالتنسيق مع مراحل تطوير العمل التنموي . وحملات التوعية العامة تعتمد في اغلب الأحيان علي النشر المجاني الذي تتبرع به وسائل الإعلام الوطنية ، كما يتبرع به بعض الأفراد المتبرعين للحملة وتوصيل رسالتها المطلوبة للجمهور المستهدف ، وبالطبع فالتطوير والتبرع في عملية بث الرسائل بدقة كافية خلال الفترة الزمنية المقررة للحملة ولكن في حالة إقناع الجهات الحكومية والخاصة بأهمية هذه الحملات وفي حالة توفر الرسائل المناسبة في أسلوبها وإعدادها فانه يمكن التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحديد الوقت المناسب لبثها ولاعتبار حملات التوعية تناقش مشاكل وطنية ترتبط بصورة مباشرة بالمواطنين فانه يجب أن تحظي هذه الحملات بدعم حكومي كبير ومن أعلى المستويات في الدولة لكي تحقق لها النجاح مع ضرورة أن يكون بدء الحملات في احتفالية تتزامن مع بداية انطلاقة العمل مع أي مشروع تنموي .

(10)التنفيذ والمتابعة Implementation and Evaluation:

البدء الفعلي في تنفيذ الحملة يتم وفقا للجدول الزمني المقترح مع متابعة ما يستجد من أحداث قد تؤثر سلبا على سير الحملة الإعلامية مثل الانتقادات أثناء مرحلة التنفيذ أو تغيير المناخ السياسي للبلد كذلك التوقيت الزمني الغير مناسب لبث الرسائل الإعلامية وهو أيضا له تأثير كبير في إعاقة الحملات الإعلامية .

 (11) تقييم وتقويم الحملة :

يعتمد تقييم الحملة الإعلامية اعتمادا مباشر على الدراسات والبحوث التي يجب اتخاذهما قبل وأثناء وبعد الحملة لكي تستطيع من خلال هذه البحوث والدراسات التعرف على النتائج التي يتم التوصل إليها سابقا والأهداف التي يتم تحقيقها . كما يجب أن يكون هنالك دراسة للحملة خلال فترة تنفيذها للتعرف على المشاكل التي تعترض استمرار ونجاح الحملات الإعلامية ومحاولة القضاء على هذه المشاكل من خلال لإيجاد الحلول المناسبة لها ، وان أهمية التقويم المرحلي لا تقتصر على برنامج أو اعلان أو مقالة وإنما تمتد إلى الخطة بأكملها ومن ثم إجراء تقييم شامل للحملات الإعلامية بعد انتهائها وان يستند هذا التقييم على ما حققته الحملات من أهداف وليس على ما تحقق لها من مشاركة.

وهنالك إجراءات خاصة بتقويم الحملة

  1. إجراء اختبارات التعرف لمعرفة مدى إلمام الجمهور المستهدف ووعيه بقضية الحملة .
  2. إجراء اختبارات التذكر .. وتتم بعد بداية الحملة بفترة .
  3. الوعي بالخدمة .. إدراك الخدمات المقدمة والمعلن عنها في الحملة
  4. قياس الاتجاهات مثل النية لتبنى الرسالة أو رفضها والأسباب وراء ذلك .
  5. اختبارات التغيرات لقياس تغيير الاتجاهات والعوامل المساعدة في ذلك .

عملية المتابعة والتقويم تكون بصفة دورية لقياس تأثير رسائل الحملة الإعلامية على الجمهور المستهدف ، وقياس لاتجاهات التأثير سلبا أو إيجابا للمعالجة والتدخل لإجراء التعديلات المطلوبة إزالة المعوقات إن وجدت .

(12) المراجعة وإعادة التخطيط :

تشمل هذه المرحلة قياس التأثير إعادة التخطيط وفقا للنتائج المترتبة على الحملة . فالحملات هي عملية اتصالية المرسلة يهدف منها في توصيل رسالة عبر وسيط أو وسيلة إلى جمهور معين ولكن لا تتفق حدود الاتصال الناجح عند توصيل الرسالة وإنما تتعداها إلى محاولة معرفة التأثير الذي أحدثه ومعرفة رجع الصدى لدى الجمهور من خلال التعبير عن أرائه وأفكاره حول ما تدعو له الحملات الإعلامية حول العمل التنموي مثلا ويمكن قياس هذا التأثير أيضا من خلال تقصى رأى الجمهور بواسطة بحوث الرأي العام ،كما يمكن قياس تأثير أو نجاح بعض الحملات من خلال ملاحظة تغيير السلوك العام والتحول الايجابي والاستجابة لتفعيل ومساندة التطور التنموي .

مقومات نجاح التخطيط للحملة.

  • الشمول : ويعنى شمول التخطيط للحملة الإعلامية لكافة عناصر العملية الاتصالية المرسل والرسالة والجمهور والأثر لا كل عنصر يعتبر مؤشرا ويؤثر في العناصر الأخرى .
  • التكامل : ويعنى التكامل مع الخطط والبرامج الإعلامية السابقة ومع الخطط والبرامج التنموية .
  • المرونة : ويعنى القدرة على التعديل الطارئ لمواجهة الظروف غير المتوقعة للقائم بالاتصال .
  • الاستمرارية : بمعنى أن نتصور أن كل مرحلة من مراحل التخطيط والتنفيذ للحملة الإعلامية تتصل بما قبلها وتؤدى إلى ما بعدها . وذلك ضمانا لاستمرار العمل ووقائة بالغايات المنشودة .
  • التكلفة : يعنى توفر التمويل اللازم للحملة .
  • يسر الأداء : توفر جميع وسائل أداء الخطة الإعلامية وتنفيذها.


الشكل رقم (2)

طرق تقييم الحملة

 

 

 

 

 

 

– قوائم المراجعة       +المكالمات التلفونية        – اختبار التعرف

– اختبار المحكمين    +طرق المسجل الأولى    – اختبار التذكر

– الطرق الآلية           +المذكرات              – اختبار الاتجاهات

– بحوث قياس الاتجاهات                        – اختبار الاستفسارات

– اختبار الخدمة (الخدمة – الفكرة)               – اختبار الخدمة

كذلك لابد من القيام بالاتي :

– تحديد حجم الجمهور المستهدف       – قياس فعالية الحملة الإعلامية

– مراجعة المحكمين لمحتوى الحملة   – قياس قدرة المستهدفين على التذكر

– الاختبار المعملي لقياس قدرة الحملة – معرفة اتجاهات الأفراد نحو الحملة

على جذب الانتباه وتحديد نوع الاستجابات – قياس اثر الحملة على تصرفات وسلوك المستهدفين

  • اختبار قبلي محدد لقياس نتائج ومعرفة درجة تعرف الجمهور على الحملة واتجاهاته نحو الرسالة المقدمة.

يرى الباحث أهمية أن يراعى عند تصميم رسائل التوعية بأهمية قيام المشاريع التنموية من خلال الحملات الإعلامية ، الارتباط بين (المعرفة – الاتصال – العوامل الاجتماعية والاقتصادية – السلوك) ومراعاة هذا الارتباط يهدف في نهاية الأمر إلى أحداث التغيير بشكل متوازن كما يرى أن الاهتمام مؤشر مهم للغاية للمتلقين ، حيث أن أثارة اهتمامهم بقضية ما يشكل الهم الدافع والحافز لاستيعاب المعلومات والتفكير فيها بالاستمرار ، بل وطلب الاستزادة في المعرفة من المختصين لإزالة التوتر وأحداث التوازن المعرفي .

عملية تخطيط الحملات الإعلامية يجب أن تتم على أساس تصور الاتصال كحوار بين مصادر الصفوة ومختلف فئات الجمهور وبالتالي بجدر إلا تبنى الحملات على أنها محاولة لإغراء الجمهور أن يفعل ما تريده الصفوة ولكن ليساعد الناس في مسئولية بناء حياتهم بما يعود عليهم بالفائدة . التفاعل المتبادل يعتبر أكثر فاعلية من هيمنة المصدر في عملية الاتصال وبالتالي تعمل المصادر على أن تعلم الجمهور أكثر بكل المواقف اليومية والقضايا الحيوية التي تواجهه فيتأثر تدريجيا ويتعلم ما يفيده في إعادة بناء حياته .

هذا بجانب تعلم المصادر احترام الجمهور ، وتبعا لذلك سيتجه الجمهور إلى تقدير ما تريده الصفوة منهم أن يقوموا به .

يتم ذلك بإزالة الحواجز والقيود التي تحول دون التفاعل المتبادل بين الصفوة ، والمتلقين ، وبصفة خاصة الطبقات الدنيا والأقليات ، وصعوبة ذلك تتأتى من نظم وسائل الإعلام نفسها التي لا تسمح بوجود رجع صدى سريع من المتلقين يفيد في تشكيل النظرة المتعلقة للمواقف الحياتية والحاجات الإعلامية لأفراد المتلقين وليس إعادة صياغة الرسالة فقط .

وربما يساعد التطور التكنولوجي في تخفيض نفقات تحقيق التفاعل بين المصادر والمتلقين كالاستفادة من الانترنت في تبادل المعلومات ، والى أن يعم هذا التطور التقني تتطلب الشرائح من الطبقات الدنيا والأقليات أن تصمم لها رسائل توعية خاصة بها وفق الإطار الدلالي لكل منها ، وكل شريحة لها دورها ولها مطلوباتها التي تخاطب وفقها ليشكل ذلك إدراكا وتيقظا للوعي كما قال بذلك (Shiller) ” أن الإدراك هو حالة تيقظ للوعي ، وهو حساسية للواقع تسبق الفعل وبالتالي فإذا ما تبلد الوعي وضعف الإدراك فان إحساس المرء بالخطر يتضاءل ، ويصبح مهددا في عيشه المستقر ، فالوعي اليقظ مصدر القوة الأساسي للوجود الإنساني ، وهو القوة الوحيدة التي يعول عليها والتي يمكن أن تؤدى إلى تغيير البيئة المادية المؤسساتية . فإذا ما تم إهدار قدرته ، فان المجتمع يعيش حالة من التردي “.

هدف هذه الدراسة هو إيقاف حالة التردي من خلال تقديم نموذج فعال لحملة إعلامية تزيد من درجة الوعي والإدراك لشرائح المجتمع كافة ، وتنجبها المخاطر وتفتح لها الأبواب التي تؤمن لها تبنى السلوك الايجابي الذي يؤمن الفرد والمجتمع من انعدام التنمية .

 

 

 

 

 

 

الاستجابة المعرفية وتشكيل الاتجاه

بدأت دراسات الإعلام في القرن الماضي تأخذ اتجاها معرفيا وازداد تركيز الدراسات الاقناعية ، وهنا في هذه الدراسة تأتى أهمية دور الحملات الإعلامية في تشكيل الاتجاهات على التفاعلات المعرفية والذاتية للأفراد تجاه الرسائل الاقناعية لأهمية مشروعات التنمية والعمل التنموي بصورة عامة .

جاء اتجاه الاستجابة المعرفية مكملا لنظرية تشكيل الاتجاهات حيث يستمد جذوره منها .

مفهوم الاستجابة المعرفية Cognitive Response :

“الاستجابة المعرفية هي رسالة داخلية صامته تصدر عن المتلقي وهى عبارة عن فكرة أو معلومة متعلقة بموضوع أو قضية معينة وتنتج عن عمليات معرفية معينة ناتجة لعمليات معالجة المعلومة وبنائها . وتتضمن مدركات وتداعيات للمعاني ومخرجات للأفكار

(وتتعدد المسيرات الاتصالية والاقناعية التي تصدر عنها العمليات والاستجابات المعرفية حيث تصدر بعضها من الاحتكاك المباشر بمسير بسيط وبعض الاستجابات تصدر نتيجة لاسترجاع خصائص مثير معين من الذاكرة أو استرجاع براهين خاصة برسالة اقناعية ما ، وبعض الاستجابات المعرفية تنتج عن أعمال العقل في مثير معين ، وتفنيد رسالة ما).

وهنا تأتى أهمية أن تتوسط الاستجابات المعرفية تأثير الرسائل المختلفة على أراء واتجاهات المتلقين ، أي أنها تقوم بدورها المتغير الوسيط .(هنالك بعض الباحثين يعتبرون الاستجابات المعرفية إنتاجا لبعض العوامل مثل الرسالة البيئة الاتصالية وخصائص المتلقين ، أي انه يعتبرونها متغيرا تابعا وليس وسيطا) .

الاتجاهات Attitudes :

هي استعداد مكتسب للاستجابة بشكل ثابت نسبيا بالسلب أو الإيجاب نحو شئ محدد . للفرد يكون اتجاهات نحو الأشياء والآخرين اللذين يتعامل معهم أو يشترك معهم في عملية الاتصال .

للاتجاهات أهمية بالغة في عملية ن ودراسة الاتصال . والباحثون يهتمون للكيفية التي يتم بها تكوين الاتجاه وطبيعته وتغييره أو تعديله أو استمراره ، وتعتبر دراسة الاتجاهات جزءا أساسيا في نظريات الإعلام .

للاتجاهات أهمية بالغة في دراسة الاتصال إذا أن :

  • لكل من المرسل والمستقبل اتجاه سلبي أو ايجابي نحو الأخر.
  • لكل من المرسل والمستقبل اتجاه سلبي أو ايجابي نحو الموضوع الذي يدور حوله الاتصال.
  • لكل من المرسل والمستقل اتجاهات سلبية أو ايجابية نحو الأشياء والأشخاص والمواقف الأخرى التي ترد في الرسالة .

من ما تقدم يتضح أن للاتجاه خصائص يندرج في العناصر التالية :

  • الاتجاه هو الاستعداد للسلوك (الاستجابة)
  • الاستجابة (أيا كانت)يمكن تصنيفها إلى ايجابية أو سلبية
  • الاستعداد للسلوك ايجابيا أو سلبيا نحو شئ محدد هو استعداد مكتسب (أي تم تعلمه).


الاتجاه كاستعداد للسلوك :

سلوك الكائن الحي (الاستجابة ، الحركة ، الحديث… الخ) يتم بعد تلقيه إشارات المخ “مركز للسيطرة” وحيث يتحكم في جميع أنواع السلوك (علاقة الاتجاهات بمركز السيطرة باعتبار أنها تعد المرحلة الأخيرة من سلسلة تتكون من ثلاثة مراحل هي الحوافز – الدوافع – الاتجاهات).

1/الحوافز Drives :

وهى حالات جسدية تتمثل في الشعور بعدم الراحة. وهى تعتبر بمثابة المادة الخام التي تتكون منها دوافع السلوك .وهناك حوافز إنسانية مثل الجوع والعطش والجنس والألم ، وتثور هذه الحوافز حينما يكون الجسم في حالة عدم الانسجام مع البيئة المحيطة ، كان يحرم من إشباع حاجات أساسية كالطعام والشراب .

حرمان الجسم من الطعام فانه يعانى من الجوع ويمر بحالة من عدم الراحة والقلق ويستمران حتى يتم إشباع الحاجة للطعام … وكذا الحاجات الأخرى .

إذن الحوافز هي أساس الجسم بحاجة معينة تتطلب قيام الفرد (بسلوك) معين لإشباعها .

2/الدوافع Motives :

وهى هدف أو حاجة من أهداف أو حاجات الكائن الحي وهى أحدى طرق إشباع الحوافز. يعد هذا الهدف أو الحاجة بمثابة منفذ يستطيع الكائن الحي من خلاله أن يتلخص من حالة القلق والتوتر ، فالطعام مثلا هو الدافع الذي يشبع حافز الجوع .معنى ذلك أن الدافع بقدم منفذا ممكنا للتنفيس عن حالة التوتر والإضراب المرتبط بالحافز .

هذه “المنافذ” يتعلمها الفرد من خلال التجربة ، وتوجد عدة منافذ لإشباع حافز معين “أي أن عددا من الدوافع قد يرتبط بحافز واحد” وفى جهة أخرى فان هناك بعض الدوافع قد ينبني على مجموعة من الدوافع بدلا من حافز واحد (1).

نستنتج من ذلك أن الدوافع تعطى الإنسان القدرة على توجيه سلوكه الذي يهدف من القلق أو التوتر أو عدم التكيف مع البيئة .

3/الاتجاهات Attitudes :

(يمكن اعتبار الاتجاهات على أنها “نظم إرشاد للدوافع فالفرد الذي يريد أن يلب حاجة فسيولوجية(طعام- شراب- جنس )، يستطيع تلبية الحاجة وفق ما هو متاح ، ولربما يفضل نوعا معينا من الطعام أو المشروبات ، أو يحب عدة أطعمة أو أشربة بدرجة واحدة ، بدرجات متفاوتة ، ويتوقع في مثل هذه الحالات أن يأكل الإنسان أو يشرب المفضل لديه .

يستنتج من ما تقدم هو إمكانية إشباع أي دوافع عن طريق عدد من الاستجابات المختلفة ، وتكمن الاتجاهات الإنسان من أن يفاضل بين الاستجابات المختلفة عند قيامه بالسلوك الذي يقوم به الفرد في النهاية .

تتضح هذه العلاقة بين الحوافز والاتجاهات والسلوك كما هو مبين أدناه :

الشكل(3)

العلاقة بين الحوافز والدوافع والاتجاهات والسلوك

 

 

 

 

 

 

 

 

تكوين الاتجاهات :

وفقا لمبادئ التعلم (الشرطة) فان (الاتجاهات عبارة عن استجابة عاطفية (وجدانية) شرطية ، تكونت من خلال التجربة السابقة والارتباط بين المنية والاستجابة).

ومن خلال العملية الشرطية ، يتكون الكثير من الاتجاهات وإذا أدى سلوك معين إلى نتائج مجزية لمرات عدة فان الفرد يتكون لديه ميل للاستجابة بشكل ايجابي نحو هذا الشئ في المستقبل ن وان كانت التجربة المكتسبة سلبية أو ايجابية عند ذلك نستطيع أن نتوقع ما إذا كان الفرد يتكون لديه ميل للاستجابة بشكل ايجابي نحو هذا الشئ في المستقبل وان كانت التجربة المكتسبة سلبية أو ايجابية عند ذلك نستطيع أن نتوقع ما إذا كان الفرد ستبعد عن الموقف أو يتفاعل معه .

(فالفرد عند الاستجابة فانه يسترجع محتوى معرفيا يتجاوز حدود الرسالة المقدمة ، ومن المفترض أن يقدم المحتوى المعرفة (الاستجابة المعرفية – التي تفاعل معها) لتفسير التأثيرات المستمرة بالرسالة . ولهذا تعد الاستجابة المعرفية أكثر أهمية في عملية تعديل الاتجاهات مقارنة بمحتوى الرسالة).

العلاقات بين الاتجاهات والمعتقدات :

تناولت كثير من الاتجاهات العلاقة بين التغيرات التي تحدث في الاتجاهات من ناحية ن والتغيرات من قيم ومعتقدات التي تبنى عليها هذه الاتجاهات . فمثلا في هذه الدراسة نجد تغير معتقدات المواطنين المتأثرين من قيام سد مروى من المناصير يتطلب مجهود متواصل من الحملات الإعلامية بهدف الإقناع وتغيير الاتجاهات . وهنا تلعب المعتقدات دورا في تمسك الإنسان وارتباطه بأرضه وموطنه الأصلي .

(وبما أن الرسائل الاقناعية التي تتضمن عادة البراهين والأمثلة والتوضيحات التي يتم تصميمها لتغيير ومعتقدات الفرد إذا موضع الاتجاه ، فان المنظورين في مجال الاتجاهات يفترضون أن تغير الاتجاه يرجع في الأساس إلى التغيرات التي تحدث في معتقدات الفرد تجاه موضوعات الاتجاه)

(أكد كل من (Fishbein – Ajzen ) مركزية المعتقدات ، حيث تتوسط تأثير العاطفة على الاتجاه . وذكر أن البناء المعرفي الذي يرتكز على المعتقدات البارزة لدى الفرد يجدد اتجاه الفرد ، ويتوسط تأثير العوامل الأخرى مثل العاطفة على الاتجاه).

وميز كل من (Trafimow – Sheer an)  بين المعتقدات ذات الأسس المعرفية والمعتقدات ذات الأسس الوجدانية . ووجدا أن هنالك علاقة بين كل من النوعين والاتجاهات

كما وجد كل من (Eagly, Mladininc – OHO)  في دراستهما (1994) (أننا يمكن أن نتنبأ من خلال كل من البناء المعرفي والعاطفة).

يقسم (Fish beam – Ajzen)  الاعتقادات حسب مصادر المعلومات ، وطرق تكوين هذه الاعتقادات ، إلى ثلاثة أنواع هي :

  • الاعتقادات الوصفية : وهى تتكون بناء على التجربة المباشرة للفرد وملاحظته لوجود علاقات بين الأشياء يقوم الفرد بإدراكها عن طريق الحواس .
  • الاعتقادات الاستنباطية : وهى التي تقوم على ربط الاعتقادات الوصفية بما لدى الفرد من خبرة وأفكار عن الشئ .
  • الاعتقادات الإعلامية : تتكون بشكل مختلف عن الاعتقادات الأخرى والاعتقادات الإعلامية تتكون بناء على الاشتراك في عملية الاتصال ، وذلك عند قبول معلومات عن شئ أو شخص أو موقف معين ، يكون مصدر هذه المعلومات احد وسائل الاتصال أو طرق الاتصال.

وظائف الاتجاهات :

تعرض (D.Katz) عند دراسته لـ(المدخل الوظيفي) لمحاولة فهم أو معرفة أسباب تمسك الناس باتجاهات معينة ، حيث أهمية البحث عند هذه الأسباب في الدوافع السيكولوجية وليس في الأحداث أو الظروف الخارجية . وبدون معرفة الحاجات النفسية التي ينم تحقيقيها عن طريق التمسك باتجاه معين ، فنحن لا نستطيع أن نتوقع توقيت وكيفية تغير الاتجاه ويرى (Katz) أن الاتجاهات تخدم أربعة أغراض هي :

  • وظيفة التكيف مع البيئة :

بمعنى أن الفرد يسعى إلى الحصول على أقصى قدر من الجزاء وتقليل العقاب المتوقع من البيئة الخارجية إلى أدنى الدرجات والاتجاهات هي في العادة الوسيلة التي عن طريقها يحاول المرء تحقيق أهدافه المطلوبة وتفادى النتائج السيئة .

  • وظيفة الدفاع عن النفس :

يسعى الفرد لحماية نفسه من غرائزه وشهواته ونزعاته غير المقبولة ، وتمكنه من التعرف على الظواهر الخارجية التي تهدد كيانه .

3-وظيفة التعبير عن القيم :

بعض الاتجاهات تقوم بوظيفة التمويه عن النفس وعلى الآخرين إخفاء حقيقة الفرد ، والبعض الأخر من الاتجاهات يخدم وظيفة مختلفة هي التعبير الفعلي عن القيم الأساسية للفرد ، وعندها يحس الفرد بالرضا عندا يعبر عن اتجاهات يعتقد أنها تعكس قيمة ومعتقداته .

4-وظيفة المعرفة :

ترتبط بحاجة الفرد إلى تنظيم إدراكه من حوله وتقصف بالبحث عن المعاني ومحاولة الفهم ، والنزعة نحو التنظيم الأفضل للمدركات والاعتقادات حتى تتسم أفكار الفرد بالوضوح والاتساع.

 

 

محددات محتوى الاستجابة المعرفية وفقا للنماذج المعرفية :

تعددت النظريات المعرفية التي يمكن تطبيقها في تحليل محددات مستوى الاستجابة المعرفة ومنها :

  • نظريات الاتساق المعرفي Balance Theory أو (التوازن المعرفي) تتنبأ هذه النظريات بمدى وجود اتساق بين الاستجابات المعرفية نحو رسالة ما ، والمخزون المعرفي لدى الفرد عن موضوع الاتجاه .
  • منظور الاستيعاب– التباينThe Assimilation- Contrast Approaer : يتنبأ بان الفرد تصدر عنه ردود أفعال ايجابية تجاه الرسائل التي تقع في مدى (مجال) القبول لديه ، وتصدر عنه ردود أفعال سلبية تجاه الرسائل التي تقع في مدى (مجال) الرفض لديه.
  • نظرية المفاعلة Reactance Theory : وتتوقع هذه النظرية أن تصدر ردود أفعال سلبية في المواقف الاتصالية ذات الطبيعة القصرية.
  • نظرية السلطة (الندرة) Commodity Theory : وتفترض هذه النظرية أن هنالك علاقة عكسية بين إدراك الملتقى لمدى وفرة المعلومات عن قضية ما ، وايجابية التفاعلات المعرفية تجاه الرسالة .
  • النظرية الوظيفية Functional Theory :تقدم هذه النظرية مجموعة من المبادئ الأكثر تعقيدا التي تساعد في التنبؤ بالتفاعلات المعرفي تجاه الرسائل المختلفة ، بشرط التعرف على الأسس والدوافع التي تقوم عليها اتجاهات الفرد.

حاولت هذه النظرية الربط بين المبادئ التي نادت بها واستخدام الجمهور لوسائل الإعلام والذي يتخذ قراره بناء على معطيات سابقة عن مفهوم الوسيلة والمصدر والمحتوى ودور المعرفة الإدراكية باعتبارها احد للقوة التي  تقوم بدور في العمليات الوسيطة التي غيرت من مفهوم التأثير والاتجاهات .

يحدد الفرد اتجاه نحو وسائل الإعلام من خلال الصورة الزاهية التي يرسمها الفرد في مخزونة المعرفي عن هذه الوسائل ، أو أحداها وفقا لخبرته المتراكمة ، وتعرضه لرسائل هذه الوسائل ، وعلاقته بالمدركات التي يختزنها الفرد في إطار خبرته . ويتحدد اتجاه الملتقى بالقائم بالاتصال من خلال تقييمه لخصائص القائم بالاتصال وعلاقته بالمفاهيم التي يقدمها في محتوى النزاع أو المنشور من خلال مدى الاختلاف أو الاتفاق بالمفاهيم التي يقدمها محتوى النزاع أو المنشور من خلال مدى الاختلاف أو الاتفاق مع البناء المعرفي للفرد عن المفاهيم أو المعاني المضمنة في المحتوى .

تتجمع هذه النظريات في رؤيتها ، أن الفرد يميل إلى تحقيق التوازن أو الاتساق ، بين الموضوعات ذات العلاقة ، وفى حالة عدم التوازن نتيجة تباين الاتجاهات بين هذه الموضوعات يشعر الفرد بالتوتر أو الضغط الذي يدفعه إلى محاولة تغيير اتجاهه في الجانب الذي يحقق له التوازن أو عدم الاتساق ويجنبه التوتر والقلق الناتج عن هذا التباين

فالحملات الإعلامية الاقناعية يجب أن تتناول العادات والمعتقدات وتدعم الايجابي منها حتى تصدر استجابات من قبل المتلقي لتقبل الرسالة الإعلامية والتفاعل معها .

(ويفترض Green wald) المؤسس الحقيقي من منظور الاستجابة المعرفية أن الأفراد عندما يتلقون رسالة ما ، فأنهم يحاولون ربطها بالمخزون المعرفي لديهم عن موضوع الرسالة . أما إذا كانت الرسالة تثبر استجابات معرفية معادلة ، أو استجابات تفند الموقف الذي تتبناه الرسالة أو تؤيده موقفا أخر ، فان المتلقي سيرفض الرسالة ، وقد تكون استجابات المتلقي المعرفية أكثر إقناعا من الحجج التي تقدمها الرسالة ، مما قد ينتج عنه رد فعل عكس تجاه الرسالة).

الخصائص المميزة لنظرية الاستجابة المعرفية :

هنالك أربع خصائص لنظرية الاستجابة المعرفية تميزها عن غيرها من نظريات تشكيل الاتجاهات وهى :

1/ اعتماد النظرية على ما يسمى بمهمات الإنتاج Tasks Production، وهى تشير إلى فكرة أن الأفراد الذين يتعرضون لرسالة ما تكون لديهم الفرصة للتعبير عن الأفكار التي تراودهم ، أي أنهم يقومون بهمة إنتاج الأفكار .

2/ تعدد الأبعاد Multi dimensionality تتناول النظرية الاتجاهات باعتبارها ذات أبعاد متعددة على عكس النظريات الأخرى التي تناولت اتجاهات الأفراد أي باعتبارها أحادية البعد .

3/ تعد نظرية الاستجابة المعرفية نظرية كيفية Qualitative Theory حيث أنها تتناول وتفسر الظروف الكيفية بين أفكار المبحوثين ومن ثم اتجاهاتهم .

4/تعد نظرية الاستجابة المعرفية على الذاكرة A memory based Throry فهي تخبرنا بالأفكار التي تنتجها الأفراد عند مواجهتهم لظروف غير متوقعة ، يطلب منهم فيها اتخاذ قرارات محددة تجاه موضوعات الاتجاهات المختلفة اعتمادا على الذاكرة.

دور حملات التسويق الاجتماعي الإعلامية في تغيير الاتجاهات :

تسعى حملات التسويق الاجتماعي إلى تغيير اتجاه وأراء الناس إزاء موضوع أو قضية ما لجعله اتجاها أكثر ايجابية وقربا لتنمية الفرد والمجتمع معا ، وغالبا في مثل هذه الحملات تسعى إلى مقاومة العادات والتقاليد والأفكار السلبية في المجتمع والعمل على إقناع الناس لتبنى سلوك يؤدى إلى القضاء على مثل هذه العادات والتقاليد . ومن النماذج المتفق عليها في تغيير اتجاهات الأفراد من خلال حملات التسويق عامة الاجتماعي نذكر ما يلي :

  • تصميم المنبه والاستجابة The Stimulus – Response design :

يفتكر هذا التصميم على نتائج البحوث التي أظهرت أن التعليم يحدث عن طريق الرفض والتكرار وهدفه الجمع بين منبه واستجابة .

وقد انعكست تطبيقات هذا التصميم في مجال الاتصال في تحديد معاني جديدة للكلمات ، سواء كانت هذه المعاني دلالية أو ضمنية تحمل أبعادا عاطفية . يكثر استخدام هذا التصميم في حملات التسويق الاجتماعي ذات الطابع الصحي من خلال تنبيه الأفراد إلى ظاهرة صحية ومحاولة خلق الاستجابة المطلوبة .

ومن أمثلة هذه الحملات هذه الدراسة التي تحاول الربط بين صحة الفرد والإصابة بالأمراض المعدية مثلا .

ويعتمد هذا المنبه غالبا على :

  • التكرار Repetition من خلال التكرار المستمر للحملة .
  • الجذب Captivity من خلال استخدام كافة عناصر الجذب والانتباه ، وخاصة تلك التي تركز على الجوانب الداخلية للفرد .
  • التماس Contiguity عن طريق الربط بين موضوع الحملة وعلاقتها بالإفراد أنفسهم .

ب- تصميم الدافعية Motivational Design  :

ظهر هذا التصميم نتيجة عدة دراسات بان الإنسان يسعى بشكل دائم نحو تحقيق أهداف تلبى احتياجاته المختلفة وهنا يبرز دور وسائل الإعلام في توعية المهجرين من قيام سد مروى مثلا بان الموقع الجديد به ميزات أفضل مما كانوا عليه ويعبر عن ذلك بنموذج (Maslow).

يعبر الشكل التالي عن الاحتياجات الإنسانية المختلفة ويعرف بهرم ماسلو للحاجات.

 

 

 

 

الشكل رقم (4)

هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية المختلفة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تستخدم حملات التسويق الاجتماعي هذا التصميم من خلال الرسائل إعلامية تعالج مثل هذه الحاجات وتبين مدى توافرها أو توافد أحداها بالنسبة للفرد وبالتالي فان إشباع هذه الحاجات سوف يؤدى إلى الاقتناع بموضوع الحملة والتأثير بها بدرجة اكبر ، مثل استخدام حملات إعلامية نوعية تشير إلى توسع في العمل الزراعي وترقية خدمات المواطنين الضرورية من اجل تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي ، إلى جانب الإحساس بالطمأنينة كحاجات فسيولوجية ويمكن تقسيم دوافع الفرد للاستجابة للفكرة أو الخدمة كأساس للسلوك إلى.

دوافع عاطفية : بالاعتماد على المشاعر والرغبة في الاستجابة دون تقييم موضوعي للعملية ن أو لمجرد تقليد الآخرين . وغالبا ما يتأثر الفرد هنا بطابع الإثارة في تصميم الحملة .

دوافع عقلية : يقوم الفرد هنا بتحديد أولوياته واختياراته بعد تفكير موضعي يؤدى إلى إشباع حاجاته من خلال الخدمة أو الفكرة . وهو غالبا ما يركز على المضمون .

ج- التصميم المعرفي Cognitive design :

يعتمد منهج التصميم المعرفي على الحجج العقلانية Rational argument ويمكن تطبيقه في أسلوبين هما :

– محاولة الإقناع عن طريق الحقائق والمعلومات ، ضمن دائرة النقاش المنطقي .

– استخدام رغبة الآخرين في بناء حالة من التوافق مع أنفسهم ومحيطهم من خلال تغيير اتجاهاتهم عن طريق إثارة حالة عدم التوازن الذاتي ودفعهم إلى إتباع سلوك جماعي . ومثال هذا محاولة إقناع الأفراد بضرورة اتخاذ موقف واحد للتصدي لأي جهة تريد التدخل في الشئون الداخلية للمجموعة .

د- التصميم الاجتماعي Social design :

يقوم هذا التصميم على فكرة مفادها بناء الإنسان ما هو إلا عضو في المجتمع ، وهو كثير الاعتماد عليه ، وبالتالي فان التصميم الاجتماعي يعتمد على مبدأ الاتفاق الجامعي مما يسهم في تغيير الاتجاهات السائدة . ويستخدم بكثرة في حالة خلق رغبات وميول لدى جماعة ما إذا موقف معين مثل حالات الحروب  وهنا فقد يبرز دور الجماعات المرجعية بما لها من تأثير على معتقدات ومواقف وسلوك وقرارات أفراد آخرين.

يتمثل تأثير هذه الجماعات في حملات التسويق الاجتماعي من خلال تأثيرها الكبير على قرارات الاستفادة من الخدمة أو تبنى الأفكار مثل عمليات التضحية من اجل قضايا الوطن الجوهرية .

وهنا يمكن للقائمين على أمر الحملات الإعلامية الاستعانة والتنسيق مع قادة الرأي والجماعات المرجعية كالتالي.

– الجماعات الرسمية Formal Groups :وهى الجماعات ذات صفة التشكيل الرسمي (كالنقابات المهنية) حيث يتأثر أعضاء هذه الجماعات بآراء قادة الرأي فيها بما يمثلون من قيم وأنماط سلوكية .

الجماعات غير الرسمية Informal Groups : وهى جماعات غير منظمة ن وترتكز غالبا على العلاقات الاجتماعية غير الرسمية كالأصدقاء والجيران مثلا .

الجماعات التلقائية Automatic Groups : وهى تلك الجماعات التي يرتبط لها الأفراد  بصورة تلقائية وفقا لمعايير محددة مثل السن ، الجنس ، الحالة الاجتماعية وينبغي أهمية هذا النوع من الجماعات في تأثيرها الفعال على التوقيعات الاجتماعية  لأعضائها من خلال القدرة على تحديد نوع الخدمات المقدمة .

الجماعات التوقعية Anticipating Groups :كالجماعات التي يسعى الأفراد للانضمام إليها . ويؤثر هذا النوع على الأنماط السلوكية في اقتناء الخدمة وتبنى الفكرة . كالرغبة في الانضمام لذوى التأهيل الاجتماعي أو الجمعيات الاجتماعية .

الجماعات السلبية Negative groups : وهى من النوع الذي يسعى الأفراد للابتعاد عنها ، ما يترتب عنه اتخاذ مجموعة قرارات لا تتوافق مع هذه الجماعات .

الجماعات الأولية Primary groups : كالجماعات الأصلية في المنشاة ، ويكون بينهما وبين الأفراد اتصال مباشر ودائم وعادة ما يكون تأثير هذه المجموعات قويا ومباشراً.

هـ-تصميم الشخصية Personality:

وهو التصميم الذي يأخذ في اعتباره الحاجات الشخصية للأفراد المستهدفين أثناء القيام بمحاولة إقناعهم بخدمة أو فكرة ما . ويمكن تصنيف هذه الحاجات إلى فئتين اثنين هما :

حاجات التعبير عن القيم Value Expression : أن يفترض تصميم الشخصية هنا بان الآراء والمواقف والاتجاهات ما هي إلا تعبير عن عوامل شخصية تمكن الفرد من التفاعل مع المجتمع ، فالحملات الإعلامية عن مرض الايدز ربطت بين المرض والجوانب الأخلاقية لدى الشخص .

حاجات الدفاع عن الذات Ego-defense : وترتبط هذه الحاجات بمحاولات حماية الفرد لنفسه من صراع داخلي أو خارجي ، كالدفاع عن النفس إذا الإحساس بعقده الفشل.

وبالرغم من صعوبة تطبيق مثل هذا التصميم لحاجته إلى استخدام أسس نفسية بدرجة كبيرة ، إلا أن بعض الباحثين قدموا بعض الأساليب الإعلامية التي تكون ناجحة في تغيير الاتجاهات وفق هذا التصميم ومنها على سبيل المثال لا الحصر .

* الإقلال من استخدام عامل التهديد في مضمون الرسالة الإعلامية واللجوء إلى أسلوب التخويف في حدوده الدنيا .

* الإكثار من استخدام أسلوب الدعاية أو الفكاهة بهدف تخفيف حالة التوتر والقلق .

* محاولة تبصير الفرد بسلوكه الذاتي الدفاعي .

*تحويل تفكير الفرد من منطقة الدفاع عن الذات إلى منطقة التعبير عن القيم فبدلا من إقناع الأفراد لأهمية مشاريع التنمية ، فانه من الأفضل تقديم نماذج عملية لأثر مشاريع التنمية على المجتمعات المتطورة وتفاعل هذه المجتمعات المتطورة وتفاعل هذه المجتمعات مع قضايا التنمية .

نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي :

يسود الاعتقاد لدى البعض بان فشل الحملات المتكررة لمكافحة مرض الايدز مثلا بالإضافة إلى موسمية هذه الحملات يرجع لعناد الجمهور وسلبية اتجاهاته ، بل واستنكار البعض لوجود مرض الايدز في المجتمع المسلم ويرفض البعض مجرد تداول موضوع هذا المرض في وسائل الإعلام الجماهير.

 

عند التخطيط للحملات يجب مراعاة هذه العوامل :

– ضرورة معرفة عادات الاستماع والمشاهدة للجمهور المستهدف بالإضافة للعوامل الأخرى المؤثرة في عملية الاتصال بالجمهور مثل (المستويات اللغوية).

– توجيه الإعلام للجمهور المستهدف ن وليس لغيرهم .

– تبسيط الرسالة الإعلامية حتى يمكن لجميع فئات الجمهور استيعابها بنفس الدرجة ، مع الابتعاد عن استخدام المصطلحات الفنية والأجنبية أو الصور الرمزية التي تحد من القدرة على استيعاب الرسالة.

يجدر الذكر بالتأثير المعرفة بكل من الاتصال والعوامل الاجتماعية والاقتصادية ، وهنالك تأثير متبادل بين هذين العاملين . كما أن التفاعل والتأثير المتبادل بين المعرفة والاتصال والوضع الاجتماعي والاقتصادي مؤثر على المعرفة ويسبب فجوة فيها بين الفئات المختلفة .

لا يختصر تأثير العلاقات بين العوامل على أحداث فجوة المعرفة ، بل يتعدى ذلك إلى أحداث فجوة في السلوك . وسبب ذلك هو العلاقة الوثيقة بين المعرفة والسلوك ، كما أن العلاقة بين المعرفة والسلوك وتتأثر أحيانا بعوامل أخرى قد تكون للفرد المعرفة ولكنه لا يتصرف على أساسها . وتسمى هذه العوامل التي تؤثر على العلاقة بين المعرفة والسلوك بالعوامل الوسيطة وهمها :

  • العوامل الديمرغرافية (كالجنس والعمر والحالة الاجتماعية).
  • العوامل البديهية (مثل القدرة الاقتصادية ، إمكانية السلوك).
  • العوامل المرتبطة بالعرف الاجتماعي (مثل موافقة أو عدم موافقة الآخرين على السلوك).
  • الاتجاه نحو السلوك .

ويشار هنا إلى أن الأعلام يستطيع التأثير على عنصر المعرفة ، وعلى الاتجاه وعلى إدراك العرف الاجتماعي السائد ، ولكنه لا يستطيع التغلب على العقبات المرتبطة بالعوامل الديموغرافية أو العوامل البديهة .

نستطيع أن نستنتج أن فجوة المعرفة تنشا لان فئات معينة في مجتمع بعينة تكتسب المعرفة أسرع من غيرها من الفئات ، وقد يكون السبب في ذلك (العوامل الوسيطة ، أو الفروق الفردية)، وكلما زادت المعلومات في مجتمع ما كلما تعددت فجوات المعرفة في ذلك المجتمع . وهنا يجب على وسائل الأعلام تؤدى الدور الأساسي في خلق فجوات المعرفة وذلك عن طريق (تعويض) أشكال عديدة تؤثر في وسائل الإعلام عن طريقها في إيجاد هذه الفجوة والبقاء عليها ومنها شكل الرسالة الإعلامية ، ومستواها اللغوي ، وتوقيت نشرها ولا يقتصر تأثير فجوة المعرفة على أحداث فجوة مماثلة في السلوك بل يتعدى ذلك إلى وصول المعلومات بشكل سريع إلى فئة قليلة من المجتمع تستفيد منها في تدعيم قوتها ومعرفتها الصحيحة بالمسببات التي تعمل على عرقلة مشاريع التنمية المختلفة . ومن المهم عند تخطيط حملات الإعلام أو حملات التسويق الاجتماعي أن يتلافى المخططون أخطاء الحملات السابقة بعد تقييمها .

 

وهنالك عدد من الأخطاء التي تعوق نجاح الحملات الإعلامية منها:

  • اعتماد الحملات غالبا من الإذاعة والتلفزيون ، لان الإعلان في الصحف مثلا لا يغطى غالبية الجمهور المستهدف إضافة لمحدودة انتشار المطبوعات بالسودان .
  • اعتماد برامج الإذاعة والتلفزيون على اللغة الدارجة أو (لغة الإذاعة) الأقرب لفهم لغة العامة ، إذ أن اللغة الفصحى تصعب على غير المتعلمين كما أن اللغات واللهجات المحلية تصعب على غير الملمين بها في متابعة الرسائل .

 

 

 


فيما يلي نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي .

الشكل رقم (5)

نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملحوظة :

أن تطبيق هذا النموذج يشمل كذلك التسويق الاجتماعي ويشكل النموذج خطوات التخطيط لحملة التسويق الاجتماعي والتي تتطلب وضع إستراتيجية إعلامية للحملة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السابع

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

أولى أساتذة الاتصال أهمية قصوى للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في المجتمع، فرأي بعضهم الاتصال نسيجا للمجتمع الإنساني برمته، وكلما تدفق الإعلام بين شرايين هذا النسيج كلما زادت فاعلية المجتمع وقدرته على التنمية، ورأي آخرون أن عملية الاتصال ترسخ شعور المواطن بالانتماء إلي وطنه وقوميته، وأن استغلال هذا الشعور في التنمية ضرورة من ضروريات نجاحها، بالإضافة إلي وسائل الاتصال تنقل التراث الاجتماعي من جيل لآخر، واهتم آخرون بالمعلومات والأفكار التي تحملها وسائل الاتصال والتي تعد العامل الأساسي في زيادة مجالات المعرفة لدى الجماهير وتوسيع آفاقهم ومداركهم ولزيادة قدرتهم على التقمص الوجداني وتقبلهم للتغير واشتراكهم في التنمية.

وفي معظم الدراسات الإعلامية حتى بداية الربع الأخير من القرن العشرين يحدد كثير من الباحثين وظائف وسائل الإعلام بأنها الإبلاغ أي نشر الأخبار ثم الشرح والتفسير أي تفسر الخبر والتعليق عليه وإبداء الرأي فيه وحوله، ثم التثقيف ثم التسلية والاقناع ثم الإعلان ويضيف بأنه في اتساع حقول الدراسات والبحوث الإعلامية فإن هذا التعميم لم يعد ملائما للعصر فالراديو غير التلفزيون والصحف غيرهما، والأفلام السينمائية تتنوع وتتعدد وتختلف، لذلك فإن الوظائف المعاصرة للإعلام يمكن النظر إليها نظرة جديدة تعتمد على التوسع الذي طرأ على وظائف وسائل الإعلام وعلى تطور الخدمة الإعلامية في المجتمعات المعاصرة.

أهم التصورات الغربية لوظائف وسائل الإعلام:

تصور هارولد لازويل:

يعد هارولد لازويل أول من لفت الاهتمام إلي الوظائف التي يؤديها الاتصال للمجتمع وقد حدد لازويل ثلاث وظائف لوسائل الإعلام تؤديها بصورة في أي مجتمع هي:

(1) مراقبــة البيئــة:

وتعني تجميع وتوزيع المعلومات المتعلقة بالبيئة سواء في خارج المجتمع أو داخله وهي ما تسمى بوظيفته الإخبار، أي أن تكون الأخبار في متناول الجميع. وهذه الوظيفة يمكن المجتمع من التكيف مع الظروف المتغير، تسهيل عملية اتخاذ القرارات فالمراسلون الخارجيون لوسائل الإعلام يعملون لمراقبة البيئة الخارجية بينما المندوبون لمراقبة البيئة الداخلية من خلال تقاريرهم المستمرة والتي تحيط المجتمع علما بكل أنشطة البيئة.

(2) الترابــط:

وتعني التفسير والتحليل والتعليق على الأحداث في البيئة وتوجيه السلوك كرد فعل لهذه الأحداث، وهو ما يعني إيجاد الرأي العام.. فالاتصال هو الذي يوجه الرأي العام .. وبدون الرأي العام لا تستطيع الحكومات أداء مهامها في المجتمعات الديمقراطية، ولذلك فمن الضروري وجود قدر من الإجماع أو الترابط في المجتمع تجاه القضايا السياسية. ولا يمكن لهذا الترابط أو الإجماع أن يتحقق بدون اختيار تقييم وتفسير الأنباء بواسطة وسائل الإعلام مع التركيز على ما هو أكثر أهمية في البيئة.

(3) نقل التراث الاجتماعي (الوظيفة الثقافية):

يعتمد التراث الثقافي أساس على توصل المعلومات والقيم والمعايير الاجتماعية من جيل إلي آخر ومن أعضاء جدد انضموا إليها، وهو ما يعرف بالنشاط التعليمي.

وهذا النشاط الآن في العصر الحديث أصبح ضمن مهام وسائل الإعلام، ويقوم هذا النشاط بتوجيه المجتمع عن طريق إعطائه قاعدة أوسع من القواعد الشائعة والقيم والخبرات الجماعية التي يتقاسمها أعضاء المجتمع، كما يساعد هذا النشاط على اشتراك الأعضاء الجدد في المجتمع وحثهم على أن يقوموا بدورهم وأن يلتزموا بالتقاليد والعادات.

وقد أضاف (شارلز رايت) مهمة رابعة إلي هذه المهام وهي: الترفية أما (دي فلير) فقد أضاف إلي هذه الوظائف وظيفة أخرى وهي وظيفة الرقابة الاجتماعية وتوزيع الأدوار وتنسيق الجهود.

وأضاف (بولدنج) وظيفة الإعلان.. في إطار الوظائف الاقتصادية لوسائل الإعلام إذ تقوم الوسائل عن طريق الإعلان بنشر قوائم الأسعار وتحليل الأعمال. ولضمان الترابط في السياسة الاقتصادية سواء عن طريق الفرد أو الهيئات أو المجتمع التحكم في إدارة السوق، وأيضا لتسيير تعليم المهارات وتطلعات السلوك الاقتصادي.

وظائف الاتصال عند برتون لازر سفيلد:

استكمالا لوظائف الاتصال عن د.(هارولد لازويل) قدم ميرتون ولازر سفيلد ثلاث وظائف أخرى يمكن أن يؤديها الاتصال من اجل خدمة المجتمع، وهي:

(1) التشــاور:

بمعنى تبادل الآراء حول الأفكار والناس والمنظمات والحركات في أي مجتمع حديث فإن وسائل الإعلام تؤدي هذه المهمة فتفلت النظر إلي القضايا والموضوعات الهامة وتعمل على إضفاء الألفة والشرعية على الأفكار والناس.

(2) فروض المعايير الاجتماعية:

إذ تعمل على الحفاظ على المعايير والقيم العامة والكشف عن الانحرافات التي تحدث عن هذه المعايير وذلك لحماية المجتمع من التقلبات والتوترات.

(3) تخفيف الإحساس بالاختلال الوظيفي:

وهذا الاختلال ينتج كما يقول (لازويل) من خلال إساءة وسائل الإعلام لأداء وظائفها .. فنتج إحساسا باللامبالاة لدي الجمهور.. ويعزو ميرتون ولازسفيلد هذه اللامبالاة إلي إغراق وسائل الإعلام جمهورها بالمعلومات بشكل يؤدي إلي عملية تخدير بدلا من عملية التنشيط ، فتقضي الجمهور وقته في تعلم القضايا من وسائل الإعلام ولايصبح لديه أصلا وقتا كافيا لعمل شيء تجاه هذه القضايا.

أوشيما والوظيفة التنموية لوسائل الإعلام:

فلوسائل الإعلام كما يقول أوشيما صفة المضاعف المؤدي إلي التنمية الإنتاجية وتتميز أكثر الدول بأنها مجتمعات في عجلة من أمرها… والقصد من ذلك أنها مجتمعات تبغي اللاف بالكرب بأسرع ما يمكن.. ولهذا فهي تحتاج إلي نظرية للتنمية الاقتصادية وإلى سياسة للاتصال تشرح كيفية اللحاق وما تريد اللحاق به.. ومن الواضح أن وسائل الإعلام هي المصدر الأول لتنمية المجتمعات التي هي في عجلة من أمرها إذ أنها تحمل وسائلها إلي الجماهير بأسرع وقت ممكن.

وظائف الإعلام عند شــرام:

بالنسبة للوظائف العامة للاتصال فيحددها (شرام) على أساس كل من الفرد والمجتمع فبالنسبة للفرد فإن هذه الوظائف تنحصر في:

الإعلام – التعليم – الترفيــه – الإقناع.

ومن وجهة نظر المجتمع فأهدافه من المشاركة في عملية الاتصال هي:

  • فهم ما تحيط به من ظواهر أحداث.
  • تعلم مهارات جديدة.
  • الاستمتاع والاسترخاء والهرب من مشاكل الحياة.
  • الحصول على معلومات جديدة تساعده على اتخاذ القرارات.

أما بالنسبة لدور وسائل الإعلام في خدمة التنمية فيحدد شرام ثلاث وظائف رئيسية هي:

(1) وظيــفة الإعــلام:

وذلك لاحاطة عامة الشعب علما بالتنمية القومية وأن يتم تركيز اهتمامهم على الحاجة إلي التغيير والفرص التي تدعو إليه ووسائله وطرقه، وفي إطار هذه الوظيفة يحدد ثلاث وظائف أخرى فرعية هي:

  • توسع الآفاق: عن طريق إعطاء الفرد ا لفرصة ليرى ويسمع عن أشياء لم يرها من قبل وأن يعرف إناسا لم يقابلهم قط.
  • تركيز الاهتمام: على الآراء يجعلها أكثر انتشارا، وعلى الأشخاص بإضفاء الأهمية عليهم من خلال هذا التركيز فيصبح لآرائهم أهمية أكثر.. وبذلك تركز وسائل الإعلام اهتمام الملايين من مختلف الأفراد على نفس الموضوع وفي نفس الوقت مما يساعد على خلق مناخ لتبادل الآراء بين السكان وبالتالي خلق المناخ الذي يؤدي منه وسائل الإعلام خدماتها العامة والضرورية نحو التنمية ككل.
  • رفع مستوى التطلعات: وذلك بدفع الناس نحو حياة أفضل ونحو التنمية وبدون ذلك يصبح حدوث التنمية أمرا صعاب بعيد المنال.

(2) وظيفة اتخاذ القرارات:

فمن خلال انسياب المعلومات من أسفل إلي أعلى ومن أعلى إلي أسفل، يتم الحوار بين المسئولين وعامة الناس، وتتاح الفرص للإسهام بذكاء في عملية اتخاذ القرارات ووسائل الإعلام هي وحدها القادرة على أن تساعد على أداء هذه الوظيفة، فمن خلال تغذية المناقشات بالمعلومات وإظهار رأي القادة وجعل الوسائل المطروحة واضحة كل الوضوح، وتوسيع الحوار تجاه سياسة ما، تستطيع وسائل الإعلام أن تفرض أساليب جديدة للحياة الاجتماعية وأن تسهم في تكوين الذوق العم وأن تغيير الاتجاهات وخاصة غير الراسخة أو عميقة الجذور، وذلك بمقارنة بأشكال الاتصال الشخصي المباشر.

(3) وظيــفة التعليم:

فتعليم المهارات المطلوبة وتعلم الكبار القراءة والكتابة وتعليم المزارعين وسائل الزراعة الحديثة، وتدريب المهندسين والأطباء وتزويد العمال بالمهارات الفنية لتلبية احتياجات المجتمع، وتزويد الناس بأساليب العناية بصحتهم وقوتهم، مع ملاحظة اختلاف القدرات في أداء هذه الوظائف بين كل من وسائل الاتصال الجماهيري وأشكال الاتصال الشخصي، فالإذاعة مثلا لا تستطيع أن تشرح أية خبرة او مهارة في الزراعة أكثر مما يستطيع عامل متمرس عليها عمليا. ولكن بمجرد أن يتم تعليم المهارة فإن الراديو يستطيع أن يقدم المعلومات وأن يجيب على الأسئلة وأن يقدم النتائج.

التصورات الخاصة بدور وسائل الاتصال في التنمية من خلال عملية نشر الأفكار المستحدثة:

تعد دراسة كيفية انتشار الأفكار المستحدثة هي دراسة في عملية الاتصال وكان الهدف الرئيسي للدراسات التي تناولت ذلك هو تحقيق التغيير في المجتمع المحلي أو القرية من خلال طرح الأفكار والأساليب والمنتجات والأساليب الجديدة ونشرها في القرية أو المنطقة. وركزت هذه الدراسات من وجهة نظر علماء الاجتماع على الإجابة على سؤال محدد هو كيف يمكن أن تتغير النظم الاجتماعية عن طريق نشر الأفكار المستحدثة، أما علماء الاتصال فركزوا على تساؤل محدد هو: كيف يمكن أن تستخدم الأنشطة الاتصالية لدعم ونشر الموافقة والقبول للمنتجات والأفكار الجديدة؟ ونال هذا التوجه اهتماما كبيرا من قبل العلماء في دول مختلفة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت تحقيق نجاحات كبيرة في هذا الشأن وتراكمت لديها خبرات عديدة أدت إلى بناء نظرية عامة للاتصال فيها دور مهم وكبير في مجال نشر الأفكار المستحدثة، ويرجع الفضل لـ (إفريت روجرز) في تحديد ملامح البناء النظري لنظرية (الاتصال والأفكار المستحدثة).

وقد لخص روجرز في كتابه (الأفكار المستحدثة وكيف تنتشر) والذي نشرته طبعته الأولى في عام 1962م، والثانية في عام 1971م، لخص الدراسات التطبيقية التي أجريت لسنوات عدة في الولايات المتحدة الأمريكية حول نشر الأفكار الجديدة وأشار إلى أن الاتصال ضرورية لعملية التغيير الاجتماعي التي تحدث عندما يحدث التغير في تركيب وطبيعة النظام الاجتماعي وأن عملية التغيير الاجتماعي هذه تتكون في ثلاثة خطوات متعاقبة هي:

  • الاخـتراع.
  • الانتشــار.
  • النتائــج.

والمقصود بالاختراع العملية يتم بواسطة خلق أو تطوير الأفكار الجديدة، أما الانتشار فيقصد به العملية التي تتم بواسطتها توصيل هذه الأفكار الجديدة إلي أعضاء النظام الاجتماعي، وأخيرا فالمقصود بالنتائج التغيرات التي تحدث داخل النظام الاجتماعي كنتيجة لتبنى أو رفض الابتكار أو الأفكار الجديدة.

وعملية اتخاذ القرارات في الفكرة المستحدثة تمثل بالمراحل التاليــة:

(1) مرحلة الوعي والمعرفة بوجود الفكرة الجديدة:

حيث يتعرف الفرد على الفكرة المستحدثة من وسائل الاتصال المختلفة وعلى بعض جوانبها.

(2) مرحلة الاهتمام بالفكرة الجديدة والبحث عن المعلومات عنها:

ونتيجة لذلك يتكون لديه اتجاه مؤيد أو معارض لها.

(3) مرحلة التعميم:

حيث يختار الفرد تنبي الفكرة المستحدثة أو رفضها.

 (4) مرحلة التجريب والمحاولة:

حيث يحاول الفرد تجربة الفكرة الجديدة على نطاق ضيق لتقرير مدى صلاحيتها ونتيجة لذلك يدعم القرار الذي اتخذه بالموافقة أو الرفض، وهنا أيضا يتأثر قراره بالمعلومات والخبرات الجديدة التي قد يتعرض لها.

(5) مرحلة التبــني:

حيث يستخدم الفرد الفكرة الجديدة بصفة مستمرة على نطاق واسع عندما يصل عدد المتبنين إلى نقطة معينة حوالي 80% من أفراد المجتمع وهذه الفئة الأخيرة قد تعمد إلي التبني في فترة لاحقــة.

ونتيجة لذلك تنقسم النظرية الجمهور وفقا لمعدل سرعة التبني لما يلي:

  1. المبتدعون الأوائل ونسبتهم 2.5%.
  2. الأوائل ونسبتهم 13.5%.
  3. الغالبية المتقدمة ونسبتهم 34%.
  4. الغالبية المتأخرة 34%,
  5. المتلكئون ونسبتهم 16%.

وتبين النظرية وجود فروق واضحة بين فئات المتبنين هذه، فالمتبنون الأوائل أصغر سنا وفي حالة اجتماعية أفضل ووضع مادي أكثر يسرا من الفئات الأخرى كما أنهم أكثر تعرضا لوسائل الاتصال الجماهيرية الأخرى ويرتبطون بموظفي الإرشاد الزراعي بعلاقات جيدة ولديهم تطلعات أعلى من الفئات الأخرى.

وبالنسبة للفكرة أو الأسلوب المتبنى نفسه فتحدد النظرية سمات لها كما يراها الأفراد في المجتمع وهي التي تحدد معدل تبنيها وهذه الصفات هي:

  • الميزة النسبية للفكرة الجديدة على الأفكار أو المنتجات السابقة.
  • التوافق والانسجام مع النظم والتقاليد القائمة في المجتمع.
  • التعقد أي درجة تعقد الفكرة المستحدثة وصعوبة فهمها أو استخدامها.
  • القابلية للتجريب على نطاق ضيق.
  • القابلية للملاحظة أي درجة رؤية نتائج الفكرة المستحدثة من قبل الآخرين.

وبالإضافة إلي ذلك توجد متغيرات أخرى تؤثر على معدل ودرجة التبني مثل:

  • نوع القرار المتخذ بشأن الأفكار المستحدثة.
  • طبيعة النظام الاجتماعي.
  • طبيعة قنوات الاتصال المستخدمة في ذيوع الأفكار في المراحل المختلفة لعملية اتخاذ القرار.

وبخصوص هذه القنوات فإن الفرد يجمع المعلومات من مختلف المصادر وذلك في كل مرحلة من المراحل المختلفة للتبنى إلا أن أهمية هذه المصادر تختلف تبعا للمرحلة التي يمر بها القرار فوسائل الاتصال أكثر تأثيرا في المرحلة الأولى مما هي عليه في المراحل التالية إذ تتسم بقدراتها على جعل الأشياء معروفة للجمهور. أما عندما يحدد الإنسان موقفه من الجديد فهو غالبا ما يلجأ إلي أشخاص آخرين أو إلى عالته أو اصدقائه أو جيرانه فهؤلاء يكونون قنوات الاتصال الشخصي التي تناقش في إطار الأفكار الجديدة وتوضح الدراسات أن قنوات الاتصال الجماهيرية أكثر أهمية من قنوات الاتصال الشخصية بالنسبة للمتبنين الأوائل وهؤلاء يبحثون عن الفرص الجديدة التي تؤدي إلي تحسين أوضاعهم، وبالتالي يحصلون عليه من وسائل الاتصال الجماهيرية أما الأشخاص الذين يتأخرون في التبني فيعتمدون أكثر على الاتصالات الشخصية.

قيادة الرأي والمراحل المتعددة لتدفق الأفكار المستحدثة:

تعني قيادة الرأي الدرجة التي يستطيع بها الفرد أن يؤثر بطريقة غير رسمية على اتجاهات الأفراد الآخرين وسلوكهم الظاهر للسير في طريق مرغوب لهذه القيادة وذلك بدرجة تكرارية مناسبة. وهؤلاء يعلبون دورا هاما في انتشار الأفكار الحديثة وذيوعها.

وتحدد مهمة قائد الرأي أو وكيل التغيير أو المرشد في المنطقة أو القرية في دعم التبني الواسع بالاعتماد بشكل رئيسي على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات، ومن أراد تحقيق نتائج إيجابية فعلية الدخول في حوار مع السكان والإصغاء لمشاكلهم وتوظيف كل جهوده لإعداد المواطنين لاستخدام الفكرة المستحدثة.

وقد استخدمت هذه التقنية الاتصالية في الستينات في الهند ونيجريا وغانا وملاوي وكوستريكا والبرازيل ودول أخرى، وهي تستفيد من مزايا الوسائل الجماهيرية في شكل ما يسمى بنوادي المناقشة الجماعية، وهذه تنظم وتتكون من جماعات صغيرة من الأفراد الذين يتلقون بصفة منتظمة لحضور برنامج اتصال جماهيري ومناقشة محتوياته، فتأثير قنوات الاتصال الجماهيري خصوصا بين الفلاحين في الدول الأقل نموا تزيد فاعليته عندما تتزاوج هذه القنوات مع قنوات الاتصال الشخصي، مما يؤكد أهمية كل منهما في عملية اتخاذ القرار الخاص بتبني الأفكار المستحدثة في كل من الدول النامية الأقل نموا.

النقد الموجه لنظرية نشر الأفكار المستحدثة:

ويمكن تحديد أهم أوجه هذه الانتقادات كما يلي:

  • إن الفلسفة التنموية التي يطرحها نموذج وسائل الاتصال والتنمية يعتمد على السير فعلى طريق التقليد للحياة الغربية، فما تحتاجه الدول النامية للخروج من حالة التخلف هي تقنيات جديدة ومنتجات جديدة وهياكل اجتماعية جديدة بمنى نقل هذه العناصر إلي الدول الأقل تقدما. وهذا التصور يعني الاعتماد على تأثير خارجي ويخلق علاقة ارتباطية مع الدول المتقدمة ويقلل من درجة سيطرته على مقدراته السياسية وزيادة السيطرة على مصائرهم، ويخالف المفهوم الحقيقي للتنمية والذي يعني العملية التي يسيطر المجتمع من خلالها على البيئة.
  • لم يفرق النموذج بين الأفكار الضارة وغير الضارة وكذلك مقدار التوافق مع القيم والقرارات الاجتماعية والبناء الاجتماعي.
  • تصور هذا النموذج الاتصال كعملية رأسيه تركز على المستقبل ودوافعه تجاه تبنى أو رفض الأفكار ونتيجة لذلك تجاهل الباحثون رجع الصدى. ولم يحاولوا معرفة ما إذا كان رفض الفكرة راجعا إلي عدم جدواها أو لقصور المعلومات المقدمة إلي الجماهير.

تصورات العلماء العرب لوظائف وسائل الإعلام:

وظائف الإعلام عند الدكتور محمد السيد:

ويحدد هذه الوظائف كما يلي:

  • الوظائف الاجتماعية.
  • وظيفة التنمية.
  • الوظيفة التربوية.
  • الوظيفة الديمقراطية.
  • الوظيفة الترفيهية.
  • وظيفة الخدمات العامة.

وظائف الإعلام عند الدكتور أحمد التكلاوي:

وتنحصر أبعاد هذا الدور الوظيفي في إطار المجتمع في العناصر الآتــية:

  • مقاومة الشائعات والقضاء عليها.
  • القضاء على الرواسب الثقافية التي يعتنق التقدم والنمو.
  • إبراز الشخصية القومية وإنمائها.
  • ضبط اتجاه الرأي العام.
  • تطوير القيم الاجتماعية وإدخال أخرى جديدة.

 وظائف الإعلام من وجهة نظر الدكتور عبد الغفار رشاد:

وهي ليست وظائف ثابتة ولكنها تختلف وفقا للهدف الذي تعمل من أجله أو بمعنى فقد تضطلع بها. وبالتطبيق على الصحافة بمسئولية مادية أمام أصحابها وهي حرة في اختيار الأساليب التي تراها ما دام الأمر في النهاية سيحقق مزيدا من التوزيع وبالتالي مزيدا من الربح لأصحاب هذه الصحف كما هو الحال فلي النظم الرأسمالية، وقد تكون مسئولية ثقافية أمام السلطة التي تريد من محكوميها اعتناق مذهب أيديولوجي معين، والإقناع بكافة السياسات والقرارات التي تصدر عن هذا المذهب أن أصحابه كما هو الحال في النظم الشمولية أو الاشتراكية، وقد تكون مسئوليتها دعائية أمام الدولة التي تعيش نزاعات أو صراعات حربية أو سياسية أو دبلوماسية، كما هو الحال في المعارك الحربية أو الحروب الباردة التي تستخدم فيها كافة أشكال الدعاية والحرب النفسية والشائعات، وقد تكون مسئوليتها تنموية كما هو الحال في الدول النامية.

وظائف وسائل الإعلام لدى الدكتور فاروق أبو زيد:

يستعرض الدكتور فاروق أبو زيد وظائف الإعلام بالتطبيق على الصحافة بناءا على متغيرات ثلاثة هي:

  • إن وظائف الصحافة تنمو وتزداد بتعدد المراحل التاريخية التي تمر بها المجتمع، إذ تضيف كل مرحلة تاريخية جديدة وظائف جديدة للصحافة لتلبي احتياجات التطور الذي يحققه المجتمع من خلال هذه المرحلة التاريخية.
  • إن وظائف الصحافة تختلف من مجتمع إلي آخر وذلك باختلاف النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الذي تصور فيه الصحيفة ، فوظائف الصحافة في مجتمعات ليبرالية تختلف عن وظائفها في المجتمعات الاشتراكية.
  • إن الصحافة تختلف من مجتمع إلي آخر وذلك باختلاف درجة التقدم الحضاري في المجتمع الذي تصدر فيه الصحيفة فوظائف الصحافة في المجتمعات النامية تختلف عن وظائفها في المجتمعات المتقدمة.

وهذا التصور يقوم على أساس أن الاختلاف في الوظائف يتم وفقا لثلاثة متغيرات هي: المتغير التاريخي والمتغير الحضاري والمتغير الموضوعي – النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

تصور الدكتورة جيهان رشتي لوظائف وسائل الإعلام في الدول النامية:

  • غرس الشعوب بالانتماء إلي أمة وطن.
  • تعليم الشعب لمهارات جديدة.
  • غرس الرغبة في التغير وزيادة آمال الجماهير بحيث ترغب في اقتصاد متطور ومجتمع متحضر.
  • تشجيع الناس على المساهمة ونقل صوتها إلي القيادة السياسية.


رؤية متوازنة وتصور مقترح:

يلاحظ بالنسبة للتصورات السابقة لتحديد دور الإعلام في تنمية المجتمعات فيما يلي:

  1. لم تفرق هذه التصورات بين وظائف وسائل الاتصال في المجتمعات النامية والمجتمعات المتقدمة، ولا بين طبيعة وسائل الاتصال في الدول النامية وبالقياس إلي الدول المتقدمة نجد أن الإقبال على هذه الوسائل في الدول النامية يكاد يكون مقصورا على المناطق الحضرية فضلا عن أن مضمون وسائل الاتصال في الدول النامية أقل جذبا وملاءمة لجمهور القرويين ويخضع في الوقت نفسه لسيطرة وضبط المسئولين كما أن الاختلاف بين درجة الإقبال على الوسائل ملحوظة بدرجة كبيرة فالإذاعة والتلفزيون أكثر جذبا لجمهور الدول النامية من وسائل الاتصال المطبوعة وذلك لارتفاع نسبة الأمية في هذه ، وذلك بالخلاف للدول المتقدمة.
  2. إن الوظائف التي تؤديها وسائل الاتصال في المجتمعات المختلفة ليس بدرجة واحدة بخلاف ما ذهبت إليه التصورات السابقة فوظائف الاتصال في مجتمع كالصين تختلف عنها في الهند تختلف عنها في دول النمور الآسيوية وعنها في الدول الأفريقية المختلف كغانا ومالي والكنغو ولهذا فإن تحديد الأولويات بين هذه الوظائف يختلف وفقا للاحتياجات المحلية ولدرجة التقدم المتحققة وهو ما لم تهتم به هذه التصورات.
  3. اختلاف الوظائف وفقا لوسائل الإعلام المستخدمة فالوظائف التي تحققها الصحافة عبر وظائف الإذاعة غيرها بالنسبة للتلفزيون التي تحققها هذه الوسائل تختلف عن وسائل الاتصال الإقليمية والمحلية وتختلف عن وظائف قنوات الاتصال الشخصي والجمعي، وهذه الاختلافات الجوهرية لابد وأن تؤخذ في الاعتبار لتوظيف الوسائل لخدمة التنمية.
  4. إن ممارسة هذه الوظائف في المجتمعات النامية تختلف عنها في المجتمعات المتقدمة فنحن لا نستطيع في المجتمع النامي أن نعلم فقط أو نوجه فقط أو نسلى فقط، فقد يتضمن الإعلام التوجيه والتعليم يحتوي على تسلية وكذلك التسلية قد تخير وتعلم ولذلك فالتفرقة غير واقعية عند الممارسة الفعلية لهذه الوظائف.
  5. تتضمن الوظائف التى حددها علماء الاتصال وظائف فرعية فوظيفة العالم تتضمن كما ذهب شرام وظائف فرعية مثل توسيع الآفاق ورفع مستوى التطلعات، وممارسة هذه الوظائف النوعية ليست بدرجة واحدة وإنما تختلف وفقا لمستوى التحضر مدينة أو قرية فتحقق هاتان الوظيفتان يختلف للمدينة عنه للقرية وكذلك يختلف بالنسبة للفئات النوعية للجمهور، فالأطفال غير الشباب غير الشيوخ. والرجال غير النساء والمزارعين غير العمال غير الطلاب غير المهنيين.
  6. لم يهتم التصورات السابقة بالاختلافات النوعية لتحديد وسائل الاتصال في تنمية المجتمعات فمجال التنمية السياسية غير التنمية الاقتصادية غير التنمية الاجتماعية. والتقسيمات الفرعية داخل كل قطاع يحتاج إلي وظائف غير الأخرى، فوظائف قطاع التنمية الصحية غيرها بالنسبة لتعليم الكبار أو محو الأمية.

وهذه الاختلافات الجوهرية عند تحديد الوظائف التنموية لوسائل الاتصال في المجتمعات النامية تجعلنا نبتعد عن التقسيمات الشاملة في التصور الذي يقترحه.ز وتجعلنا نميل إلي تحديد الوظائف التنموية الاتصالية وفقا لملابسات الظرف الاتصالي حتى يكون أقرب إلي الواقعية العملية وأكثر قدرة على تحقيق فعالية أو دور وسائل الاتصال في تنمية المجتمع. وفي الوقت نفسه تجعلنا نمزج بين الوسائل الجماهيرية الوطنية والمحلية والإلكترونية وقنوات الاتصال الشخصي، والقنوات العامة في إطار تبنى يتسم بالفهم العميق لطبيعة المجتمع وخصائصه وقدرات الوسائل المتاحة إلي النفاذ إليه بصفة عامة وتلبية الاحتياجات الفعلية لقطاعات جماهيرية النوعية بصفة عامة.

ولتلافي أوجه النقد السابقة وللاقتراب من ملابسات الظروف الاتصالي عند العرض لتحديد وظائف وسائل الاتصال في المجتمعات النامية تقدم التصور التالي لوظائف وسائل الاتصال:

 

تصور مقترح لوظائف الاتصال في المجتمع النامي:

الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام هي التنمية باعتبارها محور الارتكاز لمباشرة وسائل الاتصال في المجتمع النامي لكافة ممارستها ، وفي إطار تحقق هذه الوسائل وظائفها في خدمة المجتمع النامي، وهذه الوظائف هي:

(أ) وظائف عامة : هــي:

  • الإعــلام.
  • الإرشاد والتوجيه.
  • التفسير والتوضيح.
  • التثقيف والتنشئة الاجتماعية.
  • التســلية.

(ب) وظائف خاصـــة: وهي:

  • تهيئة المناخ الملائم للتنمية.
  • توفير منتدى للمناقشة ووضع القرار.
  • نشر التعليم والتدريب.
  • نشر الأفكار المستحدثة.
  • ويلاحظ التداخل بين كل من الوظائف العامة والخاصة في إطار الوظيفة التنموية فالإعلام عن بذور جديدة محسنة لزراعة القمح هو نشر للأفكار المستحدثة وتفسير وتوضيح للجوانب الخاصة بالبذور الجديدة ومزاياها وتوضيح وقت الزراعة وتوضيح كيفية الحصول عليها والنتائج المترتبة على استخدامها من حيث اختصار وقت الزراعة ومضاعفة الإنتاج، وهذا نفسه تهيئة للمناخ الملائم للتنمية وتوفير منتدى للمناقشة كما أن التوجيه لأسلوب زراعة هذه البذور ومن خلال معاونة المهندسين الزراعيين هو تدريب واكتساب لمهارة جديدة.

ثانيــا: المتغيرات:

وتتضمن المتغيرات التي تؤثر على ممارسة وسائل الاتصال في المجتمعات النامية ووظيفتها التنموية إطار الوظائف العامة والخاصة تتضمن أبعادا عددية هي:

(1) البعد البيئي:

ويشمل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالبيئة التي تمارس من خلالها وسائل الاتصال لوظائفها والتي وفقا لها تختلف هذه الوظائف من مجتمع لآخر، فوظائف وسائل الاتصال في السعودية من غيرها في مصر غيرها في الهند والصين أو حتى داخل البلد الواحد تختلف الوظائف من فترة زمنية إلي اخرى فوظائف الاتصال في المجتمع المصري في الخمسينات غيرها في الستينات غيرها في التسعينات ويتضمن البعد البيئي المتغيرات الدولية أو العالمية. فهي ذات أثر كبير وبخاصة في التسعينات في ممارسة هذه الوظائف، وكذلك أيضا تتضمن من مقومات السياسة الإعلامية والتنموية باعتبارها محددات لهذه الوظائف.

(2) البعد الحضــري:

وبمقتضاه تختلف الوظائف وفقا لمستوى تقدم البيئة الاتصالية فمجتمع الريف غير مجتمع البادية غير مجتمع المدينة وبالتالي تختلف وظائف الإعلام في الريف عنها في البادية عنها في المجتمعات الحضرية.

(3) البعد التنموي:

ويشتمل على الجوانب المختلف للتنمية والتي تحدد في مجموعها مكونات التنمية الشاملة وفي إطاره تختلف الوظائف العامة والخاصة لوسائل الإعلام في المجتمع النامي ووفقا لطبيعة هذا الجانب ومن أهم هذه الجوانب التنموية ما يلي:

  • التنمية الروحية.
  • التنمية الذاتية.
  • التنمية الاقتصادية.
  • التنمية الاجتماعية.
  • التنمية البيئية.
  • التنمية الثقافية.
  • التنمية التكنولوجية والعلمية.
  • التنمية السياسية.
  • التنمية الإدارية.
  • التنمية التشريعية.

(4) بعد الوسائل:

وفي إطار هذا البعد طبيعة الوظائف الإعلامية فوظائف وسائل الاتصال الجماهيري العامة غير وظائف وسائل الاتصال المحلية غير وظائف القنوات الاتصال، فإذا كان بصدد التخطيط لزيادة دور المادة في المجتمع، فأي هذه المجتمعات – ريفي أم بدوي أم حضر، وهل هدفنا هو المرأة المتعلمة أم الأمية؟ وأي مجلات التنمية ستكون أساس النشاط، وأي الأنشطة الفرعية داخل هذا الحال؟ وأي الوظائف ستمارس.. فهل نهدف إلي تعليم المرأة قيمة جديدة أم سلوكا جديدا.. هل سنكتفي بمجرد الإعلام بالمعلومات:أم سنتجه لزيادة الوعي أم لرفع التطلعات والطرح نحو حياة أفضل.

وهكذا بالنسبة لكل فئة من فئات الجمهور، فالوظيفة ليست لافتة عامة ترفع فوق الأنشطة المختلفة التي تمارس في كل المجتمعات وتحت كل الظروف. وإنما لابد من التحديد الدقيق للوظائف الاتصالية حتى يتسنى التخطيط الجيد لتحقيق الفعالية للاتصال وفقا للتطورات في مفاهيم التنمية ذاتها وتزايد النزعة الاستقلالية التي تتواكب وظروف المجتمع وقيمة وتراثه في الوقت نفسه ووفقا لقطاعات التنمية وللاتجاه الغالب للتنمية الشاملة المتواصلة السائدة الآن في كافة البلدان النامية على السوا الشخصي والجمعي، وداخل كل منها تختلف الوظائف وفقا لطبيعة الوسيلة المستخدمة فالصحافة غير الإذاعة غير التلفزيون..الخ.

(5) بعد الجمهور:

فوظائف وسائل الإعلام بالنسبة للشباب غيرها بالنسبة للأطفال غيرها بالنسبة للمرأة كما أن هذه الوظائف تختلف وفقا للجماهير النوعية المختلفة مثل:

  • العمال.
  • المزراعون.
  • المهنيون.
  • الحرفيون.
  • الموظفون.
  • المسئولون.

ويوضح الرسم التالي العلاقة بين الوظائف الإعلامية لوسائل الاتصال واستخدامها في إطار المتغيرات التنموية والفئات النوعية للجمهور والأبعاد الأخرى السابق ذكرها بما يساعد على الفهم المتعمق لحدود هذه الوظائف وتفاعلاتها.

ولهذا فإن دراسة دور وسائل الاتصال في تنمية هذه المجتمعات وتحديد الوظائف الاتصالية أمر في غاية الأهمية إذ يتوقف عليه درجة الفعالية للوسائل. وفي الوقت نفسه فإنه يلقي بعبء ثقيل على كاهل علماء الاتصال في البلدان النامية لإبراز خصوصيات التنمية وخصوصيات الاستخدام الفعال للوسائل الاتصالية الحديثة والتقليدية لتحقيق التنمية الفعلية لصالح المجتمع وليس للمحافظة على أوضاع راهنة داخلية أو الأوضاع مرتبطة بعلاقات دولية أو استغلالية قائمة.

فالتنمية عملية مشتركة على نطاق واسع في التغييرات الاجتماعية في المجتمع تستهدف تحقيق التقدم الاجتماعي والمادي بما في ذلك من المساواة والحرية من القيم التنموية لأغلبية الناس.

وعلى نماذج الاتصال أن تساعد الجماهير على الاحتكاك المباشر بواقعها وأن تزيد من وعي الجماهير بمشاكلها حتى تستطيع المشاركة في صياغة الأولويات والفعاليات التي يمكن عن طريقها تحقيق التنمية.

ويؤكد الباحث الأفغاني عناية الله على الحاجة  لمفاهيم تنموية بديلة تعكس أساليب حياة جديدة . ولا تتحدد أهدافها بمجرد اللحاق بحضارات تقيس مستوى الحياة بعدد محدد من المؤشرات.

ولهذا فإن البحث عن تصور واقع لوظائف الاتصال في المجتمعات النامية أمر أساسي . ويرتبط في الوقت نفسه بالحاجة إلي دراسات لتحديد الملامح الأساسية لنظرية محددة للإعلام والتنمية في المجتمعات النامية كافة والمجتمعات العربية والإسلامية خاصة نظرية لا تستند إلي فلسفة التنمية الرأسمالية الغربية أو الشرقية وإنما نظرية الاتصال التنموي تتحدد في إطارها الوظائف الاتصالية وتقوم على أساس نظرية عربية إسلامية خالصة للتنمية في مجمعاتنا العربية الإسلامية.

المراجـع العربيـة

  1. محمد الجوهري، عالم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث (القاهرة: دار المعارف ، الطبعة الأولى 1978م).
  2. أسامه عبد الرحمن، البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية (الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1982).
  3. محمود الكردي، التخطيط للتنمية الاجتماعية، دراسة لتجربة التخطيط الإقليمي في أسوان(القاهرة: دار المعارف).
  4. حسن شحاته سعفان، اتجاهات التنمية في المجتمع العرب (الجزائر: مطبعة التقدم، 1972م).
  5. إبراهيم أحمد عمر، فلسفة رؤية إسلامية (الخرطوم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بين المعرفة، الطبعة الأولى، 1989).
  6. كمال الدين التابعي ، الاتجاهات المعاصرة لدراسة القيم والتنمية (القاهرة: دار المعارف 1978).
  7. سليمان وقيع الله ، تنمية أفراد المجتمع في العالم العربي (سرس اللبان: مركز تنمية المجتمع 1962).
  8. أحمد الخشاب وآخرون ، الطريق الصعب طريق التنمية (القاهرة، مكتبة الوعي العربي 1968)م
  9. محمد عاطف غيث، التغيير الاجتماعي والتخطيط (القاهرة، دار المعارف، 1966م).
  10. ولبور شرام أجهزة الإعلام والتنمية الوطنية، ترجمة محمد فتحي (القاهرة، الهيئة العامة للتأليف والنشر 1970م).
  11. حامد عبد السلام الزهدان، علم النفس الاجتماعي (القاهرة، عالم الكتب 1977م).
  12. خليل النقيب وزملاؤه ، الإدارة التنمية للوطن العربي، (معهد الإنماء العربي، 1978م).
  13. عبد الباسط محمد حسن، التنمية الاجتماعية (القاهرة: المطبعة العالمية 1970)م.
  14. شاهيناز محمد طلعت، وسائل الإعلام والتنمية الاجتماعية (القاهرة: مكتبة الأنجلو، الطبعة الأولى، 1980م).
  15. محمد البدوي الصافي، دور برامج التنمية الأقتصادية في التغيير الاجتماعي – دراسة تطبيقية لمشروع الرهد الزراعي بالسودان (الاسكندرية: جامعة الاسكندرية، رسالة ماجستير غير منشور، 1983).
  16. شوقي أحمد دينا، لإسلام التنمية الاقتصادية – دراسة مقارنة (القاهرة، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1976).
  17. جيهان أحمد رشتي، الإعلام في العصر الحديث (القاهرة: درا الفكر العربي، 1971) الفصل الأول من الباب الثاني.
  18. محي الدين صابر، التغيير الحضاري وتنمية المجتمع (بيروت، المكتبة المصرية الطبعة الثانية، 1987).

 

المراجع الأجنبية:

 

  1. Jackson E. F. Economic Development In Africa, Basil Balck. Well Oxford, First print, 1963, p. 61.
  2. Philips Davison, International Political Compunction (N. Y. Frederick A Prager, 1965) Chapter VII.
  3. Schramm. “Communication…” L. Pye (ed) Communication ..p. 48
  4. Rohan Riveit “QuadruplingCirculation in ten years” IPI Reort. March 1963; Developing Information Medina in Africa “Report and Papers on mass communication” No. 37 (Paris, nesson, 1962) p. 11: Esnakema Udo Oraon. The Press in Liberia A case Study Journalism Quarterly, spring. 1961.
  5. Edward Shils; Political Development in the New Station “Comparative Studies in Society and History. April 1960, p 292.
  6. Helen Kitehen (ed) The press in Africa , Washington D. C: Ruth Asspciates 1986, p. 56, Arnold G. Huth. Communication Media in Topical Africa (Report prepared for the International Cooperation Administration. Washington 1961, p 133.
  7. Milton Holistrain “The Press in Burma: hopyes and problems” Journalism Quarterly Summer 1961. p. 352. developing Mass Media in Asia (Report and papers on mass Communication, no. 35 Unesceo. 1960, p. 61.
  8. Nartin Alisky. Havana Havaco: Too Advertising Board works IP Report December 1962.
  9. Developing Information Media in Africa p. 25.
  10. Glenco Illinois. The Free Press, 1958, p. 235, Jmaes N. nosel Communication patterns socialization in Traditional Thailand “in Lucian W. Pye (ed) Communication pp. 196 – 197.
  11. Mass Media in the Developing Countries (Reports and Paper on Mass Communication No. 33) Paris Unesco 1961, p. 16.
  12. Jacques Champagne “South Vietnam, Laos, Cambodia, P, Report Nov. 1963.
  13. Kenneht E. Olson and Abdul G. Eirabie “Radio Pakistan; voice of a nation” Journalism Quarterly Winter 1954, Huth Communication media in Tropical Africa. P. 28 Ibrahim Abu Lughod. The Mass Media and Egyptian Village life, Social Force October 1963, p. 101.
  14. Paul F. Lazarsteld. “The Comparative Study of Communication Systems” Buresue of Applied Social Research Columbia university June. 1951.
  15. Richarld R. Fagen. Politics and Communication (N. Y. Random House, 1959) Pp. 47-78) Abu Lughold. “Mass Media And Egyptian Village Life” Pp. 100- 101.
  16. Charles Right, Mass Media Communication (N.Y. Random House 1959, Pp
  17. The Passing pp. 319-35 and 151-190.
  18. Communication in Africa , p. 289.
  19. Herber Hyman.”Mass Media and Political Socialization” In Pye (ed) Communication .. pp. 131-136.
  20. Doob Communication.. pp. 199- 200.
  21. Pye (ed) Communication … pp. 26-27.
  22. Developing Mass Media in Asia p. 37.
  23. Pye (ed) Communication …pp. 23-29.
  24. Edward Shils “Demagogues in Cares in the Political Development of the New State in Pye (ed) Communication pp. 69- 70.
  25. Albert G. Oickerell. The press n Thailand: Conditions and Trends” Journalism Quarterly” Winter 1960. pp. 96.
  26. Herbert Passin “Writer and Journalist in the Transitional Socity” in Pye (ed) Communication ..p 105.
  27. Pye(ed) Communication ..pp 78-80.
  28. Charles Hages “Press Report From Kenya” Ntemen Report April 1962. Tom Mboya. This in what the Press must do” IPI report , June 1962.
  29. R. Joliffe “Developing Journalism in an Emerging Nation Afghanistan Journalism Quarterly Summer 1862. pp. 357 –258. IPI Report. June 1963.
  30. Yay (ed) Communication .. p 229.
  31. The passing … pp. 331 – 332 Doob. Communication in Africa Ithied De Sola Pool, communication and Values in Relation to War and Peace (N. Y. Institute of International Order. 1961) p. 19.
  32. Scharmm “Communciation Devleopment” In Pye (ed) pp. 53- 54.

 

 

.

 

 

 

 

 

الإعلام التنموي

 

 

 

 

إعداد

بروفسور عبدالنبي عبدالله الطيب

أستاذ الاتصال الجماهيري

جامعة وادي النيل

جامعة شندي

جامعة جازان

 

 

 

الإعلام والتنمية :

تناول المؤلف في هذا الكتاب الذي يعالج موضوعا هاما من مواضيع الاتصال في هذا العصر وهو الإعلام والتنمية بطريقة تجعل القارئ له وخاصة من الطلاب يدرك أبعاد العلاقة الحميمة بين الإعلام والتنمية والدور الذي تقوم به وسائل الاتصال في هذا السياق

فهو يتناول ماضي هذه الوسائل وعلاقتها بالتنمية ويتعرض للتخطيط الإعلامي التنموي من جوانبه البشرية والتقنية والاقتصادية وبمراحله المختلفة وقدرة وسائل الاتصال علي التأثير علي المستفيد منها في المشاركة في برامج التنمية الاجتماعية والبشرية بالإضافة إلي قدرتها علي التعليم كعامل مهم في التنمية ………….

فهو كتاب في مجمله مفيد والمكتبة السودانية في حاجة إليه خاصة لدارسي برامج الإعلام التنموي

                                  بروفسور

                                  علي محمد شمو

                                   الخرطوم –المجلس القومي للصحافة

حول كتب الدكتور عبد النبي عبد الله الطيب :

1/ الإعلام والتنمية

2/فلسفة ونظريات الإعلام

3/الإخراج الصحفي

فهي مشروعات لكتب منهجية يحتاج إليها الباحثون وطلاب أقسام الإعلام بالجامعات وفي موضوعات مهمة لم يكتب فيها الاساتذه والباحثون في المدرسة السودانية وهي جهد علمي يحسب للدكتور عبد النبي الذي اتبع فيها منهجا علميا سهلا لشرح وتبسيط الكثير من النظريات والاصطلاحات لطلاب هذا المساق في الدراسات الجامعية

                                                 دكتور

                                    هاشم محمد محمد صالح الجاز

                                      الخرطوم-مجلس الصحافة

 

 

 

فهرست

الموضـوع                                   الصفحة

 

مقــدمة الكتاب ……………………………………….. 11

مدخل ………………………………………………. 13

الفصل الأول

مفهوم التنمية

ماهية التنمية ………………………………………… 19

أهداف التنمية ……………………………………….. 27

خصائص التنمية …………………………………….. 29

الفصل الثاني

مقاييس التخلف والتقدم

مقدمة  ……………………………………………… 37

التقدم والتخلف (الماهية ) ……………………………… 37

التقدم والتخلف ( السمات )……………………………… 40

الفصل الثالث

نظريات التنمية

نظريات التنمية  …………………………………….. 47

النظرية العامة للتنمية …………………………………. 48

تفسير ماركس لمراحل التاريخ…………………………… 57

مراحل النمو الاقتصادي عند روستو …………………….. 59

نظرية التخلف بسبب البيئة الجغرافية ……………………. 61

نظرية التخلف بسبب البيئة الاجتماعية ………………….. 63

نظرية التخلف بسبب الظروف الاستعمارية ………………. 68

نظرية الدفع القوية ……………………………………. 68

نظرية النمو المتوازن ………………………………….. 69

نظرية النمو غير المتوازن ……………………………… 70

نظرية قارب النجاة  …………………………………… 71

نظرية التحرر الانساني ………………………………… 73

 

الفصل الرابع

التخطيط الإعلامي كضرورة للإعلام والتنمية

التخطيط الإعلامي ومجالات الاعلام الخاصة ……………. 77

التخطيط الإعلامي ومجال الأهداف الاساسية …………….. 78

التخطيط الإعلامي وتنمية المجتمعات المحلية ……………. 79

القضايا الأساسية للتخطيط الإعلامي في مجال التنمية …….. 82

الجانب البشري في التخطيط الإعلامي ………………….. 83

سلبيات التخطيط الإعــلامي ……………………………. 85

علاقـة التخطيط الإعلامي نظير التنمية الشاملة ……….. … 87

أهميـــة التخطيط الإعلامي ……………………………… 88

مفهوم التخطيط الإعــلامي ……………………………… 92

 

الفصل الخامس

سياسات الاتصال في الدول النامية

سياسات الاتصال في الدول النامية………………………. 97

القائم بالإتصال في الوطن العربي ……………………… 104

تأهيل مهنيو الاتصال في الوطن العربي…………………. 109


الفصل السادس

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

الإعلام الانمائي  ……………………………………. 120

مفهوم الحملات الإعلامية …………………………….. 130

أنواع الحملات الاعلامية ……………………………… 132

تخطيط الحملات الاعلامية …………………………… 135

مقومات نجاح التخطيط للحملة ………………………… 146

الاستجابة المعرفية وتشكيل الاتجاه …………………….. 150

محددات محتوى الاستجابة المعرفية وفقا للنماذج المعرفية …. 158

الخصائص المميزة لنظرية الاستجابة المعرفية ……………. 160

نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي …………………….. 167

 

الفصل السابع

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

أهم التصورات الغربية لوظائف وسائل الإعلام …………… 175

التصورات الخاصة بدور وسائل الاتصال في التنمية من خلال عملية نشر الأفكار المستحدثة       …………………………………………………… 180

قيادة الرأي والمراحل المتعددة لتدفق الأفكار المستحدثة …….. 185

النقد الموجه لنظرية نشر الأفكار المستحدثة ……………… 186

تصورات العلماء العرب لوظائف وسائل الإعلام ………….. 187

تصور مقترح لوظائف الاتصال في المجتمع النامي ………. 193

المراجع  ………………………………………………… 199

المراجع العربية ………………………………………….. 201

المراجع الاجنبية …………………………………………. 203

 

 

مقدمــة:

بدأت علاقتي بمقرر الإعلام والتنمية منذ البدايات الأولى لقسم الدعوة والإعلام (دراسات الاتصال حاليا) بكلية العلوم الإسلامية والعربية. حيث أطلعت على ومنذ العام 1993م بمهام تدريس المقرر لطلاب السنة النهائية, ومنذ ذلك الحين بدأت بالبحث في المراجع والكتب عن مادة تصلح كمقرر يدرس للطلاب. وتبين لي بعد هذه المدة من الزمن أنه لا يوجد كتاب منهجي شامل يقدم معلومات مفيدة في موضوع الإعلام والتنمية على ما للمقرر من أهمية قصوى. فعملت ومنذ العام 1994م بإعداد مذكرة حول المادة ظلت محور هذا المقرر سوى قمت بتدريسه شخصيا للطلاب أو قام أحد زملائي الآخرين من الأساتذة بتدريسه وبموافقة كريمة من الأخ الأستاذ/ عبد الحميد السجاد الشيخ عميد كلية العلوم والتقانة قمت بتجميع المادة العلمية لهذا الكتاب.

وختاما أسال الله أن يكون الكتاب بداية جادة للأخوة الأساتذة لتأليف مراجع علمية تثري المكتبة وتفيد طلابنا.

 

المؤلف

مدخـل:

يوجد شبه اتفاق بين علماء الاجتماع على أن المفهوم العلمي لمصطلح التنمية والاهتمام العالمي بقضاياه ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحصول معظم دول العالم على استقلالها السياسي. حيث استحوذت التنمية على اهتمام العلماء والمفكرين وأصبحت الخطط والبرامج التنموية هي القاسم المشترك في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحياة بمختلف بلدان العالم. فوضعت الكثير من المبادئ والأسس والنظريات التي يمكن عن طريقها تطبيق تلك المخطط والبرامج على الواقع بغية الوصول على نتائج ملموسة تعكس آثارها على المجتمعات.

ومع ظهور المصطلح وضع العلماء والمختصون بعض المعايير والمقاييس التي صنف على أساساها العالم وقسم إلي دول متقدمة أو متطورة Developed وأخرى نامية Developing  وبرزت إلي الوجود عدد من نظريات التنمية Developed  أو في طريقها إلي الوجود عدد من نظريات التنمية التي منها ما هو لا كلاسيكي قديم يرجع إلي عهد أفلاطون، أرسطو، الفارابي، ابن سينا، ابن ماجة، عبد الرحمن بن خلدون ، الغزالي، سان سيمون، أوجست كونت وأميل دوركايم، وفيكو، وسبنسر… ومنها ما هو حديث معاصر كالاتجاه المادي الماركسي والاتجاه المثالي لماكس أو المؤشرات وهو أكثر الاتجاهات انتشارا وذويعا في دراسة التنمية والبلدان النامية ومن نظرياته نظرية سميلس. ثم ظهر في القرن التاسع عشر الاتجاه التطوري المحدث الذي تمثلت أهم نظرياته في أعمال والت وايتمان روستو، وفالكوت بارسونير.. وغيرها من النظريات والاتجاهات التي قامت بصياغة قضايا وابعاد ومفاهيم وقواعد عامة تحكم عملية التنمية ومؤشرات لقياسها.. فارتفاع مستوى الدخل القومي والفردي وتحسن الأوضاع الصحية وانخفاض نسبة الأمية.. على سبيل المثال.. اعتبرت مؤشرات للحم على الدول التي تحمل هذه المواصفات بأنها دول متقدمة ومتطورة وعلى العكس من ذلك فإن انخفاض الدخل القومي والفردي وانتشار الفقر والجوع والمرض وارتفاع نسبة الأمية تعتبر سمات للدول النامية أو تلك التي في طريقها إلي النمو مع الأخذ في الاعتبار أن بعض العلماء يرون أن المؤشرات الكمية كمستوى الدخل القومي والفردي لا يمكن اعتبارها مؤشرات أو معايير للتنمية ويذكرون أن كثيرا من دول العالم الثالث تتميز بهذه الخصائص غير أنها وعلى الرغم من ذلك تعد في حساب الدول النامية ويتخذون من دول الخليج التغطية أمثلة لذلك ويرى العلماء أن معدلات النمو لابد أن تتمتع بصفة الاستمرارية وأن تكون مرتكزة على قدرة إنتاجية متوطنة ومتطورة.

إن العديد من الدراسات التي تناولت قضية التنمية مع ظهورها في القرن التاسع عشر اقتصرت على الجانب الاقتصادي حيث أخذ تلك النظريات ذات الاتجاه المادي بوحدانية المتغير Mononvariable وبهذا ظل مفهوم التنمية ضيق النطاق Microconcept الأمر الذي أدى إلي إفراز العديد من المشكلات وواجهت النظريات والدراسات التي تناولت هذا الجانب الكثير من الانتقادات ونتج عن ذلك ظهور المفهوم الشامل للتنمية Macroconcept  الذي يرى أن التنمية دراسة مستفيضة واسعة النطاق تتناول العديد من المجالات والمتغيرات وتداخل النظام وتكاملها الوظيفي الذي يؤدي في النهاية إلي إحداث التنمية.

وقد سعت الدول النامية وتسابقت لإحداث التنمية المطلوبة غير أنها كثيرا ما صدمت بالمعوقات وهذا يرجع إلي تبادلها لنماذج طبقت في بيئات غير بيئاتها ومجتمعات غير مجتمعها ومن هنا برزت الدعوة إلي أن تضع الدول النامية خططها وبرامجها التنموية من واقعها البيئي والمجتمعي وفق مقوماتها وإمكاناتها بهدف الوصول إلي التنمية المبتغاة.

أربعة عقود ونصف العقد قد مضت على ظهور مصطلح التنمية غير أن الهوة السحيقة بين الدول المتقدمة والنامية تزداد يوما بعد يوم وهذا يجعل من التنمية قضية عصرية ذات أهمية اجتماعية وهذا يجعل العالم الثالث خاصة ولها صراع الإنسان من أجل أن يكون باقيا على سطح البسيطة عزيزا مكرما قادرا على التمتع بنعمة العقل التي ميزه بها الله سبحانه وتعالى على ثائر مخلوقاته.

إن الأخذ بالنظرة التكاملية للتنمية والتي تأخذ بجميع أهدابها ورمة أسبابها وتحليل عللها ومعوقاتها هي المخرج لدول العالم الثالث من وهدة التخلف والفقر والجوع والمرض ومن هنا فإننا نسعى لتكامل المعرفة التنموية بالشكل العلمي المطلوب الذي يظل هاجسا يجعل من التنمية علما ذا فروع متخصصة في المجالات كافة.

في هذا المبحث نتناول التنمية ماهيتها وأهميتها إضافة إلي أهم المعوقات التي يجب أن يقوم عليها التخطيط التنموي.

 

الفصل الأول

مفهــوم التنمــية

ماهية التنمية :

يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين حيث أطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يسمى بـ”عملية التنمية” ويشير المفهوم لهذا التحول بعد الاستقلال في الستينات من هذا القرن في أسيا وأفريقيا بصورة جلية . وتبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد إبعاده ومستوياته وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم .

وقد برز مفهوم التنمية (Development)  بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية حيث لم يستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني البارز “ادم سميث” في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء فالمصطلحان اللذان استخدما للدلالة على حدوث التطور المشار إليه في المجتمع كانا التقدم المادي – Material Progress – أو التقدم الاقتصادي – Progress Economic . وحتى عندما سارت مسالة تطور بعض اقتصاديات أوربا الشرقية في القرن عشر كانت الاصطلاحات المستخدمة هي التحديث (Modernization) – أو التصنيع  Industrialization .

هنالك اختلاف يتضح بين مفهوم التنمية في اللغة العربية عنه في اللغة الانجليزية ، حيث يشتق لفظ “التنمية” من (نمي) بمعنى الزيادة والانتشار . أما لفظ “النمو” من “نما” ينمو نماءفانه يعنى الزيادة ومنه ينمو نمواً ، أذا كان لفظ النمو اقرب إلى الاشتقاق العربي الصحيح فان إطلاق هذا اللفظ على المفهوم الاوربى يشوه اللفظ العربي .

فالنماء يعنى أن الشئ يزيد حالا بعد حال من نفسه ، لا بالإضافة إليه . وطبقا لهذه الدلالات لمفهوم التنمية فانه لا يعد مطابقا للمفهوم الانجليزي Development الذي يعنى التغيير الجزري للنظام القائم واستبداله بنظام أخر أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق الأهداف وذلك وفق رؤية المخطط الاقتصادي (الخارجي غالباً) وليس وفق رؤية جماهير الشعب وثقافتها ومصالحها الوطنية بالضرورة ويلاحظ أن شبكة المفاهيم المحيطة بالمفهوم الانجليزي تختلف عن نظريتها بالمفهوم العربي .

فعلى سبيل المثال تعالج ظاهرة النمو (في المفهوم العربي الاسلامى) كظاهرة جزئية من عملية الاستخلاف التي تمثل إطار حركة المجتمع وتحدده . وكذلك نجد مفهوم ” الزكاة” الذي يعنى الزيادة والنماء الممزوجة بالبركة والطهارة .

سمى الإخراج من المال زكاة هو نقص منه ماديا بمعايير الاقتصاد ، في حين ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المذكي من الله تعالى . وهو ما يقارن بالعكس بالربا الذي جاء في قوله تعالى (يمحق الله الربا ويربى الصدقات) ويتضح من ذلك أن مفهوم النمو في الفكر الإسلامي يعبر عن الزيادة المرتبطة بالطهارة والبركة يركز مفهوم Development على البعد اليدوي من خلال قياس النمو في المجتمعات بمؤشرات اقتصادية مادية في مجملها .

والمفهوم المادي للتنمية يظهر جليا فيما ذهب “هو بوس” L. T. Hobhouse في كتابة Social Development إلى أن التنمية مفهوم شامل ومعقد حيث يشتمل على زيادة الإنتاج بحيث يؤدى ذلك إلى تلبية المتطلبات الجديدة والعدالة في التوزيع ووفرة الخدمات لكل مواطن كما تعنى أيضا دعم العلاقات الإنسانية باعتبار التنمية هي تنمية الناس في علاقاتهم المتبادلة بين الإفراد كما أنها حركة إرادية تعتمد على مزيد من الخبرة والتجربة والمعرفة والمهارة على أسس علمية ليعم الرخاء والرفاهية للشعوب.

وقد برز مفهوم التنمية Development بداية في علم الاقتصاد حيث استخدم للدلالة على عملية أحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في المجتمع معين ، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل إفراده ، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة . ثم انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ الستينات القرن العشرين ، حيث ظهر كحقل يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية تجاه الديمقراطية .

التنمية السياسية تعرف بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب ، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية ويقصد بمستوى الدول الصناعية إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية ، وترسيخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة القومية .

لاحقا تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية ، فأصبح هنالك التنمية الثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين إطراف المجتمع ، الفرد، الجماعة ، المؤسسات الاجتماعية ، المنظمات الأهلية ، بالإضافة لذلك استحدث مفهوم التنمية البشرية الذي يهتم بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه في المجتمع .

وورد في تقرير الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو بان التنمية ” هي ضرورة انجاز الحق في التنمية ” بحيث تتحقق على نحو متساو ، الحاجات التنموية والبيئية لأجيال الحاضر والمستقبل  وأشار المبدأ الرابع الذي اقره المؤتمر إلى انه : (لكي تتحقق التنمية المستدامة ينبغي أن تمثل الحماية البيئية جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التفكير فيها بمنعزل عنها) ويلاحظ من ذلك ان مجموعة المفاهيم الفرعية المنبعثة عن مفهوم التنمية ترتكز على عدة مسلمات :

  • غلبة الطابع المادي على الحياة الإنسانية ، حيث تقاس مستويات التنمية المختلفة بالمؤشرات المادية البحتة .
  • نفى وجود مصدر للمعرفة مستقل عن المصدر البشرى المبنى على الواقع المشاهد والمحسوس ، اى بعبارة أخرى إسقاط فكرة الخلق عن دائرة الاعتبارات العلمية .

ج. أن تطور المجتمعات البشرية يسير في خط متصاعد يتكون من مراحل متتابعة كل مرحلة أعلى من السابقة ، وذلك انطلاقا من اعتبار المجتمع الاوربى نموذجا للمجتمعات الأخرى ويجب عليها محاولة اللحاق به .

الشكل رقم (1)

يوضح لك وتيرة النمو المتسارع لدي البلدان النامية

2000م

 

 

1990م

 

 

 

1980م

 

 

 

1970م

 

 

 

1960م

للحاق بركب التطور والتقدم.

 

 

 

   
     
2000م
 

 

     
 

 

     

الناظر في صيرورة حقل دراسات التنمية يجد أن هذا الحقل قد ولد ناقص النمو ، غير مكتمل المعنى أو واضح الحدود ، ولعل تحليل التطور الذي مر به المفهوم المحوري للحقل ذاته اى مفهوم التنمية وما لحق به من إضافات يؤكد هذه الفرضية ، ففي البداية كانت التنمية كلفظ ومفرده تعبر عن عملية اقتصادية مادية في أساسها تتم على مستوى البني الاقتصادية والتكنولوجية وتطوير الوسائل المعيشية وتوفير ما يسد حاجات الإنسان المادية الأساسية ، اى أن المفهوم – على الرغم من ادعائه الشمولية من خلال تعدد أشكال التنمية ومجالاتها السياسية والاقتصادية . الخ. قد تم مبكرا استلابه من جانب علم الاقتصاد على حساب المجالات الأخرى للعلوم الإنسانية والاجتماعية وأصبحت التنمية تطلق حاملة معاني الشمول لكل إبعاد المجتمع ، ولكن الدلالة الاقتصادية فحسب مؤشراتها معروفة هي القاسم المشترك . وهنا جاءت المرحلة الثانية من تطور هذا المفهوم وهى المرحلة التي أضيف فيها إلى مفهوم التنمية مفهوم الشمول ، فأصبح هنالك ما يعرف بالتنمية الشاملة . وكان معنى لفظة الشاملة تلك العملية التي تشمل جميع إبعاد حياة الإنسان والمجتمع وتغطى مختلف المجالات والتخصصات ، وتتقاطع مع مجمل العلوم الاجتماعية ، وعلى الرغم من ظهور مفهوم التنمية الشاملة فان الأولى لمفهوم التنمية بقيت أسيرة الإبعاد الاقتصادية والمادية لعملية تطوير المجتمعات وترقيتها ، فالتعليم يقاس بالبنية المادية وليس بالتنشئة الاجتماعية ومضمونها الثقافي والاخلاقى ، والاقتصاد يقاس بسوق العمل والتنافسية والاستثمار الأمثل لموارد المتاحة وليست بمعايير عدالة التوزيع وتطوير وزيادة القدرات والموارد في علاقة ندية مع السوق العالمي .

إذا كان مفهوم التنمية الشاملة قد استطاع تجاوز القصور الموضوعي لمفهوم التنمية في صياغته الأولى فانه لم يستطيع تجاوز القصور الجغرافي والاستراتيجي للمفهوم أذا ظل مفهوم التنمية يحمل دلالات تبعية نموذج التنمية في العالم الثالث للنموذج الحداثي الصناعي الغربي ، ويحمل أيضاً أحكاماً قيمة تقضى بدور وتواضع باقي الثقافات والحضارات أمام الحضارة المهيمنة في رؤاها للاقتصاد والإدارة . بل فوق ذلك ظل المفهوم يوظف أو يؤدى إلى توظيف طاقات وقدرات مجتمعات معينة لتقضى خطى مجتمعات أخرى ، حيث يتم استنزاف مواردها وعقولها لخدمة دول ومجتمعات مركزية في ظل علاقة تبعية لذا ظل مفهوم التنمية – حتى وان زاد عليه وصف الشاملة يتسم بالشمول ويرسخ تقسيم العالم إلى مركز وهامش ، إلى متقدم ومختلف إلى تابع ومتبوع ، إلى منتج للتكنولوجيا وأخر مستهلك لها . ولذلك برزت الحاجة إلى معالجة هذا القصور وإعادة الاعتبار إلى عملية التنمية كعملية شاملة وفى نفس الوقت تتحرك بصورة تتسق مع إطارها الجغرافي ، ومحيطها الاجتماعي والثقافي والحضاري وهادفة استراتيجيا إلى خدمة المجتمع والإنسان الذي يعمل لها ويسعى في تحقيقها ومدركه لمجمل أبعاد المعادلة الدولية القائمة .وهنا ظهر مفهوم التنمية “المستقبلية” ليحاول فك الارتباط مع الخارج ويدفع عملية التنمية للتركيز على الداخل بكل صورة وأبعاده ليعيد التذكير يتصادم المصالح أو تعارضها أو اختلافها بين المركز والهامش أو بين المتقدم والمتخلف ، ليؤكد على الأبعاد الذاتية للتنمية وليتجاوز إشكالية القصور الجغرافي لمفهوم التنمية السابقة سواء في صورته الأولى أو بعد أن أضيفت إليه الشاملة ، فيقيم التوازن بين شبكات متعارضة من المصالح يمكن محورتها حول “الذات” بكل أبعادها ودلالاتها ومعانيها”والأخر” بكل أشكاله وبكل ممثليه المندرجين في أطره المصلحية .

فتناول إشكالية التنمية المستقلة وتحليلها على خليفة موقعها في إطار مشروع حضاري نهضوي عربي يتطلب القيام بالتنمية من منظور كونها عملية مجتمعية شاملة متوازنة وفى نفس الوقت واعية بمنطلقاتها وأهدافها ووجهتها المستقبلية على خلفية واقعها الراهن وتاريخها الممتد(.

إن من يدرك حقيقة التنمية في لغتنا العربية سيجد من الصعب عليه تقبل وصف التنمية بالمستقبلية بل انه سيجد في ذلك خللا منطقيا وانعداما في المعنى والدلالة .فالتنمية في عقل اللغة العربية وثقافتها هي عملية توالد ذاتي وحركة داخلية تنبع من الذات ، وبصورة مستقلة دائما ولا تكون كذلك إذا كانت لا تتم بمؤثر خارجي فالنماء يعنى أن الشئ يزيد حالا بعد حال من نفسه لا بالإضافة شئ إليه . فالتنمية عملية ذاتية مستقلة في جوهر ماهيتها واصل وجودها ، وإذا لم تكن مستقلة لا يصلح أن نسميها تنمية .

إن جوهر الإشكالية يمكن في البنية المعرفية لمفهوم التنمية الذي يتم الحديث عنه ، أو ما يمكن أن نطلق عليه “ايستمولوجيا التنمية” وهو تلك المنظومة من المسلمات والمفاهيم والغايات والأهداف المؤاطرة برؤية معينة للإنسان والكون والحياة .

أهداف التنمية :

تهدف التنمية عامة إلى رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي وحد المشكلات الناجمة عن التخلف ، وتهيئة فرص جديدة للعمل لأفراد المجتمع والانتفاع الكامل بكافة الإمكانيات والموارد وتهيئة طاقات الأفراد لاستغلال موارد بيئتهم ،كما تسعى لتحقيق تنمية طاقات الأفراد لكي يتحمل كل فرد مسؤوليته تجاه خطة التنمية خاصة ومجتمعة عامة.

من الملاحظ أن أهم أهداف التنمية يركز التقدم الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق اعلي مستويات للمعيشة وان الهدف الأساسي للتنمية هو اخراج المجتمعات المعزولة من عزلها وجمودها وإشراكها في عملية التنمية وإعطائها الفرصة لأخذ دورها في التنمية الشاملة للمجتمع القومي.

فالإنسان هو صانع التنمية وهو في الوقت نفسه هدف التنمية بمعنى أن الجهد البشرى هو العنصر الحاسم في عملية التنمية ، وان هدف خطط التنمية هو إسعاد الإنسان ، وتلبية حاجاته المتزايدة على الدوام . فان ما كان من الكماليات أمس أصبح اليوم من الضروريات ، ولا شك أن الكثير من الكماليات اليوم ستصبح غدا في قائمة الضروريات(.

وتكيف أحوال الإنسان بتطور الاختراعات وتقدم العلم بصورة مستمرة ، ويحدث الاختراع الجديد تأثيرا مباشر على حياة الإنسان باستعماله لأنه يحقق رغبته ، ويعتاد الإنسان على الاختراع الجديد ، ويكيف أحواله على أساسه ، ثم يصبح الإنسان عنصرا لتطوير الاختراع والبحث عن اختراع جديد يفوقه قدره وكفاءة .

تسعى التنمية إلى تحقيق التماسك الاجتماعي لتحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية بجانب زيادة الشعور بالانتماء للمجتمع القومي والولاء الشديد له ولان الأفراد في المجتمعات التقليدية لا يشعرون لا بالانتماء إلى مجتمعاتهم المحلية وجماعاتهم المرجعية وتسعى التنمية إلى تحقيق بعض الأهداف العامة والتي يمكن تلخيصها في الاتى :

  1. إشباع الحاجات الأساسية لغالبية أفراد المجتمع وتحقيق التجانس وتذويب الفوارق بين الطبقات في المجتمع .
  2. تحقيق التكامل بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع بحيث يطغى جانب على الأخر أثناء تنفيذ مشروعات التنمية .
  3. تحسين الظروف المعيشية ومساعدة أفراد المجتمع على زيادة دخلهم.
  4. تهدف التنمية إلى تأكيد التعاون بين الحكومة والهيئات الأهلية بالمجتمع.

مما سبق فان الأهداف العامة للتنمية في كثير من البلدان والمجتمعات تتفق ولكنها تختلف بالنسبة للأهداف الخاصة كل مجتمع من المجتمعات ورغم هذه الاختلافات نلاحظ أنها متفقة على أهداف أساسية وتعتبر خطة التنمية الصورة الواقعة للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها المجتمع في مختلف المجالات خلال فترة زمنية معينة([1]) .

خصائص التنمية :

توجد صعوبة في الاتفاق على تعريف محدد للدولة النامية ، فقد تجد صعوبة في تحديد المقاييس والمعايير التي يمكن على أساسها وصف دولة ما بالتخلف أو التقدم لأننا لسنا بصدد دراسة ظاهرة استاتيكية بل نحن أمام ظاهرة ديناميكية متعددة . فالدولة النامية هي ثورة على القديم محاولة منها لتغييره وفى نفس الوقت هي في ثورة التوقعات المتزايدة لشعوبها محاولة منها لتحقيق آمالها العريضة وتحقيق حياة أفضل .

الدول النامية ويعانى أهلها من الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية عامة وأنها تأخذ بوسائل الإنتاج البالية ، ونلاحظ أن العامل الاقتصادي يلعب دورا أساسيا في التعريف بالدول النامية وفى نفس الوقت يمكن استخدامه كمقياس للتفرقة بين الدول على أساس التقدم والتخلف ، كذلك جرت العادة على استخدام متوسط دخل الفرد كعامل أساسي لقياس تقدم أو تخلف الدول فعلى هذا الأساس فان الدولة المختلفة هي تلك الدولة التي يقل فيها متوسط الدخل الحقيقي للفرد على ربع نظيره في الولايات المتحدة .

وعليه فان هذا المقياس في رأى هو مقياس مادي بحت فلا ينصرف إلى ما وصل إليه المجتمع من تقدم ثقافي وأنماط ومستويات حضارية وانه مقياس لا يتصل ألبته بالقيم الروحية السائدة في المجتمع.

كذلك عرفت الدول النامية بأنها تلك الدول التي تكثر فيها معدلات النمو السكاني . فإذا كانت هنالك زيادة في الإنتاج كانت هذه الدولة متقدمة وإذا زاد السكان وقل الإنتاج كانت متخلفة .وعلى حسب ما رأى أن هذه المقاييس المختلفة لم تضع وصف محدد وثابت للدولة النامية والمتقدمة ، وان هذا الوصف للدول ما زال يخضع في كثير من جوانبه للحكم التقديري البحت والغرض الذي وضع المقاييس من اجله .

مازال حقل التنمية بعيدا عن الوصول لي مقياس متكامل متفق عليه ويمكن أن يعول عليه في هذا الصدد وعلى هذا الاتجاه الأخير يصف دكتور حسن عيد خصائص الدولة النامية كالأتي :

أولاً : خصائص اقتصادية عامة :

أولاً :تشتغل الغالبية العظمى من السكان بالزراعة حيث تصل نسبتهم إلى 90% من مجموع السكان وتتراوح هذه النسبة في بعض الدول بين 70% إلى 90% من عدد سكان الدولة .

ثانياً : انتشار ظاهرة التضخم السكاني المطلق في الزراعة بمعنى انه يمكن تخفيض عدد العاملين حاليا في الزراعة دون أن يترتب على ذلك اى مساس بحجم الإنتاج الكلى لقطاع الزراعة .

ثالثاً : انتشار ظاهرة البطالة المقنعة في الريف .

رابعاً : انخفاض متوسط الدخل والعيش على مستوى الكفاف

خامساً : قلة المدخرات وانعدامها للطبقات الشعبية

سادساً :قلة رأس المال وندرة بالنسبة لأغلبية الأفراد

سابعاً : الإنتاج الزراعي يتكون من الحبوب والمواد الخام .

ثانياً : خصائص ديموجرافية سكانية عامة(:

  • ارتفاع معدل المواليد
  • ارتفاع معدل الوفيات عامة ووفيات الأطفال بصفة خاصة
  • انتشار أمراض سوء التغذية
  • انخفاض المستوى في الخدمات الصحية
  • ازدحام البيئات الريفية بالسكان بشكل لا يتناسب ومواردها الاقتصادية .

ثالثا ً: خصائص ثقافية وسياسية عامة :

  • ارتفاع نسبة الأمية بين الناس والأخذ بالأساليب عتيقة في التعليم
  • انتشار ظاهرة عمالة الأطفال على نطاق واسع
  • ضعف الطبقة المتوسطة في المجتمع وعدم توفر عوامل نموها.

يرى دكتور محمد فايز أن الدول النامية يهيمن عليها اقتصاد زراعي متخلف لا يكاد يعدو في كثير منها أن يكون مجرد اقتصاد معيشة وهو يحمل في طياته سيطرة العلاقات العمودية – القبلية – الطائفية – الإقليمية ، وتعانى مجتمعات العالم الثالث من ضعف واضح في مجالات التربية والتعليم وتأخر التعليم وانحطاطه وهذا الأمر في رأى يمكن تفاديه لعدد من الخطوات :

  1. إحساس الأميين بخطورة مرض الأمية وضرورة تعاونهم مع المؤسسات التعليمية والإعلامية .
  2. تطوير الوسائل التربوية
  3. توفير الإمكانيات الاقتصادية اللازمة لتوفير إعداد كافية من المعلمين التربويين
  4. تعانى مجتمعات العالم الثالث من ظاهرة النمو السكاني المتسارع
  5. تتميز مجتمعات العالم الثالث بوجود البطالة .

هذه هي الصورة العامة للخصائص الاقتصادية والديموغرافية والأنماط الثقافية والسياسية التي تسود الدول النامية والتي تميزها عن بقية الدول التي سبقتها في مضمار التقدم والازدهار .

إن الهدف الحقيقي لبرامج التنمية الشاملة في المجتمعات النامية هو إحداث تغيير في اتجاهات الناس وفى البنية الطبيعية التكنولوجية الحديثة في الإنتاج وما يتبع ذلك من تغيرات لأساليب الإنتاج والمفاهيم الثروة والدخل والاستهلاك مما يترتب عليه تغيير في التركيب الاجتماعي والعلاقات ومجموع القيم الاجتماعية وإدخال مفاهيم علمية جديدة في السلوك والعادات والخبرات التقليدية في مجال العمل الاجتماعي والحياة السياسية والتعليم والإدارة والصحة وغيرها.

عملية التنمية عندما تتم لا تحدث دون مشاكل أو معوقات “قضية المناصير المتأثرون من قيام سد مروى ، مثلا – والمعوقات تتمثل في القيم والعادات السيئة المتوارثة وسيطرة العقلية التقليدية على تفكير اغلب أبناء هذه الشعوب . كما تعانى هذه الشعوب أيضا من مشكلات تتعلق بنظم التعليم فيها فالأمية سمه من السمات الرئيسية وهبوط المستوى التعليمي نتيجة كثرة الطلاب وقلة الخبرات العلمية والأجهزة وضيق القاعات مما أدى إلى تدنى المستوى التعليمة وانخفاض القدرة الإبداعية واستمرار الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة ، هذا بالإضافة إلى المشكلات المرتبطة بوضع المرأة الاجتماعية وقلة إنتاجها والمشكلة السكانية والتي تتمثل ليس في مجرد ارتفاع عددية السكان وإنما في عدم استثمار الطاقات البشرية الاستثمار الأمثل .

تهدف الجهود التنموية إلى توفير حلول لهذه المشكلات عن طريق التخطيط لبرامج التنمية .والتي تتناول كافة زوايا وجوانب الحياة وهنا يأتي دور الإعلام والتوعية وهو مرتبطة مباشرة بالبشر ، لان العنصر الأساسي للتطور في اى مجتمع هو ضرورة تقويم الناس أنفسهم . ونجاح الإعلام في تهيئة هذا المناخ تتوقف على مدى قدرتنا على توفير متطلبات أخرى في البيئة المحيطة إضافة إلى السيطرة على كافة مكونات العملية الاتصالية وإدارتها بشكل أفضل مما يساعد على تحقيق الأهداف المنشودة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

مقاييس التخلف والقدم

(1) مقدمة:

إن صعوبة الوصول إلي اتفاق عام حول مفهوم تنمية التنمية ومبادئها إنما ينعكس بالطبيعة والضرورة على وصولنا إلي مؤشرات أو مقاييس لها. وفي الواقع فإن منشأة هذه الصعوبة قد أتى من اعتبارين، أولهما – كما وضح بالفقرة من هذا الفصل – هو عدم التمكن من الوصول إي تصور متفق عليه للتنمية، وثانيهما الخلاف الحاد عند تصور التقدم والتخلف. الأمر الذي نتج عنه تعدد المقاييس وتنوعها، على أية حال إن هذا الجزء من الفصل يؤكد بصفة أساسية على بيان ماهية التقدم والتخلف من ناحية ومؤشرات التنمية (أو مقاييس التقدم والتخلف) من ناحية أخرى.

(2) مفهوم التقدم والتخلف

إن النسبية Relatism تلعب دورا كبيرا مجال التقدم والتخلف، إن النظرة إليهما تختلف باختلاف الزمان وباختلاف المكان، فما كان يعتبر تقدما وقت ما يمكن النظر إليه على أنه تخلف في وقت لاحق. مما كان يعتبر تقدما في مجال أو وضع اجتماعي ما يمكن اعتباره تخلفا في وضع أو مجتمع آخر.. وهكذا ، خذ مثلا كشف التحرك بالبخار وكيف كان تقدما عظيما ورائعا في حينه. ثم كيف أصبح باكتشاف الكهرباء مجرد تاريخ ورمزا لوضع غير متقدم. ومن هذا المنطلق فإنه يمكن القول أن التقدم والتخلف لفظان أو مصطلحان نسبيان بتخلف مفهومها من زمان إلي زمان ومن مكان إلي آخر. كما يختلف مضمونهما من باحث إلي آخر طبقا لعوامل متعددة منها ما يتعلق بالأيدلوجية التي يعتنقها أو حتى يميل إليها – وساء اتجهت تلك الأيديولوجية نحو الشرق أو نحو الغرب أو حاولت البحث لها – وسط الضغوط الهائلة – من مسار محايد.

وعلى نفس المنوال فإن إطلاق لفظ مثل التقدم أو التخلف على دولة من الدول أو مجتمع من المجمعات ليس بالأمر الهين نظرا لعدم وجود فاصل دقيق وواضح بين ما يكن اعتباره تخلفا. وإلي جانب هذا فإن الدول نفسها متقدمة كانت أو متخلفة – تتفاوت فيما بينها في درجة التقدم أو التخلف. الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدا و يجعل من الاتجاه إلي وضع فواصل دقيقة واضحة أمرا تتطلبه طبيعة البحث في هذا المجال.

على أية حال، وإذا ما نحينا الآن هذا الجدل النظري جانبا. فإنه يمكن القول أن الدول على اختلافها يكن تقسيمها إلي طائفتين اثنتين لا ثالث لهما: دول نامية بالفعل Developed أو حتى تعدت مرحلة النمو Overdeveloped، متقدمة غير نامية أو متخلفة Underdeveloped أو في مرحلة النمو Developing على الأكثر. زراعية وفقيرة ، مستعمرة أو كانت مستعمرة – ومستغلة، إلا أنه في داخل كل مجموعة (وكما هو الوضع في الطبقات الاجتماعية) يمكن تمييز ثلاثة مستويات: عليا – ووسطى – ودينا، فنهالك دول في قمة النمو والتقدم Post-Development (كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة وفرنسا مثلا) ودول في قاع النمو والتقدم (كاليونان وإيطاليا ويوغسلافيا مثلا) ثم دول في الوسط بين هذا وذاك – القمة والقاع (كألمانيا وكندا وهولندا والسويد والنرويج..) والشيء نسه بالنسبة للقطاع المتخلف، فهنالك دول تنمو أسرع من غيرها Developing countries بحيث ينتظر لها وصولا قريبا إلي مشارف مرحلة التقدم، ثم هنالك دول في قاع التخلف متأخرة Backward ولم تخط بعد خطوات لها وزنها في مجال التنمية Pre-Development Countries ، ثم دول تحتل موقعا لها ما بين القمة والقاع أيضا.

إنه بناء على هذه النظرة إلي الدول – التي نأمل أن تكون منطقية وأن تلقى قبولا من لدن المستغلين بمجالات التنمية، فإنه يمكن الآن التقدم لكي نضع أيدينا على مفهوم التقدم والتخلف حتى يكون اتجاهنا إلي قيامها أمرا قائما على أساس.

فالتقدم – كما سبق ايضاحه – هو تطور الحياة العقلية للإنسان، أنه تزايد قدرة الإنسان على التحكم والسلوك التي يتقبلها أنه هو تبني أنماط جديدة من الفطر والسلوك التي يتقبلها المجتمع وير فيها فرصة سانحة لتحقيق آماله في حياة أفضل وسواء كان هذا من ناحية الطبيعية المادية أو الناحية الاقتصادية من ناحية، وتوفير الرفاهية الاجتماعية من ناحية أخرى، ثم ضمان استمرار الرقي من ناحية ثالثة.

أما التخلف فهو الفشل – أو حتى القصور – في تبني مثل هذه الأنماط الحيدة من الفكر والسلوك (التي من المفترض أن تقود المجتمع إلي وضع أفضل) والجمود التالي عند النقاط بعينها من التصورات التي لا تفيد المجتمع بل وطبقا للتحركات والتغيرات الحادثة في مناطق أخرى من العالم – قد تضره، والتخلف كذلك قصور في الإمكانات المادية والمعنوية والسياسية (أو راس المال المادي والبشري) والذي يؤدي بدوره إلي عدم إمكان توفير الخير الاجتماعي للمواطنين. إنه افتقار إلي الوسائل الكفيلة بالقضاء على تخلفه. وهو بهذا المعنى يتضمن عدم القدرة على ملاحقة الركب (الحضاري) وسوءا كان هذا لعدم وجود القدرة على هذا أصلا، أو فقدان هذه القدرة بعد وجودها فعلا (كما هو الحال مع العالم العربي والإسلامي).

(3) التقــدم والتخلف: الســمات

وإذا كانت التعريفات – أو بالأحرى محاولات التعريفات – السابقة قد ركزت على تبنى أو عدم تبني أنماط معينة للتفكير والسلوك. فإنه يبقى الإشارة إلي هذه الأنماط التي يعتبر تبينها تقدما كما يعتبر عدم تبنيها تخلفا. على آية حال يمكن إجمال أنماط التقدم والتخلف وإبرازهم خصائصها – طبقا لما اتفق عليه معظم الكتابات التي تعاملت مع الموضوع – على الوجه الآتي:

 

 

سمات تقدم سمات تخلف
أولا: سمات ديموجرافيـــة
1.                انخفاض معدل المواليد.

2.                انخفاض معدلات الوفيات العامة.

3.                انخفاض معدلات وفيات الأطفال.

4.                ارتفاع المستوى الغذائي.

5.                ارتفاع المستوى الصحي.

1.                ارتفاع معدل المواليد.

2.                ارتفاع معدلات الوفيات العامة.

3.                ارتفاع معدلات وفيات الأطفال.

4.                انخفاض المستوى الغذائي.

5.                انخفاض المستوى الصحي.

ثانيا سمات اقتصادية
6.                كفاية الموارد الطبيعية استغلالها الاستغلال الأمثل.

7.                وفرة روس الأموال.

8.                الاندماج في نشاطات صناعية (ثقيلة ومتطورة).

9.                الأخذ بالأساليب الحديثة والمتطورة للإنتاج والتي تعتمد على القوى الآلية أساسا.

10.           الأخذ بأسلوب الاقتصاد المتوازن بين كل القطاعات والاتجاهات.

11.           انخفاض نسبة البطالة (الكلية الفعلية أو الجزئية المقنعة).

12.           ارتفاع الدخل القومي.

13.           عدالة توزيع الدخل القومي.

14.           ارتفاع مستوى الدخل الفردي – فوق 600 دولار أمريكي سنويا – ووفاء هذا الدخل بحاجات الفرد الكمالية فضلا عن الأساسية.

15.           وفرة المدخرات وتعاظم الاتجاه نحو الاستثمار.
16.           الاتجاه إلي أنماط الانفاق غير الاستهلاكية (السلع المعمرة).

17.           اتجاه الصادر نحو الموارد المصنعة (الصناعات الثقيلة بالذات) بالإضافة إلي تصدير التكنولوجيا الحديثة.

18.           اتساع الأسواق (داخلية وخارجية) والتصدير أكثر من الاستيراد، أو على الأقل التوازن بينهما (اعتدال الميزان التجاري).

19.           تقدم المؤسسات والنظم المصرفية وفاعليتها.

20.           الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على النفس (الاكتفاء الذاتي) بالإضافة إلي تقديم معونات خارجية

6.                عدم كفاية الموارد الاقتصادية وعدم استغلالها الاستغلال الأمثل.

7.                نقص رؤوس الأموال.

8.                الاندماج في نشاطا زراعية (وما يتعلق بها من نشاطات).

9.                الأخذ بالأساليب التقليدية والمتأخرة في الإنتاج، والتي تعتمد على القوى العضلية غالبا.

10.           عدم أو حتى قلة الأخذ بأسلوب الاقتصاد المتوازن بين القطاعات والاتجاهات.

11.           ارتفاع نسبة البطالة فعلية ومقنعة.

12.           انخفاض الدخل القومي.

13.           اللاعدالة في توزيع الدخل القومي.

14.           انخفاض مستوى الدخل الفردي – 600 دولار أمريكي سنويا – وعدم وفاء هذا الدخل باحتياجات الفرد الأساسية فضلا عن الكمالية.

15.           قلة المدخرات أو حتى انعدامها، وتضاؤل الاتجاه نحو الاستثمار.

16.           اتجاه أنماط الإنفاق نحو السلع الاستهلاكية (المأكل والمشرب والملبس).

17.           اتجاه الصادرات نحو المواد الأولية والخام بالإضافة إلي استيراد التكنولجيا الأحدث.

18.           ضيق الأسواق داخليا وخارجيا، والاستيراد أكثر من التصدير أو اللاتوازن (خلل الميزان التجاري).

19.           تأخر المؤسسات والنظم المصرفية وعدم كفايتها وكفاءتها.

20.           الاعتماد على الخارج (اقتصاديا) وطلب وقبول معونات خارجية.

 

 

ثالثا: سمات اجتماعية
21.             ارتفاع مستوى المعيشة.

22.             انخفاض نسبة الأمية وارتفاع نسبة التعليم والتدريب بإلإضافة إلي الأخذ بالأساليب الحديثة في التعليم والتدريب.

23.             اختفاء – أو حتى انعدام – ظاهرة تشغيل الأحداث

24.             سير الحراك الاجتماعي Social Mobility  السير الطبيعي أي انسيابه وعدم جموده.

25.             كبر حجم الطبقة المتوسطة وبالتالي صغر حجم كل من الطبقتين العليا والدنيا.

26.             توفر الرعاية الاجتماعية بكل أبعادها من تعليم وصحة وإسكان ووسائل اتصال وترويج وخلافه.

27.             تطبيق نتائج البحوث العلمية (والفنية) على نطاق أوسع.

28.             ارتفاع المركز الاجتماعي للمرأة.

29.             التحرر من تحكم العادات التقاليد الموروثة (وخاصة الضار منها) في السلوك.

30.             سيادة العلاقات الاجتماعية المعقدة وامتدادها عادة خارج النسق (الأسرة – العائلة – الشعيرة، القبيلة

21.             انخفاض مستوى المعيشة.

22.             ارتفاع نسبة الأمية وانخفاض نسبة التعليم والتدريب، بالإضافة إلي الأخذ بالأساليب العتيقة في التعليم والتدريب.

23.             انتشار ظاهرة تشغيل الأحداث.

24.             تعثر سير الحراك الاجتماعي وعدم انسيابه وجموده.

25.             صغر حجم الطبقة المتوسطة، وكبر حجم الطبقة الدنيا بالذات.

26.             عدم توفر الرعاية الاجتماعية – بكل أبعادها – كليا أو جزئيا.

27.             قلة – أو حتى عدم تطبيق نتائج البحوث العلمية الفنية.

 

28.             انخفاض المركز الاجتماعي للمرأة.

29.             تحكم العادات والتقاليد الموروثة في السلوك.

 

30.             سيادة العلاقات الاجتماعية الأولية البسيطة والمباشرة واقتصارها غالبا على داخل السنق.

31. القرة على الانفتاح العقلي على الأفكار الجديدة والعالم الخارجي وكذلك إمكان التعاطف مع الأدوار الاجتماعية الجديدة.

32. حراك الوحدات البنائية (عدم جمودها واندماجها في حياة المجتمع الكبير) كلها.

31. عدم القدرة على الانفتاح العقلي على الأفكار الجديدة والانغلاق على النفس والداخل وعدم إمكانية التعاطف مع الأدوار الاجتماعية الجديدة.

32. جمود الوحدات البنائية التي تسودها عادة الحياة القبلية (أو شبهها) وعدم تمكنها من الاندماج في حياة المجتمع الكبير

خامسا: سمات سياسية
33. إقامة إطار سياسي واجتماعي مناسب للتقدم.

34. إقامة مجتمع آمن ومطمئن يتمتع فيه المواطن بالأمن والطمأنينة.

35. إقامة مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية ويبعد بالتالي عن القهر والتسلط.

36. إقامة مجتمع تتاح فيه الفرصة الحرة والكاملة للمواطنين للمشاركة. مع المشاركة الفعلية وبكفاءة وتفاعل.

37. سيادة المؤسسات واستناد القائمين على الحكم إليها.

33. عدم القدرة على إقامة إطار سياسي واجتماعي مناسب للتقدم.

34. عدم إمكان إقامة مجتمع آمن ومطمئن للفرد على يومه فضلا عن غده.

35. عدم التمكن من إقامة مجتمعة تسوده الحرية والديمقراطية، وقربه بالتالي من التسلطية القائمة على القهر.

36. عدم التمكن من إقامة المجتمع الذي يسمح بالمشاركة الشعبية مع إحجام ولا مبالاة الشعب.

37. ضعف سيطرة المؤسسات، وسيطرة الفرد (وعباته).

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

نظريات التنمية

لم تفت فكرة التطور والتقدم والحضارة ورقي الدول وهبوطها فلاسفة ومفكري القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما قبلها. لقد عالجها الاقتصاديون من أمثال (هربت سبنسر) الذي رأي أن المجتمع ينمو نموا عضويا، وإن هذا النمو العضوي يزيد التعقيد من جانب ويبرز ضرورة الاعتماد على المتزايد والمتبادل بين الأجزاء المختلفة من جانب آخر. كما عالجها علماء اجتماع من أمثال (أوجست كونت) الذي رأي أن على المجتمع أن يوجد الخصائص التي تحكم التطور والتقدم وكل هذه المعاني وما شابهها هي تعبير عن محاول النظر في التنمية وأن كانت الكلمة بعينها لم تكن مستخدمة في هذا الصدد.

ومن البديهي أن ندرك أن الفكر (الماركسي) هو نظرية في التنمية ، وأنه فكر أوربي ثار على الفكر السائد قبله ونقده من أساسه، ومن البديهي أيضا أن نربط بين نظرية العالم العربي ابن خلدون في رقي الدول وانحطاطها وبين التنمية تلك النظرية التي سبقت والتي تأثر بها الكثيرون في القرن العشرين، وكرروا ما سبق لابن خلدون ما قاله في القرن الرابع عشر.

لقد تحدث (ابن خلدون) في القرن الرابع عشر الميلادي عن واقعات العمران البشري وأحوال الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من التوحش والتآنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومعاشهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال.

وتعد نظرية (أرنولد توينبي) في تفسيره تطور المجتمعات الإنسانية، شاهدا في القرن العشرين على أن التنمية وإن لم تذكر بالاسم هي العنصر الأساسي في تفسير التطور الإنساني أو هي بمعناها الشامل جوهر التطور الاجتماعي الإنساني، وتسمى نظرية (توينبي) نظرية (التحدي والاستجابة) ومعناها أن تطور المجتمعات الإنسانية وانتقالها إلي أوضاع حضارية أكثر ارتقاء إنما تعتمد على القوة المحركة التي تخلفها الظروف الصعبة، وليست نظرية (توينبي) إلا تفسيرا فلسفيا لمؤرخ يفسر حقائق التاريخ، ويحللها. ولم يقصد بها أن تكون نظرية من نظريات التنمية ولكنها بشكل ما يؤكد أن مفهوم التنمية بمعناه الشامل لم يفت المفكرين من (ابن خلدون) في القرن الرابع عشر إلي (توينبي) في القرن العشرين.

نظريات التنمية أو فلسفات التنمية إذا ليست وليدة هذا القرن ولكنها برزت في هذا القرن كرد فعل للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم.

النظريـة العامـة للتنميـة:

يقع الخلط في زماننا للمفاهيم لعدم انطباق الألفاظ على المعاني ومرد ذلك إلي تفريعات العلوم، واستخدام كل علم لقاموسه ومفرداته. وفي الوقت نفسه للعلاقة المشتركة بين فروع العلوم المختلفة، وبخاصة العلوم الإنسانية، وتحظى كلمة (نظرية) بنصيب وافر من تعدد الفهم في كل سياق علمي حتى يختلط أمرها. فيه تتسع أحيانا لايدولوجية شاملة وتنحصر أحيانا في وجه نظر باحث. ونظريات التنمية تكاد توازي أساليب التنمية أو أنماط التنمية أو ملامح التنمية، وأعتقد أن إذا أمكن صياغة كل ذلك في نسق شامل ومركب وحي فإن تعبير نظرية للتنمية يكون صحيحا ومعبرا عن النظرية العامة للتنمية. والباحثون في العلوم الإنسانية يستخدمون مصطلح نظرية علم كذا بمعنى يقترب اقترابا شديدا من المصطلح الذي استخدمناه في حضارتنا العربية يهدف إلي تحديد هوية العلم وغايته أي تحديد موضوعه وأهدافه، وقياسا على هذا المفهوم العام أصبحنا نجد الباحثين الذين يتحدثون عن نظرية التنمية بمعنى النظرية العامة للتنمية.

وفي بساطة شديدة ووضوح أشد يقول (جون ميدلتون) أغلب العالم من الفقراء، وبعضه من الأغنياء ، وتلك المشكلة الأساسية التي تسعى نظرية التنمية إلي مواجهتها، كيف يمكن للشعوب الفقيرة أن تحقق حياة أفضل لمواطنيها؟

وربما كان هناك اتفاق على هذه الطريقة في عرض المشكلة منظري التنمية ذوي الآراء البالغة الاختلاف، ذلك الاختلاف الذي تعلق بأعراض التنمية وبطبيعتها وغير ذلك من التفاصيل. ويتعلق الاختلاف بين منظري التنمية بنبذ بعضهم للنماذج القديمة والبحث عن نماذج جديدة.

وقد ظهرت النماذج القديمة عقب الحرب العالمية الثانية، وعرفت التنمية بعبارات اقتصادية، واعتبرت الناتج القومي الإجمالي المؤشر الرئيسي، وعرفت الحياة الأفضل – بشكل أفضل – بأنه الحصول على دخل أكبر، فهذه هي الطريقة التي ينتقل بها الفرد من الفقر إلي الغنى، وتأتي زيادة الدخل بالدرجة الأولى من تصنيع المجتمعات النامية، ويتحقق ذلك بنقل رأس المال والتكنولوجيا من البلدان الغنية إلي البلدان الفقيرة، وكان أبرز مثال صيغ في شكل قضية شرطية متصلة بهذه النظرية هي (إذا اتبعت البلدان النامية طريق التنمية الذي اتبعته المجتمعات الغربية، قبلت نفس تعريف التنمية بأنها زيادة الدخل فإن نوعية الحياة ستتحسن) ونشأ من هذه النظرية أغلب العمل الذي استمت به استراتيجيات التنمية في العقد السادس من العشرين، واستورد رأس المال التكنولوجيا، وأقيمت المصانع ووسعت نظم التعليم لتفوير القوى العاملة اللازمة الاقتصاد صناعي، وبرز التخطيط المركيز باعتباره ضروريا لتوجيه هذه العملية المعقدة لتكوين رأس المال واستخدامه.

ويرى (ميدلتون) إن هذه النموذج حقق نجاحا معقولا في البرازيل وسنغافورة وكوريا ، لكنه لم يؤد إلي تقدم يذكر في أغلب بلدان العالم الثالث، وكان فشل هذه النظرية دافعا لنظريات عامة جديدة للتنمية، فقد برزت مؤشرات تؤكد ضرورة إشباع الحاجات البشرية الأساسية وتبرز توزيع الثروة توزيعا عادلا، والاستقلال الذاتي واشباع ومشاركة الجماهير في التنمية، كما ظهرت طبيعة المساعدة الدولية باعتبارها عائقا لتنمية إذ تؤدي بالبلدان النامية إلي التبعة المنتظمة للبلدان المتقدمة، ويراعي فيها صالح البلدان المتقدمة في المقام الأول، وبرزت صياغة نظريات عامة جديدة للتنمية تضع في الاعتبار الأول القطاع الزراعي الريفي، والاعتماد على النفس، وحظي النموذج الصيني للتنمية باهتمام واسع يمكن الاستفادة من بعض جوانبه، والأثر الأول للتخلي عن النظرية التقليدية هو زيادة البدائل التي يستطيع مخططوا التنمية استقصائها لتوجيه مسار بلادهم.

هذه النظرية العامة للتنمية تقودنا إلي ما اصطلح على تسميته بنظريات التنمية في علمي الاقتصاد والاجتماع وهي تكاد تعني استراتيجيات التنمية، هذه النظريات المتخصصة أو الفرعية أو المحددة إنما هي نظريات يمكن الأخذ بها في كافة النظريات العامة للتنمية.

ويظل السؤال المطروح هو:

ماذا نقصد بنظريات التنمية؟

إن ما نقصده بنظريات التنمية هي النظريات المحددة أو المخصصة التي تعالج التنمية في الدول المتخلف ولكن ذلك لا يكتمل بغير أن تندرك نظريات التخلف، وبغير أن نعرف النظريات التي تعالج التنمية في الدول المتقدمة والتي نميها نظريات النمو الاقتصادي تمييزا ولا بعدا بها عن قضايا التخلف، ولأنها تنتقل من نمو إلي نمو أكثر وأعظم، ونجد في نظريات التنمية هذه الأمور متشابكة بمعنى أن النظرية التي تفسر لنا أسباب التخلف تقدم لنا منطقيا طريق القضاء عليه بإزالة أسبابه، وبمعنى أن تنمية الدول المتقدمة ترتبط بظروف الدول المتخلفة ارتباطا وثيقا وسنجد في نظريات التنمية المثلث الذي حددنا في مفهوم التنمية الشاملة بأضلاعه الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ففي المجال الاجتماعي يقسم الدكتور سعد الدين إبراهيم النظريات الاجتماعية في التنمية إلي ثلاث مجموعات طبقا لنوع المتغيرات التي تستند إليها كل مجموعة طبقا لمصدر ومسار التغيير الاجتماعي المنشود في اتجاه التنمية وهي:

(1) اتجاه الأنماط المثالية للمؤشرات: Ideal type of Index Models

ويقوم هذا النوع من التنظيم على استخلاص علماء الاجتماع الغربيين السمات الأساسية لمجتمعاتهم المتقدمة ومقابلتها لنقيضها المتخلف، وتصبح أيدولوجية التنمية عندهم محكومة بتلك الخطط والجهود والمشاريع التي تنطوي تحت عملية تحويل مؤشرات أي مجتمع من نمط متخلف إلي نمط متقدم.

(2) اتجاه الانتشار الثقافي الحضاري:

The Acculturation -Diffusion Model

ويذهب هذا الاتجاه إلي أن التنمية باعتبارها شكلا من أشكال التغير الاجتماعي تتم بواسطة الانتشار الثقافي أو الحضارية، وبمرور الوقت واستمرار الانتشار تتحول المجتمعات المتخلفة إلي مجتمعات متقدمة بحلول القيم والعلاقات الحديثة محل القيم والعلاقات التقليدية.

(3) اتجاه تغيير الأفراد نفسيا:

Individual Psychological Change Model

ويركز هذا الاتجاه على أن عملية التنمية رهن بتغيير أفراد المجتمع قيما وحوافزا وسلوكا ، فالمجتمعات التي حققت تنمية الماضي أو التي تحققها في الحاضر، وفق أصحاب هذا الاتجاه، وجد بها عدد كبير من الأفراد الذين يصفون بالطموح والابتكار والرغبة العارمة في هذا الاتجاه والقدرة على التقمص الوجداني، وهؤلاء الأفراد هم الذين يحملون على أكتفاهم مهمة نقل مجتمعهم من إطاراته التقليدية المتخلفة المحدودة إلي إطارات حديثة متقدمة، فإذا كان المجتمع لا يضم هذا النوع من الأفراد بأعداد كفاية فعليه أن يزيد من أعدادهم بوسائل مختلفة.

ويرى الدكتور سعد الدين أن أهم أوجه القصور في هذه النظريات (أنها لا تفسر تخلف العالم الثالث كنتيجة حتمية للنظام الإمبريالي الحديث الذي ساد العالم وما زال بأشكال ودرجات مختلفة، وإن تقدم البعض وتخلف البعض الآخر أصبح منذ القرن الثامن عشر مسألة تفاضل وتكامل، أو بتعبير آخر أن التقدم والتخلف هما وجهان لنفس العملة.

ويعلل هذا القصور المنهجي في نظريات التنمية الغربية إلي التمركز الحضاري الغربي نحو الذات وإلي غياب النظرة التكاملية الشاملة وإلي تجاهل الأعمال الأصلية لمفكري العالم الثالث، وينتقد الفروض القاعدية بمجرد انهائها من إزاحة المعوقات الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية الموروثة من أبنية المجتمع التقليدي، والتي تزعم أنه بإزاحة المعوقات فإن التنمية تصبح مسألة أكيدة لا تحتاج إلي أكثر من تعبئة وتنسيق وهندسة الموارد المادية والبشرية في المجتمع.

إن النقد الأساسي لمثل هذه الفروض هو النظرة إلي الجزئية وعدم رؤية الجزء في إطار الكل، وبسبب الإسراف السطحي في التخصص بين ما يطلق عليه العلوم الاجتماعية أصبح عالم الاقتصاد يتحدث عن زاويته فقط وأصبح عالم الاجتماع يرى رؤيته وحسب، وكذلك عالم النفس وعالم السياسة ولم تعد بينهم لغة مشتركة تفسر ترابط الظواهر الاجتماعية، وتقدم لنا عملا متكاملا، ويزيد المشكلة حدة أن التخلف ظاهرة معقدة متعددة الجوانب ومتشابكة وقد صدق أحد أساتذة الاقتصاد الغربيين، حين وصف مشكلة المجتمعات النامية بقوله ليس في تلك المجتمعات مشكلات معقدة يحتوي كل منها على جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية، وما لم يفهم من يتصدى لهذه المشكلات كل هذه الجوانب فإن فهمه لها يظل ناقصا وبالتالي تأتي حلوله ناقصة ومبتورة.

وتنقد الدكتور عواطف عبد الرحمن مسمى الحديث الذي يطلقه الباحثون الغربيون ويريدون من الدول النامية أن تقتضي أثره عبرة عن تقديم المجتمعات الغربية الصناعية بشبكاتها المحلية ونشاطاتها الاقتصادية وأنماطها الاستهلاكية وبناءاتها التكنولوجية إلي الدول النامية كنموذج وحيد يمكن الاحتذاء به.

وفي المجال الاقتصادي يرى الدكتور عمر محي الدين إن مشكلة النمو الاقتصادي كانت محور الاهتمام فلي الاقتصاد (الكلاسيكي) ويتجلى هذا الاهتمام في عنوان كتاب (آدم سميث) بحث في طبيعة وأسباب ثورة الأمم سنة 1977م، وقد وجه الاقتصاديون الكلاسيكيون اهتمامهم إلي الكشف عن القوى التي لعبت دورا هاما في التقدم الاقتصادي، واهتم هؤلاء الاقتصاديون اهتماما خاصا بالبحث في إزالة كافة العوائق أما عملية التراكم الرأسمالي مثل قيود التارة ونظام الطوائف وغير ذلك. ومن ثم نجد أن دعوة الاقتصاديين الكلاسيكيين إلي الحرية الاقتصادية لم تكن مجرد دعوة لعدم تدخل الحكومة، وإنما كانت مطلبا للقضاء على ما كان يعتقد أن عراقيل معطلة لنمو المجتمع الرأسمالي الصناعي، ولكن النظام الرأسمالي الصناعي واجه العديد من العقبات كما أوضح تطبيقه كثيرا من أوجد الخلل والاضطراب، وكان على المدرسة الاشتراكية بزعامة (كارل ماركس) أن تقدم التفسير العلمي لما يعوق حركة هذا النظام ولأوجه الخلل التي تعترض طريقه، فالنظام الرأسمالي لا يكن فهمه إلا بوصفه مرحلة معنية من مراحل تطور قوى الإنتاج الاجتماعية، وإذا كان صحيحا ما يدعيه الاقتصاديون الكلاسيكيون من أن عملية التراكم هي العملية الفعال في النمو، فإن عملية التراكم التي تؤدي إلي تطور قوى الإنتاج لا تتم من فراغ، وإنما تتم في إطار وإنما تتم في إطار معين من علاقات الإنتاج وقد أثبت نمو المجتمع الرأسمالي أنه بعد مرحلة معينة تصبح علاقات الإنتاج عقبة أمام تطور قوى الإنتاج حيث تصبح السبيل الوحيد أمام النمو هو تغيير علاقات الإنتاج السائدة.

كذلك فإن التناقضات الكامنة في طبيعة هذا النظام سوف يؤدي به إلي مواجهة الأزمات الدورية التي تؤدي فلي النهاية إلي انهياره وإحلال  نظام جديد بديل عنه، فالزيادة المستمرة في عملية التراكم تؤدي دائما وأبدا إلي زيادة الطاقة الإنتاجية، غير أن هذه الزيادة المستمرة في الطاقة الإنتاجية لا يصاحبها زيادة مقابل في القوة الشرائية (نتيجة الفقر المزمن للقوى العاملة في ظل النظام) تسمح باستيعاب هذه الزيادة ومن ثم تحدث أزمات دورية متلاحقة تؤدي إلي انهيار النظام.

لقد اهتم ماركس بدراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غرب أوربا، وفي مناطق أخرى من العالم، ثم قاد النموذج الذي رآه لتطور المجتمعات الإنسانية، وقد استطاع ماركس من خلال دراسته لفلسفة (هيجل) التسليم بالمنطق الجدلي (الديالكتيك) كحقائق في حالة حركة دائمة، فكل إثبات لحقيقة معينة يتضمن في الوقت نفسه نفيا لها ، وهذا النفي يتضمن بدوره إثباتا ومن تلاقي الإثبات والنفي ينشأ تركيب جديد يمثل تأليفا بين نقيضين، ومن ثم يصبح هذا التأليف بين النقيضين بمثابة خطوة تقربنا من الحقيقة، بيد أن التأليف بين النقيضين بدوره ليس ثابتا فهو يمثل فكرة او شيئا تحمل بدوره بذور نقيضها. ومن الفكرة (الشيء) الجديد ونقيضها يتكون اتحاد جديد بين النقيضين ، وهكذا يستمر التطور ويقترب تاريخ الإنسان من الكمال الذي ينشده، واستنادا إلي ذلك أقام ماركس فلسفته، ومن خلالها استطاع تفسير النظم السياسية، والاقتصادية والثقافية بإرجاعها إلي الظروف المادية للحياة. ويذهب ماركس إلي ان هناك ثلاثة قوانين تحكم حركة المادة والمجتمع والعالم أيضا – هو قانون الأضداد وصراعها، وقانون تحول التغيرات الكمية إلي تغيرات كيفية وقانون نفي النفي.

وعلى ضوء هذا البناء الفلسفي الماركسي فسر ماركس البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمع أي مجتمع، ذلك التفسير الذي يرى أن الناس من خلال عملية الإنتاج تحكمهم علاقات مستقلة عن  جميع هذه العلاقات الإنتاجية يشكل البناء الاقتصادي في المجتمع، هذا البناء المصطلح عليه بالبناء التحتي للمجتمع، وهو قاعدة يقوم عليها البناء الفوقي للمجتمع الذي يتمثل في الأفكار والنظريات السائدة في المجتمع وترجمة هذه النظريات إلي قوانين ونظم ومذاهب ومعتقدات وغير ذلك أي الثقافة الشاملة للمجتمع.

       وعلى ضوء هذا التحليل الماركسي لعلاقات الإنتاج فسر ماركس مراحل التاريخ على النحو التالي:

(1) مرحلة الإنتاج البنائي:

وفيها ملكية الإنتاج جماعية حيث يعتمد الإنتاج على الصيد وجمع الثمار، وهو عمل مشترك يخلو من الطبقات.

(2) مرحلة الرق:

حيث بدأ الأغنياء يلزمون العبيد بزراعة الأرض.

(3) مرحلة الإقطاع:

حيث يمتلك الإقطاعي الأرض وسيلة الإنتاج ويدفع للأقنان جعلا.

(4) المرحلة الرأسمالية:

حيث حلت البرجوازية محل الاقطاع في امتلاك وسائل الإنتاج الأساسية في المجتمع.

(5) مرحلة الاشتراكية:

حيث تدهور النظام الرأسمالي بفعل فائض القيمة، وتراكم رأس المال، والافقار المطلق، ومن ثم يصبح المجتمع مالكا لوسائل الإنتاج، ويخلو من العقبات، وبذلك تنمو وسائل الإنتاج نمو حرا.

ولقد ميز ماركس بين مرحلتين أساسيتين يمر بهما المجتمع الشيوعي العالمي، ذلك المجتمع الذي سينشأ – في رأيه – بعد ثورة (البروليتاريا) المرحلة الأولى تختفي فيها الرأسمالية، المتمثلة في استغلال العامل المأجور، ويحل محلها نظام الإنتاج الذي يعمل من أجل إشباع الحاجات الاجتماعية، ونظرا للمشكلات الفنية التي تصاحب التحول الإشتراكي، ونظرا لوجود رواسب أو بقايا من العادات والاتجاهات التي تعبر عن النظام الرأسمالي، فإنه يصبح ضروريا حصر الناس طبقا لكمية العمل الذي تؤديه ، أما المرحلة العليا من الاشتراكية وهي المرحلة الثانية فإن قانون قوى الإنتاج تتكفل بإنتاج السلع الكافية، ويتم توزيعها طبقا للحاجات ومن ثم يصبح الأفراد الذين حققوا إنسانيتهم تحقيقا كاملا يسعون إلي أداء أشكال عددية من النشاط الإنتاجي غير خاضعين لضغط الضرورة، بل يؤدونها بوصفها وسيلة للتعبير الذاتي التلقائي.

ولقد تعرضت الماركسية لشيء من التقدير لا حد له كما تعرضت للشيء من الطعن لا حد له، وقد يكون أهم نقد وجه للماركسية أنها تصور واحدي الخط في كافة جوانبها.

وكان رد الفعل لهذا التحليل لحركة النظام الرأسمالي الذي قدمه كارل ماركس، هو ظهور محاولات متعددة للرد على انتقادات المدرسة الاشتراكية ولقد تبلورت هذه المحاولات في بناء فكري جديد هو المدرسة الماركسية الكلاسيكية الحديثة التي ولدت حوالي عام 1870م، ولقد سادت هذه المدرسة في الفكر الاقتصادي الغربي الحديث، بفضل البناء النظري لهذه المدرسة تحول مركز الاهتمام في الفكر الاقتصادي ومجال البحث في علم الاقتصاد إلي مجال يختلف تمام الاختلاف عن مجال بحث المدرسة الكلاسيكية أو المدرسة الاشتراكية، فالقضية الأساسية لعلم الاقتصاد في رأي هذه المدرسة، ليست هي البحث في قوانين حركة النظام الرأسمالي ولا في أسباب وعقبات نموه وتطوره، فالنظام الرأسمالي يحمل في طياته قوى كامنة تدفعه دائما إلي النمو والتطور المستمرين، وإنما القضية الأساسية للاقتصاديين هي البحث في محاولة الوصول إلي أعلى كفاءة ممكنة، اكتمل البناء ولم تعد مشكلة النمو أو التقدم هي المشكلة الأساسية بل البحث في إصلاح وتهذيب هذا البناء هو هدفهم وأصبحت القضية الأساسية – في رأيهم – التي تواجه الفكر الاقتصادي هي البحث عن أوجه الإصلاح اللازمة لرفع كفاءة هذا البناء.

ثم قدم Rostow  في كتابه مراحل النمو الاقتصادي بيانا غير شيوعي (1960)م تصوره في التنمية محاولا أن يرد على الفكر الماركسي وأن يشوهه ورأي روستو أن المجتمعات تمر بخمس مراحل أساسية لتعبر التخلف إلي التقدم هي:

(1) مرحلة المجتمع التقليدي:

وفيها يقوم الإنتاج على أساس العلوم والفنون التي كانت شائعة قبل عصر نيوتن، لأن نيوتن – في رأيه – فصل بين عالمين: أحدهما يقوم على المصادفات والآخر يقوم على الضبط والتحكم، ويمثل المجتمع التقليدي في رأي (روستو) العالم الذي سبق تلك المجتمعات ثم المجتمعات التي جاءت بعده، وظلت غير قادرة على السيطرة على البيئة.

 

(2) مرحلة التهيؤ للانطلاق:

حيث ينتشر التعليم ولو جزئيا ، وحيث يظهر أفراد يتصفون بروح الإقدام، وحيث تظهر البنوك ويزداد الاستثمار، ويرى أن هذه الظروف توفرت في أوربا الغربية في أواخر القرن الثامن عشر.

(3) مرحلة الانطلاق:

وهي الفترة التي يتم فيها القضاء على معوقات النمو المطرد، ويتحقق ذلك بثورة سياسية، تؤثر في البناء الاقتصادي والاجتماعي.

(4) مرحلة النضج:

وهي المرحلة التي يستطيع فيها المجتمع أن يؤكد قدرته على الحركة خارج نطاق الصناعات الأصلية التي دفعته إلي الانطلاق، بحيث يستطيع أن ينتج أي شيء مرغوب فيه، ويرى (روستو) أن المجتمع يصل عادة إلي هذه المرحلة بعد 60 عاما من المرحلة السابقة لها، وفي هذه المرحلة يتمكن المجتمع من تصدير فائض إنتاجه الصناعي.

(5) مرحلة الاستهلاك الوفير:

حيث يرتفع متوسط الدخل الفردي وتزيد نسبة السكان في المدن، ويزيد التوسع في الاستهلاك، ومن رأي (روستو) في تفسير التقدم من صور التفكير الغربي الرأسمالي المترف في مشاكل العالم. وهو أقرب ما يكون إلي القصة التاريخية المعروفة عن ماري انطوانيت عندما عرفت أن الثوار يطالبون بالخبز وهو غير موجود فقالت: (ولماذا لا يأكلون “جاتوه” إذا كان الخبز غير موجود…!

وفي المجال الثقافلي يلتقي الضلعان السابقان وهو الضلع الاقتصادي والضلع الاجتماعي، حيث يرى كثر من الباحثين أن المعرفة هي أهم العوامل الحاسمة في التحول من التخلف إلي التقدم، وإنه ينبغي أن ننظر إلي روح التوثب في المجتمع وإلي المستوى الثقافي العام في المجتمع يمكننا التنبؤ بنجاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لا يمكننا إذن أن نفصل بين نظريات النمو ونظريات التخلف لأنهما وجهان لعملة واحدة ، وسنعرض لأهم هذه النظريات فيما يلي:

أولا: نظرية التخلف بسبب البيئة الجغرافية:

تقوم هذه النظرية على أساس تفسير التخلف بسبب البيئة الجغرافية والظروف الطبيعية السائدة والتي يصعب تغييرها، ويؤكد أنصار هذا النظرية تفسيرهم للتخلف بأن عددا كبيرا من الدول النامية يقع في المناطق المدارية والاستوائية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بينما تقع معظم الدول المتقدمة في المناطق المعتدلة.

وتتلخص ملامح البيئة الجغرافية في المناطق المدارية والاستوائية فيما يلي:

  1. ضعف الأراضي الإستوائية عند قطع الغابات وتحويلها للزراعة فتربتها الصالحة تتمثل في طبقة رقيقة تجرفها الأمطار الغزيرة فلا تبقى إلا تربة رملية منخفضة الخصوبة إلي حد كبير.
  2. مساعدة مناخ المناطق المدارية على انتشار الأوبئة الزراعية كما أن الحر والرطوبة لهما تأثير بارز في قلة نشاط السكان.
  3. تعوق الأمطار الغزيرة التي تسقط في مثل هذه المناطق الجغرافية المختلفة استخدام الأسمدة والمواد الكيميائية لأنها تنجرف قبل أن تستفيد بها التربة.
  4. ينبت الكثير من الحشائش الضارة وسط المحاصيل مما يقلل من الإنتاج ويستهلك جهدا كبيرا في مقاومتها ويقلل من فرص استخدام الميكنة الزراعية.

كما تبين الإحصائيات إن إنتاج المحاصيل الزراعية في أوربا وأمريكا الشمالية كبلدان متقدمة يفوق بكثير إنتاج أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا الواقعة في حزام التخلف، كما نجد تربية المواشي كالبقر والأغنام في المناطق المتخلفة نحيلة وهزيلة مما يؤدي إلي ضعف إنتاجها من الألبان واللحوم والصوف، وذلك على الرغم من توفر المراعي في معظم أنحاء المناطق المدارية، ويفسر البعض ذلك بسبب عدم ملائمة حرارة الجو لهذا النشاط  ولانخفاض القيمة الغذائية للمرعى.

كذلك فإن ضعف الموارد الطبيعية التي تمكن غالبية الدول النامية بالنسبة إلي تلك التي تملكها الدول المتقدمة يعد عاملا من عوامل التخلف، وتشمل الموارد الطبيعية إلي جانب الأرض ما في باطن الأرض من معادن وبترول والبحار والأنهار ومساقط المياه وغير ذلك.

ويرى الدكتور علي لطفي إن الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية لا يمكن أن تكون وحدها سبب التخلف الاقتصادي وذلك لأسباب يراها على النحو التالي:

  1. تقع بعض الدول النامية في المناطق المعتدلة ومن ثم فهي لا تعاني من الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية السابق الإشارة إليها، كما هو الحال مثلا بالنسبة للصين ودول حوض البحر الأبيض المتوسد وبعض دول أمريكا الجنوبية، فكيف يكون إذن تفسير التخلف الاقتصادي في هذه الدول؟
  2. إن معظم المشاكل الزراعية الناتجة عن الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية السابق الإشارة إليها يمكن التغلب عليها بالأساليب التكنولوجية الحديثة، كما إن العكس صحيح بمعنى أن عدم توافرها في دولة ما قد يعوق تنميتها، لكن لا يجب أن يفهم من ذلك أن عدم توافر الموارد الطبيعية بكثرة هو السبب الوحيد للتخلف الاقتصادي فمن المعروف أن كمية الموارد المتاحة لمجتمع لا تعتبر ثابتة بل قابلة للتغير تبعا للتقدم العلمي والفني والتكنولوجي الذي يحرزه المجتمع.

ثانيا: نظرية التخلف بسبب البيئة الاجتماعية:

وتقوم هذه النظرية على أساس أن النشاط الاقتصادي لا يدور في فراغ، وإنما يدور في مجال اجتماعي، وهو نتيجة لتفاعل عدة عوامل مثل عناصر الإنتاج والقدرات البشرية ومستوى التقدم العلمي وما شابه ذلك، كما أن هذا النشاط الاقتصادي ومثل السلوك وما إلي ذلك، ومن الأمثلة التي يسوقها أنصار هذه النظرية ما يلي:


  1. عوائق العادات والتقاليد في الادخار:

لقد ذكرنا بأن تمويل التنمية في البلدان الشبيهة بنا لابد أن تعتمد على تجميع المدخرات الوطنية في المقام الأول، ولكن ظاهرة اكتناز الذهب والإسراف في تقديم (الشبكة) عند الزواج ، أو شراء الحلي كما تتجمع لدى الأسرة فائض من المال ، تقف كلها عوائق في إثراء المدخرات الوطنية، كذلك فإن جانبا يتعلق بعادات الاستهلاك يحرم المدخرات الوطنية شريانا كان من الممكن أن يمدها بالدم والقوة ومثال ذلك الإسراف في شراء (أكفان الموتى) حبا في التظاهر برغم مخالفة ذلك لما فرض في الشرع في الدين الإسلامي، ولعل ما ينفق على حفلات الزواج والجنائز بدافع التظاهر والنفاق الاجتماعي يؤكد ذلك.

  1. عوائق العلاقات الأسرية المتزمتة:

لعل المثل الذي أورده (شرام) بأسرة (بوفاني) في علاقة الأبناء بوالدهم الذي يمثل شيخ القبيلة يؤكد لنا كيف تقف العلاقات الأسرية المتزمتة عائقا أمام التنمية وسدا أمام التقدم.

إن حياة الأفراد في كثير من الدول النامية، في نطاق الأسرة الضيقة ، يشبه العزلة عن المجتمع، ذلك النطاق الذي يحول بينهم وبين التطلع إلي آفاق بعيدة، وهكذا ينعدم لدى هؤلاء الأفراد الشعور بالروح الجماعية، وتتولد لديهم نظرة أسرية ضيقة مما يكون مبعثا للأنانية، ولا شك أن مثل هذه الاتجاهات تترك بصماتها على النشاط الاقتصادي، فعلى سبيل المثال قد يصل التكتل الأسري إلي درجة التعصب حيث يفضل أصحاب المشروع الذين ينتمون إلي أسرة واحدة عدم اشتراك أي شخص آخر في هذا المشروع بأي صورة كانت سواء ذلك في مجال المساهمة المالية والتوظيف طالما أنه لا ينتمي إلي نفس الأسرة.

كذلك فإن العادات والتقاليد السائدة في كثير من الدول النامية ما زالت حتى اليوم تحول دون اشتغال المرأة، فالمرأة في هذه الدول لا تزال عضوا عاطلا، وبعيدة عن النشاط العام فيتنفس المجتمع برئة واحدة ويعمل بيد واحدة فيتعطل الإنتاج وتقل الدخول الأسرية لأن الرجل وحده هو الذي يعمل، وعليه أن يقسم جهده مع من لا يعمل من الأسرة، حقا أن الخدمات المنزلية التي تؤديها المرأة ذات قيمة اقتصادية ، ولكنها قيمة الأثر.

  1. عوائق العلاقات الطبقية:

لعل أبسط مظاهر الصراع بين الطبقات في المجتمع يتمثل في الإضرابات وما تسببه من معوقات في الدول النامية التي تسير على الطريق الرأسمالي للتطور، ويلاحظ أن أسواق الدول النامية غالبا ما تفتقر إلي الاتساع والوحدة وتكون أقرب إلي التجزؤ والتفتت ويرجع ذلك إلي انقسام المجتمع إلي طبقات، وانفصال الصلة تماما بين كل طبقة وأخرى مما يؤدي إلي تباين العوامل الثقافية بمعنى انقسام الثقافات الوطنية والأجنبية، مما يؤدي إلي خلق أذواق استهلاكية متعارضة، والأمر الذي لا شك فيه أن ظاهرة تفتت السوق تضع قيدا على قيام المشروعات الكبيرة والإنتاج الضخم مما يؤدي إلي ارتفاع تكاليف الإنتاج.

 

  1. عوائق التعصب الأعمى:

القول العربي القديم بأن كل أمر يزيد عن حده ينقلب إلي ضده يصدق تماما على ظاهرة التعصب، فإن الاقتناع بأمر ما أو التحمس لقضية أو فكرة أو مبدأ ضرورة للنجاح ، ولكن التعصب سمة من سمات التخلف أو هو وسيلة للدمار في بعض الأحيان، ولعل الوطنية عندما تنقلب إلي عنصرية كما رأينا في النازية أشهر النماذج التي تصدق القول العربي القديم، وظاهرة التعصب لا ترتبط باختلاف الأديان كما يتبادر إلي الذهن لأول مرة عندما يذكر التعصب وإنما ترتبط بالتخلف والرجعية ارتباطا مباشرا.

.

  1. عوائق الشخصية القوميـة:

وعندما تعرض الدكتور ملاك جرجس لسيكولوجية الشخصية المصرية ومعوقات التنمية ألقى ضوءا باهرا للبلدان النامية بصفة عامة، فهو يطرح في الفصل الأول من كتابه سؤالا جوهريا هو: (ما المقصود بالشخصية القومية؟).

ويجيب بأنه القيم الاجتماعية والاتجاهات السلوكية والفكرية والثقافية والحضارية السائدة في المجتمع، وبطبيعة الحال من المستحيل أن يتفق أفراد المجتمع في قيمهم واتجاهاتهم، وبالتالي يتميز أي مجتمع عن مجتمع آخر بما فيه من أنماط سلوكية ولسنا بحاجة إلي التأكيد بأن هذه الأنماط ليست ثابتة فهي عرضة للتغيير في اتجاهات مختلفة، كذلك فإن المجتمع الواحد قد يتكون من بيئات حضارية مختلفة من حيث درجات التحضر فقد يجمع ما بين بيئة بدوية وبيئة صناعية.

وتتميز كل بيئة من البيئات المختلفة في المجتمع الواحد بقيم اجتماعية واتجاهات سلوكية وأنماط مختلفة ولكنها في نفس الوقت تتفق في بعض القيم والاتجاهات ، والسؤال هو هل غفلة من المؤلف؟ أو، أن هذا هو الوصف الذي يتمنى المؤلف أن يرسخه عن الإسلام؟ أو أنها مجرد صفحة من سفر الحرب النفسية ضد الإسلام ؟ ومحاولة تشويهه؟

إن كانت واحدة من ذلك أو كل فهي في كل الأحوال أكثر بلاهة، من أن يقول قائل أن التأميم في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من الاتحاد السوفيتي. أن يزعم مجنون أن القطب الشمالي أشد حرارة من خط الاستواء أو أن المسئول عن الأمن القومي في أكبر دول المعلومات لا يعلم؟

ولا شك في أن قولهم عن الإسلام قد كشف التعصب كله فالإسلام هو الدين الذي عالج قضايا الدنيا إلي جانب قضايا الآخرة.

رابعا: نظرية التخلف بسبب الظروف الاستعمارية:

سنتناول هذه النظرية بالتفصيل عندما نتحدث عن البعد التاريخي للتنمية وهي بلا شك أقوى النظريات التي تفسر سبب التخلف.

وما دامت عناصر الحياة مترابطة لابد إذن من أن ندرك أن الاستعمار قد عمد إلي خلق ظروف اجتماعية متخلفة في البلدان التي استعمرها، وأنه لم يطور البيئة الجغرافية في المستعمرات إلا بالقدر الذي يخدم مصالحه المباشرة فقط وأنه حاول أن يرسخ في الأذهان فكرة تفوقه كرجل أبيض.

إن النظريات التي تفسر التخلف ليست متعارضة ولا متنافرة، ونظرية الظروف الاستعمارية هي قطب الرحى، والمحور الذي تدور حوله هذه النظريات بنسبة متفاوتة.

خامسا: نظريـة الدفع القويـة:

يرى (بول روز نشتين رودان) صاحب هذه النظرية أن القضاء على التخلف لا يمكن تحقيقه إلا بدفعة قوية أو سلسلة من الدفعات القوية ويؤكد أن الدفعات الصغيرة حتى وإن كثرت وتتالت لا يمكنها أن تؤدي إلي نتيجة الدفعة القوية أو سلسلة الدفعات القوية، ويشبه أنصار هذه النظرية قيمة التنمية في الدول النامية بإقلاع الطائرات، فلكي تقلع الطائرة وتصبح محمولة على الهواء لابد أن تتجاوز حدا أدنى من السرعة الأرضية، ومن الواضح أن عوامل المقاومة التي تصل بظروف التخلف تشبه الجاذبية الأرضية فلابد من جهد مكثف في صورة دفعة قوية حتى يستطيع الاقتصاد المتخلف ويستطيع المجتمع النامي بصفة عامة أن ينطلق في طريق التنمية.

ويفسر صاحب هذه النظرية حتمية وضرورة الدفعة القوية بسببين رئيسيين: أولهما ، بالوفورات التي يدرها استثمار الدفعة القوية على الاقتصاد القومي في مجموعه وعدم قابلية ذلك للتجزئة، فإن مشروعات القوى المحركة والري والنقل لابد من إقامتها بدفعة قوية لأن إقامتها على قوى مساعدة يحول دون إمكان الاستفادة منها ويعد تبديدا لجهود الاستثمار، والسبب الثاني هو عدم قابلية الطلب للتجزئة ، فالظاهرة الجديرة بالاهتمام هي ضيق حجم السوق في البلدان النامية وبخاصة أن عقبات التصدير من البلدان النامية كثيرة ويحتاج تجاوزها إلي المزيد من الوقت والمجهود.

سادسا: نظرية النمو المتوازن:

يرى (واجنار نوركس) صاحب هذه النظرية أن التنمية يجب أن تهدف إلي تحقيق التوازن بين الزراعة والصناعة لأنه ما لم ينطلق القطاعان جنبا إلي جنب فإن تخلف أحدهما لابد وأن يعوق نمو الآخر.

ويضم الدكتور إسماعيل حسن نظرية النمو المتوازن إلي نظرية غير المتوازن في فقرة واحدة لأنها – في رأيه – يفسران بعضهما. ويؤكد ما ذهب إليه (هانس سنجر) من أن مفهوم التنمية المتوازن يشير إلي استخدامات ثلاثة هي:

  1. إن مفهوم النمو المتزن خال من المضمون الاجتماعي ولا يعني باستخدام تكنولوجي في الإنتاج.
  2. إن مفهوم النمو المتوازن يقصد به التوازن بين الطموح الإنساني والموارد المتاحة، أو بمعنى آخر التوازن بين الإدخار والاستثمار لكافة الموارد المتاحة، ثم بمعنى آخر أيضا التوازن بين ضغط الطلب وشدة الحاجة.
  3. إن مفهوم النمو المتوازن يقصد به ما تعارف عليه العرف الاقتصادي ثم أنه التوازن بين حجم الأسواق والموارد والطلب على رأس المال، أو التوازن بين تقسيم العمل وزيادة قدرة الإنتاج واتساع الأسواق، والتوازن بين الزراعة والصناعة.

ويرى بعض الاقتصاديين أن نظرية النمو المتوازن هي امتداد لنظرية الدفعة القوية ويذهب الدكتور علي لطفي إلي اعتبارهما نظرية واحدة، ويدعم نظرية النمو المتوازن بما قاله (روزنشتين) صاحب نظرية الدفعة القوية من عدم قابلية السوق للتجزئة، إذ يقول روزنشتين إننا عمدنا إلى إنشاء عدد كبير من المشروعات المتباينة في آن واحد ففي هذه الحالة سوف نجد أن كل مشروع سوف يخلق سوقا لتصريف منتجات المشروعات الأخرى، وبهذه الطريقة تساند المشروعات بعضها البعضن وتقلل ضيق حجم السوق ويزيد الحافز على الاستثمار.

سابعا: نظرية النمو غير المتوازن:

تذهب نظرية النمو غير المتوازن التي تعزي إلي (فرنسوبيرو) ثم طورها (البرت هيرشمان) إلي ضرورة أن تبدأ التنمية بالصناعات أو أقطاب النمو ثم تنتشر التنمية بعد ذلك تلقائيا إلي قطاعات أخرى وصناعات أخرى.

ووجهة نظر (هيرشمان) في النمو غير المتوازن أن الاقتصاد يحمل في طياته قدرة عدم التوازن من الأساس، وأن جزئيات الاقتصاد النامي لا يمكن أن تنمو بنفس الدرجة.

وتفسر هذه النظرية فكرة النمو غير المتوازن بأن النمو في بعض القطاعات يحرض ويستدرج النمو في قطاعات أخرى، وبذلك تصبح التنمية متمثلة في خطوات متتابعة بعيدا عن التوازن وأن كل خطوة إنما هي لاختلال سابق في التوازن، وتؤدي إلى اختلال جديد في التوازن وهذا بدوره يحض الاقتصاد القومي على خطوة أخرى تتلوها خطوة ثانية وثالثة ورابعة وهكذا. وخلاصة الفكرة أن حلقات هذه السلسلة من النمو غير المتوازن هي ذاتها جوهر عملية التنمية وحركتها نحو التقدم.

ثامنا: نظرية قارب النجاة:

وضع  أساس هذه النظرية الدكتور (جاريت هارون) أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورنيا الأمريكية تحت عنوان شعار أخلاقيات قارب النجاة، وهو يذهب إلي القول في تفسير نظريته بأن بلاد العالم الغنية تعيش الآن داخل قارب نجاة مزدحم، أما بقية سكان الأرض فإنهم يغرقون في بحر من الجوع، ولو سمح اصحاب قارب النجاة للآخرين بالتشبث بالقارب والصعود إليه فإن مصير القارب هو الغرق بكل من فيه، والدكتور هارون مع عدد من أعضاء الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا ينادون بضرورة قطع المعونة عن البلاد التي تتلكأ في تحديد النسل.

وتحظى هذه النظرة الجديدة بتأييد عدد متزايد من المتخصصين والسياسيين الأمريكيين ومنهم (ايرل باتز) وزير الزراعة الأمريكي الذي رفض أثناء المؤتمر العالمي للغذاء في روما (نوفمبر 1974) أن يلتزم كممثل لبلدان في المؤتمر بتخصيص احتياطيات غذائية للدول النامية، ويرى أصحاب هذه النظرية أو الواقعيون الجدد كما تسميهم بعض الصحف أن نصف سكان العالم يعانون من الجوع، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تأكل 35% من الغذاء المتاح في العالم، في حين يمثل سكانها 6% من سكان العالم. ويقولون أنه ما لم تقرر الولايات المتحدة اشتراط العمل على منح النمو السكاني للحصول على المعونة، فإن النتيجة هي أن الذين تنقد حياتهم الآن سوف يكون ثمنهم خسارة عدد أكبر من الأحياء في الأجيال التالية، ويضيف أنصار هذه النظرية حججا أخرى منها أن هذه النظرية يجب تطبيقها بمنطق الفرز والانتقاء والاستبعاد الذي يعمل به داخل المستشفيات العسكرية في زمن الحرب، فينبغي تصنيف الدول بنفس الطريقة التي يتم بها تصنيف الجرحى وتقسيمهم إلي ثلاث مجموعات: الجرحى الذين سوف يموتون بغض النظر عن أي علاج يقدم لهم، الجرحى الذين إذا عولجوا بطريقة مناسبة سوف يعيشون، الجرحى الذين يستطيعون العناية بأنفسهم.

بدأ عدد المقتنعين بالنظرية الجديدة يتزايدون، بعد أن أنضم إليهم الدكتور (بواهر بلخ) الأستاذ بجامعة ستنافورد ومؤلف كتاب (قنبلة السكان) والذي تطرق دعوته إلي درجة أن ينصح الجميع من الآن بتخزين الطعام والمياه والملابس لأن الجائعين في هذه الأيام يملكون أسلحة ذرية.

وأصحاب هذه النظرية الجديد ليسوا محصورين فقط داخل دائرة العلم والسياسة، فالواقع أنهم يستمدون سندهم الأخلاقي من الدكتور جوزيف فتلشير، عالم اللاهوت الذي عمل قسيسا في لندن والذي ألف فيه أن أي تصرف – مهما كان إجراميا – يمكن أن يكون صحيحا معتمد في ذلك على موقف قارب النجاة، وإذا كان هذا يعني أن مزيدا من الناس سوف يموتون في النهاية، فيجب عليك أن تتخذ قرارا لمصلحة أكثر عدد ممكن.

وليس كل الأمريكيين مؤمنين بطبيعة الحال بهذه النظرية، هناك مثلا السناتور (هيربرت همفري) الذي ينتقد التفكير الذي يقدم هذه النظرية من أساسه ويسميه تفكيرا (بذيئا) وهناك أيضا مستر (روبرت ماكنمارا) رئيس البنك الدولي الذي يقول: أن هذا التفكير خاطئ فنيا ، بمثل ما هو كريه ومنبوذ أخلاقيا.

تاسعا: نظرية التحرر الإنساني:

يضع الدكتور سعد الدين إبراهيم أمامنا نظرية للتنمية مركزا على الجانب الاجتماعي أو منطلقا من البعد الاجتماعي بصفة خاصة، وبرغم أنه اتخذ لبحثه عنوانا (نحو نظرية سوسيولوجية للتنمية في العالم الثالث) إلا أنني اطلقت عليها نظرية التحرر الإنساني تعبيرا عن مضمونها.

يبدأ الدكتور (سعد الدين إبراهيم) نظريته بتحديد مفهوم التنمية بأنها انبثاق ونمو كل الإمكانيات والطاقات الكامنة في كيان معين بشكل كامل وشامل ومتوازن – سواء كان هذا الكيان هو فرد أو جماعة أو مجتمع – ثم يضع بهذه النظرية ثلاثة عناصر أساسية، أولها أن التنمية عملية داخلية ذاتية بمعنى أن كل بذورها ومقوماتها الأصلية موجودة في داخل الكيان نفسه، وأن العوامل الخارجية مجرد عوامل مساعدة أو ثانوية، وثانيها أن التنمية عملية ديناميكية مستمرة، وثالثها أن التنمية ليست ذات طريق واحد أو اتجاه محدد مسبق، وإنما تتعدد طرقها واتجاهاتها باختلاف الكيانات وباختلاف وتنوع الإمكانيات الكامنة في كل كيان، ثم يضيف المؤلف شرطان لازمان لعملية التنمية، الشرط الأول، هو إزاحة كل المعوقات التي تحول دون انبثاق الإمكانيات الذاتية الكامنة في كيان معين، والشرط الثاني هو توفير الترتيبات التي تساعد على نمو هذه الإمكانيات إلي أقصى حدودها.

ويرى المؤلف أن الاستغلال بكل صوره ومستوياته هو المعوق الرئيسي لعملية التنمية، وأن المساواة من جانب وتوسع الفرص من جانب آخر ركيزتان أساسيتان للتنمية وأن هاتين الركيزتين المساواة، وتوسيع فرص الحياة، هما المضمون الإجرائي لمفهوم التنمية في نظر المؤلف، وأن هاتين الركيزتين هما ما ينطوي عليه مفهوم التحرر الإنساني، فالتنمية والتحرر– هما مصطلحان أو مفهومان لنفس المضمون فكلاهما يعني الآخر وكلامها يشترط وينطوي على إزاحة الاستغلال بكل صورة وكل مستوياته وكلاهما يشترط تفجر كل الإمكانيات  البشرية الكامنة للإنتاج  والخلق والإبداع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الرابع

التخطيط الإعلامي كضرورة للتنمية

الأهداف التي تقع ضمن المسئوليات الأساسية للإعلام الجماهيري هي نفسها أهداف التنمية، وما لم يتضح المفهوم العام والخاص للتنمية فإن الجهود المبذولة تفقد معناها وجدواها وتتحول إلى مجرد شعارات، والمنطلق الأصلي للتخطيط الإعلامي هو إدراك الاتجاهات المتعارضة لدى أفراد المجتمع وجماعاته الصغيرة، وعندما ينجح الإعلام في توحيد الاتجاه بين الأفراد والجماعات فإن المحصلة ستكون توحيد أفراد وجماعات المجتمع نحو هدف واحد عام للمجتمع أو عدة أهداف جزئية، وعلى هذا فإن التخطيط الإعلامي يعني إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الجماهير للتحرك بشكل موحد وتحديد اتجاهات هذا التحرك وأشكاله وقوته وتوقيته ، والمتفق عليه بين علماء التنمية وعلماء الاتصال الجماهيري أن أهداف التنمية تنقسم إلي نوعين عما الأهداف العامة المتصلة بالمجتمع ككل وتنسحب نتائجها على الأفراد بشكل غير مباشر والأهداف الخاصة بأفراد المجتمع – كأفراد – وهي أهداف جزئية تنسحب نتائجها على الأفراد بشكل مباشر.

التخطيط الإعلامي ومجالات الإعلام الخاصة:

وبالرغم من اتساع مجال الأهداف الخاصة، فإن المجال واضح وسهل التحديد، ويتصل بشكل مباشر – بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع، ويمكن تحديد هذه الأهداف في النقاط التالية:

  • تزويد أفراد المجتمع وتقديم المساعدات التي تمكنهم من زيادة دخولهم والارتفاع بمستوى هذه الدخول.
  • مساعدتهم لاكتشاف الفرص والمجالات وحفزهم لاستغلالها بما فيه صالح المجتمع والفرد معا.
  • تثقيفهم وتوعيتهم بما يدور حولهم من أحداث وظاهر وأفكار مستحدثة على الصعيد الدولي والمحلي.
  • تنمية الإمكانيات الاقتصادية وتوسيع مجال الترويج.
  • إتاحة الفرصة لأفراد المجتمع لاكتشاف مواهبهم وتزويدهم بالمعارف التي تساعد على التعاون من أجل صالح المجتمع.
  • الاهتمام بتحسين الأحوال الصحية العامة ، وإتباع الطرق الصحيحة في التغذية والرعاية الصحية.

التخطيط الإعلامي ومجال الأهداف الأساسية:

وهذه الأهداف تنحصر في بيان الأهداف الشاملة لتنمية المجتمع وتطويره من أجل رفع المستوى العام للمجتمع وخلق المواطن الصالح السوي ودعم ديمقراطية المجتمع وزيادة الدخل العام وترسيخ المفاهيم العامة التي تتصل بحياة الأفراد وسعادتهم، ويتجلى ذلك بصفة عامة في اتساق التنمية مع الشرائع الدينية مع دساتير وقوانين الحكومات مع الأهداف التي تسعى إلي تحقيقها مواثيق الهيئات والمنظمات الدولية والمحلية.

 

 

التخطيط الإعلامي وتنمية المجتمعات المحلية:

وهنالك العديد من برامج التنمية التي تشرف الوكالات الحكومية أو الجامعات، والمثال على هذا النوع برامج تنمية المجتمعات الريفية والمحلية في الهند وبعض الدول النامية الأخرى. وهي – في العادة – متعدد الأغراض، وتعتبر هذه السياسات التنموية الأساس الفلسفي الذي قامت عليها الوحدات المجمعة الريفية في الريف المصري، والتي كان القصد من إنشائها توحيد الخدمات المقدمة إلي سكان الريف سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو تعليمية أو زراعية فيعرفها الدكتور أحمد العادلي بأنها (العملية التي يمكن للأفراد الذين يعشون في مجتمع صغير أن يناقشوا عن طريقها حاجاتهم ويحددونها ثم يضعون الخطة لتنفيذها ويعملون معا لسد هذه الحاجات) وهناك تعريف آخر لـ Battern أن التنمية المحلية هي (الجهود المنظمة لتحسين ظروف الحياة في المجتمع وذلك بتشجيع المقيمين في هذا المجتمع على مساعدة أنفسهم وتعاونهم بعضهم مع بعض مع تقديم المعونة الفنية اللازمة عن طريق المنظمات الحكومية أو الأهلية.

وعلى وجه العموم فإن العلاقة بين التخطيط الإعلامي وبرامج وخطط تنمية المجتمعات المالية هي علاقة عضوية لأن أهم الأسس التي يتركز عليها منهج التنمية هي توجيه أفراده لمساعدة أنفسهم والمساهمة – بفاعلية – في الجهود التي تبذلها الحكومات المركزية أو المحلية لتحسين مستوى معيشتهم وتشجيعهم للقيام بدور فعال في تنمية مجتمعهم المحلي وتوعيتهم ليكنوا على إدراك ووعي بمشكلات بيئتهم وتدريبهم على الحكم الذاتي، وهذا كله لن يقدر له النجاح إذ لم يضع المخطط الإعلامي في اعتباره أن هناك عدة ظروف خاصة في المجتمع المحلي وهي أن يطلق عليه سمات أو مميزات المجتمع التي تبين الاختلافات بين كل مجتمع وآخر وهي المميزات الاقتصادية والاجتماعية الثقافية والتاريخية والحضارية وهذه تختلف من مجتمع إلي آخر من حيث وجودها أو عدم وجودها ومن حيث درجة وضوحها في أذهان أفراد المجتمع، ومن حيث قوة التأثير التراكمي الناتج عنها واتساع هذا التأثير، وأخيرا من حيث ضعف هذا التأثير في مناطق وانحساره في مناطق أخرى، وبصرف النظر عن نوعية التأثير الناتج عن السمات الخاصة بكل مجتمع فإن هذه السمات تجد طريقها بكل سهولة إلي احتلال جزء كبير من عقل وتفكير المخطط الإعلامي ، ومن ناحية  أخرى، فإن التخطيط الإعلامي لهذا الجانب من المنطلقات يعتبر تخطيطا لجزئيات من كل متكامل هو التخطيط للتنمية الشاملة والمحلية، وفي مقدمتها الدراسة التي أجراها ولبرشام، على مائة دولة من الدول النامية لإلقاء الضوء على العلاقة بين الاتصال الجماهيري وبين التنمية، وقد توصل شرام إلي أن معامل الارتباط بين العلاقة بين الاتصال بالجماهير وبين التنمية. وقد توصل شرام إلي أن معامل الارتباط بين النشاط التنفيذي الذي تجريه وسائل الاتصال بالجماهير ويبن نتائج تنفيذ الخطط العامة للتنمية (متضمنة برامج التنمية الخاصة) قد وصل إلي 72% وإذا قلنا أن النشاط التنفيذي لوسائل الاتصال بالجماهير، وهو تنفيذ لخطط وبرامج إعلامية وضعها المخطط الإعلامي سلفا وإذا قلنا – كذلك – إن عمليات التنمية هي النشاط التنفيذي لخطط وبرامج التنمية (شاملة محلية) والتي وضعها وحددها سلفا المخططون في مجالات التنمية كل في اختصاصه، فإن ذلك يعني أن معامل الارتباط بين التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية لابد وأن يكون على مستوى من الارتباط أعلى من 72% لأن هناك مجموعة من العوامل السلبية التي تحول – عادة- دون تنفيذ الخطط في كل من النوعين (التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية) بالدقة المطلوبة، وبالتالي فإن هذه العوامل السلبية قد أضعفت مستوى الارتباط وقللت درجته إلي الدرج التي حددها شرام.

والمشاهد الآن وجود تغييرات جذرية في اتجاهات الدول النامية نحو عمليات التنمية وفق إمكاناتها وديناميكيتها واحتياجاتها، وهذا يعني أن الدول النامية أصبحت تتخذ نفسها وبشكل مباشر القرارات الخاصة بالقضايا الرئيسية بما فيها قرارات التنمية في مجالاتها المختلفة، ومن الواضح أنها من خلال ذلك – قد أدركت ضرورة إعطاء أولوية للتنمية الزراعية وطرحت جانبا الأفكار القائلة بأن التصنيع وحده هو الذي يحل مشكلات التنمية، وأصبحت معاهد الكير من البلدان النامية تخرج دفعات من الفنيين المؤهلين تأهيلا عاليا والقادرين على إحداث التغيير والتطور.

والمشاهد الآن – أيضا – من خلال تطور التخطيط الإعلامي أن مجالات الأهداف الخاصة والأساسية وتلك المتعلقة بالمجتمعات المحلية في دول العالم الثالث لم تعد ترتكز على الاهتمام بإنتاج الخامات الزراعية كما كان الحال في الماضي القريب، بل أصبح التركيز الآن موجها إلي إنتاج الأغذية ومركزا على الخطط العامة لإنتاج الغذاء بشكل وفير ورخيص نظرا للارتفاع المستمر في تكاليف استيرادها من الدول الصناعية.

القضايا الأساسية للتخطيط الإعلامي في مجال التنمية:

مسئولية الإعلام تجاه تنمية المجتمع هي تزويده بأكبر قدر من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها والتأكد من دقتها والتثبت من مصدرها ، وبقدر ما في الأعلام من حقائق ومعلومات دقيقة، بقدر تحقيق أهداف التنمية، ويركز الكثير من العلماء المهتمين بدور الإعلام، والتنمية على ههذ النقطة ويسمون الدور الذي يضطلع به الإعلام في تطور المجتمعات باسم (الهندسة الاجتماعية للإعلام الجماهيري) خاصة وأن هذا الدور ينصب على كيفية توجيه الجمهور لخدمة الرخاء الإنساني.

وتتضح المعادلة التي دعت إلي تسمية دور الإعلام (بالهندسة الاجتماعية) إذا عرفنا أن الهدف الجوهري للتنمية الاجتماعية لا يستطاع بدون رفع المستوى الاقتصادي باستخدام برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتوفير الخدمات وإشاعة العدالة، تلك التي تثير في نفوس أفراد المجتمع مشاعر الولاء لمجتمعهم، والذي ترتبط به كل مصالحهم الحيوية ارتباطا قويا، وما دامت تنمية أفراد المجتمع وبيئتهم المادية من الأهداف الأساسية للتخطيط، فمن الضروري أن يتم إنجاز هذه المسئولية وفق خطة مدروسة قائمة على تخطيط شامل لكافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامي والبيئية.

 

 

الجانب البشري في التخطيط الإعلامي:

وتتضمن الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية – دائما – القدر الأكبر من الاهتمام بالقوى البشرية والسياسية التعليمية، ولا شك أن تحليل السياسات العامة للخطط المختلفة لتنمية الموارد البشرية أمر لا يمكن الاستغناء عنه عند وضع خطة جيدة للتنمية. وبدون ذلك لن يتسنى أي نجاح للتخطيط، صحيح أن التخطيط العام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يتضمن – دائما قدرا من الاعتبار للقوى البشرية المتوفرة والمطلوبة ولكن هذه الخطط التي تقصر على السياسات الاقتصادية فقط ينبغي أن تعالج الموارد البشرية على أنها عوامل رئيسية للإنتاج ، ولا خلاف في ان جميع المخططين في المجال الاقتصادي – مهما يبلغ إطار التحليل عندهم من الضيق – فهم يدركون أهمية توفر العنصر البشري، خصوصا ما يتعلق بالتعليم والتدريب بوجه عام.

ويقف التخطيط الإعلامي – هنا – ليعمل على تزويد المعنيين بالتنفيذ بأكبر قدر ممكن من المعلومات الدقيقة الصحيحة والحقائق الواضحة، وللتخطيط الإعلامي أهدافه ومسئوليته المحددة الأبعاد، ولا يخرج التخطيط الإعلامي عن الدور الذي قصده ماكس مليكان Max Mullikan فهو يقرر تسمية الدور الذي يضطلع به الإعلام والاتصال الجماهيري في ميدان التنمية (بالهندسة الاجتماعية للاتصال الجماهيري) وكيفية توجيه الاتصال الجماهيري لخدمة الرخاء الإنساني في المجتمع التقليدي.

وانطلاقا من هذا المفهوم فإن القوى البشرية تمثل أهمية كبرى في التخطيط الإعلامي على اعتبار أن المتقلين من أفراد المجتمع (قراء – مشاهدين – مستمعين) هم هدف التخطيط الإعلامي، ومن أجل ربطهم بأهداف خطة التنمية بنوعيها الشامل والمحلي، ومن أجل ربطهم بأهداف خطة التنمية بنوعيها الشامل والمحلي ، وفي مجاليها الاقتصادي والاجتماعي، وسواء كان العنصر البشري وسيلة التنمية أو غايتها، والنقطة الرئيسية في كل من التخطيط الإعلامي والتخطيط للتنمية الشاملة ، هي أن هذين النوعين من التخطيط، يهدفان أساسا إلي تطوير الشخصية الإنسانية من الجمود إلي الحركة ومن التقليدية إلي التقدمية، بالمحور الرئيسي في التنمية هو الناس أنفسهم ، والتخطيط للتنمية هو ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح. وإذا كان الإعلام هو محاولة لربط أفكار أفراد المجتمع وتصوراتهم وقيمهم واعتقاداتهم بالتخطيط للتنمية وبأسلوب التنفيذ، ووضع المستويات الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار، فإن التخطيط الإعلامي هو – أيضا – ترتيب وتنظيم ذلك بوضوح اعتمادا على الإطار الثقافي هو الذي يخلق فكر كافة أفراد المجتمع بما فيه من اهتمام بالماضي وتحليل الحاضر والواقعي ونزوع إلي العمل. ومن الطبيعي أن يكون ذلك من أخص مبادئ الاتصال الجماهيري، ومن الطبيعي  – أيضا – أن يكون ذلك من أكثر خصوصيات التخطيط الإعلامي، إذ الإنسان العصري في المجتمع الحديث يتميز بعقلية تخلف كلية عن الإنسان التقليدي.

 

 

 

سلبيات التخطيط الإعــلامي:

ومن المهم أن يتفادى التخطيط الإعلامي كما يقول الطيب الخضيري مجموعة من السلبيات التي تصاب بها عادة الخطة العامة للتنمية… ولكي تتفادي الخطط الإعلامي الوقوع في هذه السلبيات التقليدية، فإن المنهج السليم هو الاسترشاد بمجموعة من التساؤلات حول الهداف أو الغاية من استخدام القوى البشرية في التنمية وهي – أي هذه التساؤلات – تضع الحدود الفاصلة بين استخدام القوى البشرية كوسيلة للتنمية (وهنا يتضح دور العنصر البشري في التنمية الاقتصادية الصناعية الزراعية والزراعية الاستخراجية) وبين استخدام القوى البشرية كغاية التنمية (وهنا يكون العنصر البشري هو المقصود بالتطوير والتحسين والخدمة) وهذه التساؤلات هي:

  • كيف يمكن الحفاظ على القوى البشرية العاملة ضد الوهن والتسرب وتأمينها ضد المخاطر التي تواجهها؟
  • كيف يمكن اختيار الأفراد المناسبين وتوجيههم إلي مجالات التعليم والتدريب المناسبة لهم بما يخدم – أيضا عملية التنمية؟
  • كيف يمكن رفع مهارات ومستويات الأداء لدى أفراد القوى البشرية العاملة في مختلف القطاعات.

وعلى أي حال فإن الاسترشاد بهذه التساؤلات في وضع الخطة الإعلامية يعصم وسائل الاتصال الجماهيري – فيما بعد – ضد الوقوع فريسة لذات السلبيات التي تقع فيها – عادة – خطط التنمية.

على أن هناك عدم مفاهيم خاطئة موروثة في التخطيط للتطوير الاقتصادي تتعلق بالجزء الخاص بتنمية الموارد البشرية في المجتمع، ولعل أوضح نموذج على هذه السلبيات تلك التي واجهت ديوب S. C. Dube عند قيامه بالمشاركة في التخطيط الإعلامي المواكب لخطة التنمية في الهند، وتتلخص في أن المخططين الإعلاميين ورجال الإدارة – أيضا – ليسوا على المستوى المتخصص الذي يؤهلهم لترجمة الكثير من الأهداف إلي خطط إعلامية مؤثرة، أو إجراء الاتصالات الفعالة مع الجهات المعنية والمختصة، ولقد اضطرت لجنة التخطيط العليا للتنمية في الهند ومعها من الوزارات المعنية إلي إجراء الكثير من البحوث الخاصة إلي حول كيفية الاتصال المؤثر وتوسيع قنوات الاتصال سواء من أجل الوصول إلي تخطيط إعلامي جيد، أو ما يتعلق منها بتشكيل السياسات العامة والتخطيط لها ومن أجل التغلب على هذه السلبيات قام Dube بعدد من الإجراءات الضرورية للتقليل من آثارها غير المرغوبة، ومن هذه الإجراءات ما يلي:

  • حل مشكلة الاتصال بين المخططين وبين وكالات البحوث الفنية المختصة.
  • توسيع قنوات الاتصال بين المخططين وبين القائمين على تنفيذ الخطة.

على أن أكثر هذه السلبيات هي ما يتعلق بالمفاهيم الخاطئة التي انتشرت في أساط المشتغلين بالتخطيط، ويقتنع بها المخططون رغم أنها تؤدي إلي نتائج عكسية عند التنفيذ، فالخطط ، عند اعتمادها على الموارد البشرية، هو فقط – تقديم إعداد الأشخاص مصنفين حسب المهن والتخصصات التي يحتاج إليها البلاد لتنفيذ برامج الخطة دون مراعاة تحديد المشكلات المتعلقة بالقوى البشرية أو التعليمية أو الاجتماعية أو المادية أو النفسية وإلقاء الضوء عليها لدراستها ولتحديدها، ومن ثم علاجها أو تلافي تأثيرها، أما الجانب الثاني الذي يصر المخطط الإعلامي على التمسك به – بالرغم من خطئة الفاجح – فهو الحصول على معلوماته وإحصاءاته عن احتياجه من القوى البشرية من الخطط الاقتصادية دون غيرها من المصادر الأخرى. ومن ثم فهو يعالج المادة الإعلامية الموجهة إلي الجمهور متخذا نفس النهج الرقمي الذي يسير عليه الخطط الاقتصادية، ولكن الصحيح فإن جميع المجتمعات الحديثة تنمي ما لديها من الموارد البشرية لتحقيق غايات اجتماعية واقتصادية وسياسية معا، وإن تنمية الموارد البشرية – في حد ذاته – غاية من الغايات السامية.

 

علاقـة التخطيط الإعلامي بالتخطط التنمية الشاملة:

لتحديد علاقة التخطيط الإعلامي بالتخطيط للتنمية الشاملة ينبغي أن توقف قليلا أمام مجموعة من التساؤلات أوردها شرام لبيان العلاقة الارتباطية بين الاتصال الجماهيري والتنمية، ومن خلالها ألقى شرام الضوء على الدور الهام الذي يضطلع به الإعلام والاتصال في تطوير وتنمية المجتمعات، وهذه التساؤلات تركز في الوقت نفسه على توضيح مفهوم التخطيط الاتصال وعلاقته بالتنمية وهذه التساؤلات هي:

  • ما العلاقة بين الاتصال والتغير في المجتمع؟.
  • كيف ينمو الاتصال الحديث؟
  • ما العلاقة بين الاتصال الجماهيري والاتصال الشخصي في برامج التنمية؟
  • ما الدور الذي يقوم به الاتصال الجماهيري للمساعدة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
  • هل تكون متطلبات الاتصال الجماهيري المؤثر هي الاختلاف بين الدول من حيث درجة التطور والتنمية؟ أو الاختلاف في مراحل التنمية نفسها.
  • ما أنواع الإستراتيجية الاتصالية التي يمكن اتباعها في تطوير المجتمعات في البلاد النامية؟

ويؤكد شرام في معرض تعليقه على هذه التساؤلات على جانب هام هو أن رجال الاتصال والإعلام الجماهيري – في جميع الأحوال – لا يكونوا أصحاب القرارات في عمليات التخطيط والتنفيذ ، وبهذا لذلك إلي أن يكون لهم القرار الأول في تحديد المهمة الاستراتيجي للإعلام الجماهيري في أية مرحلة من مراحل الخطة جمع المعلومات حتى نهاية مرحلة التنفيذ.

أهميـــة التخطيط الإعلامي:

يعتمد تخطيط أوجه النشاط الاتصالي كوسيلة للتأثير في عملية التغير في البلدان النامية على مفهوم هذه البلدان للتنمية وعلى ماهية الأهداف المطلوب تحقيقها بالجهود التنموية.

والتخطيط الإعلامي ليس سوى جزء من التخطيط القومي الشامل للتنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي إذا كان متواصلا بالتنمية الشاملة، ولا يتصل التخطيط الإعلامي – فقط – بالتغير المادي، ولكنه يتصل – أيضا – المتغيرات النفسية والاجتماعية والمعنوية والثقافية لدى أفراد المجتمع.

ويختلف التخطيط الإعلامي من مجتمع إلي آخر ومن دولة إلي أخرى ومن نظام إعلامي إلي نظام آخر وطبقا للمفاهيم والثقافة السائدة، بل تختلف في البلد الواحد من مرحلة إلي أخرى وفقا للإستراتيجية العامة للمجتمع والتي تتضمن الأهداف العليا التنموية للوطن وللإستراتيجية الإعلامية التي تستوعب هذه الأهدفا العليا للسياسة الإعلامية التي تترجم الإستراتيجية الإعلامية إلي مبادئ ثابتة وترتبط معها في إطار السياسات الأخرى السكانية والتعليمية والزراعية والاقتصادية والاجتماعية وتعبر عنها في شكل خطط إعلامية تمثل الأهداف التي ينشد المجتمع تحقيقها خلال فترة زمنية طويلة،، وخطط تفصيلية تمثل الترجمة التفصيلية لأهداف الخطة في شكل مشروعات وأعمال محددة بتوقيتات زمنية محددة.

ويمثل التخطيط ضرورة مهمة لإنهاء حالة التخلف التي يعيش فيها البلدان النامية سواء بالنسبة للأنشطة التنموية أو الأنشطة الاتصالية… وترجع إلي أنه أصبح أحد السمات المميزة لعصرنا الحاضر.. فكل الدول على السواء أدركت أنه الضمان الوحيد لاستخدام جميع الموارد الوطنية المادية والطبيعية والبشرية بطريقة علمية وعملية وإنسانية لتحقيق الخير لجموع الشعب وتوفير الرفاهية لهم مع البعد عن العشوائية والتلقائية والارتجال ومن هنا يوصف العصر الحاضر في كثير من الكتب العلمية بأنه عصر العلم وعصر التخطيط.

ومن ناحية أخرى فإن إهمال التخطيط يعوق عملية التنمية ففي دراسة عن الإعلاميين وقضايا التنمية الشاملة لألفت آغا جاء في مقدمة الأسباب الاقتصادي التي أعاقت تنمية المجتمع المصري والتخطيط الاقتصادي ببساطة هو التعرف الكامل على الموارد المتاحة للمجتمع في سنة معينة (سنة الأساس) وأوجه استخدام تلك الموارد ثم رسم الصورة المثلى لوضع الموارد والاستخدام في نهاية الخطة وأخيرا اقتراح السياسات والإجراءات والمشروعات الكفيلة بنقل المجتمع من أوضاع سنة الأساس إلي الأوضاع المنشودة في نهاية مدة الخطة، والمتتبع لحركة الاقتصاد المصري خلال الفترة ما بعد عام 1962م وحتى الثمانينات يلاحظ أن هذا الأسلوب لم يتبع بالمعنى السابق إلا في الخطة الخمسية (60/61- 64/ 1965) أما دون ذلك فلا يعد من التخطيط في شيء ، وهنا يرى البعض 36.5% من العينة أن قصور العملية التخطيطية بمعنى عدم الأخذ بالعناصر الأساسية للعملية التخطيطية أثر على معدلات أداء الاقتصاد القومي وذلك نتيجة للنقص الشديد في الموارد وسوء توزع الثروة في المجتمع.

فقصور التخطيط ليس قاصرا على الجانب الاقتصادي وإنما شمل جوانب التنمية الأخرى الروحية والفكرية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.

ومعظم خطط التنمية العربية كما أشرنا إلي ذلك تقرير اللجنة العربية لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي لا تنطلق من الواقع الموضوعي للبلاد، ولا تلتزم بسلم اولويات مدروس بشكل كاف وتعبر الخطة في أحيان كثير عن رغبات السلطة لا عن الحاجات الموضوعية للبلد المعني.. وتنصل باعتمادها على الخبرة الخارجية.

وفي مجال التخطيط الإعلامي فإنه غالبا كما يقول التقرير.. ما تكون الخريطة البرامجية التي يضعها المسئولون عن التنسيق شكلا أكثر منها مضمونا.. وأن ملء الفراغ هو السياسة السائدة غالبا ولا يبقى لدى المسئولين عن الاختيار إلا القبول بما هو موجود.

ونتيجة لهذا القصور في التخطيط الإعلامي فقد تدفقت الرسائل الاتصالية في اتجاه واحد في القمة إل القاعدة.. وتركز الاهتمام على الجماهيري العريقة في المدن دون القرى وحتى دون المناطق العشوائية بالمناطق الحضرية وعدم الاهتمام بالتالي بإشباع حاجاتهم. فضلا عن أن هذه الدول لم تشجع تمثيل الجمهور في الإدارة ووضع السياسات ولهذا أصبح الوضع الحالي من ناحية البناء الطبقي لتدفق المعلومات والمضمون في حاجة إلي مراجعة لتضييق الفجوة بين السياسات التنموية الإعلامية. ولن يتم تلافي هذه الفجوة إلا بالالتزام بالتخطيط.

فالتخطيط عامل أساسي لإحداث التنمية ولا يمكن للتنمية أن تسير في مسارها الصحيح بدون تخطيط.. وترجع أهميته لأسباب عديدة أهمها:

  1. لتحديد احتياجات المجتمع بطريقة علمية وترتيب أولوياتها.
  2. لوضع إستراتيجية العمل في المجتمع لمقابلة متطلباته واحتياجاته.
  3. لتحديد المشكلات التي تواجه المجتمع واختيار أنسب الطرق لمعالجتها.
  4. لتحقيق التوازن في التنمية بين القطاعات المختلفة.
  5. لتحديد مستويات الجهات المختلفة المسئولة عن التنفيذ.
  6. لربط مجهودات التنمية في مختلف أنحاء المجتمع ببعضها.

مفهوم التخطيط الإعــلامي:

يقصد بالتخطيط الإعلامي بصورة عامة ما يعرفه علي الحوت هو التدابير والإجراءات التي يتخذها فرد أو جماعة أو هيئة أو دولة من اجل تحقيق غايات وأهداف محدودة في مدى زمني قد يكون قصيرا أو بعيدا.

ويعرفه محمد شافعي بأنه (مجموعة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية معبرا عنها في صورة كمية ومهام محددة).

ويعرفه الدكتور سمير حسن بأنه اعتبار عن مجموعة من المراحل والخطوات التي تتخذ لمواجهة الظروف فترة زمنية مستقبلية، ويبدأ التخطيط كنظرة مستقبلية بالتفكير ومحاولة التنبؤ بما يمكن عليه الظروف المستقبلية مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات والظواهر التي يمكن أن تعلب دورا أساسيا في التحكم في الصورة المستقبلية ودراسة كل الإمكانات والموارد والجهود التي يمكن استخدامها وكيفية الاستخدام الأمثل لها ثم تأتي أخيرا مرحلة تحديد الأهداف ورسم السياسات التي يجب إتباعها خلال الفترة الزمنية القادمة التي يوضع لها التخطيط بغية تنفيذ هذه الأهداف واتخاذ القرارات على ضوء التصورات والتنبؤات والموارد المتاحة والممكنة – والتي يمكن بمقتضاها مواجهة ظروف المستقبل وتحقيق الأهداف المطلوبة التي أمكن تحديدها.

وهذا يعتبر التخطيط بهذا المفهوم البداية المنطقية السليمة لأي عمل مطلوب إنجازه بمستوى عال من الكفاءة والفعالية كما يدل على أن التخطيط عملية مستمرة ودائمة وليست نشاطا وقتيا وأنه يتضمن مجموعة من المراحل والخطوات المتعاقبة يتوق نجاح كل منها على نجاح الخطوة السابقة عليها.

فالتخطيط الإعلامي – إذن – عبارة عن مجموعة من الخطوات والمراحل المتزامنة التي تواكب نظريتها في مجال التخطيط للتنمية، وتعتبر هذه الخطوات جزئيات متكاملة لا تستطيع جزئية منفردة تحقيق الأهداف المنوطة بها في غيبة الجزئيات الأخرى، وهذه الخطوات أو المراحل كالآتي:

أولا: مرحلة التخطيط الإعلامي:

وتهدف إلي جمع البيانات عن مجموعة من المتغيرات وتحليلها وتشمل هذه البيانات ما يأتي:

  1. التعرف على الإستراتيجية التنموية للمجتمع وأهدافها.
  2. جمع معلومات عن الإستراتيجية الإعلامية عامة وإستراتيجية الاتصال التنموي.
  3. التعرف على الركائز الأساسية للسياسة الإعلامية المتبعة.
  4. تحديد أهداف الخطة الإعلامية بصورة عامة.
  5. تحديد أهداف الخطة الإعلامية بالنسبة للقضايا المتصلة بالتنمية كقضايا الزيادة السكانية – البطالة – الإرهاب – التلوث البيئي – الوعي الصحي.
  6. تحديد الأهداف بالنسبة للشرائح الاجتماعية المختلفة.
  7. تحديد الأهداف السابقة وفقا للوسائل الاتصالية المختلفة.
  8. تحديد المتطلبات العاجلة التي يقوم الإعلام بمعالجتها من أجل دفع عملية تنمية وتطوير المجتمع.
  9. تحديد كيفية وأسلوب التكامل بين الوسائل الاتصالية لتحديد الأهداف المتوقعة.
  10. تقسيم الأهداف وفقا للمراحل الزمنية المحددة للخطة.
  11. تحديد حجم وطبيعة مصادر الثروة الموجودة في المجتمع والممكن استخدامها في التنمية وفي مقابلة الاحتياجات العامة لهذه التنمية، وحتى يكون هناك حدودا للعمل الإعلامي لا يتعداها ويقصر عنها.
  12. توفير المعلومات والإحصاءات التفصيلية لدى المخططين على وجه العموم (الإعلاميين وغير الإعلاميين) على المناطق التي يتم التخطيط لتنميتها، الأمر الذي يؤدي المخطط الإعلامي إلي إعطاء كل من هذه المناطق القدر المناسب من الاهتمام والمعالجة الإعلامية خلال الخطة.
  13. تحديد أوجه الاختلاف بين المناطق المختلة، ذلك أن هذه الاختلافات تتعدد بتعدد المناطق التي تتكون منها الدولة فهنالك – على سبيل المثال – الاختلاف في العادات والتقاليد بين مجتمع محلي ومجتمع آخر محلي، مما يجعل طبيعتها مختلفة متنوعة، ومن الحتمي أن يتم التخطيط الإعلامي على أساس المناطق منفردة على أساس كل المناطق مجتمعة.
  14. تحديد الأساليب والاستراتيجيات لتوجيه النشاط الاتصالي.
  15. إعداد الخطة وتحديد التوقيتات للتنفيذ.
  16. إعداد الإجراءات للتنفيذ.
  17. مراجعة الخطة وتقويمها مبدئيا.

مقومات نجاح التخطيط:

  • الشمول: وهو شمول التخطيط الإعلامي لكافة المجالات التنموية ولكافة أنواع الجمهور وكذلك لكافة عناصر العملية الاتصالية المرسل والرسالة والجمهور والأثر… لأن كل عنصر يعتبر مؤثرا ويؤثر في العناصر الأخرى.
  • التكامل: ويعني التكامل مع الخطط والبرامج الإعلامية السابقة ومع الخطط والبرامج التنموية.
  • المرونــة: ويعني القدرة على التعديل الطارئ لمواجهة الظروف غير المتوقعة للقائم بالاتصال.
  • الاستمرارية: بمعنى أن نتصور أن كل مرحلة تتصل بما قبلها وتؤدي إلي ما بعدا.. فمرحلة الإعداد والتصميم لا تنفصل عن مرحلة التخطيط ولا عن مرحلة التخطيط ولا عن مرحلة التنفيذ.. وهذه الأخيرة لا تنفصل عن مرحلة التقويم، أي أن الخطة كلا متكاملا مرتبطة ببعضها بطريقة عضوية ضمانا لاستمرار العل ووفائه بالغابات المنشودة.
  • التكلفة: على أساس وحدة تكلفة لاستخدام وسائل الإعلام المختلفة.
  • يسر الأداء: أي تتوفر جمع وسائل أداء الخطة الإعلامية وتنفيذها.

أنواع التخطيط:

ويمكن التمييز بين عدة أنواع من التخطيط الاتصالي وذلك بناء على عدة أسس هي:

* وفقا للأساس الزمني:

وينقسم إلي:

  • تخطيط قصير المدى أو عدة شهور.
  • تخطيط متوسط المدى ويمتد لسنة أو أكثر وفي حدود ثلاث سنوات.
  • تخطيط بعيد المدى ويمتد لخمس سنوات أو أكثر.

* وفقا لنطاق الخطــة:

وينقســم إلي:

  • خطة رئيسية تشمل نشاط الاتصال التنموي ككل.
  • خطة فرعية تختص بوسيلة معينة أو منطقة معينة أو جهود معينة أو نشاط محدد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

الفصل الخامس

سياسات الإتصال في الدول النامية

تعرف سياسات الاتصال بأنها مجموعة المبادي والقواعد والتوجهات والممارسات الواعية والسلوكية الشائعة التي يقوم عليها النظام الاتصالي في زمن معين .

وتعرف ايضا بأنها الممارسات الواعية والمدروسة والسلوكيات الاتصالية في مجتمع ما والتي تهدف الي تلبية الاحتياجات الاتصالية الفعلية من خلال الاستخام الامثل للامكانيات المتاحة في المجتمع .

وهناك تعرفيات أخري كثيرة ولكنها تصب كلها في نص واحد .

لايعني ذلك أن السياسات تكون مكتوبة او معلقة .

تختلف البلاد العربية فيما بينها في اسلوب وضع السياسات ، ولكن الامر برمته متروك للتشريعات والقوانين التي تحكم العملية الاتصالية تبعا لنظام الحكم في كل قطر عربي.

سواء كانت هذه السياسات الاتصالية في الوطن العربي مكتوبة ومعلنة أم بعد عنها فقط في الممارسات الشائعة فإنها نجد في معظم الاحوال سندها التشريعي في الدستور والقانون الجنائي والمدني والاداري . ومع ذلك نجد أيضا قوانن المطبوعات ، ولكن في بعض الدول العربية لا توجد أي قوانين أو تشريعات إتصالية إنما الامر متروك للسلطة التقديرية للاجهزة الامنية وتوجهات النظام العامة .

في الاخر نجد أن تطبيق القوانين والتشريعات في الوطن العربي يخضع في التطبيق لاتجهات السلطة واحيانا لمزاجها واحيانا لاعتبارات شخصية . وفي الاخر ان العبرة ليست في التشريعت الاعلامية او في القانون سواء كانت هذه التشريعات والقوانين مكتوبة او معلقة لكن العبرة في التطبيق والممارسات التي تعكس روح التشريعات لصالح النظام الاتصالي .

فمثلا ما قيمة الحرية في ظل الاحكام العرقية .وما قيمة إقرار حرية الفرد مع حرمانه من حق اصدار الصحف . فالغرض دائما من التشريعات هو تنظيم العمل وحفظ الحقوق . لذا فان المجتمع يجب ان يحدد احتياجاته الاتصالية وان النظام الاتصالي يحدد الوظائف والقيم الاجتماعية التي تشبع تلك الاحتياجات ولكن يصح القول ايضا ان النظام الاتصالي هو الذي يقوم في بعض الحالات بتحديد الاحتياجات الاتصالية للمجتمع في ضوء تصوره لمصالحه ، هناك سمات عامة للسياسات القطرية في الوطن واوجه للتشابه . رغم اختلاف السياسات الاتصالية القطرية في الوطن العربي واختلاف ما تعكسه  من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية الا ان هناك تشابها في المشكلات الاتصالية وتشابها في الحلول المطروحة . وتمثل أوجه التشابه في الاتي :-

  • ان سياسات الاتصال والاعلام لم تدمج مع سياسات التنمية القطرية والدليل الاهمال الواضح في تنمية قطاعات الاعلام وعدم التنسيق في القطاعين الاتصالي والقيمي علي الرغم من اهمية دعم الاعلام التنموي لاهداف التنمية العامة .
  • عدم مقدرة معظم الدول العربة علي تحويل سياساتها الاتصالية الي خطط طموحة طويلة الامد .

يرجع بعض الباحثين العرب السبب في ذلك الي ان التخطيط الاعلامي نفسه حديثا مقارنة بالتخطيط في المجالات الاخري سواء اكانت اقتصادية او اجتماعية او غيرها .

  • ليس هناك اساس من المعلومات والوثائق تبني عليه الدول العربية سياساتها الاعلامية لذا نجد دائما هذه السياسات عشوائية و مبنية علي نهج خاطي وغير صحيح ، ويرجع السبب في ذلك الي قلة الكوادر البشرية وضعف وسائل التدريب و ضعف الشبكات الوطنية اضافة الي اعتبارات اخري سياسية واقتصادية ، بالرغم من وجود بعض المبادرات في هذا المجال قطرية وقومية .

اذا قامت بعض الاذاعات في الوطن العربي بانشاء مراكز لبحوث المستمعين والمشاهدين وعلي المستوي القومي نجد المركز العربي لبحوث المستمعين والمشاهدين في بغداد والذي تبع تحت ادارة جامعة الدول العربية والان حديثا في حديثا في قطر مركز الجزيرة للتدريب الاذاعي والتلفزيون .

  • تنمية السياسات الاتصالية في الدول العربية لدعم الانظمة القائمة وتوجهاتها في المجالات المختلفة ، وتعمل هذه السياسات لبقاء سلطة هذه الانظمة ، لذافهي بنت السلطة لما كانت السلطة مركزة في العواصم نجد وسائل لاتصال هذه الأخرى في العواصم ، لذا فان السياسات الاتصالية في الدول العربية كلها ذات توجه سياسي ، ترأس النظام الاتصالي بحكم سيطرته علي الوسائل الإعلامية هو صاحب الصوت الأعلى . لذا نجد أن الإعلام هابط من اعلي إلي أسفل
  • تتسم السياسات الاتصالية دائما بالانعزال عن السياسات التعليمية والسياسات الثقافة والرياضية والدينية والشبابية .
  • تسعي سياسات الاتصال في الوطن العربي علي المحافظة علي القيم الاجتماعية السائدة سواء كانت أصيلة أو مكتسبة من عهود الاستعمار ، هذا ما يدل علي عدم مقدرة الأعلام العربي في تغير أنماط السلوك الاجتماعي السائد مثال ذلك ترشيد الاستهلاك وتنظيم الأسرة وغيرها .
  • الاهتمام بالسياسات القطرية وليس السياسات القومية .
  • الصراع العربي الإسرائيلي ليس عنصراً أساسياً في سياسات الاتصال .
  • اتجاه السياسات الإعلامية للاستثمار في البنيات الإسلامية من أجهزة ومعات حديثة مع الإهمال الكامل للكوادر البشرية .

فمن وجهة نظري الخاصة أن هذا الذي يحصل لوطننا  العربي من تخلف وضياع تخبط في السياسات سواء ا كانت إعلامية أو تنمية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها سببه الأساسي غياب الديمقراطية وعدم مشاركة السواد الأعظم من هذه الشعوب المغلوبة علي أمرها والتي يراد لها أن تنام وتأكل و بس وتترك الأمور لهؤلاء القادة الذين يدعون المقدرة علي حل كل الأمور في أن يفكروا عنهم ويقرروا لهم ، هذه هي المصيبة الكبيرة التي يمر بها عالمنا العربي أزمة الديمقراطية كلمة واحدة وبعدها تحل كل المشاكل / بالديمقراطية نستطيع أن نضمن سياسات إعلامية واضحة تتيح مشاركة الجمهور في وضعها وإبداء رائهم فيها وتعديلها ويكون ذلك طبقا بمشاركة المختصين من الإعلاميين والخبراء ، والحمد لله وطننا العربي يزخر بالخبرات الإعلامية والتي يمكن أن تضع سياسات إعلامية  ذات قيمة فيما إذا أشركت في وضع هذه السياسات وتستطيع هذه النخب ان تجعل من السياسات الإعلامية خطط طموحة طويلة الأمد وليست خطط قصيرة هدفها خدمة هذه الأنظمة  .

فالديمقراطية لو تحققت في عالمنا العربي فسوف تقوم صحافة حرة هدفها يكون مراقبة هذه الأنظمة وكشف فسادها فلن تستطيع بعد ذلك وفي ظل الديمقراطية أن تملي شروطها وتوجهاتها ، وان يكون هدف هذه الوسائل هو الفرد والجماعة والمجتمع وليس النخب الحاكمة .  في ظل الديمقراطيات توضع السياسات الإعلامية التي يمكن ان تدعم التنمية وتهتم بالإطار القومي للوطن الكبير . وظل الديمقراطيات يمكن لسياسات الاتصال أن تكن فاعلة ومؤثرة علي ما في القطاعات الخدمية الأخرى من اجتماعية واقتصادية الا ألان أصبح دور الإعلام مؤثرا في كل مجالات الحياة في ظل الديمقراطية يتحرر الإعلام من التبعية للسلطة ويؤدي دورها كاملا كما ينبغي وان تصبح الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب وتحاسب وتسقط الأنظمة .

 

 

القائم بالإتصال في الوطن العربي كمثال للقائم بالاتصال في الدول النامية

إن الإعلام مهنة ورسالة وصناعة وهو جزء أساسي من تركيبة المجتمع يتفاعل مع أحداثه وأفكاره ويساير تطوراته وتفاعلاته . وتتوقف فاعلية وسائل الاتصال المختلفة في التأثير في الأطراف المستقبلة لها علي عوامل عديدة تتعلق بمضمون العمل الإعلامي ومنهجه والآليات المستخدمة ، كما تتأثر بعوامل البيئة المحيطة مثل النمط الثقافي والاجتماعي في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة فقد احتلت وسائل الاتصال مكان الجهاز العصبي في جسم الإنسان  فهي المحرك والمعبر عن مقومات الحياة الإنسانية وهي الرفيق الملازم للفرد الذي يخرج به عن عزلته ويرتفع الي المطامح الحضارية وتشكيل أفكاره والثقة والموثقة للعلاقات مع الآخرين .

مما تقدم يتضح لنا أهمية القائم بالاتصال كأحد أركان العملية الاتصالية ، بل الركن المؤثر والفاعل الذي يثر ويتأثر ويتفاعل مع البيئة التي يعمل بها والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسائدة من حوله ، كما تؤثر السياسات الاتصالية في عمل القائم بالاتصال ، لان السياسات الاتصالية هي التي تحدد حقوق و واجبات القائمين بالاتصال وحركتها وكل ما يتعلق بتنظيم المهنة .

ففي الوطن العربي نجد أن الدول العربية لها سياسات تتعلق القائمين بالاتصال منصوص عليها في الدساتير والتشريعات ، ومع ذلك فان العبر دائما ليست بالنصوص المكتوبة ولكن العبرة في تنفيذ هذه النصوص وتفسيرها تفسيرا يحفظ للقائم بالاتصال حقه مع حرصه علي أداء واجباته .

فتحدد سياسة كل دولة حقوق وواجبات القائمين بالاتصال لديها ، ويمكن حصر هذه الحقوق في الأتي :-

  • حق الممارسة :

وهو حق ممارسة العمل الصحفي ، هنا مجموعة من الدول العربية تطلق هذا الحق والبعض الأخر يقعده بالحصول علي ترخيص مسبق من الدولة .

  • حدود الممارسة :

بعض ما هو محظور وما هو مسموح ، هناك من الدول ، ما يسمح بالنقد المباشر ولكن هذه الدول قليلة ، وليس معني النص علي النقد لرئيس الدولة هو مطبق فعلا وتمتد المحظورات في بعض الدولة العربية لتصل منع تجيه النقد الي الدول الصديقة وتطول قائمة المحظورات في دول اخري فتشمل الجيش والشرطة والاقتصاد بحجة أن ذلك يمكن ان يهدد الاستقرار و التنمية .


  • الجزاءات والصعوبات :

تختلف طبيعتها من دولة عربية إلي أخري وهي ثلاثة أنواع جزاءات وعقوبات قضائية وتمتد هذه الصعوبات لتشمل الصحفي و الصحيفة أو المؤسسة القائمة بالاتصال .

  • الحق في التنظيم المهني :

تعتبر التنظيمات المهنية في مجال الاتصال من التنظيمات المهمة والتي يجب ان تشارك في وضع السياسات الاتصالية في الوطن العربي ولكن هل هذا موجود بالفعل في الوطن العربي ليس كذلك ولا في أي قطر عربي واحد بل ان هذا الحق غير مسموح به في معظم الدول العربية وخاصة الدول الخليجية التي لا تسمح بقيام تنظيمات نقابية سواء كانت إعلامية في مهن أخري مما يترتب عليه ضياع حقوق العاملين في المؤسسات الاتصالية في هذه الدول.

من واجب هذه النقابات او التنظيمات توفير الضمانات الأزمة لممارسة المهنة سواء ا كانت اقتصادية مثل المسائل المالية من أجور ومكافأت ومعاشات أو ضمانات مهنية تضمن لهذه النقابات المشاركة في وضع السياسات الاتصالية والحق في الحصول علي الحقائق والحق في المحافظة علي سرية المصادر .

كما ان في واجب هذه النقابات الدفاع عن منتسيبها بما يصيبهم من ضرر سواء كان مادي او معنوي وعدم احنكارهم واعتقالهم . مما تقدم نرى اهمية هذا الحق في العمل الصحفي فهو لو تم بصورة منضبطة ستكون فائدته علي القائم بالاتصال وعلي الصحيفة والوسيط الاعلامية وعلي مضمون الرسالة .ولكن الخوف من التنظيمات في معظم الدول العربية يعيق عملها ويجعلها غير قادرة علي تقديم شئ يذكر وحتي الدول التي بها هذه التنظيمات فانها تدور في فلك النظام الحاكم ولا تعبر عن حقوق القائمين بالاتصال في هذه الدول العربية .

  • الاخلاقيات المهنية :

تعد مواثيق الشرف مكملة للحقوق والضمانات المكفولة للقائمين بالاتصال ، وهي قواعد اخبيارية تمثل التزاما راتبا لرجال الاعلام . فقد اهتم الاتحاد العام للصحفين العرب من نشاته عام 1964م علي المسئولية الصحفية تجاه الوطن الكبير ودعا الصحفين العرب الي توخي الامانة والصدق وتجنب كلها يمكن ان يؤسي الي علاقات الدول العربي وان يعمل الصحفين العرب علي الحث علي التضامن العربي والعمل علي نشر اللغة العربية وسلامتها ، ومكافحة الاستعمار بكل جوانبه وانواعه .

  • الممارسات :

هنا تكمن المشكلة بالنسبة للصحفين في الوطن العربي اذ يعاني الاعلامين في الوطن العربي من الممارسات الكريهة من فعل القائمين علي امر الاعلام بالرغم من الضمانات والدساتير المكتوبة . فمشكلة القائمين بالاتصال في الوطن اتكمن في شئ واحد  ومشترك وهو غياب الديمقراطية فان ابسط تصور لواقع الصحفي العربي انه فاقد حرية التعبير امام رئيس التحرير لانه اذا خالفه مهدد بالفصل والتشريد و فاقدا حريته امام القوانين والتشريعات والسلطات . كما انه فاقدا لمن يدافع عنه اذا تعرض لمشكلة ما ، وما اكثر المشاكل التي يتعرض لها الصحفين في الوطن العربي والتي تبتدي من الحبس والاعتقال وتنهي بالضرب والاهانة والسجن وقد تصل الي .النفي او الاعدام . وقد يتعدي هذا الواقع الصحفي ليشمل ايضا الصحيفة التي يمكن ان تغلق ويطال هذا الامر التنظيمات والنقابات التي يمكن حلها وابقافها عن العمل .

هذا واقع الحال للقائم بالاتصال في الوطن العربي ، فلا تجد حقا واحدا يمكن ان تقول انه يتمتع به بصورة ديمقراطية . كل حقوقه خاضغة الي امزجة حكامنا العرب .قد وصل الحال في احد الدول العربية وهي دولة الامارات العربية المتحدة في ابو ظبي بالتحديد ، ذهب العاملين الصباح عادي الي عملهم ليجدو الاذاعة مغلقة وامام الباب حارس منعهم من الدخول والسبب ان وزير الاعلام اصدر امرا بغلاق الاذاغة بدون سابق انذار . ماذا كان مصير العاملين في هذه الاذاعة المواطنون منهم تم استيعاب قليلا منهم في اذاعة القرآن الكريم اما الغالبية من المواطنين والاجانب فكان مصيرهم التشريد .ماذا نقول في مثل هذه السياسات الاعلامية التي لا تحافظ حتي علي الحق البسيط للقائم بالاتصال . يرجع السبب في ذلك اولا واخيرا الي غياب الديمقراطية في عاملنا .

تأهيل مهنيو الاتصال في الوطن العربي كمثال للتاهيل في الدول النامية

يتوقف اهمية الدور الذي تؤديه وسائل الاتصال في الوطن العربي علي طبيعة العلاقة بينها وبين النظامين السياسي والاجتماعي ، لان العملية الاتصالية هي نتائج بناء اقتصادي واجتماعي في مرحلة من مراحل التطور الانساني ، فلو ان عالم السياسة يقوم علي القوة او مستند الي الشرعية او مبني علي المشاركة فلا بد اذا من وجود وسائل الاتصال لنقل الرسالة الي الجمهور المستهدف . فمن يكمل وسائل الاتصال يؤثر علي السلطة ، والتكنولوجيا وفرة كم هائل وقدرات كبيرة لصناعة الفكر وتوجيه المعرفة ، هذه التكنولوجيا اذا تحتاج الي كوادر بشرية مدربة حتي تستطيع ان تستقبل هذه  القدرات  وهذه التكنولوجيا الاستقلال الامثل وتستطيع ان تقدم رسالتها  الاعلامية بصورة واضحة وفاعلة ، لذا كان الاهتمام بالتأهيل الاكاديمي والتدريب المهني للقائمين بالاتصال في الوطن العربي ، وتتوقف المعالجة هنا علي القائمين بامر الاتصال الجماهيري. يرجع تاريخ التاهيل الاكاديمي في مجال الاعلام في الوطن الوطن العربي الي نصف قرن مضي عندما افتحت الجامعة الامريكية فرعا لها في القاهرة يهتم بدراسة الاعلام او الصحافة تحديدا تلت هذه المحاولة انشاء معاهد ومراكز اخري في مصر ، بعد عمت التجربة دولا عربية كثيرة وانتشرت امام الاعلام وكلياته بطريقة غير مرتبطة بنظرية خاصة او متحدة من الدافع العربي وانما نظريات مستوردة من الغرب ومن تراثه ، كما ان الاعلام وموارده التي تدرس في هذه الكليات لا يعطي اهتمام بالتنمية كمكون اساسي للبناء الاجتماعي ، فكل الذي كان يدرس هو نسخ لنظريات غربية تهتم بالعلمي العربي والسبب في ذلك ان هذه الكليات قد انشئت ارتجاليا دون مراعاة الحاجة الفعلية لهذه الدول من الاعلامين كما ونوعا لذا نجد ان المشكلات في هذا الجانب تكاد تكون متشابهة وواحدة . لذا نجد ان معظم معاهد الاعلام في الوطن العربي تعاني من نقصا اما فنيا او ماديا ، لذا فاننا نجد ان هناك مشكلات عدة اعترضت ما زالت عملية تاهيل القائمين بالاتصال في الوطن العربي نوجزها في الاتي :-

  • افتقار الي التخطيط :

الارتجالية في انشاء المعاهد الاعلامية ادي الي مخرجات ضعيفة لا ذلك لم يسبقه دراسات وافية لتجويد احتياجات السوق الاعلامي وتوفير الامكانيات الفنية والكوادر البشرية اللازمة للتاهيل والتدريب . وفي كثير من الاحيان تم انشاء هذه  الاقسام فقط لتكملة الهياكل الاكاديمية . فكان نتاج ذلك خروج اعداد كبيرة من الطلاب وهم لا يحملون سواء المؤهل فقط أي شهادة لا تعبر عن محتوي او مضمون جيد كما ان هذا الواقع ابرز مشكلات كثيرة اذ ان الخريج من معاهد الاعلام يجد منافسة قوية في المؤسسات الاعلامية من خريجي الكليات الاخري مما جعل الطلاب منذ البداية يهربون من هذا التخصص ، كما ان بعضهم لا يريد التعامل مع السلطة .

  • نقص الكوادر العلمية :

تعاني غالبية المعاهد الاعلامية في الوطن العربي من نقص الكوادر العلمية المؤهلة مما دعا بعض الكليات في الوطن العربي الي الاستعانة باجانب للتدريب ، هذه التجربة لم تكون ناجحة لان الاجانب عادة ما ياتون لاجراء بعض التجارب علي بئياتنا المحلية او لاهداف سياسية اخري . كما ان خطورة هذا التخصص والاستعانة بخبرات اجنية يكمن في ان مجال الاعلام يهتم بتشكيل الاتجاهات والافكار والتطلعات .

  • نقص المراجع الاكاديمية :-

هناك نقص في الكتاب الاكاديمي في الوطن العربي ، ما عدا مصر ولكن في باقي الدول ان وجد فان سعره مرتفع لذا فان المراجع مشكلة في معظم البلاد العربية ، كما ان ازمة النشر في عالمنا العربي تزيد من المشكلة وتعقيداتها . كما ان التاهيل الاكاديمي ياخد بعدا اخر في دول المغرب العربي ، اذ يضاف الي مشكلة ندرة

 

المراجع مشكلة اللغة اذ ان الجامعات في المغرب العربي تدرس باللغة الفرنسية فهو ما يعتبره البعض عائقا ولا توجد معاهد تدرس باللغة العربية والذي يساعد في ذلك سوق العمل نفسه بفضل الخريج الذي اكمل دراسته باللغة الفرنسية كما ان الطلاب انفسهم يرغبون في الدراسة باللغة الفرنسية التي تساعدهم علي اكمال دراساتهم العليا في فرنسا مثلا ، حتي الاساتذة انفسهم يفضلون الحل الاسهل وهو التدريس باللغة الفرنسية . يذهب البعض ايضا الي القول ان اللغة العربية لا يمكن ان تكون لغة صالحة لتدريب مادة الاعلام وهذا طبعا كلام مردود اما من حيث التدريب فالحال ليس افضل من التاهيل الاكاديمي ، فالاصل في التدريب انه يجب ان يتم في المؤسسات التعليمة او في المؤسسات الاعلامية ولكن ونسبة لان الاساتذة في هذا المؤسسات التعليمة يغلب عليهم الجانب القطري  فانهم يفعلون التدريب العملي فاذا تم يعهدون بذلك للمؤسسات الاعلامية والتي لا تهتم كثيرا بالمتدريبين . كما اننا نجد ان المؤسسات التعليمة نفسها تنقصها المعدات والاجهزة التدريبية اللازمة التي يمكن ان يستخدمها الطلاب للتدريب فتتخلص مشكلات التدريب في الوطن العربي في الاتي :-

  • الافتقار الي سياسات تدريبة محددة
  • عدم تحديد الاحتياجات الفعلية التي تحتاجها المؤسسات الاعلامية.
  • نقص الاجهزة والمعدات الخاصة بالتدريب .
  • عدم وجود حوافز مادية تشجع علي التدريب .
  • نقص المدربين المؤهلين لهذا العمل .
  • الافتقار الي برامج تدريبية منظمة .
  • التدريب يميل عادة للتعميم وليس الي التخصص .

هذه هي مشاكل التاهيل والتدريب في الوطن العربي ، لمعالجة هذه الامور لا بد من وضع تصور يعالج هذه المشاكل من جذورها علي المستويين القطري والقومي ، علي المستوي القطري يجب ان تحدد كل دولة احتياجاتها الفعلية من  الكوادر الاعلامية التي تحتاجها وبناء علي ذلك يتم التوسع من عدمه في المؤسسات التعليمة وايضا لابد من شروط ضابطة لهذه المؤسسات ، لان المؤسسات الاعلامية لا تقل في اهميتها عن المؤسسات الاخري الصحية او الاجتماعية او غيرها في ايضا تحتاج الي مخرجات مؤهلة جيدة حتي تستطيع ان تقود العمل الاعلامي بكفاءة عالية . لذا يجب ان توفر لهذه المؤسسات التعليمة الامكانيات المادية والفنية وتوفير الكادر العلمي المؤهل ويجب ان يعتمد في ذلك علي الكادر المحلي او القومي وان يستبعد تماما الكادر الاجنبي الا اذا كان ذلك في شكل استيشاري . كما يجب ان تتوفر لهذه المؤسسات التعليمية المناهج والكتب والمراجع العربية والاجنبية والتي تتناول النظريات الحديثة للاعلام ، وتكون مواكبة لروح العصر والتغيرات التي حدثت والثورات الكبيرة في عالم المعلومات والاتصالات كما يجب أن يرافق التأهيل الأكاديمي في المؤسسات التعليمية التدريب المهني للطلاب في فنون الصحافة والإخراج والكتابة والتحرير والمونتاج والإضاءة  والصوت وغيرها من مخصصات العمل الإعلام وان تكون برامج التدريب واضحة ومفصلة ومصاحبة للمواد التي تدرس ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا كانت هذه المؤسسات التعليمية مزودة لوسائل هذه التخصصات كالاستوديوهات الحديثة المزودة بكاميرات التصوير وأدوات الإضاءة وغيرها ، وان تكون هناك قاعات للتحرير مزودة أيضا بمصادر المعلومات . فلا فائدة من أي تأهيل أكاديمي لا يصاحبه تأهيل عملي ، وان يكون العاملين في هذه المؤسسات قادرين ومؤهلين هم أيضا ليقوموا بعملية التدريب .

كما انه يجب أن يكون هناك زيارة عملية إلي المؤسسات القائمة من إذاعة وتلفزيون لاطلاع الطلاب والدارسين علي مجريات العمل في هذه المؤسسات ومعرفتهم لإحداث ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذه المجالات . أما من ناحية التدريب للعاملين أصلا في المؤسسات الإعلامية فيجب أن تكون هناك برامج تدريبية منظمة لرفع كفاءة هؤلاء العاملين حتى يكونا مواكبين لما يحدث حولهم في العالم . أما من الناحية القومية فيجب الاهتمام بالمعاهد والمؤسسات التدريبية القائمة حاليا والسعي لإقامة مؤسسات أخرى تحت إشراف الجامعة العربية تكون لها الإمكانيات المادية والفنية للتدريب والتأهيل ، لان المؤسسات القائمة حاليا تهتم فقط بالتأهيل النظري و تهمل الجانب الإعلامي .

كما انه يجب الاهتمام بالبحوث الإعلامية لأنها تعتبر مفتاح العملية والتي تقوم عليها باقي العمليات من تخطيط وتنظيم وبالتالي إدارة ناجحة . في هذا الخصوص يجب الإشارة هنا إلي المساهمة الفاعلة التي تقوم بها قناة الجزيرة في هذا الجانب والمتمثل في مركز الجزيرة للتدريب الإزاعي والتلفزيوني والذي أصبح يلعب دورا فاعلا في مجال التدريب والتأهيل في الوطن العربي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

الاعلام الانمائي من المفاهيم الحديثة نسبيا في الكتابات عن التنمية في الدول الاقل نموا. غير ان اهمية الاعلام الانمائي تزداد ، بمرور الوقت بادراك دوره كجهاز عصبي متكامل الاجهزة والنشاطات ، يقوم بربط افراد المجتمع ، ويوحد او يقرب بين مفاهيمهم ، وينسق بين اتجاهاتهم واهدافهم ، ويحرك قواهم وامكانياتهم النفسية والمادية من اجل تغيير المجتمع الي الافضل .

وتعطي هذه الدراسة اولا تعريفا لبعض مفاهيم وابعاد الاعلام ، والتنمية ، والاعلام الانمائي . ثم تسلط الدراسة الضوء علي البنية البشرية الاعلامية في دولة عربية واحدة توافر للباحثة بيانات عنها وهي دولة الكويت . وتتناول الدراسة في الجزء الثالث والاخير بعض جوانب من التخطيط لاعداد البنية البشرية العربية للاعلام الانمائي . وكيفية تطويرها من حيث الكم والكيف ، مع الاهتمام بالناحية الاخيرة بصفة خاصة ، وذلك توصلا لقيام اجهزة الاعلام العربية بدور اكثر فعالية في بلورة اهداف التنمية وتذليل طريقها في المنطقة العربية وتقويم مسارها عند الضرورة .


الجزء الاول

الاعلام الانمائي

الاعلام الانمائي تعبير مركب من مفهومين عريضين هما الاعلام والتنمية ومن المفيد انجاز بعض مفاهيم وابعاد  كل منهما علي حدة ثم الجمع بينهما في خطوة تالية.

بعض مفاهيم وابعاد الاعلام

الاعلام بمعناه العريض كتبادل للمعلومات يعتبر احد المقومات الاساسية في تنمية او تخلف كل المجتمعات . فعلي نمو المعلومات ونقلها يتوقف هيكل العلاقات الشخصية والاجتماعية ، وانتشار التعليم ، وتقسيم العمل ، والتبادل . وازدهار الثقافة والتقدم العلمي والتكنولوجي ، وتقدم الانسان في السيطرة علي بيئته.

ولقد تمكنت جميع المجتمعات منذ الازل من انتاج ونقل المعومات ، ولكن في الماضي البعيد كان تدفق المعلومات تدفقا محليا فقط وفي حدود جغرافية ضيقة ولم يكن هناك نقلا للمعلومات لمسافات بعيدة الا بسرعات بطيئة للغاية ، ولكن الثوارات الحديثة في تكنولوجيا الاتصال ونظم المعلومات غيرت جوهريا من تدفق المعلومات كما ونوعا وسرعة داخل المجتمع الواحد وعلي صعيد العالم باسره . وذلك بفضل انتشار التعليم والبعثات التعليمية والصحافة والاذاعة والتليفزيون والهاتف والتلكس وخدمات الكابل والكمبيوتر والميكروفيلم واشرطة التسجيل الصوتية والمرئية ورقائق السيليكون وبنوك المعلومات والاقمار الصناعية ، فضلا عن التطور الكبير في وسائل النقل والمواصلات .

ومن بعض نتائج هذا كله ان موجة التوقعات المتزايدة لرفع مستوي المعيشة قد غمرت  دول العالم الثالث وإحاطتها علما بطرق المعيشة في الدول  الأكثر نموا . وبفضل انتشار طرق الإعلام الحديثة أيضا يتم إستقطاب التجمعات والنظم السياسية في أحزاب ومعسكرات متزايدة الأحجام والقوى سواء داخل الدولة الواحدة أم علي صعيد المجتمع العالمي . وبالمثل فإن المنشآت الإقتصادية يتم اندماجها وتشعبها في أشكال وأحجام إقتصادية أكثر فعالية وإرتباطا داخل الدولة الواحدة وعلي إتساع العالم بأسره . وعلي نفس المنوال ، فإن الكثير من المؤسسات والمنظمات الإجتماعية والثقافية والصحية يزداد ترابطها سويا في شبكات متسعة من المراكز والفروع . ولم يعد هناك علي أي صعيد من يستطيع العزلة عن الآخرين أو يترك له حق الخيار  .

وبفضل ثورة الإعلام الحديثة قهر العالم الحديث المسافات و وصلت بعض الدول المتقدمة إلي غزو الفضاء ، وتمكنت من الإتصال برجال وسفن الفضاء ، وتحاول الإتصال بالكواكب الأخرى .

غير أن إنتاج ونقل المعلومات وإستخدام أجهزة الإعلام يظل بصفة عامة مقيدا ببعض القيود وخاضعا لإعتبارات القوة السياسية أو تحقيق الربح المالي . فالكثير من المعلومات تظل في تدفقها وإتجاهاتها وخاضعة للرقابة الظاهرة أو المستترة في صورة من صور الشرح أو التعليق وخادمة بالتالي لمصالح مراكز القوى السياسية . كما أن الكثير من تدفق المعلومات وأنشطة أجهزة الإعلام تظل معتمدة إعتمادا كبيرا في بعض الأحيان علي مدي نجاحها في تحقيق الربح والعائد المادي للقوى الإقتصادية .

بعض مفاهيم و أبعاد التنمية :

ليس هناك إتفاقا كاملا علي مفهوم دقيق للتنمية  بين المتحصصين في العلوم الإجتماعية والإنسانية . ولكن من المتفق عليه أن للتنمية  أبعادا متعددة  وأهدافا مختلفة بعض الشئ من دولة لأخرى ومن وقت لأخر .

حتي منتصف القرن الثامن عشر لم يكن سكان العالم يعرف أن من الممكن رفع مستوي المعيشة وتغيير حياة المواطن تغييرا جذريا في حياة جيل واحد . ولكن الثورة الصناعية في أوربا الغربية ما لبثت أن غيرت من أقدار المجتمعات الأوربية وسلالاتها في الخارج فإنتشرت أوربا جغرافيا وسياسيا وإقتصاديا وعسكريا في جميع أنحاء العالم ، وتمكنت أوربا بفضل إعادة تنظيم إرادتها علي مجتمعات تفوقها عددا وأعرق منها تاريخا . ولا زال رجع الصدى لهذه الحقبة من تاريخ البشرية يتردد في جوانب العالم للآن .

وتراوحت ردود الفعل في الدول الأقل نموا من المحاكاة أحيانا لمعالم الحياة الأوربية ، إلي الرفض أحيانا أخرى لهذه المعالم الأوربية والتمسك بمقومات الأصالة في حضارتها ، أو إنتهاج مزوج من هذين الإسلوبين . كما تفاتت ردود الفعل في المجتمعات والدول الأقل نموا من حيث التوقيت ، فكان بعضها أسرع من البعض الآخر في الإحساس بالصدمة وفي تكوين إرادة للتغيير وكسر قيود التحجر ومعرفة أسرار العلم الحديث والتكنولوجي .

ونظرا لغياب بديل أفضل لقياس شتى أبعاد التنمية والتخلف ، فقد ذاع المقياس الإقتصادي البحت القائم علي معيار متوسط الفرد من الناتج القومي . وهو مقياس له عيوبه الكثيرة . فمن المآخذ علي المعيار المذكور الإهتمام فقط بالجوانب المادية من المعيشة ، وإغفال التفاوت الكبير في توزيع الدخول والثروات بين الطبقات أو المناطق الجغرافية والتحيز للإنتاج التجاري الذي يتم للبيع في الأسواق فقط مع أغفال الإنتاج للإستهلاك الذاتي للقطاع العائلي ، والحياد بين شتى أنواع الإنتاج سواء كانت سلع إستهلاكية أم إنتاجية أم عسكرية ، والتجاوز عن الآثار الجانبية للإنتاج المسببة لتلوق البيئة ونضوب الموراد ، و وجود تفاوت كبير بين أن بعض الحرص مطلوب عند إستخدام هذا المقياس لعمل المقارنات سواء عبر الزمن بالنسبة للدولة الواحدة ، أو لعمل مقارنات بين عدة دول في نفس الوقت ، ذلك أن مستويات الأسعار دائمة التقلب ، ونوعيات السلع والخدمات دائمة التغيير .

وحصيلة بعض الإتجاهات الفكرية الحديثة هو إستخدام معدل التزايد في متوسط نصيب الفرد من الناتج القومى كمؤشر جزئي لإتجاهات التنمية . إذ يتم تكملة هذا المؤشر بمؤشرات أخري تبين مدي تحقيق أهداف قومية أخري هامة . ومن هذه الأهداف الإضافية أولا مدى تحقيق العدالة في توزيع الدخول والثروات للقضاء علي الفقر المطلق وتوفير الإحتياجات الأساسية (غذاء ومسكن وملبس وعلاج وتعليم ) للشرائح الإجتماعية المحدودة الدخل . وثانيا مدي تحقيق العدالة في الفقر النسبي أي مدى النجاح في تذويب الفوارق بين الدخول والثروات في المجتمع بين مختلف الشرائح أو المناطق الجغرافية . ثالثا من الممكن أيضا الإستعانة بمؤاشرات تكميلية أخري منها مدى توفير فرص العمالة ، أو مدى النجاح في تحقيق التنمية الريفية ، أو النجاح في إشراك المرأة في قطاع العمل الحديث ، أ إكتساب التكنولوجيا من الخارج أو النجاح في تطويعها ونشرها محليا ، أو مدى المشاركة الديمقراطية الشعبية في إتخاذ القرارات السياسية ، وما إلي ذلك من أغراض وأهداف تختلف أهميتها النسبية من مجتمع لآخر.

الإعلام الإنمائي  :

في ضوء العرض السابق عن مفاهيم وأبعاد كل من الإعلام والتنمية يتضح أن دور الإعلام في التنمية ، أي الإعلام الإنمائي ، دور جوهري ومتعدد الجوانب .

وبالتالي فإن أية محاولة لحصر محدد وشامل لمهام ومسئوليات الإعلام الأنمائي – بالمعني العريض للإعلام كنقل للمعلومات – ستكون محاولة ناقصة بالضرورة أذ يتعذر الإحاطة بجوانب الموضوع وإدخاله في أطار تحليلي محكم الجوانب بدون الأتفاق المسبث علي ثلاثة أمور

( أولا) هدف واضح أو عدة أهداف واضحة للتنمية والأوزان النسبية لكل منها .

( ثانيا) مجالات محددة للإعلام الإنمائي .

( ثالثا ) مؤسسات وأجهزة محددة للإنتاج ونقل المعلومات وكيفية أدائها لنشاطها .

أولا ، فيما يتعلق بأهداف الأعلام الإنمائي ، يلاحظ أن طريقة تحديد وتغيير أولويات وأهداف التنمية تختلف من دولة لأخري وفقا لظروف الزمان والمكان . وبالتالي يتفاوت دور أجهزة ورجال الإعلام من مجرد النقل أحيانا إلي المشاركة أحيانا أخرى في تحديد وتغيير الأهداف والأولويات السياسية الداخلية والخارجية للدولة .

ثانيا : فيما يتعلق بمجالات نشاط الإعلام الإنمائي ، يمكن للأعراض التحليلية الإشارة إلي ثلاثة محاور وتتفاوت أهميتها النسبية من دولة لأخرى .

1 ساحة تختص بتسليط الضوء عللي أسباب وديناميكية ومقومات النهضة في المجتمعات الأكثر تقدما وكيفية الإقتباس والإستفادة من خيراتها ودروس التنمية بها .

2 ساحة تختص بتشخيص أسباب وديناميكية التخلف وعقبات وعوائق التنمية الموجودة في الدول الأقل نموا .

3 ساحة تختص بديناميكية وأبعاد وطبيعة الإتصال بين العالم المتقدم أو العالم الأقل تقدما ، وفي أى الأبعاد وإلي أي حد كان – أو يكون – هذا الأتصال مفيدا للطرفين ، أ, مفيدا لطرف واحد فقط علي حساب الطرف الأخر ، أو  ربما ضارا لكلا الطرفين في بعض المواقف .

وتلزم الإشارة إلي أن هذه الساحات الثلاث يجب أن تفهم فهما عريضا بحيث يمكن في كل منها تناول كثير من المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية . فمثلا ليس من مقتضيات الإعلام الإنمائي الإهتمام بالأمور الجادة فحسب وإغفال الجوانب الترفيهية حيث أن الترويح عن النفس من الإحتياجات المشروعة .

ثالثا : فيم يختص بمؤسسات وأجهزة الإعلام فمن الممكن أن يتم الإعتماد علي أجهزة الإعلام الجماهيرية الحديثة فحسب مثل الصاحة والإذاعة والتلفزيون ، أو أجهزة الإعلام بمعناها العريض لتشمل أيضا أجهزة الإعلام التقليدية مثل الإتصال الشخصي في ((الدوار)) والديوانة والمقاهي والموالد ، أو الفنون الشعبية ((كالأراجوز)) وخيال الظل والراوي وعازف الربابة وشعراء النبط والفرق المسرحية والإستعراضية ، وأجهزة ومنظمات المعلومات بصفة عامة كالمدارس والجامعات وأجهزة الإعلام والثقافة الجماهيرية كوحدات الإعلام المتنقلة الخ .

وثمة جانب هام من جوانب نشاط مؤسسات وأجهزة الإعلام الجماهيرية والتقليدية علي حد سواء يختص بكيفية رسم السياسات لهذه المؤسسات والإجهزة . فقد يتم الأخذ بالنموذج المركزي الذي تجري فيه عمليات الإتصال عموديا من القمة للقاعدة في إتجاه واحد من أعلي إلي أسفل مع قدر ضئيل نسبيا من رجع الصدى . أو قد يتم الأخذ بالنموذج اللامركزي الذي تجري فيه عمليات الحوار وتبادل وجهات النظر في شتى المستويات .

ومهما تنوعت أهداف التنمية من دولة لأخري ، أو إختلفت الدول فيما بينها من حيث الأهمية المعطاة لكل مجال من مجالات الإعلام الثلاث التي بيناها ، أ إختلفت من حيث تشكيلة وأسلوب عمل مؤسسات الإعلام بها ، فإن من المممكن التقدم بالتحديد التالي لبعض مقومات الإعلام الإنمائي .

1 العمل علي تطوير وبلورة الثقة بالنفس والأمل في المستقبل وتكوين إرادة التنمية علي المستوي القومى دون التضخيم الممقوت السقيم للإمكانيات الذاتية .

2 تشجيع الإقدام علي العلم الحديث والتكنولوجيا وتسهيل الإطلالة علي القرن العشرين وخاصة بالنسبة لبعض قطاعات المجتمع التي قد تجهل مقومات العلم الحديث وأسرار التقدم التكنولوجي ، أ, قد تخشي نتائجها وتجد فيها تهديد نفسي لمكانتها أ, طرائفها في التفكير والمعيشة أو إضرار بمصالحها المادية .

3 تأكيد العدالة في توزيع المعلومات والمكاسب الإقتصادية والإجتماعية . ويمكن إعتبار هذا الجانب من جوانب العدالة حجرا أساسيا في عمليات التنمية . فهو القادر عليإيجاد روح الفريق الواحد وتعئبة الموراد والإمكانيات المشتركة .

4 تشجيع المشاركة في تحديد وتنفيذ برامج التنمية بدلا من المركزية في كل القرارات الإنمائية . فالتنمية ليست مسئولية الدولة وحدها و إنما هي مسئولية الشعب والدولة سويا . ولذا يجب إشتراك الشعب في إختيار وتحديد وتنفيذ خطط التنمية لكي تأتي بالنتائج الكرجوة منها.

5 الدعوة إلي الإعتماد الجاد علي الذات وعلي الموراد المحلية في عملية التنمية ، ويتمثل ذلك أولا في التقليل من المعونات الأجنية بقدر الإمكان حيث أنها في أفضل الحالات ليست سوى عنصر مكمل للجهود الوطنية . كما يتمثل ذلك ثانيا في الإعتماد علي الموراد البشرية والطبيعية والمحلية والمحافظة عليها وتطويرها .

6 السعى إلي إدماج النظم التقليدية في المجتمع بالنظم الحديثة والأفكار والممارسات التقليدية السائدة بالأفكار والممارسات الحديثة وتقليل الفجوة الموجودة بينها إيجادا لقدرا أكبر من التجانس الفكري والنكاتف الإجتماعي . ولقد كان تفكير البعض في وقت ما أنه لا بد إستبدال المؤسسات الشعبية التقليدية السائدة بمؤسسات حديثة . أي كان التصور لديهم هو إلغاء الماضي والبدء من جديد بإعتبار أن المؤسسات التقليدية غير قادرة علي إدخال التغيير المطلوب ، ولقد دلت تجارب بعض المجتمعات كتركيا مثلا علي صعوبات ذلك . ومن ثم فإن علي الدول النامية أن تتجنب التقليد الأعمي لطرق وأساليب تنمية الدول الصناعية وعليها أن تختار لنفسها وتقوم بتطويع الأساليب والنماذج التي تتمشي وقيمها وتراثها الوطني .

7 تدعيم الإحساس بمعنويات الإنسان والإنسانية وإن كان وسيلة التنمية فو أيضا هدفها النهائي . وتعميق مفاهيم الإنسانية لا يأتي إلا بإداراك ومراعاة ظروف وآراء ومصالح ومشاعر الأطراف الأخري . ورغم العقبات والعصيبات والنكسات التي يواجهها الإنسان في سبيل تعميق إنسانيته وإتساع دائرتها لتشمل الإنسان من كل جنس ولون وعقيدة ، فلا مفر هناك في عالمنا المتضائل من إدراك المصير المشترك ومزايا التعاون عليأسس من العدالة .

8 وأخيرا وليس آخرا ، المساهمة في إيجاد وعي قومي عام عن أبعاد المسيرة الإنمائية ، ومتابعة خطاها في شتي النواحي والأبعاد ، والإشارة إلي أخطار المسيرة الإنمائية عند حدوث هذه الأخطاء ، ليس بقصد تصيد الأخطاء الصغيرة ، أو الإثارة والتشهير وإنما المساهمة أساسا في إكتشاف التصحيح اللازم للأخطاء وكيفية وتفادي حدوثها .


مفهوم الحملات الإعلامية

تعريف الحملات في اللغة Campaign

حمُل: حمل الشئ يحمله حملا وحملاناً فهو محمول ، وجميل وأحتمله .

حملة: عدة عمليات متصلة بعضها لتحقيق هدف مرغوب فيه وذلك بحث الرأي العام على تأييد هذا المصطلح.

حملة صحيفة أو إعلامية Press Campaing  سلسة من المواد الصحفية أو الإعلامية المتناسقة تستخدم موضوعا أو مسالة محددة وتخطط لانجاز هدف معين. والحملات الإعلامية هي شكل من أشكال الاتصال ولكنها تتميز ببعض الخصائص والملامح رغم أننا نجد أن مصطلح الحملات الإعلامية يستخدم في الأوساط العامة وحتى في والوسط الإعلامي استخداما دون الالتزام بالمدلول العلمي لهذا المصطلح ونجد استخدامه أكثر شيوعا في الدول النامية التي يعول قادتها كثير على الأعلم كمؤثر فاعل في البناء والتنمية وذلك باستخدام الحملات الإعلامية.

ويمكن أن ننظر إلى مفهوم الحملات الإعلامية وفق اتجاهين:

  • هدف الحملات الإعلامية Objective ويرتكز في التأثير على معتقدات وسلوك مجموعات أخرى باستخدام فاعلية الاتصال مثل حملات التوعية عن فيروس الايدز.
  • يأتي الاتجاه الأخر في إطار الطريق والمناهج Methods التي تتبعها الحملة مثل وسائل التعزيز (الترويج) عن طريق وسائل الإعلام وغالبا ما يطلق عليها تسمية الإعلان غير التجاري Non profit Announcement .

ويشير بايزلى Paisley إلى أن الحملات الإعلامية تقوم على أساسين هم..

  • الأساس الأول : السيطرة الاجتماعية Social Control ويرتكز على ثلاثة محاور رئيسية وهى :

أ/ التعليم Education : اى توفير المعلومات المتعلقة بموضوع الحملة بهدف تعريف الجمهور بهذه القضية أو تلك الظاهرة . ويمكن لوسائل الاتصال الجماهيري والاتصال الشخصي القيام بهذا الدور لما لهذه الوسائل من دور فعال في التأثير على كافة الجوانب المعرفية والسلوكية والتي تساعد الجمهور على اتخاذ القرار السليم.

ب/ التدبير Engineering: والمقصود به كافة الإجراءات الإرشادية والتوجيهية اللازم اتخاذهما من اجل معالجة المشكلة المطروحة في الحملة .

ج/التعزيز  Reinforcement: وهو اتخاذ كافة الإجراءات الداعمة والتأكيدية التي تدعو إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة مثل تعديل السلوك .

وعلى كل حال فان المحور الأول التعليم يبدو في الإستراتيجية الأكثر اعتمادا والأكثر تحقيقا لأهداف الحملة الإعلامية في كثير من الأحيان يليه التعزيز والتدبير .

  • الأساس الثاني : العملية Process ويقوم على أساس تحديد أولويات التخطيط للعملية الإعلامية من حيث الأساليب الإعلامية المناسبة في ضوء خصائص الجمهور المستهدف إلى جانب الخطط المتعلقة بالإدارة وخطوات التخطيط الأخرى كالجدولة وتقوم نتائج الحملة والبدائل المتاحة وحساب العائد والتكلفة .

أنواع الحملات الإعلامية :

قسمها الأستاذ (Kotler) إلى أربعة أنواع :

  1. الحملات التي تهدف إلى تغيير مفاهيم المواطنين تجاه موضوع يهم الرأي العام وعى أكثر الحملات نجاحا وتأثيرا .
  2. الحملات التي تهدف إلى تحقيق هدف محدد مثل حملة التطعيم ضد مرض معين .
  3. الحملات التي تهدف إلى تغيير التصرفات وهى في العادة صعبة ومعقدة لان التصرفات تكون نتيجة لعادات وتغييرها ويتطلب تغيير العادات أيضا .
  4. الحملات التي تهدف إلى تغيير القيم السائدة وهى أصعب أنواع الحملات باعتبارها تربط بالفكر الذي هو مكونا للقيم .

عليه فان تخطيط وتنفيذ الحملات الإعلامية لابد أن يتسم بالحذر والدقة لان الأدوات المتوفرة للتنفيذ يمكن استقلالها للتغيير إلى الأحسن أو إساءة استقلالها ويحدث العكس في تحقيق التغيير نحو السوء .

يعرف معهد الإعلام الدولي بألمانيا الاتحادية الحملات الإعلامية بأنها جهد متناسق ومخطط للوصول إلى قبول وتعاون مجموعة أو مجموعا مستهدفة من الجمهور حول خطط أو أسياسات أو منتجات وذلك لاستخدام ناجح لوسائل الاتصال المتاحة مع استخدام الخبرة والموارد “مجانية أو مدفوعة الأجر” اخذين في الاعتبار عامل الظروف والتكلفة والزمن .

  • وجاء في التقرير الختامي للندوة الدولية عن دور الحملات الإعلامية في الإنتاج والخدمات .

أن الحملات الإعلامية تقوم على أساس احترام حرية الفرد والجماعة بأسلوب ديمقراطي سليم وهى لذلك تعتم أساسا على الإقناع وتقديم المعلومات الواضحة وتكوين قناعة ذاتية تؤثر في السلوكيات مما يضمن مشاركته في الأهداف القومية.

من هذين التعريفين نستخلص بعض العناصر والمفاهيم التي تحكم الحملات الإعلامية وهى :

  1. التخطيط : لا تصمم الحملات الإعلامية إلا لهدف بعينة ولذا لابد أن يكون لأسس معلومة يعمل على تحقيق هذا الهدف أو تساعد فيه ولذا لابد أن يكون العمل وفقا لخطة تتبع مراحل التخطيط المعلومة كالإحاطة بالمشكلة موضوع الحملة ، وجمع البيانات والمعلومات الكافية وترتيب الأولويات ثم التنفيذ لتأتى المرحلة الأخيرة وهى مرحلة التقييم والمراجعة .
  2. التنسيق : ويعتبر من العناصر الهامة في الحملات الإعلامية وهى توفير عنصر الانسجام والتوافق بين أجزاء الحملة الواحدة ولا يتم ذلك إلا بالتنسيق المستمر والدائم مع فعاليات تنفيذ الحملة مؤسسات أم أفراد .
  3. الإقناع : ويتطلب هذا العنصر ضرورة دراسة الجمهور المستهدف وتحديد الفترة الزمنية والتمويل الجيد ويعتبر عنصر التويل من العناصر الأساسية في الحملة الإعلامية فلابد من القائم بالتخطيط للحملة الإعلامية من تحديد ميزانية شاملة لتكليف التخطيط والتنفيذ والتقويم والتحضير وإيجاد التمويل اللازم الذي يوفر في كل عناصر الميزانية .
  4. الوسائل المستخدمة : وهنا لابد من معرفة محاسن ومساوي كل وسيلة ومدى النجاح الذي يمكن أن تحققه .
  5. المصداقية : في ما تهدف له الحملات الإعلامية تجاه الجمهور المستهدف .

لقد عرف كل من روجر وستورى Rogers and storey الحملة الإعلامية بأنها : (نظام للأنشطة الاتصالية ، التي تعتزم أحداث تأثيرات محددة في عدد كبير نسبيا من الجمهور ، وذلك خلال فترة زمنية محددةوبالتالي فان اى حملة إعلامية كما يرى الباحثان تعتمد على ثلاث مقومات هي :

  • أنها تستهدف وتسعى إلى التأثير على الأفراد
  • أنها تستهدف قطاعا كبيراً من الجمهور
  • تنجز الحملة الإعلامية من خلال وقت محدد ” طويل أم قصير” إلى جانب أنها تسعى إلى جانب أنها تشتمل على نظام متكامل من الأنشطة الاتصالية .

فيما عرف هربرت سيمونز Herbert Simons الحملة الإعلامية بأنها ” محاولات منظمة للتأثير في الجماعات أو الجماهير العريضة من خلال سلسلة من الرسائل

تخطيط الحملات الإعلامية :

تعتبر حملات التوعية العامة التي تقوم بها وسائل الاتصال ضرورة ملحة في دول العالم النامية وذلك لأنها تهدف إلى رفع مستوى الوعي وتعمل على تعزيز مشاركة الجماهير في العملية التنموية والتطور الذي تقوم به المؤسسات الحكومية لتقوية الثقة بينها وبين الجمهور من اجل رفع المستوى الاجتماعي والثقافي والمساهمة في تطور المجتمع ، كذلك تعمل حملات التوعية على قبول الأفكار والأنماط السلوكية الحديثة من اجل تغيير النظم الاجتماعية عن طريق نشر الأفكار المستحدثة نحو الأفضل

لهذا فحملات التوعية الإعلامية وخاصة الإقناعيه تواجه صعوبات كثيرة في مقدمتها عدم اهتمام الجمهور برسائل تلك الحملات وتمسكه بالسلوك القديم وعدم الرغبة في التغيير بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى تقلل من فرص نجاح هذه الحملات . ولتجاوز هذه الإشكالات فلابد من تخطيط كمرحلة تالية لوضع السياسات التي تترجم إلى خطط تنفيذية

ترى B.Dervin أن يتم التخطيط للحملات الإعلامية على أساس تصور الاتصال كحوار يبادل بين مصادر الصفوة ن ومختلف فئات الجماهير ، بحيث لا يجب أن تبنى هذه الحملات على أساس أنها محاولة لإغراء الجمهور بفعل ما تريده الصفوة ليساعد في تحمل مسؤولية بناء حياته بما يعود بالنفع له وللمجتمع معا ، وهو ما يتطلب الاهتمام بعناصر العملية التبادلية عن طريق

(أ) حالة من التوافق والاتفاق بين الطرفين المتبادلين .

(ب) توفر ظروف مناسبة تساعد على اتخاذ الإجراء المناسب .

قد يكون من المفيد هنا بالنسبة للمسوق أتباع مدخل المبدأ المناسب Right principle وهو المدخل الذي يعتمد على التحكم الدقيق والمخطط في مجموعة القرارات التي تدور حولها العملية التبادلية ن واستخدامها في الوقت والمكان المناسب ، بهدف تحقيق الاستمالة الكافية والترغيب المناسب للمستهلك وإقناعه بالخدمة أو الفكرة محل التبادل ولكي تحقق الحملات الإعلامية أهدافها لابد من تخطيط سليم والتخطيط للحملة الإعلامية له عدة خطوات يجب عملها وهى :

(1) تحديد المشكلة Problem Definition :

تعني هذه الخطوة جمع المعلومات والإحصاءات عن المشكلة وموضوع البحث ومعرفة أبعادها الحقيقية وهذه الخطوة تفيد في دراسة الاتجاه نحو موضوع أو فكرة الحملة ومقارنتها بنتائج الحملات السابقة والتوقعات المستقبلية حول الخدمات والأفكار

وفي هذه الدراسة يريد الباحث معرفة عدم تجاوب المواطنين مع قيام مشاريع التنمية وما مدي تأثير حملات الإعلام في تغيير اتجاهات وسلوك الجمهور المستهدف وإعتاق هذا الجمهور من الموروثات والتقاليد السالبة والتي تعوق عملية التنمية .ولهذا يجب إجراء مقابلات شخصية ودراسات ميدانية ومعرفة أراء المواطنون الذين يكونون في الغالب لهم علاقة بقيام مشروع تنموي ما واستطلاع أرائهم حمل المشكلة من قيام مشاريع التنمية واقتراحاتهم لإيجاد الحلول المناسبة .

المواطنون موضوع الدراسة في هذا البحث يمثلون المناصير  المتأثرين من قيام سد مروي . أما المسئولين الذين تجري معهم المقابلات هم المسئولون بوحدة تنفيذ السدود.

(2) تحديد أهداف الحملة :

تعتبر أهم الخطوات في قيام الحملة لأنها تمثل الغابات التي من اجلها توضع الخطة وهي المحور الذي تدور حوله الخطة ، وتختلف أهداف حملات التوعية الإعلامية العامة ، إذ أن بعضها يهدف فقط إلي التوعية والإرشاد للجمهور المستهدف أو تهدف بذلك إلي تغيير السلوك أو تحقيق الاثنين معا .

تأتي هذه الخطوة بناءا علي المعلومات والنتائج التي تم جمعها في مرحلة تحليل الموقف أو طبقا للاتي :-

1/ نوع الموضوع أو القضية أو الجدول الزمني .

2/ نوع الجمهور المستهدف في ضوء الاتجاهات السائدة وما تعكسه من قيم

وعادات وتقاليد . ويحدد فرج الكامل مجموعة من التساؤلات تساعد في الحصول

على البيانات من اجل تحديد أهداف الحملة

  • ما هو التأثير المطلوب للحملة ؟ كيف يتم تحقيقه ؟ ما هي العقبات التي تواجهها ؟ ما هي الأهداف أو المخرجات التي يتعين على البرنامج تحقيقها ، مثل :

تعريض الجمهور للرسالة – جذب الانتباه – إثارة الاهتمام والإعجاب بالرسالة معرفة الموضوع الذي تتحدث عنه الرسالة – تعليم الجمهور مهارات متعلقة بحل المشكلة – فهم الجمهور للرسالة ولا سباب السلوك الذي تخص عليه – تغيير الاتجاهات والاعتقادات بما يتفق مع الرسالة – الاحتفاظ بالمعلومات وتذكرها – اتخاذ القرار بالاستجابة للرسالة – القيام بسلوك يتفق مع الرسالة .

(3) تحديد الجمهور المستهدف من الحملات الإعلامية :

لكي تحقق الحملات الإعلامية نجاحها المطلوب لابد من تحديد الجمهور بصورة واضحة وينقسم الجمهور إلى قسمين :

(أ) الجمهور الأولي :

هو الذي يرغب المخططون والمنفذون للحملة الإعلامية الوصول إليه ويتم تحديده تحديدا دقيقا ليست من الناحية الجغرافية فحسب بل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعربية ويساعد هذا التحديد في لاختيار الرسالة والوسيلة الاتصالية المناسبة .

كذلك تحديد الجمهور يساعد علي :-

(1)  التركيز علي فئة معينة من الجمهور .

(2) دراسة سلوك الفئة المستهدفة لمعرفة أفضل إستراتيجيات التأثير للوصول إليه.

وحملات التوعية بأهمية العمل التنموي تتطلب معرفة الجمهور المستهدف من كافة النواحي .

(ب)  الجمهور الثانوي :

هو الجمهور الذي يمكن أن يساعد في نجاح الحملة بسبب اتصاله المباشر وغير المباشر بالجمهور وهذا القسم غالبا غير تقليدي ويمثلون قادة الرأي وزعماء المجتمع المحلي ، المعلمون ، المربون ، الشخصيات الرياضية ، أهل الفن ، رجال العمال وغيرهم . وقد تكون مساهماتهم مباشرة وغير مباشرة في المشاركة الفعالة لإنجاح الإستراتيجية علي سبيل قيامهم بإنشاء وحدات تدريبية للتوعية ملحقة بمؤسساتهم ومواقعهم وتحريك الشباب لإنجاح الحملات بحكم أنهم من أنصار التحديث .

عندما نعرف الجمهور المستهدف وما الذي يحفزه يصبح بإمكاننا التخطيط لكيفية إحداث التغيرات التي نريد تحقيقها ويجن أن نتذكر أنهم ينظرون إلي القضية بشكل مختلف عن نظرتنا ولذلك يجب أن نضع أنفسنا مكان الجمهور المستهدف وكذلك أن نتخيل الحجج والضغوط التي تدفعهم إلي إحداث التغيير .


(4) تحديد العوامل المؤثرة في إنجاح الحملة الإعلامية :

الحملة عبارة عن سلسة الخطوات لذلك ينبغي أن نفكر في الأنشطة التي ستتم لاحقا وبالغرض المتاح إشراكها في الحملة ولضمان نجاح الحملة في تحقيق ذلك فمن الضروري مراعاة الجوانب التالية :

(أ) أن تكون الحملات الإعلامية قادرة علي التأثير من خلال إبراز الجوانب الحقيقة للمعوقات التي تواجه قيام مشاريع التنمية وتقديمها بشكل جيد فالحملات التي تطرح أفكار جيدة ينبغي أن نفكر في البداية علي زيادة الجرعات المعرفية لدي الجمهور عن موضوع الحملة مثل إظهار الآثار السلبية المترتبة علي تعويق العمل التنموي وإبراز الآثار الإيجابية التي حققتها المشاريع التنموية في البلدان المتقدمة ، فان ذلك يحمل رسالة تحث الجمهور للتفاعل مع التنمية وتشجيعها وتفهم رسالتها

(ب) حساسية الموضوع وملائمتة للدين والعادات والتقاليد وهذا يتوقف علي تقبل الجمهور من ناحية ملائمتهم لعملية التغيير .

(5) تحديد الإستراتيجية العامة لتنفيذ برامج الحملة  Tactics   :

المقصود من وضع الإستراتيجيات العامة لتنفيذ الحملة هو وضع السياسات والطرق التي تنبني عليها الحملة بحيث يجب أن تكون هنالك طريقة واضحة لتنفيذ الحملة ونظرا لان حملة التوعية تهدف تغيير معرفية تم اتجاهية ثم سلوكية أي التوعية عن طريق التعليم والإعلام والتنسيق مع مؤسسات الدولة والمؤسسات التي تقدم الخبرات الفنية مثل مراكز البحوث فلابد من قيام المؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة والإيصال بها لكي تعمل عكس النشاط التنموي بصورة تعريفية توضح للجمهور أهمية قيام مشاريع التنمية وما يترتب من أثار إيجابية مستقبلا .

(6) تحديد الموارد المتاحة  لتنفذ الحملة :

إن حملات التوعية الإعلامية التي تصاحب قيام المشاريع التنموية تحتاج إلي وضع ميزانية كبيرة تغطي جميع احتياجات هذه الحملات لأهمية وضرورة نجاحها وتحقيق أهدافها . وعلي ضوء الموارد المالية المتاحة للحملة الإعلامية تستطيع إدارة الحملة أن تحدد العناصر البشرية والإمكانيات الفنية اللازمة لتنفيذ أنشطتها كما تتمكن أيضا من تحقيق الوسائل الإعلامية المناسبة وتشمل النفقات في الحملات ما يلي :

(أ) الدراسات والاستشارات .

(ب) التكاليف الخاصة بي الأنشطة والفعاليات .

(ج) تصميم وإعداد الرسائل الإعلامية للوسائل المختلفة .

(د) نفقات القائمين علي أمر الحملات .

(7 )اختيار الوسائل والأنشطة الاتصالية :

من المهم معرفته كل خصائص وميزات كل وسائل الاتصال الجماهيري التي تستخدم في الحملات الإعلامية ومدي إقناعها وتأثيرها علي الجمهور ومعرفة الوسائل التي تتكامل معها  وتساند في قيام الحملة . ومن المهم طرح التساؤل الخاص بمدى إمكانية التعاون المشترك بين القائمين علي الوسائل الاتصالية مع القائمين علي أمر حملات التنمية الاجتماعية وهل استخدمت هذه الوسائل حملات سابقة .

ويشير كل من (باركر ، روجرز ، وسوبوري ) (Barker , Roger and Sopory 1992 ) (إلي أن كثير من النشاطات المرتبطة بالاتصال وخاصة المتعلقة بالخطة ، هي فاعلية تلك التي تتبني منهج الأنظمة (System Approach) الذي تتدخل فيه قنوات الاتصال الشخصي والمواد المطبوعة والمنظمات والشبكات الاجتماعية وقادة الرأي والقادة السياسيون ومقدمو الخدمات ونظم التعليم الرسمي ) .

لكل جمهور وسيلة اتصالية مناسبة حسب الوضع الثقافي والاقتصادي  والاجتماعي والسياسي ولهذا تتناول هذه الدراسة كيفية التوظيف الأمثل لوسائل الإعلام ومساهمتها في أحداث التنمية المستدامة وهنالك ثلاثة أنواع رئيسية من وسائل الاتصال :

(أ) وسائل اتصال جماهيري :

وتتميز هذه الوسائل بقدرتها علي توصيل الرسالة إلى جماهير كبيرة في اكبر حيز جغرافي وتشمل بصورة أساسية الراديو والتلفزيون والصحافة ونتيجة لتطوير تكنولوجيا الاتصال ظهرت وسائل جديدة كالانترنت والهاتف النقال والندوات والبرامج الإذاعية والمقالات المنتظمة في الصحافة والمجلات  وكذلك من خلال الإشكال الصحفية مثل التحقيق ، العمود الصحفي ، الكاريكاتير ، بجانب تصميم رسائل قصيرة غير مملة في شكل درامي .

(ب) وسائل الاتصال الجمعي :

وتتميز بمحدودية الجمهور التي يمكن أن تصل إلية مثل تنظيم الندوات التي يشارك فيها خبراء الاقتصاد والمجال التنموي .

(ج) وسائل الاتصال الشخصي :

وتتميز بمحدودية كبيرة  للجمهور والمكان الذي تغطية ، ولكنها تتفوق علي بقية الوسائل في زيادة نسبة التفاعل بين المصدر والمتلقي والعكس وتشمل هذه الدراسة الاتصال ألمواجهي .

(8) تحديد رسائل الحملة :

للرسائل دور كبير في نجاح الحملة أو فشلها وبعد أن تعرفنا علي جمهور هذه الحملات والمستهدفين منها “المواطنين بمواقع مشاريع التنمية ” فلابد من تقيم الرسالة الإعلامية وبثها بصورة تتناسب والصفات العمرية والتعليم والعادات والتقاليد وغيرها من المميزات .

كذلك لابد من إنتاج رسائل قصيرة إذاعية وتلفزيونية وصحفية بصورة غير تقليدية توضح أهمية التنمية من خلال تقديم نمازج لدول ناهضة تنمويا .

(9) وضع جدول زمني لتنفيذ الحملة الإعلامية :

الحملات الإعلامية تسير وفق خطة مرسومة لتحقيق هدف معين وتعتبر عملية الزمن احد أساسيات الحملات الإعلامية  ، والزمن يشمل مرحلة الإعداد والتحضير للحملة والفترة التي تستغرقها وتوقيت البث والنشر بالتنسيق مع مراحل تطوير العمل التنموي . وحملات التوعية العامة تعتمد في اغلب الأحيان علي النشر المجاني الذي تتبرع به وسائل الإعلام الوطنية ، كما يتبرع به بعض الأفراد المتبرعين للحملة وتوصيل رسالتها المطلوبة للجمهور المستهدف ، وبالطبع فالتطوير والتبرع في عملية بث الرسائل بدقة كافية خلال الفترة الزمنية المقررة للحملة ولكن في حالة إقناع الجهات الحكومية والخاصة بأهمية هذه الحملات وفي حالة توفر الرسائل المناسبة في أسلوبها وإعدادها فانه يمكن التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحديد الوقت المناسب لبثها ولاعتبار حملات التوعية تناقش مشاكل وطنية ترتبط بصورة مباشرة بالمواطنين فانه يجب أن تحظي هذه الحملات بدعم حكومي كبير ومن أعلى المستويات في الدولة لكي تحقق لها النجاح مع ضرورة أن يكون بدء الحملات في احتفالية تتزامن مع بداية انطلاقة العمل مع أي مشروع تنموي .

(10)التنفيذ والمتابعة Implementation and Evaluation:

البدء الفعلي في تنفيذ الحملة يتم وفقا للجدول الزمني المقترح مع متابعة ما يستجد من أحداث قد تؤثر سلبا على سير الحملة الإعلامية مثل الانتقادات أثناء مرحلة التنفيذ أو تغيير المناخ السياسي للبلد كذلك التوقيت الزمني الغير مناسب لبث الرسائل الإعلامية وهو أيضا له تأثير كبير في إعاقة الحملات الإعلامية .

 (11) تقييم وتقويم الحملة :

يعتمد تقييم الحملة الإعلامية اعتمادا مباشر على الدراسات والبحوث التي يجب اتخاذهما قبل وأثناء وبعد الحملة لكي تستطيع من خلال هذه البحوث والدراسات التعرف على النتائج التي يتم التوصل إليها سابقا والأهداف التي يتم تحقيقها . كما يجب أن يكون هنالك دراسة للحملة خلال فترة تنفيذها للتعرف على المشاكل التي تعترض استمرار ونجاح الحملات الإعلامية ومحاولة القضاء على هذه المشاكل من خلال لإيجاد الحلول المناسبة لها ، وان أهمية التقويم المرحلي لا تقتصر على برنامج أو اعلان أو مقالة وإنما تمتد إلى الخطة بأكملها ومن ثم إجراء تقييم شامل للحملات الإعلامية بعد انتهائها وان يستند هذا التقييم على ما حققته الحملات من أهداف وليس على ما تحقق لها من مشاركة.

وهنالك إجراءات خاصة بتقويم الحملة

  1. إجراء اختبارات التعرف لمعرفة مدى إلمام الجمهور المستهدف ووعيه بقضية الحملة .
  2. إجراء اختبارات التذكر .. وتتم بعد بداية الحملة بفترة .
  3. الوعي بالخدمة .. إدراك الخدمات المقدمة والمعلن عنها في الحملة
  4. قياس الاتجاهات مثل النية لتبنى الرسالة أو رفضها والأسباب وراء ذلك .
  5. اختبارات التغيرات لقياس تغيير الاتجاهات والعوامل المساعدة في ذلك .

عملية المتابعة والتقويم تكون بصفة دورية لقياس تأثير رسائل الحملة الإعلامية على الجمهور المستهدف ، وقياس لاتجاهات التأثير سلبا أو إيجابا للمعالجة والتدخل لإجراء التعديلات المطلوبة إزالة المعوقات إن وجدت .

(12) المراجعة وإعادة التخطيط :

تشمل هذه المرحلة قياس التأثير إعادة التخطيط وفقا للنتائج المترتبة على الحملة . فالحملات هي عملية اتصالية المرسلة يهدف منها في توصيل رسالة عبر وسيط أو وسيلة إلى جمهور معين ولكن لا تتفق حدود الاتصال الناجح عند توصيل الرسالة وإنما تتعداها إلى محاولة معرفة التأثير الذي أحدثه ومعرفة رجع الصدى لدى الجمهور من خلال التعبير عن أرائه وأفكاره حول ما تدعو له الحملات الإعلامية حول العمل التنموي مثلا ويمكن قياس هذا التأثير أيضا من خلال تقصى رأى الجمهور بواسطة بحوث الرأي العام ،كما يمكن قياس تأثير أو نجاح بعض الحملات من خلال ملاحظة تغيير السلوك العام والتحول الايجابي والاستجابة لتفعيل ومساندة التطور التنموي .

مقومات نجاح التخطيط للحملة.

  • الشمول : ويعنى شمول التخطيط للحملة الإعلامية لكافة عناصر العملية الاتصالية المرسل والرسالة والجمهور والأثر لا كل عنصر يعتبر مؤشرا ويؤثر في العناصر الأخرى .
  • التكامل : ويعنى التكامل مع الخطط والبرامج الإعلامية السابقة ومع الخطط والبرامج التنموية .
  • المرونة : ويعنى القدرة على التعديل الطارئ لمواجهة الظروف غير المتوقعة للقائم بالاتصال .
  • الاستمرارية : بمعنى أن نتصور أن كل مرحلة من مراحل التخطيط والتنفيذ للحملة الإعلامية تتصل بما قبلها وتؤدى إلى ما بعدها . وذلك ضمانا لاستمرار العمل ووقائة بالغايات المنشودة .
  • التكلفة : يعنى توفر التمويل اللازم للحملة .
  • يسر الأداء : توفر جميع وسائل أداء الخطة الإعلامية وتنفيذها.


الشكل رقم (2)

طرق تقييم الحملة

 

 

 

 

 

 

– قوائم المراجعة       +المكالمات التلفونية        – اختبار التعرف

– اختبار المحكمين    +طرق المسجل الأولى    – اختبار التذكر

– الطرق الآلية           +المذكرات              – اختبار الاتجاهات

– بحوث قياس الاتجاهات                        – اختبار الاستفسارات

– اختبار الخدمة (الخدمة – الفكرة)               – اختبار الخدمة

كذلك لابد من القيام بالاتي :

– تحديد حجم الجمهور المستهدف       – قياس فعالية الحملة الإعلامية

– مراجعة المحكمين لمحتوى الحملة   – قياس قدرة المستهدفين على التذكر

– الاختبار المعملي لقياس قدرة الحملة – معرفة اتجاهات الأفراد نحو الحملة

على جذب الانتباه وتحديد نوع الاستجابات – قياس اثر الحملة على تصرفات وسلوك المستهدفين

  • اختبار قبلي محدد لقياس نتائج ومعرفة درجة تعرف الجمهور على الحملة واتجاهاته نحو الرسالة المقدمة.

يرى الباحث أهمية أن يراعى عند تصميم رسائل التوعية بأهمية قيام المشاريع التنموية من خلال الحملات الإعلامية ، الارتباط بين (المعرفة – الاتصال – العوامل الاجتماعية والاقتصادية – السلوك) ومراعاة هذا الارتباط يهدف في نهاية الأمر إلى أحداث التغيير بشكل متوازن كما يرى أن الاهتمام مؤشر مهم للغاية للمتلقين ، حيث أن أثارة اهتمامهم بقضية ما يشكل الهم الدافع والحافز لاستيعاب المعلومات والتفكير فيها بالاستمرار ، بل وطلب الاستزادة في المعرفة من المختصين لإزالة التوتر وأحداث التوازن المعرفي .

عملية تخطيط الحملات الإعلامية يجب أن تتم على أساس تصور الاتصال كحوار بين مصادر الصفوة ومختلف فئات الجمهور وبالتالي بجدر إلا تبنى الحملات على أنها محاولة لإغراء الجمهور أن يفعل ما تريده الصفوة ولكن ليساعد الناس في مسئولية بناء حياتهم بما يعود عليهم بالفائدة . التفاعل المتبادل يعتبر أكثر فاعلية من هيمنة المصدر في عملية الاتصال وبالتالي تعمل المصادر على أن تعلم الجمهور أكثر بكل المواقف اليومية والقضايا الحيوية التي تواجهه فيتأثر تدريجيا ويتعلم ما يفيده في إعادة بناء حياته .

هذا بجانب تعلم المصادر احترام الجمهور ، وتبعا لذلك سيتجه الجمهور إلى تقدير ما تريده الصفوة منهم أن يقوموا به .

يتم ذلك بإزالة الحواجز والقيود التي تحول دون التفاعل المتبادل بين الصفوة ، والمتلقين ، وبصفة خاصة الطبقات الدنيا والأقليات ، وصعوبة ذلك تتأتى من نظم وسائل الإعلام نفسها التي لا تسمح بوجود رجع صدى سريع من المتلقين يفيد في تشكيل النظرة المتعلقة للمواقف الحياتية والحاجات الإعلامية لأفراد المتلقين وليس إعادة صياغة الرسالة فقط .

وربما يساعد التطور التكنولوجي في تخفيض نفقات تحقيق التفاعل بين المصادر والمتلقين كالاستفادة من الانترنت في تبادل المعلومات ، والى أن يعم هذا التطور التقني تتطلب الشرائح من الطبقات الدنيا والأقليات أن تصمم لها رسائل توعية خاصة بها وفق الإطار الدلالي لكل منها ، وكل شريحة لها دورها ولها مطلوباتها التي تخاطب وفقها ليشكل ذلك إدراكا وتيقظا للوعي كما قال بذلك (Shiller) ” أن الإدراك هو حالة تيقظ للوعي ، وهو حساسية للواقع تسبق الفعل وبالتالي فإذا ما تبلد الوعي وضعف الإدراك فان إحساس المرء بالخطر يتضاءل ، ويصبح مهددا في عيشه المستقر ، فالوعي اليقظ مصدر القوة الأساسي للوجود الإنساني ، وهو القوة الوحيدة التي يعول عليها والتي يمكن أن تؤدى إلى تغيير البيئة المادية المؤسساتية . فإذا ما تم إهدار قدرته ، فان المجتمع يعيش حالة من التردي “.

هدف هذه الدراسة هو إيقاف حالة التردي من خلال تقديم نموذج فعال لحملة إعلامية تزيد من درجة الوعي والإدراك لشرائح المجتمع كافة ، وتنجبها المخاطر وتفتح لها الأبواب التي تؤمن لها تبنى السلوك الايجابي الذي يؤمن الفرد والمجتمع من انعدام التنمية .

 

 

 

 

 

 

الاستجابة المعرفية وتشكيل الاتجاه

بدأت دراسات الإعلام في القرن الماضي تأخذ اتجاها معرفيا وازداد تركيز الدراسات الاقناعية ، وهنا في هذه الدراسة تأتى أهمية دور الحملات الإعلامية في تشكيل الاتجاهات على التفاعلات المعرفية والذاتية للأفراد تجاه الرسائل الاقناعية لأهمية مشروعات التنمية والعمل التنموي بصورة عامة .

جاء اتجاه الاستجابة المعرفية مكملا لنظرية تشكيل الاتجاهات حيث يستمد جذوره منها .

مفهوم الاستجابة المعرفية Cognitive Response :

“الاستجابة المعرفية هي رسالة داخلية صامته تصدر عن المتلقي وهى عبارة عن فكرة أو معلومة متعلقة بموضوع أو قضية معينة وتنتج عن عمليات معرفية معينة ناتجة لعمليات معالجة المعلومة وبنائها . وتتضمن مدركات وتداعيات للمعاني ومخرجات للأفكار

(وتتعدد المسيرات الاتصالية والاقناعية التي تصدر عنها العمليات والاستجابات المعرفية حيث تصدر بعضها من الاحتكاك المباشر بمسير بسيط وبعض الاستجابات تصدر نتيجة لاسترجاع خصائص مثير معين من الذاكرة أو استرجاع براهين خاصة برسالة اقناعية ما ، وبعض الاستجابات المعرفية تنتج عن أعمال العقل في مثير معين ، وتفنيد رسالة ما).

وهنا تأتى أهمية أن تتوسط الاستجابات المعرفية تأثير الرسائل المختلفة على أراء واتجاهات المتلقين ، أي أنها تقوم بدورها المتغير الوسيط .(هنالك بعض الباحثين يعتبرون الاستجابات المعرفية إنتاجا لبعض العوامل مثل الرسالة البيئة الاتصالية وخصائص المتلقين ، أي انه يعتبرونها متغيرا تابعا وليس وسيطا) .

الاتجاهات Attitudes :

هي استعداد مكتسب للاستجابة بشكل ثابت نسبيا بالسلب أو الإيجاب نحو شئ محدد . للفرد يكون اتجاهات نحو الأشياء والآخرين اللذين يتعامل معهم أو يشترك معهم في عملية الاتصال .

للاتجاهات أهمية بالغة في عملية ن ودراسة الاتصال . والباحثون يهتمون للكيفية التي يتم بها تكوين الاتجاه وطبيعته وتغييره أو تعديله أو استمراره ، وتعتبر دراسة الاتجاهات جزءا أساسيا في نظريات الإعلام .

للاتجاهات أهمية بالغة في دراسة الاتصال إذا أن :

  • لكل من المرسل والمستقبل اتجاه سلبي أو ايجابي نحو الأخر.
  • لكل من المرسل والمستقبل اتجاه سلبي أو ايجابي نحو الموضوع الذي يدور حوله الاتصال.
  • لكل من المرسل والمستقل اتجاهات سلبية أو ايجابية نحو الأشياء والأشخاص والمواقف الأخرى التي ترد في الرسالة .

من ما تقدم يتضح أن للاتجاه خصائص يندرج في العناصر التالية :

  • الاتجاه هو الاستعداد للسلوك (الاستجابة)
  • الاستجابة (أيا كانت)يمكن تصنيفها إلى ايجابية أو سلبية
  • الاستعداد للسلوك ايجابيا أو سلبيا نحو شئ محدد هو استعداد مكتسب (أي تم تعلمه).


الاتجاه كاستعداد للسلوك :

سلوك الكائن الحي (الاستجابة ، الحركة ، الحديث… الخ) يتم بعد تلقيه إشارات المخ “مركز للسيطرة” وحيث يتحكم في جميع أنواع السلوك (علاقة الاتجاهات بمركز السيطرة باعتبار أنها تعد المرحلة الأخيرة من سلسلة تتكون من ثلاثة مراحل هي الحوافز – الدوافع – الاتجاهات).

1/الحوافز Drives :

وهى حالات جسدية تتمثل في الشعور بعدم الراحة. وهى تعتبر بمثابة المادة الخام التي تتكون منها دوافع السلوك .وهناك حوافز إنسانية مثل الجوع والعطش والجنس والألم ، وتثور هذه الحوافز حينما يكون الجسم في حالة عدم الانسجام مع البيئة المحيطة ، كان يحرم من إشباع حاجات أساسية كالطعام والشراب .

حرمان الجسم من الطعام فانه يعانى من الجوع ويمر بحالة من عدم الراحة والقلق ويستمران حتى يتم إشباع الحاجة للطعام … وكذا الحاجات الأخرى .

إذن الحوافز هي أساس الجسم بحاجة معينة تتطلب قيام الفرد (بسلوك) معين لإشباعها .

2/الدوافع Motives :

وهى هدف أو حاجة من أهداف أو حاجات الكائن الحي وهى أحدى طرق إشباع الحوافز. يعد هذا الهدف أو الحاجة بمثابة منفذ يستطيع الكائن الحي من خلاله أن يتلخص من حالة القلق والتوتر ، فالطعام مثلا هو الدافع الذي يشبع حافز الجوع .معنى ذلك أن الدافع بقدم منفذا ممكنا للتنفيس عن حالة التوتر والإضراب المرتبط بالحافز .

هذه “المنافذ” يتعلمها الفرد من خلال التجربة ، وتوجد عدة منافذ لإشباع حافز معين “أي أن عددا من الدوافع قد يرتبط بحافز واحد” وفى جهة أخرى فان هناك بعض الدوافع قد ينبني على مجموعة من الدوافع بدلا من حافز واحد (1).

نستنتج من ذلك أن الدوافع تعطى الإنسان القدرة على توجيه سلوكه الذي يهدف من القلق أو التوتر أو عدم التكيف مع البيئة .

3/الاتجاهات Attitudes :

(يمكن اعتبار الاتجاهات على أنها “نظم إرشاد للدوافع فالفرد الذي يريد أن يلب حاجة فسيولوجية(طعام- شراب- جنس )، يستطيع تلبية الحاجة وفق ما هو متاح ، ولربما يفضل نوعا معينا من الطعام أو المشروبات ، أو يحب عدة أطعمة أو أشربة بدرجة واحدة ، بدرجات متفاوتة ، ويتوقع في مثل هذه الحالات أن يأكل الإنسان أو يشرب المفضل لديه .

يستنتج من ما تقدم هو إمكانية إشباع أي دوافع عن طريق عدد من الاستجابات المختلفة ، وتكمن الاتجاهات الإنسان من أن يفاضل بين الاستجابات المختلفة عند قيامه بالسلوك الذي يقوم به الفرد في النهاية .

تتضح هذه العلاقة بين الحوافز والاتجاهات والسلوك كما هو مبين أدناه :

الشكل(3)

العلاقة بين الحوافز والدوافع والاتجاهات والسلوك

 

 

 

 

 

 

 

 

تكوين الاتجاهات :

وفقا لمبادئ التعلم (الشرطة) فان (الاتجاهات عبارة عن استجابة عاطفية (وجدانية) شرطية ، تكونت من خلال التجربة السابقة والارتباط بين المنية والاستجابة).

ومن خلال العملية الشرطية ، يتكون الكثير من الاتجاهات وإذا أدى سلوك معين إلى نتائج مجزية لمرات عدة فان الفرد يتكون لديه ميل للاستجابة بشكل ايجابي نحو هذا الشئ في المستقبل ن وان كانت التجربة المكتسبة سلبية أو ايجابية عند ذلك نستطيع أن نتوقع ما إذا كان الفرد يتكون لديه ميل للاستجابة بشكل ايجابي نحو هذا الشئ في المستقبل وان كانت التجربة المكتسبة سلبية أو ايجابية عند ذلك نستطيع أن نتوقع ما إذا كان الفرد ستبعد عن الموقف أو يتفاعل معه .

(فالفرد عند الاستجابة فانه يسترجع محتوى معرفيا يتجاوز حدود الرسالة المقدمة ، ومن المفترض أن يقدم المحتوى المعرفة (الاستجابة المعرفية – التي تفاعل معها) لتفسير التأثيرات المستمرة بالرسالة . ولهذا تعد الاستجابة المعرفية أكثر أهمية في عملية تعديل الاتجاهات مقارنة بمحتوى الرسالة).

العلاقات بين الاتجاهات والمعتقدات :

تناولت كثير من الاتجاهات العلاقة بين التغيرات التي تحدث في الاتجاهات من ناحية ن والتغيرات من قيم ومعتقدات التي تبنى عليها هذه الاتجاهات . فمثلا في هذه الدراسة نجد تغير معتقدات المواطنين المتأثرين من قيام سد مروى من المناصير يتطلب مجهود متواصل من الحملات الإعلامية بهدف الإقناع وتغيير الاتجاهات . وهنا تلعب المعتقدات دورا في تمسك الإنسان وارتباطه بأرضه وموطنه الأصلي .

(وبما أن الرسائل الاقناعية التي تتضمن عادة البراهين والأمثلة والتوضيحات التي يتم تصميمها لتغيير ومعتقدات الفرد إذا موضع الاتجاه ، فان المنظورين في مجال الاتجاهات يفترضون أن تغير الاتجاه يرجع في الأساس إلى التغيرات التي تحدث في معتقدات الفرد تجاه موضوعات الاتجاه)

(أكد كل من (Fishbein – Ajzen ) مركزية المعتقدات ، حيث تتوسط تأثير العاطفة على الاتجاه . وذكر أن البناء المعرفي الذي يرتكز على المعتقدات البارزة لدى الفرد يجدد اتجاه الفرد ، ويتوسط تأثير العوامل الأخرى مثل العاطفة على الاتجاه).

وميز كل من (Trafimow – Sheer an)  بين المعتقدات ذات الأسس المعرفية والمعتقدات ذات الأسس الوجدانية . ووجدا أن هنالك علاقة بين كل من النوعين والاتجاهات

كما وجد كل من (Eagly, Mladininc – OHO)  في دراستهما (1994) (أننا يمكن أن نتنبأ من خلال كل من البناء المعرفي والعاطفة).

يقسم (Fish beam – Ajzen)  الاعتقادات حسب مصادر المعلومات ، وطرق تكوين هذه الاعتقادات ، إلى ثلاثة أنواع هي :

  • الاعتقادات الوصفية : وهى تتكون بناء على التجربة المباشرة للفرد وملاحظته لوجود علاقات بين الأشياء يقوم الفرد بإدراكها عن طريق الحواس .
  • الاعتقادات الاستنباطية : وهى التي تقوم على ربط الاعتقادات الوصفية بما لدى الفرد من خبرة وأفكار عن الشئ .
  • الاعتقادات الإعلامية : تتكون بشكل مختلف عن الاعتقادات الأخرى والاعتقادات الإعلامية تتكون بناء على الاشتراك في عملية الاتصال ، وذلك عند قبول معلومات عن شئ أو شخص أو موقف معين ، يكون مصدر هذه المعلومات احد وسائل الاتصال أو طرق الاتصال.

وظائف الاتجاهات :

تعرض (D.Katz) عند دراسته لـ(المدخل الوظيفي) لمحاولة فهم أو معرفة أسباب تمسك الناس باتجاهات معينة ، حيث أهمية البحث عند هذه الأسباب في الدوافع السيكولوجية وليس في الأحداث أو الظروف الخارجية . وبدون معرفة الحاجات النفسية التي ينم تحقيقيها عن طريق التمسك باتجاه معين ، فنحن لا نستطيع أن نتوقع توقيت وكيفية تغير الاتجاه ويرى (Katz) أن الاتجاهات تخدم أربعة أغراض هي :

  • وظيفة التكيف مع البيئة :

بمعنى أن الفرد يسعى إلى الحصول على أقصى قدر من الجزاء وتقليل العقاب المتوقع من البيئة الخارجية إلى أدنى الدرجات والاتجاهات هي في العادة الوسيلة التي عن طريقها يحاول المرء تحقيق أهدافه المطلوبة وتفادى النتائج السيئة .

  • وظيفة الدفاع عن النفس :

يسعى الفرد لحماية نفسه من غرائزه وشهواته ونزعاته غير المقبولة ، وتمكنه من التعرف على الظواهر الخارجية التي تهدد كيانه .

3-وظيفة التعبير عن القيم :

بعض الاتجاهات تقوم بوظيفة التمويه عن النفس وعلى الآخرين إخفاء حقيقة الفرد ، والبعض الأخر من الاتجاهات يخدم وظيفة مختلفة هي التعبير الفعلي عن القيم الأساسية للفرد ، وعندها يحس الفرد بالرضا عندا يعبر عن اتجاهات يعتقد أنها تعكس قيمة ومعتقداته .

4-وظيفة المعرفة :

ترتبط بحاجة الفرد إلى تنظيم إدراكه من حوله وتقصف بالبحث عن المعاني ومحاولة الفهم ، والنزعة نحو التنظيم الأفضل للمدركات والاعتقادات حتى تتسم أفكار الفرد بالوضوح والاتساع.

 

 

محددات محتوى الاستجابة المعرفية وفقا للنماذج المعرفية :

تعددت النظريات المعرفية التي يمكن تطبيقها في تحليل محددات مستوى الاستجابة المعرفة ومنها :

  • نظريات الاتساق المعرفي Balance Theory أو (التوازن المعرفي) تتنبأ هذه النظريات بمدى وجود اتساق بين الاستجابات المعرفية نحو رسالة ما ، والمخزون المعرفي لدى الفرد عن موضوع الاتجاه .
  • منظور الاستيعاب– التباينThe Assimilation- Contrast Approaer : يتنبأ بان الفرد تصدر عنه ردود أفعال ايجابية تجاه الرسائل التي تقع في مدى (مجال) القبول لديه ، وتصدر عنه ردود أفعال سلبية تجاه الرسائل التي تقع في مدى (مجال) الرفض لديه.
  • نظرية المفاعلة Reactance Theory : وتتوقع هذه النظرية أن تصدر ردود أفعال سلبية في المواقف الاتصالية ذات الطبيعة القصرية.
  • نظرية السلطة (الندرة) Commodity Theory : وتفترض هذه النظرية أن هنالك علاقة عكسية بين إدراك الملتقى لمدى وفرة المعلومات عن قضية ما ، وايجابية التفاعلات المعرفية تجاه الرسالة .
  • النظرية الوظيفية Functional Theory :تقدم هذه النظرية مجموعة من المبادئ الأكثر تعقيدا التي تساعد في التنبؤ بالتفاعلات المعرفي تجاه الرسائل المختلفة ، بشرط التعرف على الأسس والدوافع التي تقوم عليها اتجاهات الفرد.

حاولت هذه النظرية الربط بين المبادئ التي نادت بها واستخدام الجمهور لوسائل الإعلام والذي يتخذ قراره بناء على معطيات سابقة عن مفهوم الوسيلة والمصدر والمحتوى ودور المعرفة الإدراكية باعتبارها احد للقوة التي  تقوم بدور في العمليات الوسيطة التي غيرت من مفهوم التأثير والاتجاهات .

يحدد الفرد اتجاه نحو وسائل الإعلام من خلال الصورة الزاهية التي يرسمها الفرد في مخزونة المعرفي عن هذه الوسائل ، أو أحداها وفقا لخبرته المتراكمة ، وتعرضه لرسائل هذه الوسائل ، وعلاقته بالمدركات التي يختزنها الفرد في إطار خبرته . ويتحدد اتجاه الملتقى بالقائم بالاتصال من خلال تقييمه لخصائص القائم بالاتصال وعلاقته بالمفاهيم التي يقدمها في محتوى النزاع أو المنشور من خلال مدى الاختلاف أو الاتفاق بالمفاهيم التي يقدمها محتوى النزاع أو المنشور من خلال مدى الاختلاف أو الاتفاق مع البناء المعرفي للفرد عن المفاهيم أو المعاني المضمنة في المحتوى .

تتجمع هذه النظريات في رؤيتها ، أن الفرد يميل إلى تحقيق التوازن أو الاتساق ، بين الموضوعات ذات العلاقة ، وفى حالة عدم التوازن نتيجة تباين الاتجاهات بين هذه الموضوعات يشعر الفرد بالتوتر أو الضغط الذي يدفعه إلى محاولة تغيير اتجاهه في الجانب الذي يحقق له التوازن أو عدم الاتساق ويجنبه التوتر والقلق الناتج عن هذا التباين

فالحملات الإعلامية الاقناعية يجب أن تتناول العادات والمعتقدات وتدعم الايجابي منها حتى تصدر استجابات من قبل المتلقي لتقبل الرسالة الإعلامية والتفاعل معها .

(ويفترض Green wald) المؤسس الحقيقي من منظور الاستجابة المعرفية أن الأفراد عندما يتلقون رسالة ما ، فأنهم يحاولون ربطها بالمخزون المعرفي لديهم عن موضوع الرسالة . أما إذا كانت الرسالة تثبر استجابات معرفية معادلة ، أو استجابات تفند الموقف الذي تتبناه الرسالة أو تؤيده موقفا أخر ، فان المتلقي سيرفض الرسالة ، وقد تكون استجابات المتلقي المعرفية أكثر إقناعا من الحجج التي تقدمها الرسالة ، مما قد ينتج عنه رد فعل عكس تجاه الرسالة).

الخصائص المميزة لنظرية الاستجابة المعرفية :

هنالك أربع خصائص لنظرية الاستجابة المعرفية تميزها عن غيرها من نظريات تشكيل الاتجاهات وهى :

1/ اعتماد النظرية على ما يسمى بمهمات الإنتاج Tasks Production، وهى تشير إلى فكرة أن الأفراد الذين يتعرضون لرسالة ما تكون لديهم الفرصة للتعبير عن الأفكار التي تراودهم ، أي أنهم يقومون بهمة إنتاج الأفكار .

2/ تعدد الأبعاد Multi dimensionality تتناول النظرية الاتجاهات باعتبارها ذات أبعاد متعددة على عكس النظريات الأخرى التي تناولت اتجاهات الأفراد أي باعتبارها أحادية البعد .

3/ تعد نظرية الاستجابة المعرفية نظرية كيفية Qualitative Theory حيث أنها تتناول وتفسر الظروف الكيفية بين أفكار المبحوثين ومن ثم اتجاهاتهم .

4/تعد نظرية الاستجابة المعرفية على الذاكرة A memory based Throry فهي تخبرنا بالأفكار التي تنتجها الأفراد عند مواجهتهم لظروف غير متوقعة ، يطلب منهم فيها اتخاذ قرارات محددة تجاه موضوعات الاتجاهات المختلفة اعتمادا على الذاكرة.

دور حملات التسويق الاجتماعي الإعلامية في تغيير الاتجاهات :

تسعى حملات التسويق الاجتماعي إلى تغيير اتجاه وأراء الناس إزاء موضوع أو قضية ما لجعله اتجاها أكثر ايجابية وقربا لتنمية الفرد والمجتمع معا ، وغالبا في مثل هذه الحملات تسعى إلى مقاومة العادات والتقاليد والأفكار السلبية في المجتمع والعمل على إقناع الناس لتبنى سلوك يؤدى إلى القضاء على مثل هذه العادات والتقاليد . ومن النماذج المتفق عليها في تغيير اتجاهات الأفراد من خلال حملات التسويق عامة الاجتماعي نذكر ما يلي :

  • تصميم المنبه والاستجابة The Stimulus – Response design :

يفتكر هذا التصميم على نتائج البحوث التي أظهرت أن التعليم يحدث عن طريق الرفض والتكرار وهدفه الجمع بين منبه واستجابة .

وقد انعكست تطبيقات هذا التصميم في مجال الاتصال في تحديد معاني جديدة للكلمات ، سواء كانت هذه المعاني دلالية أو ضمنية تحمل أبعادا عاطفية . يكثر استخدام هذا التصميم في حملات التسويق الاجتماعي ذات الطابع الصحي من خلال تنبيه الأفراد إلى ظاهرة صحية ومحاولة خلق الاستجابة المطلوبة .

ومن أمثلة هذه الحملات هذه الدراسة التي تحاول الربط بين صحة الفرد والإصابة بالأمراض المعدية مثلا .

ويعتمد هذا المنبه غالبا على :

  • التكرار Repetition من خلال التكرار المستمر للحملة .
  • الجذب Captivity من خلال استخدام كافة عناصر الجذب والانتباه ، وخاصة تلك التي تركز على الجوانب الداخلية للفرد .
  • التماس Contiguity عن طريق الربط بين موضوع الحملة وعلاقتها بالإفراد أنفسهم .

ب- تصميم الدافعية Motivational Design  :

ظهر هذا التصميم نتيجة عدة دراسات بان الإنسان يسعى بشكل دائم نحو تحقيق أهداف تلبى احتياجاته المختلفة وهنا يبرز دور وسائل الإعلام في توعية المهجرين من قيام سد مروى مثلا بان الموقع الجديد به ميزات أفضل مما كانوا عليه ويعبر عن ذلك بنموذج (Maslow).

يعبر الشكل التالي عن الاحتياجات الإنسانية المختلفة ويعرف بهرم ماسلو للحاجات.

 

 

 

 

الشكل رقم (4)

هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية المختلفة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تستخدم حملات التسويق الاجتماعي هذا التصميم من خلال الرسائل إعلامية تعالج مثل هذه الحاجات وتبين مدى توافرها أو توافد أحداها بالنسبة للفرد وبالتالي فان إشباع هذه الحاجات سوف يؤدى إلى الاقتناع بموضوع الحملة والتأثير بها بدرجة اكبر ، مثل استخدام حملات إعلامية نوعية تشير إلى توسع في العمل الزراعي وترقية خدمات المواطنين الضرورية من اجل تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي ، إلى جانب الإحساس بالطمأنينة كحاجات فسيولوجية ويمكن تقسيم دوافع الفرد للاستجابة للفكرة أو الخدمة كأساس للسلوك إلى.

دوافع عاطفية : بالاعتماد على المشاعر والرغبة في الاستجابة دون تقييم موضوعي للعملية ن أو لمجرد تقليد الآخرين . وغالبا ما يتأثر الفرد هنا بطابع الإثارة في تصميم الحملة .

دوافع عقلية : يقوم الفرد هنا بتحديد أولوياته واختياراته بعد تفكير موضعي يؤدى إلى إشباع حاجاته من خلال الخدمة أو الفكرة . وهو غالبا ما يركز على المضمون .

ج- التصميم المعرفي Cognitive design :

يعتمد منهج التصميم المعرفي على الحجج العقلانية Rational argument ويمكن تطبيقه في أسلوبين هما :

– محاولة الإقناع عن طريق الحقائق والمعلومات ، ضمن دائرة النقاش المنطقي .

– استخدام رغبة الآخرين في بناء حالة من التوافق مع أنفسهم ومحيطهم من خلال تغيير اتجاهاتهم عن طريق إثارة حالة عدم التوازن الذاتي ودفعهم إلى إتباع سلوك جماعي . ومثال هذا محاولة إقناع الأفراد بضرورة اتخاذ موقف واحد للتصدي لأي جهة تريد التدخل في الشئون الداخلية للمجموعة .

د- التصميم الاجتماعي Social design :

يقوم هذا التصميم على فكرة مفادها بناء الإنسان ما هو إلا عضو في المجتمع ، وهو كثير الاعتماد عليه ، وبالتالي فان التصميم الاجتماعي يعتمد على مبدأ الاتفاق الجامعي مما يسهم في تغيير الاتجاهات السائدة . ويستخدم بكثرة في حالة خلق رغبات وميول لدى جماعة ما إذا موقف معين مثل حالات الحروب  وهنا فقد يبرز دور الجماعات المرجعية بما لها من تأثير على معتقدات ومواقف وسلوك وقرارات أفراد آخرين.

يتمثل تأثير هذه الجماعات في حملات التسويق الاجتماعي من خلال تأثيرها الكبير على قرارات الاستفادة من الخدمة أو تبنى الأفكار مثل عمليات التضحية من اجل قضايا الوطن الجوهرية .

وهنا يمكن للقائمين على أمر الحملات الإعلامية الاستعانة والتنسيق مع قادة الرأي والجماعات المرجعية كالتالي.

– الجماعات الرسمية Formal Groups :وهى الجماعات ذات صفة التشكيل الرسمي (كالنقابات المهنية) حيث يتأثر أعضاء هذه الجماعات بآراء قادة الرأي فيها بما يمثلون من قيم وأنماط سلوكية .

الجماعات غير الرسمية Informal Groups : وهى جماعات غير منظمة ن وترتكز غالبا على العلاقات الاجتماعية غير الرسمية كالأصدقاء والجيران مثلا .

الجماعات التلقائية Automatic Groups : وهى تلك الجماعات التي يرتبط لها الأفراد  بصورة تلقائية وفقا لمعايير محددة مثل السن ، الجنس ، الحالة الاجتماعية وينبغي أهمية هذا النوع من الجماعات في تأثيرها الفعال على التوقيعات الاجتماعية  لأعضائها من خلال القدرة على تحديد نوع الخدمات المقدمة .

الجماعات التوقعية Anticipating Groups :كالجماعات التي يسعى الأفراد للانضمام إليها . ويؤثر هذا النوع على الأنماط السلوكية في اقتناء الخدمة وتبنى الفكرة . كالرغبة في الانضمام لذوى التأهيل الاجتماعي أو الجمعيات الاجتماعية .

الجماعات السلبية Negative groups : وهى من النوع الذي يسعى الأفراد للابتعاد عنها ، ما يترتب عنه اتخاذ مجموعة قرارات لا تتوافق مع هذه الجماعات .

الجماعات الأولية Primary groups : كالجماعات الأصلية في المنشاة ، ويكون بينهما وبين الأفراد اتصال مباشر ودائم وعادة ما يكون تأثير هذه المجموعات قويا ومباشراً.

هـ-تصميم الشخصية Personality:

وهو التصميم الذي يأخذ في اعتباره الحاجات الشخصية للأفراد المستهدفين أثناء القيام بمحاولة إقناعهم بخدمة أو فكرة ما . ويمكن تصنيف هذه الحاجات إلى فئتين اثنين هما :

حاجات التعبير عن القيم Value Expression : أن يفترض تصميم الشخصية هنا بان الآراء والمواقف والاتجاهات ما هي إلا تعبير عن عوامل شخصية تمكن الفرد من التفاعل مع المجتمع ، فالحملات الإعلامية عن مرض الايدز ربطت بين المرض والجوانب الأخلاقية لدى الشخص .

حاجات الدفاع عن الذات Ego-defense : وترتبط هذه الحاجات بمحاولات حماية الفرد لنفسه من صراع داخلي أو خارجي ، كالدفاع عن النفس إذا الإحساس بعقده الفشل.

وبالرغم من صعوبة تطبيق مثل هذا التصميم لحاجته إلى استخدام أسس نفسية بدرجة كبيرة ، إلا أن بعض الباحثين قدموا بعض الأساليب الإعلامية التي تكون ناجحة في تغيير الاتجاهات وفق هذا التصميم ومنها على سبيل المثال لا الحصر .

* الإقلال من استخدام عامل التهديد في مضمون الرسالة الإعلامية واللجوء إلى أسلوب التخويف في حدوده الدنيا .

* الإكثار من استخدام أسلوب الدعاية أو الفكاهة بهدف تخفيف حالة التوتر والقلق .

* محاولة تبصير الفرد بسلوكه الذاتي الدفاعي .

*تحويل تفكير الفرد من منطقة الدفاع عن الذات إلى منطقة التعبير عن القيم فبدلا من إقناع الأفراد لأهمية مشاريع التنمية ، فانه من الأفضل تقديم نماذج عملية لأثر مشاريع التنمية على المجتمعات المتطورة وتفاعل هذه المجتمعات المتطورة وتفاعل هذه المجتمعات مع قضايا التنمية .

نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي :

يسود الاعتقاد لدى البعض بان فشل الحملات المتكررة لمكافحة مرض الايدز مثلا بالإضافة إلى موسمية هذه الحملات يرجع لعناد الجمهور وسلبية اتجاهاته ، بل واستنكار البعض لوجود مرض الايدز في المجتمع المسلم ويرفض البعض مجرد تداول موضوع هذا المرض في وسائل الإعلام الجماهير.

 

عند التخطيط للحملات يجب مراعاة هذه العوامل :

– ضرورة معرفة عادات الاستماع والمشاهدة للجمهور المستهدف بالإضافة للعوامل الأخرى المؤثرة في عملية الاتصال بالجمهور مثل (المستويات اللغوية).

– توجيه الإعلام للجمهور المستهدف ن وليس لغيرهم .

– تبسيط الرسالة الإعلامية حتى يمكن لجميع فئات الجمهور استيعابها بنفس الدرجة ، مع الابتعاد عن استخدام المصطلحات الفنية والأجنبية أو الصور الرمزية التي تحد من القدرة على استيعاب الرسالة.

يجدر الذكر بالتأثير المعرفة بكل من الاتصال والعوامل الاجتماعية والاقتصادية ، وهنالك تأثير متبادل بين هذين العاملين . كما أن التفاعل والتأثير المتبادل بين المعرفة والاتصال والوضع الاجتماعي والاقتصادي مؤثر على المعرفة ويسبب فجوة فيها بين الفئات المختلفة .

لا يختصر تأثير العلاقات بين العوامل على أحداث فجوة المعرفة ، بل يتعدى ذلك إلى أحداث فجوة في السلوك . وسبب ذلك هو العلاقة الوثيقة بين المعرفة والسلوك ، كما أن العلاقة بين المعرفة والسلوك وتتأثر أحيانا بعوامل أخرى قد تكون للفرد المعرفة ولكنه لا يتصرف على أساسها . وتسمى هذه العوامل التي تؤثر على العلاقة بين المعرفة والسلوك بالعوامل الوسيطة وهمها :

  • العوامل الديمرغرافية (كالجنس والعمر والحالة الاجتماعية).
  • العوامل البديهية (مثل القدرة الاقتصادية ، إمكانية السلوك).
  • العوامل المرتبطة بالعرف الاجتماعي (مثل موافقة أو عدم موافقة الآخرين على السلوك).
  • الاتجاه نحو السلوك .

ويشار هنا إلى أن الأعلام يستطيع التأثير على عنصر المعرفة ، وعلى الاتجاه وعلى إدراك العرف الاجتماعي السائد ، ولكنه لا يستطيع التغلب على العقبات المرتبطة بالعوامل الديموغرافية أو العوامل البديهة .

نستطيع أن نستنتج أن فجوة المعرفة تنشا لان فئات معينة في مجتمع بعينة تكتسب المعرفة أسرع من غيرها من الفئات ، وقد يكون السبب في ذلك (العوامل الوسيطة ، أو الفروق الفردية)، وكلما زادت المعلومات في مجتمع ما كلما تعددت فجوات المعرفة في ذلك المجتمع . وهنا يجب على وسائل الأعلام تؤدى الدور الأساسي في خلق فجوات المعرفة وذلك عن طريق (تعويض) أشكال عديدة تؤثر في وسائل الإعلام عن طريقها في إيجاد هذه الفجوة والبقاء عليها ومنها شكل الرسالة الإعلامية ، ومستواها اللغوي ، وتوقيت نشرها ولا يقتصر تأثير فجوة المعرفة على أحداث فجوة مماثلة في السلوك بل يتعدى ذلك إلى وصول المعلومات بشكل سريع إلى فئة قليلة من المجتمع تستفيد منها في تدعيم قوتها ومعرفتها الصحيحة بالمسببات التي تعمل على عرقلة مشاريع التنمية المختلفة . ومن المهم عند تخطيط حملات الإعلام أو حملات التسويق الاجتماعي أن يتلافى المخططون أخطاء الحملات السابقة بعد تقييمها .

 

وهنالك عدد من الأخطاء التي تعوق نجاح الحملات الإعلامية منها:

  • اعتماد الحملات غالبا من الإذاعة والتلفزيون ، لان الإعلان في الصحف مثلا لا يغطى غالبية الجمهور المستهدف إضافة لمحدودة انتشار المطبوعات بالسودان .
  • اعتماد برامج الإذاعة والتلفزيون على اللغة الدارجة أو (لغة الإذاعة) الأقرب لفهم لغة العامة ، إذ أن اللغة الفصحى تصعب على غير المتعلمين كما أن اللغات واللهجات المحلية تصعب على غير الملمين بها في متابعة الرسائل .

 

 

 


فيما يلي نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي .

الشكل رقم (5)

نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملحوظة :

أن تطبيق هذا النموذج يشمل كذلك التسويق الاجتماعي ويشكل النموذج خطوات التخطيط لحملة التسويق الاجتماعي والتي تتطلب وضع إستراتيجية إعلامية للحملة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السابع

دور وسائل الإعلام في إحداث التنمية

أولى أساتذة الاتصال أهمية قصوى للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في المجتمع، فرأي بعضهم الاتصال نسيجا للمجتمع الإنساني برمته، وكلما تدفق الإعلام بين شرايين هذا النسيج كلما زادت فاعلية المجتمع وقدرته على التنمية، ورأي آخرون أن عملية الاتصال ترسخ شعور المواطن بالانتماء إلي وطنه وقوميته، وأن استغلال هذا الشعور في التنمية ضرورة من ضروريات نجاحها، بالإضافة إلي وسائل الاتصال تنقل التراث الاجتماعي من جيل لآخر، واهتم آخرون بالمعلومات والأفكار التي تحملها وسائل الاتصال والتي تعد العامل الأساسي في زيادة مجالات المعرفة لدى الجماهير وتوسيع آفاقهم ومداركهم ولزيادة قدرتهم على التقمص الوجداني وتقبلهم للتغير واشتراكهم في التنمية.

وفي معظم الدراسات الإعلامية حتى بداية الربع الأخير من القرن العشرين يحدد كثير من الباحثين وظائف وسائل الإعلام بأنها الإبلاغ أي نشر الأخبار ثم الشرح والتفسير أي تفسر الخبر والتعليق عليه وإبداء الرأي فيه وحوله، ثم التثقيف ثم التسلية والاقناع ثم الإعلان ويضيف بأنه في اتساع حقول الدراسات والبحوث الإعلامية فإن هذا التعميم لم يعد ملائما للعصر فالراديو غير التلفزيون والصحف غيرهما، والأفلام السينمائية تتنوع وتتعدد وتختلف، لذلك فإن الوظائف المعاصرة للإعلام يمكن النظر إليها نظرة جديدة تعتمد على التوسع الذي طرأ على وظائف وسائل الإعلام وعلى تطور الخدمة الإعلامية في المجتمعات المعاصرة.

أهم التصورات الغربية لوظائف وسائل الإعلام:

تصور هارولد لازويل:

يعد هارولد لازويل أول من لفت الاهتمام إلي الوظائف التي يؤديها الاتصال للمجتمع وقد حدد لازويل ثلاث وظائف لوسائل الإعلام تؤديها بصورة في أي مجتمع هي:

(1) مراقبــة البيئــة:

وتعني تجميع وتوزيع المعلومات المتعلقة بالبيئة سواء في خارج المجتمع أو داخله وهي ما تسمى بوظيفته الإخبار، أي أن تكون الأخبار في متناول الجميع. وهذه الوظيفة يمكن المجتمع من التكيف مع الظروف المتغير، تسهيل عملية اتخاذ القرارات فالمراسلون الخارجيون لوسائل الإعلام يعملون لمراقبة البيئة الخارجية بينما المندوبون لمراقبة البيئة الداخلية من خلال تقاريرهم المستمرة والتي تحيط المجتمع علما بكل أنشطة البيئة.

(2) الترابــط:

وتعني التفسير والتحليل والتعليق على الأحداث في البيئة وتوجيه السلوك كرد فعل لهذه الأحداث، وهو ما يعني إيجاد الرأي العام.. فالاتصال هو الذي يوجه الرأي العام .. وبدون الرأي العام لا تستطيع الحكومات أداء مهامها في المجتمعات الديمقراطية، ولذلك فمن الضروري وجود قدر من الإجماع أو الترابط في المجتمع تجاه القضايا السياسية. ولا يمكن لهذا الترابط أو الإجماع أن يتحقق بدون اختيار تقييم وتفسير الأنباء بواسطة وسائل الإعلام مع التركيز على ما هو أكثر أهمية في البيئة.

(3) نقل التراث الاجتماعي (الوظيفة الثقافية):

يعتمد التراث الثقافي أساس على توصل المعلومات والقيم والمعايير الاجتماعية من جيل إلي آخر ومن أعضاء جدد انضموا إليها، وهو ما يعرف بالنشاط التعليمي.

وهذا النشاط الآن في العصر الحديث أصبح ضمن مهام وسائل الإعلام، ويقوم هذا النشاط بتوجيه المجتمع عن طريق إعطائه قاعدة أوسع من القواعد الشائعة والقيم والخبرات الجماعية التي يتقاسمها أعضاء المجتمع، كما يساعد هذا النشاط على اشتراك الأعضاء الجدد في المجتمع وحثهم على أن يقوموا بدورهم وأن يلتزموا بالتقاليد والعادات.

وقد أضاف (شارلز رايت) مهمة رابعة إلي هذه المهام وهي: الترفية أما (دي فلير) فقد أضاف إلي هذه الوظائف وظيفة أخرى وهي وظيفة الرقابة الاجتماعية وتوزيع الأدوار وتنسيق الجهود.

وأضاف (بولدنج) وظيفة الإعلان.. في إطار الوظائف الاقتصادية لوسائل الإعلام إذ تقوم الوسائل عن طريق الإعلان بنشر قوائم الأسعار وتحليل الأعمال. ولضمان الترابط في السياسة الاقتصادية سواء عن طريق الفرد أو الهيئات أو المجتمع التحكم في إدارة السوق، وأيضا لتسيير تعليم المهارات وتطلعات السلوك الاقتصادي.

وظائف الاتصال عند برتون لازر سفيلد:

استكمالا لوظائف الاتصال عن د.(هارولد لازويل) قدم ميرتون ولازر سفيلد ثلاث وظائف أخرى يمكن أن يؤديها الاتصال من اجل خدمة المجتمع، وهي:

(1) التشــاور:

بمعنى تبادل الآراء حول الأفكار والناس والمنظمات والحركات في أي مجتمع حديث فإن وسائل الإعلام تؤدي هذه المهمة فتفلت النظر إلي القضايا والموضوعات الهامة وتعمل على إضفاء الألفة والشرعية على الأفكار والناس.

(2) فروض المعايير الاجتماعية:

إذ تعمل على الحفاظ على المعايير والقيم العامة والكشف عن الانحرافات التي تحدث عن هذه المعايير وذلك لحماية المجتمع من التقلبات والتوترات.

(3) تخفيف الإحساس بالاختلال الوظيفي:

وهذا الاختلال ينتج كما يقول (لازويل) من خلال إساءة وسائل الإعلام لأداء وظائفها .. فنتج إحساسا باللامبالاة لدي الجمهور.. ويعزو ميرتون ولازسفيلد هذه اللامبالاة إلي إغراق وسائل الإعلام جمهورها بالمعلومات بشكل يؤدي إلي عملية تخدير بدلا من عملية التنشيط ، فتقضي الجمهور وقته في تعلم القضايا من وسائل الإعلام ولايصبح لديه أصلا وقتا كافيا لعمل شيء تجاه هذه القضايا.

أوشيما والوظيفة التنموية لوسائل الإعلام:

فلوسائل الإعلام كما يقول أوشيما صفة المضاعف المؤدي إلي التنمية الإنتاجية وتتميز أكثر الدول بأنها مجتمعات في عجلة من أمرها… والقصد من ذلك أنها مجتمعات تبغي اللاف بالكرب بأسرع ما يمكن.. ولهذا فهي تحتاج إلي نظرية للتنمية الاقتصادية وإلى سياسة للاتصال تشرح كيفية اللحاق وما تريد اللحاق به.. ومن الواضح أن وسائل الإعلام هي المصدر الأول لتنمية المجتمعات التي هي في عجلة من أمرها إذ أنها تحمل وسائلها إلي الجماهير بأسرع وقت ممكن.

وظائف الإعلام عند شــرام:

بالنسبة للوظائف العامة للاتصال فيحددها (شرام) على أساس كل من الفرد والمجتمع فبالنسبة للفرد فإن هذه الوظائف تنحصر في:

الإعلام – التعليم – الترفيــه – الإقناع.

ومن وجهة نظر المجتمع فأهدافه من المشاركة في عملية الاتصال هي:

  • فهم ما تحيط به من ظواهر أحداث.
  • تعلم مهارات جديدة.
  • الاستمتاع والاسترخاء والهرب من مشاكل الحياة.
  • الحصول على معلومات جديدة تساعده على اتخاذ القرارات.

أما بالنسبة لدور وسائل الإعلام في خدمة التنمية فيحدد شرام ثلاث وظائف رئيسية هي:

(1) وظيــفة الإعــلام:

وذلك لاحاطة عامة الشعب علما بالتنمية القومية وأن يتم تركيز اهتمامهم على الحاجة إلي التغيير والفرص التي تدعو إليه ووسائله وطرقه، وفي إطار هذه الوظيفة يحدد ثلاث وظائف أخرى فرعية هي:

  • توسع الآفاق: عن طريق إعطاء الفرد ا لفرصة ليرى ويسمع عن أشياء لم يرها من قبل وأن يعرف إناسا لم يقابلهم قط.
  • تركيز الاهتمام: على الآراء يجعلها أكثر انتشارا، وعلى الأشخاص بإضفاء الأهمية عليهم من خلال هذا التركيز فيصبح لآرائهم أهمية أكثر.. وبذلك تركز وسائل الإعلام اهتمام الملايين من مختلف الأفراد على نفس الموضوع وفي نفس الوقت مما يساعد على خلق مناخ لتبادل الآراء بين السكان وبالتالي خلق المناخ الذي يؤدي منه وسائل الإعلام خدماتها العامة والضرورية نحو التنمية ككل.
  • رفع مستوى التطلعات: وذلك بدفع الناس نحو حياة أفضل ونحو التنمية وبدون ذلك يصبح حدوث التنمية أمرا صعاب بعيد المنال.

(2) وظيفة اتخاذ القرارات:

فمن خلال انسياب المعلومات من أسفل إلي أعلى ومن أعلى إلي أسفل، يتم الحوار بين المسئولين وعامة الناس، وتتاح الفرص للإسهام بذكاء في عملية اتخاذ القرارات ووسائل الإعلام هي وحدها القادرة على أن تساعد على أداء هذه الوظيفة، فمن خلال تغذية المناقشات بالمعلومات وإظهار رأي القادة وجعل الوسائل المطروحة واضحة كل الوضوح، وتوسيع الحوار تجاه سياسة ما، تستطيع وسائل الإعلام أن تفرض أساليب جديدة للحياة الاجتماعية وأن تسهم في تكوين الذوق العم وأن تغيير الاتجاهات وخاصة غير الراسخة أو عميقة الجذور، وذلك بمقارنة بأشكال الاتصال الشخصي المباشر.

(3) وظيــفة التعليم:

فتعليم المهارات المطلوبة وتعلم الكبار القراءة والكتابة وتعليم المزارعين وسائل الزراعة الحديثة، وتدريب المهندسين والأطباء وتزويد العمال بالمهارات الفنية لتلبية احتياجات المجتمع، وتزويد الناس بأساليب العناية بصحتهم وقوتهم، مع ملاحظة اختلاف القدرات في أداء هذه الوظائف بين كل من وسائل الاتصال الجماهيري وأشكال الاتصال الشخصي، فالإذاعة مثلا لا تستطيع أن تشرح أية خبرة او مهارة في الزراعة أكثر مما يستطيع عامل متمرس عليها عمليا. ولكن بمجرد أن يتم تعليم المهارة فإن الراديو يستطيع أن يقدم المعلومات وأن يجيب على الأسئلة وأن يقدم النتائج.

التصورات الخاصة بدور وسائل الاتصال في التنمية من خلال عملية نشر الأفكار المستحدثة:

تعد دراسة كيفية انتشار الأفكار المستحدثة هي دراسة في عملية الاتصال وكان الهدف الرئيسي للدراسات التي تناولت ذلك هو تحقيق التغيير في المجتمع المحلي أو القرية من خلال طرح الأفكار والأساليب والمنتجات والأساليب الجديدة ونشرها في القرية أو المنطقة. وركزت هذه الدراسات من وجهة نظر علماء الاجتماع على الإجابة على سؤال محدد هو كيف يمكن أن تتغير النظم الاجتماعية عن طريق نشر الأفكار المستحدثة، أما علماء الاتصال فركزوا على تساؤل محدد هو: كيف يمكن أن تستخدم الأنشطة الاتصالية لدعم ونشر الموافقة والقبول للمنتجات والأفكار الجديدة؟ ونال هذا التوجه اهتماما كبيرا من قبل العلماء في دول مختلفة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت تحقيق نجاحات كبيرة في هذا الشأن وتراكمت لديها خبرات عديدة أدت إلى بناء نظرية عامة للاتصال فيها دور مهم وكبير في مجال نشر الأفكار المستحدثة، ويرجع الفضل لـ (إفريت روجرز) في تحديد ملامح البناء النظري لنظرية (الاتصال والأفكار المستحدثة).

وقد لخص روجرز في كتابه (الأفكار المستحدثة وكيف تنتشر) والذي نشرته طبعته الأولى في عام 1962م، والثانية في عام 1971م، لخص الدراسات التطبيقية التي أجريت لسنوات عدة في الولايات المتحدة الأمريكية حول نشر الأفكار الجديدة وأشار إلى أن الاتصال ضرورية لعملية التغيير الاجتماعي التي تحدث عندما يحدث التغير في تركيب وطبيعة النظام الاجتماعي وأن عملية التغيير الاجتماعي هذه تتكون في ثلاثة خطوات متعاقبة هي:

  • الاخـتراع.
  • الانتشــار.
  • النتائــج.

والمقصود بالاختراع العملية يتم بواسطة خلق أو تطوير الأفكار الجديدة، أما الانتشار فيقصد به العملية التي تتم بواسطتها توصيل هذه الأفكار الجديدة إلي أعضاء النظام الاجتماعي، وأخيرا فالمقصود بالنتائج التغيرات التي تحدث داخل النظام الاجتماعي كنتيجة لتبنى أو رفض الابتكار أو الأفكار الجديدة.

وعملية اتخاذ القرارات في الفكرة المستحدثة تمثل بالمراحل التاليــة:

(1) مرحلة الوعي والمعرفة بوجود الفكرة الجديدة:

حيث يتعرف الفرد على الفكرة المستحدثة من وسائل الاتصال المختلفة وعلى بعض جوانبها.

(2) مرحلة الاهتمام بالفكرة الجديدة والبحث عن المعلومات عنها:

ونتيجة لذلك يتكون لديه اتجاه مؤيد أو معارض لها.

(3) مرحلة التعميم:

حيث يختار الفرد تنبي الفكرة المستحدثة أو رفضها.

 (4) مرحلة التجريب والمحاولة:

حيث يحاول الفرد تجربة الفكرة الجديدة على نطاق ضيق لتقرير مدى صلاحيتها ونتيجة لذلك يدعم القرار الذي اتخذه بالموافقة أو الرفض، وهنا أيضا يتأثر قراره بالمعلومات والخبرات الجديدة التي قد يتعرض لها.

(5) مرحلة التبــني:

حيث يستخدم الفرد الفكرة الجديدة بصفة مستمرة على نطاق واسع عندما يصل عدد المتبنين إلى نقطة معينة حوالي 80% من أفراد المجتمع وهذه الفئة الأخيرة قد تعمد إلي التبني في فترة لاحقــة.

ونتيجة لذلك تنقسم النظرية الجمهور وفقا لمعدل سرعة التبني لما يلي:

  1. المبتدعون الأوائل ونسبتهم 2.5%.
  2. الأوائل ونسبتهم 13.5%.
  3. الغالبية المتقدمة ونسبتهم 34%.
  4. الغالبية المتأخرة 34%,
  5. المتلكئون ونسبتهم 16%.

وتبين النظرية وجود فروق واضحة بين فئات المتبنين هذه، فالمتبنون الأوائل أصغر سنا وفي حالة اجتماعية أفضل ووضع مادي أكثر يسرا من الفئات الأخرى كما أنهم أكثر تعرضا لوسائل الاتصال الجماهيرية الأخرى ويرتبطون بموظفي الإرشاد الزراعي بعلاقات جيدة ولديهم تطلعات أعلى من الفئات الأخرى.

وبالنسبة للفكرة أو الأسلوب المتبنى نفسه فتحدد النظرية سمات لها كما يراها الأفراد في المجتمع وهي التي تحدد معدل تبنيها وهذه الصفات هي:

  • الميزة النسبية للفكرة الجديدة على الأفكار أو المنتجات السابقة.
  • التوافق والانسجام مع النظم والتقاليد القائمة في المجتمع.
  • التعقد أي درجة تعقد الفكرة المستحدثة وصعوبة فهمها أو استخدامها.
  • القابلية للتجريب على نطاق ضيق.
  • القابلية للملاحظة أي درجة رؤية نتائج الفكرة المستحدثة من قبل الآخرين.

وبالإضافة إلي ذلك توجد متغيرات أخرى تؤثر على معدل ودرجة التبني مثل:

  • نوع القرار المتخذ بشأن الأفكار المستحدثة.
  • طبيعة النظام الاجتماعي.
  • طبيعة قنوات الاتصال المستخدمة في ذيوع الأفكار في المراحل المختلفة لعملية اتخاذ القرار.

وبخصوص هذه القنوات فإن الفرد يجمع المعلومات من مختلف المصادر وذلك في كل مرحلة من المراحل المختلفة للتبنى إلا أن أهمية هذه المصادر تختلف تبعا للمرحلة التي يمر بها القرار فوسائل الاتصال أكثر تأثيرا في المرحلة الأولى مما هي عليه في المراحل التالية إذ تتسم بقدراتها على جعل الأشياء معروفة للجمهور. أما عندما يحدد الإنسان موقفه من الجديد فهو غالبا ما يلجأ إلي أشخاص آخرين أو إلى عالته أو اصدقائه أو جيرانه فهؤلاء يكونون قنوات الاتصال الشخصي التي تناقش في إطار الأفكار الجديدة وتوضح الدراسات أن قنوات الاتصال الجماهيرية أكثر أهمية من قنوات الاتصال الشخصية بالنسبة للمتبنين الأوائل وهؤلاء يبحثون عن الفرص الجديدة التي تؤدي إلي تحسين أوضاعهم، وبالتالي يحصلون عليه من وسائل الاتصال الجماهيرية أما الأشخاص الذين يتأخرون في التبني فيعتمدون أكثر على الاتصالات الشخصية.

قيادة الرأي والمراحل المتعددة لتدفق الأفكار المستحدثة:

تعني قيادة الرأي الدرجة التي يستطيع بها الفرد أن يؤثر بطريقة غير رسمية على اتجاهات الأفراد الآخرين وسلوكهم الظاهر للسير في طريق مرغوب لهذه القيادة وذلك بدرجة تكرارية مناسبة. وهؤلاء يعلبون دورا هاما في انتشار الأفكار الحديثة وذيوعها.

وتحدد مهمة قائد الرأي أو وكيل التغيير أو المرشد في المنطقة أو القرية في دعم التبني الواسع بالاعتماد بشكل رئيسي على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات، ومن أراد تحقيق نتائج إيجابية فعلية الدخول في حوار مع السكان والإصغاء لمشاكلهم وتوظيف كل جهوده لإعداد المواطنين لاستخدام الفكرة المستحدثة.

وقد استخدمت هذه التقنية الاتصالية في الستينات في الهند ونيجريا وغانا وملاوي وكوستريكا والبرازيل ودول أخرى، وهي تستفيد من مزايا الوسائل الجماهيرية في شكل ما يسمى بنوادي المناقشة الجماعية، وهذه تنظم وتتكون من جماعات صغيرة من الأفراد الذين يتلقون بصفة منتظمة لحضور برنامج اتصال جماهيري ومناقشة محتوياته، فتأثير قنوات الاتصال الجماهيري خصوصا بين الفلاحين في الدول الأقل نموا تزيد فاعليته عندما تتزاوج هذه القنوات مع قنوات الاتصال الشخصي، مما يؤكد أهمية كل منهما في عملية اتخاذ القرار الخاص بتبني الأفكار المستحدثة في كل من الدول النامية الأقل نموا.

النقد الموجه لنظرية نشر الأفكار المستحدثة:

ويمكن تحديد أهم أوجه هذه الانتقادات كما يلي:

  • إن الفلسفة التنموية التي يطرحها نموذج وسائل الاتصال والتنمية يعتمد على السير فعلى طريق التقليد للحياة الغربية، فما تحتاجه الدول النامية للخروج من حالة التخلف هي تقنيات جديدة ومنتجات جديدة وهياكل اجتماعية جديدة بمنى نقل هذه العناصر إلي الدول الأقل تقدما. وهذا التصور يعني الاعتماد على تأثير خارجي ويخلق علاقة ارتباطية مع الدول المتقدمة ويقلل من درجة سيطرته على مقدراته السياسية وزيادة السيطرة على مصائرهم، ويخالف المفهوم الحقيقي للتنمية والذي يعني العملية التي يسيطر المجتمع من خلالها على البيئة.
  • لم يفرق النموذج بين الأفكار الضارة وغير الضارة وكذلك مقدار التوافق مع القيم والقرارات الاجتماعية والبناء الاجتماعي.
  • تصور هذا النموذج الاتصال كعملية رأسيه تركز على المستقبل ودوافعه تجاه تبنى أو رفض الأفكار ونتيجة لذلك تجاهل الباحثون رجع الصدى. ولم يحاولوا معرفة ما إذا كان رفض الفكرة راجعا إلي عدم جدواها أو لقصور المعلومات المقدمة إلي الجماهير.

تصورات العلماء العرب لوظائف وسائل الإعلام:

وظائف الإعلام عند الدكتور محمد السيد:

ويحدد هذه الوظائف كما يلي:

  • الوظائف الاجتماعية.
  • وظيفة التنمية.
  • الوظيفة التربوية.
  • الوظيفة الديمقراطية.
  • الوظيفة الترفيهية.
  • وظيفة الخدمات العامة.

وظائف الإعلام عند الدكتور أحمد التكلاوي:

وتنحصر أبعاد هذا الدور الوظيفي في إطار المجتمع في العناصر الآتــية:

  • مقاومة الشائعات والقضاء عليها.
  • القضاء على الرواسب الثقافية التي يعتنق التقدم والنمو.
  • إبراز الشخصية القومية وإنمائها.
  • ضبط اتجاه الرأي العام.
  • تطوير القيم الاجتماعية وإدخال أخرى جديدة.

 وظائف الإعلام من وجهة نظر الدكتور عبد الغفار رشاد:

وهي ليست وظائف ثابتة ولكنها تختلف وفقا للهدف الذي تعمل من أجله أو بمعنى فقد تضطلع بها. وبالتطبيق على الصحافة بمسئولية مادية أمام أصحابها وهي حرة في اختيار الأساليب التي تراها ما دام الأمر في النهاية سيحقق مزيدا من التوزيع وبالتالي مزيدا من الربح لأصحاب هذه الصحف كما هو الحال فلي النظم الرأسمالية، وقد تكون مسئولية ثقافية أمام السلطة التي تريد من محكوميها اعتناق مذهب أيديولوجي معين، والإقناع بكافة السياسات والقرارات التي تصدر عن هذا المذهب أن أصحابه كما هو الحال في النظم الشمولية أو الاشتراكية، وقد تكون مسئوليتها دعائية أمام الدولة التي تعيش نزاعات أو صراعات حربية أو سياسية أو دبلوماسية، كما هو الحال في المعارك الحربية أو الحروب الباردة التي تستخدم فيها كافة أشكال الدعاية والحرب النفسية والشائعات، وقد تكون مسئوليتها تنموية كما هو الحال في الدول النامية.

وظائف وسائل الإعلام لدى الدكتور فاروق أبو زيد:

يستعرض الدكتور فاروق أبو زيد وظائف الإعلام بالتطبيق على الصحافة بناءا على متغيرات ثلاثة هي:

  • إن وظائف الصحافة تنمو وتزداد بتعدد المراحل التاريخية التي تمر بها المجتمع، إذ تضيف كل مرحلة تاريخية جديدة وظائف جديدة للصحافة لتلبي احتياجات التطور الذي يحققه المجتمع من خلال هذه المرحلة التاريخية.
  • إن وظائف الصحافة تختلف من مجتمع إلي آخر وذلك باختلاف النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الذي تصور فيه الصحيفة ، فوظائف الصحافة في مجتمعات ليبرالية تختلف عن وظائفها في المجتمعات الاشتراكية.
  • إن الصحافة تختلف من مجتمع إلي آخر وذلك باختلاف درجة التقدم الحضاري في المجتمع الذي تصدر فيه الصحيفة فوظائف الصحافة في المجتمعات النامية تختلف عن وظائفها في المجتمعات المتقدمة.

وهذا التصور يقوم على أساس أن الاختلاف في الوظائف يتم وفقا لثلاثة متغيرات هي: المتغير التاريخي والمتغير الحضاري والمتغير الموضوعي – النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

تصور الدكتورة جيهان رشتي لوظائف وسائل الإعلام في الدول النامية:

  • غرس الشعوب بالانتماء إلي أمة وطن.
  • تعليم الشعب لمهارات جديدة.
  • غرس الرغبة في التغير وزيادة آمال الجماهير بحيث ترغب في اقتصاد متطور ومجتمع متحضر.
  • تشجيع الناس على المساهمة ونقل صوتها إلي القيادة السياسية.


رؤية متوازنة وتصور مقترح:

يلاحظ بالنسبة للتصورات السابقة لتحديد دور الإعلام في تنمية المجتمعات فيما يلي:

  1. لم تفرق هذه التصورات بين وظائف وسائل الاتصال في المجتمعات النامية والمجتمعات المتقدمة، ولا بين طبيعة وسائل الاتصال في الدول النامية وبالقياس إلي الدول المتقدمة نجد أن الإقبال على هذه الوسائل في الدول النامية يكاد يكون مقصورا على المناطق الحضرية فضلا عن أن مضمون وسائل الاتصال في الدول النامية أقل جذبا وملاءمة لجمهور القرويين ويخضع في الوقت نفسه لسيطرة وضبط المسئولين كما أن الاختلاف بين درجة الإقبال على الوسائل ملحوظة بدرجة كبيرة فالإذاعة والتلفزيون أكثر جذبا لجمهور الدول النامية من وسائل الاتصال المطبوعة وذلك لارتفاع نسبة الأمية في هذه ، وذلك بالخلاف للدول المتقدمة.
  2. إن الوظائف التي تؤديها وسائل الاتصال في المجتمعات المختلفة ليس بدرجة واحدة بخلاف ما ذهبت إليه التصورات السابقة فوظائف الاتصال في مجتمع كالصين تختلف عنها في الهند تختلف عنها في دول النمور الآسيوية وعنها في الدول الأفريقية المختلف كغانا ومالي والكنغو ولهذا فإن تحديد الأولويات بين هذه الوظائف يختلف وفقا للاحتياجات المحلية ولدرجة التقدم المتحققة وهو ما لم تهتم به هذه التصورات.
  3. اختلاف الوظائف وفقا لوسائل الإعلام المستخدمة فالوظائف التي تحققها الصحافة عبر وظائف الإذاعة غيرها بالنسبة للتلفزيون التي تحققها هذه الوسائل تختلف عن وسائل الاتصال الإقليمية والمحلية وتختلف عن وظائف قنوات الاتصال الشخصي والجمعي، وهذه الاختلافات الجوهرية لابد وأن تؤخذ في الاعتبار لتوظيف الوسائل لخدمة التنمية.
  4. إن ممارسة هذه الوظائف في المجتمعات النامية تختلف عنها في المجتمعات المتقدمة فنحن لا نستطيع في المجتمع النامي أن نعلم فقط أو نوجه فقط أو نسلى فقط، فقد يتضمن الإعلام التوجيه والتعليم يحتوي على تسلية وكذلك التسلية قد تخير وتعلم ولذلك فالتفرقة غير واقعية عند الممارسة الفعلية لهذه الوظائف.
  5. تتضمن الوظائف التى حددها علماء الاتصال وظائف فرعية فوظيفة العالم تتضمن كما ذهب شرام وظائف فرعية مثل توسيع الآفاق ورفع مستوى التطلعات، وممارسة هذه الوظائف النوعية ليست بدرجة واحدة وإنما تختلف وفقا لمستوى التحضر مدينة أو قرية فتحقق هاتان الوظيفتان يختلف للمدينة عنه للقرية وكذلك يختلف بالنسبة للفئات النوعية للجمهور، فالأطفال غير الشباب غير الشيوخ. والرجال غير النساء والمزارعين غير العمال غير الطلاب غير المهنيين.
  6. لم يهتم التصورات السابقة بالاختلافات النوعية لتحديد وسائل الاتصال في تنمية المجتمعات فمجال التنمية السياسية غير التنمية الاقتصادية غير التنمية الاجتماعية. والتقسيمات الفرعية داخل كل قطاع يحتاج إلي وظائف غير الأخرى، فوظائف قطاع التنمية الصحية غيرها بالنسبة لتعليم الكبار أو محو الأمية.

وهذه الاختلافات الجوهرية عند تحديد الوظائف التنموية لوسائل الاتصال في المجتمعات النامية تجعلنا نبتعد عن التقسيمات الشاملة في التصور الذي يقترحه.ز وتجعلنا نميل إلي تحديد الوظائف التنموية الاتصالية وفقا لملابسات الظرف الاتصالي حتى يكون أقرب إلي الواقعية العملية وأكثر قدرة على تحقيق فعالية أو دور وسائل الاتصال في تنمية المجتمع. وفي الوقت نفسه تجعلنا نمزج بين الوسائل الجماهيرية الوطنية والمحلية والإلكترونية وقنوات الاتصال الشخصي، والقنوات العامة في إطار تبنى يتسم بالفهم العميق لطبيعة المجتمع وخصائصه وقدرات الوسائل المتاحة إلي النفاذ إليه بصفة عامة وتلبية الاحتياجات الفعلية لقطاعات جماهيرية النوعية بصفة عامة.

ولتلافي أوجه النقد السابقة وللاقتراب من ملابسات الظروف الاتصالي عند العرض لتحديد وظائف وسائل الاتصال في المجتمعات النامية تقدم التصور التالي لوظائف وسائل الاتصال:

 

تصور مقترح لوظائف الاتصال في المجتمع النامي:

الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام هي التنمية باعتبارها محور الارتكاز لمباشرة وسائل الاتصال في المجتمع النامي لكافة ممارستها ، وفي إطار تحقق هذه الوسائل وظائفها في خدمة المجتمع النامي، وهذه الوظائف هي:

(أ) وظائف عامة : هــي:

  • الإعــلام.
  • الإرشاد والتوجيه.
  • التفسير والتوضيح.
  • التثقيف والتنشئة الاجتماعية.
  • التســلية.

(ب) وظائف خاصـــة: وهي:

  • تهيئة المناخ الملائم للتنمية.
  • توفير منتدى للمناقشة ووضع القرار.
  • نشر التعليم والتدريب.
  • نشر الأفكار المستحدثة.
  • ويلاحظ التداخل بين كل من الوظائف العامة والخاصة في إطار الوظيفة التنموية فالإعلام عن بذور جديدة محسنة لزراعة القمح هو نشر للأفكار المستحدثة وتفسير وتوضيح للجوانب الخاصة بالبذور الجديدة ومزاياها وتوضيح وقت الزراعة وتوضيح كيفية الحصول عليها والنتائج المترتبة على استخدامها من حيث اختصار وقت الزراعة ومضاعفة الإنتاج، وهذا نفسه تهيئة للمناخ الملائم للتنمية وتوفير منتدى للمناقشة كما أن التوجيه لأسلوب زراعة هذه البذور ومن خلال معاونة المهندسين الزراعيين هو تدريب واكتساب لمهارة جديدة.

ثانيــا: المتغيرات:

وتتضمن المتغيرات التي تؤثر على ممارسة وسائل الاتصال في المجتمعات النامية ووظيفتها التنموية إطار الوظائف العامة والخاصة تتضمن أبعادا عددية هي:

(1) البعد البيئي:

ويشمل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالبيئة التي تمارس من خلالها وسائل الاتصال لوظائفها والتي وفقا لها تختلف هذه الوظائف من مجتمع لآخر، فوظائف وسائل الاتصال في السعودية من غيرها في مصر غيرها في الهند والصين أو حتى داخل البلد الواحد تختلف الوظائف من فترة زمنية إلي اخرى فوظائف الاتصال في المجتمع المصري في الخمسينات غيرها في الستينات غيرها في التسعينات ويتضمن البعد البيئي المتغيرات الدولية أو العالمية. فهي ذات أثر كبير وبخاصة في التسعينات في ممارسة هذه الوظائف، وكذلك أيضا تتضمن من مقومات السياسة الإعلامية والتنموية باعتبارها محددات لهذه الوظائف.

(2) البعد الحضــري:

وبمقتضاه تختلف الوظائف وفقا لمستوى تقدم البيئة الاتصالية فمجتمع الريف غير مجتمع البادية غير مجتمع المدينة وبالتالي تختلف وظائف الإعلام في الريف عنها في البادية عنها في المجتمعات الحضرية.

(3) البعد التنموي:

ويشتمل على الجوانب المختلف للتنمية والتي تحدد في مجموعها مكونات التنمية الشاملة وفي إطاره تختلف الوظائف العامة والخاصة لوسائل الإعلام في المجتمع النامي ووفقا لطبيعة هذا الجانب ومن أهم هذه الجوانب التنموية ما يلي:

  • التنمية الروحية.
  • التنمية الذاتية.
  • التنمية الاقتصادية.
  • التنمية الاجتماعية.
  • التنمية البيئية.
  • التنمية الثقافية.
  • التنمية التكنولوجية والعلمية.
  • التنمية السياسية.
  • التنمية الإدارية.
  • التنمية التشريعية.

(4) بعد الوسائل:

وفي إطار هذا البعد طبيعة الوظائف الإعلامية فوظائف وسائل الاتصال الجماهيري العامة غير وظائف وسائل الاتصال المحلية غير وظائف القنوات الاتصال، فإذا كان بصدد التخطيط لزيادة دور المادة في المجتمع، فأي هذه المجتمعات – ريفي أم بدوي أم حضر، وهل هدفنا هو المرأة المتعلمة أم الأمية؟ وأي مجلات التنمية ستكون أساس النشاط، وأي الأنشطة الفرعية داخل هذا الحال؟ وأي الوظائف ستمارس.. فهل نهدف إلي تعليم المرأة قيمة جديدة أم سلوكا جديدا.. هل سنكتفي بمجرد الإعلام بالمعلومات:أم سنتجه لزيادة الوعي أم لرفع التطلعات والطرح نحو حياة أفضل.

وهكذا بالنسبة لكل فئة من فئات الجمهور، فالوظيفة ليست لافتة عامة ترفع فوق الأنشطة المختلفة التي تمارس في كل المجتمعات وتحت كل الظروف. وإنما لابد من التحديد الدقيق للوظائف الاتصالية حتى يتسنى التخطيط الجيد لتحقيق الفعالية للاتصال وفقا للتطورات في مفاهيم التنمية ذاتها وتزايد النزعة الاستقلالية التي تتواكب وظروف المجتمع وقيمة وتراثه في الوقت نفسه ووفقا لقطاعات التنمية وللاتجاه الغالب للتنمية الشاملة المتواصلة السائدة الآن في كافة البلدان النامية على السوا الشخصي والجمعي، وداخل كل منها تختلف الوظائف وفقا لطبيعة الوسيلة المستخدمة فالصحافة غير الإذاعة غير التلفزيون..الخ.

(5) بعد الجمهور:

فوظائف وسائل الإعلام بالنسبة للشباب غيرها بالنسبة للأطفال غيرها بالنسبة للمرأة كما أن هذه الوظائف تختلف وفقا للجماهير النوعية المختلفة مثل:

  • العمال.
  • المزراعون.
  • المهنيون.
  • الحرفيون.
  • الموظفون.
  • المسئولون.

ويوضح الرسم التالي العلاقة بين الوظائف الإعلامية لوسائل الاتصال واستخدامها في إطار المتغيرات التنموية والفئات النوعية للجمهور والأبعاد الأخرى السابق ذكرها بما يساعد على الفهم المتعمق لحدود هذه الوظائف وتفاعلاتها.

ولهذا فإن دراسة دور وسائل الاتصال في تنمية هذه المجتمعات وتحديد الوظائف الاتصالية أمر في غاية الأهمية إذ يتوقف عليه درجة الفعالية للوسائل. وفي الوقت نفسه فإنه يلقي بعبء ثقيل على كاهل علماء الاتصال في البلدان النامية لإبراز خصوصيات التنمية وخصوصيات الاستخدام الفعال للوسائل الاتصالية الحديثة والتقليدية لتحقيق التنمية الفعلية لصالح المجتمع وليس للمحافظة على أوضاع راهنة داخلية أو الأوضاع مرتبطة بعلاقات دولية أو استغلالية قائمة.

فالتنمية عملية مشتركة على نطاق واسع في التغييرات الاجتماعية في المجتمع تستهدف تحقيق التقدم الاجتماعي والمادي بما في ذلك من المساواة والحرية من القيم التنموية لأغلبية الناس.

وعلى نماذج الاتصال أن تساعد الجماهير على الاحتكاك المباشر بواقعها وأن تزيد من وعي الجماهير بمشاكلها حتى تستطيع المشاركة في صياغة الأولويات والفعاليات التي يمكن عن طريقها تحقيق التنمية.

ويؤكد الباحث الأفغاني عناية الله على الحاجة  لمفاهيم تنموية بديلة تعكس أساليب حياة جديدة . ولا تتحدد أهدافها بمجرد اللحاق بحضارات تقيس مستوى الحياة بعدد محدد من المؤشرات.

ولهذا فإن البحث عن تصور واقع لوظائف الاتصال في المجتمعات النامية أمر أساسي . ويرتبط في الوقت نفسه بالحاجة إلي دراسات لتحديد الملامح الأساسية لنظرية محددة للإعلام والتنمية في المجتمعات النامية كافة والمجتمعات العربية والإسلامية خاصة نظرية لا تستند إلي فلسفة التنمية الرأسمالية الغربية أو الشرقية وإنما نظرية الاتصال التنموي تتحدد في إطارها الوظائف الاتصالية وتقوم على أساس نظرية عربية إسلامية خالصة للتنمية في مجمعاتنا العربية الإسلامية.

المراجـع العربيـة

  1. محمد الجوهري، عالم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث (القاهرة: دار المعارف ، الطبعة الأولى 1978م).
  2. أسامه عبد الرحمن، البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية (الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1982).
  3. محمود الكردي، التخطيط للتنمية الاجتماعية، دراسة لتجربة التخطيط الإقليمي في أسوان(القاهرة: دار المعارف).
  4. حسن شحاته سعفان، اتجاهات التنمية في المجتمع العرب (الجزائر: مطبعة التقدم، 1972م).
  5. إبراهيم أحمد عمر، فلسفة رؤية إسلامية (الخرطوم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بين المعرفة، الطبعة الأولى، 1989).
  6. كمال الدين التابعي ، الاتجاهات المعاصرة لدراسة القيم والتنمية (القاهرة: دار المعارف 1978).
  7. سليمان وقيع الله ، تنمية أفراد المجتمع في العالم العربي (سرس اللبان: مركز تنمية المجتمع 1962).
  8. أحمد الخشاب وآخرون ، الطريق الصعب طريق التنمية (القاهرة، مكتبة الوعي العربي 1968)م
  9. محمد عاطف غيث، التغيير الاجتماعي والتخطيط (القاهرة، دار المعارف، 1966م).
  10. ولبور شرام أجهزة الإعلام والتنمية الوطنية، ترجمة محمد فتحي (القاهرة، الهيئة العامة للتأليف والنشر 1970م).
  11. حامد عبد السلام الزهدان، علم النفس الاجتماعي (القاهرة، عالم الكتب 1977م).
  12. خليل النقيب وزملاؤه ، الإدارة التنمية للوطن العربي، (معهد الإنماء العربي، 1978م).
  13. عبد الباسط محمد حسن، التنمية الاجتماعية (القاهرة: المطبعة العالمية 1970)م.
  14. شاهيناز محمد طلعت، وسائل الإعلام والتنمية الاجتماعية (القاهرة: مكتبة الأنجلو، الطبعة الأولى، 1980م).
  15. محمد البدوي الصافي، دور برامج التنمية الأقتصادية في التغيير الاجتماعي – دراسة تطبيقية لمشروع الرهد الزراعي بالسودان (الاسكندرية: جامعة الاسكندرية، رسالة ماجستير غير منشور، 1983).
  16. شوقي أحمد دينا، لإسلام التنمية الاقتصادية – دراسة مقارنة (القاهرة، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1976).
  17. جيهان أحمد رشتي، الإعلام في العصر الحديث (القاهرة: درا الفكر العربي، 1971) الفصل الأول من الباب الثاني.
  18. محي الدين صابر، التغيير الحضاري وتنمية المجتمع (بيروت، المكتبة المصرية الطبعة الثانية، 1987).

 

المراجع الأجنبية:

 

  1. Jackson E. F. Economic Development In Africa, Basil Balck. Well Oxford, First print, 1963, p. 61.
  2. Philips Davison, International Political Compunction (N. Y. Frederick A Prager, 1965) Chapter VII.
  3. Schramm. “Communication…” L. Pye (ed) Communication ..p. 48
  4. Rohan Riveit “QuadruplingCirculation in ten years” IPI Reort. March 1963; Developing Information Medina in Africa “Report and Papers on mass communication” No. 37 (Paris, nesson, 1962) p. 11: Esnakema Udo Oraon. The Press in Liberia A case Study Journalism Quarterly, spring. 1961.
  5. Edward Shils; Political Development in the New Station “Comparative Studies in Society and History. April 1960, p 292.
  6. Helen Kitehen (ed) The press in Africa , Washington D. C: Ruth Asspciates 1986, p. 56, Arnold G. Huth. Communication Media in Topical Africa (Report prepared for the International Cooperation Administration. Washington 1961, p 133.
  7. Milton Holistrain “The Press in Burma: hopyes and problems” Journalism Quarterly Summer 1961. p. 352. developing Mass Media in Asia (Report and papers on mass Communication, no. 35 Unesceo. 1960, p. 61.
  8. Nartin Alisky. Havana Havaco: Too Advertising Board works IP Report December 1962.
  9. Developing Information Media in Africa p. 25.
  10. Glenco Illinois. The Free Press, 1958, p. 235, Jmaes N. nosel Communication patterns socialization in Traditional Thailand “in Lucian W. Pye (ed) Communication pp. 196 – 197.
  11. Mass Media in the Developing Countries (Reports and Paper on Mass Communication No. 33) Paris Unesco 1961, p. 16.
  12. Jacques Champagne “South Vietnam, Laos, Cambodia, P, Report Nov. 1963.
  13. Kenneht E. Olson and Abdul G. Eirabie “Radio Pakistan; voice of a nation” Journalism Quarterly Winter 1954, Huth Communication media in Tropical Africa. P. 28 Ibrahim Abu Lughod. The Mass Media and Egyptian Village life, Social Force October 1963, p. 101.
  14. Paul F. Lazarsteld. “The Comparative Study of Communication Systems” Buresue of Applied Social Research Columbia university June. 1951.
  15. Richarld R. Fagen. Politics and Communication (N. Y. Random House, 1959) Pp. 47-78) Abu Lughold. “Mass Media And Egyptian Village Life” Pp. 100- 101.
  16. Charles Right, Mass Media Communication (N.Y. Random House 1959, Pp
  17. The Passing pp. 319-35 and 151-190.
  18. Communication in Africa , p. 289.
  19. Herber Hyman.”Mass Media and Political Socialization” In Pye (ed) Communication .. pp. 131-136.
  20. Doob Communication.. pp. 199- 200.
  21. Pye (ed) Communication … pp. 26-27.
  22. Developing Mass Media in Asia p. 37.
  23. Pye (ed) Communication …pp. 23-29.
  24. Edward Shils “Demagogues in Cares in the Political Development of the New State in Pye (ed) Communication pp. 69- 70.
  25. Albert G. Oickerell. The press n Thailand: Conditions and Trends” Journalism Quarterly” Winter 1960. pp. 96.
  26. Herbert Passin “Writer and Journalist in the Transitional Socity” in Pye (ed) Communication ..p 105.
  27. Pye(ed) Communication ..pp 78-80.
  28. Charles Hages “Press Report From Kenya” Ntemen Report April 1962. Tom Mboya. This in what the Press must do” IPI report , June 1962.
  29. R. Joliffe “Developing Journalism in an Emerging Nation Afghanistan Journalism Quarterly Summer 1862. pp. 357 –258. IPI Report. June 1963.
  30. Yay (ed) Communication .. p 229.
  31. The passing … pp. 331 – 332 Doob. Communication in Africa Ithied De Sola Pool, communication and Values in Relation to War and Peace (N. Y. Institute of International Order. 1961) p. 19.
  32. Scharmm “Communciation Devleopment” In Pye (ed) pp. 53- 54.

 

 

.

أضف تعليق